لماذا شبه الله تعالى خلق عيسى بخلق آدم ، مع أن الأقرب تشبيهه بخلق زوج آدم (حواء)؟

قال تعالى في سورة آل عمران: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59) " ألم يكن من الأبلغ أن يشبه القرآن الكريم خلق عيسى بخلق حواء ؟
فوجه الشبه بينهما أقرب، حيث ولد كل منهما بغياب أحد الوالدين، وكذا بالنسبة لإسحق ويحيى ، فالزوجة العاقر العقيم في حكم غير الموجودة هنا.
الجواب:
خلقه كخلق آدم ـ ـ: لأنه وُلِد اعتماداً على كلمة (كن) فقط، دون الأسباب المادية الدنيوية المعهودة.[1]
وتشبيه خلق سيدنا عيسى بخلق سيدنا آدم ، لا يقتضي أن يكون كل منهما يشبه الآخر في كل شيء، وإلا لكانا شخصاً واحداً. ووجه الشبه هنا واضح: " الخلق بدون وجود أب ".
مثلاً: إن قال لك شخص إنك كالأسد في الشجاعة، لا يجوز أن تغضب وتقول: أنا لست حيواناً، أنا بلا ذيل، أنا لا آكل الميتة... الخ

هذا من حيث الإجمال

أما من حيث التفصيل:
فمن الثابت علمياً أن الحيوان المنوي للرجل يحمل زوجين فيهما نوعان مختلفان الصفات المورثة، وتدعى الكروموسومات وهما: (X ،Y) والمرأة الزوج واحد متشابه: (X ، X).. فإن التقى (Y) من الرجل مع (X) من المرأة كان المولود ذكراً. وإن التقى (X) من الرجل مع (X) من المرأة تكون المولودة أنثى. [2]



وعلى هذا، فالخلق بكلمة (كن) وحدها ـ دون تدخل عامل آخر ـ لن يتحقق إلا في خلق آدم وعيسى .
فكلٌّ منهما ذكر، والذكر يحتاج (Y) من الأب (فقط) حتى يكون ذكراً، لأن الحصول عليه من الأم مستحيل.. والأب في كل من حالتي آدم وعيسى غير موجود.
ولو كان المولود لمريم أنثى لما تحقق الإعجاز الأعظم؛ لأن العلم أثبت أن الحصول على الكروموسوم (X) كافٍ لتكوين جنين ـ حتى لو كان مشوهاً ـ ويرمز له بالرمز (XO). ولا يوجد دليل علمي على أن الكروموسوم (Y) كاف لتكوين جنين حتى لو كان مشوهاً، [3] فلا يوجد ما يسمى (YO)

تلخيص ما سبق:
خلق الله تعالى كل من الكروموسوم (Y) و(X) في كل من آدم وعيسى ـ ـ بكلمة " كن " فقط.
أما حواء: فقد حصلت على (X) من آدم .
وكذا بالنسبة لإسحق ويحيى ، فقد حصلا على (Y) من والد كل منهما ـ ـ.
خلقُ كل منهم الخمسة (آدم ، حواء، إسحق ، يحيى ، عيسى ) معجز في حد ذاته. ولكن، لا يُقارَن الإعجاز في خلق آدم وعيسى ـ ـ، بلا أب. بكل من: الإعجاز في خلق حواء (الأنثى) بلا أم، والإعجاز في خلق إسحق ويحيى ـ ـ من أب كبير السن وأم عقيم أصبحت ولوداً بقدرة الله تعالى.
بهذا يتبين أن كلمة " كن " في خلق كل من آدم وعيسى ـ ـ استقلت عن أي مؤثر آخر تدخل في خلقهما، فكان الأنسب أن يكون وجه الشبه بينهما هو الأقرب.

وسبحان منزل القرآن !


----------------------------------

1) بيَّن الغزالي في الرد الجميل، ص 310 أن السبب العادي في تكوين كل مولود هو ما نعرفه من الجماع، الذي يتم في شروط معينة يحصل من خلاله العلوق. وكل شيء له سببٌ قريب وسبب بعيد، والأكثر إضافته إلى سببه القريب. فيقال عند رؤية الرياض الخضر المندَّاة التي تتقاطر المياه منها: انظر إلى صُنع المطر، ولكن الصانع الحقيقي هو الله . ولو رأى الرياض الخضراء دون أن يتذكر المطر ـ أو يراه ـ لقال: انظر إلى صنع الله ، فيصرِّح بالسبب الحقيقي؛ لغياب السبب العادي القريب.
2) Biology،by Claude A. Villee، CBS college publishing، NY. 1985، p 220.
3) يُقصَد بهذا الرمز ( XO ): وجود الكروموسوم ( X )، مع عدم وجود أي كروموسوم آخر ـ لا ( Y ) ولا ( X ) ـ وهذا يسمى علمياً: ( Turner syndrome ). وتجدر الإشارة إلى أن الكروموسوم ( Y ) لا يحمل إلا الصفات الجنسية (المحددة لجنس الجنين: الذكورة)، بينما الكروموسوم ( X ) يحمل بعض الصفات الجسمية كالصلع وعمى الألوان.. انظر كتاب:
Biology،by Claude A. Villee، CBS college publishing، NY. 1985، p.267-270.