﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ "المائدة: ٣٥"
﴿ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ "الإسراء: ٥٧"
﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ويستجيب الله له الدعاء. تفسير ابن سعدي


وفي جامع البيان القول في تأويل قوله عز ذكره : ﴿ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ يعني جل ثناؤه بذلك: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه. تفسير الطبري


وفي أضواء البيان قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اتقوا الله وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة ﴾ الآية .
اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى ، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .
وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ، لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جداً كقوله تعالى : ﴿ وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا [ الحشر : 7 ] ، وكقوله : ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني [ آل عمران : 31 ] ، وقوله : ﴿ قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول [ النور : 54 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .


وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة ، ولما سأله نافع الأزرق هل تعرف العرب ذلك؟ أنشد له بيت عنترة :


إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضَّبي

قال : يعني لهم إليك حاجة ، وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس ، فالمعنى : ﴿ وابتغوا إليه الوسيلة ﴾ ، واطلبوا حاجتكم من الله ، لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها ، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فابتغوا عِندَ الله الرزق واعبدوه[ العنكبوت : 17 ] الآية ، وقوله : ﴿ واسألوا الله مِن فَضْلِه [ النساء : 32 ] الآية ، وفي الحديث « إذا سألت فسأل الله » .

قال مقيده عفا الله عنه : التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة ، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفسير ابن عباس داخل في هذا ، لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته .

وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه ، أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى ، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار ، كما صرح به تعالى في قوله عنهم : ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى [ الزمر : 3 ]وقوله : ﴿ وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [ يونس : 18 ] ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ،﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ [ النساء : 123 ] ، الآية .

أضواء البيان - محمد الأمين الشنقيطي