مقدمة :-
===========
استوقفني الحديث الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمس: شَهَادة أنْ لا إلـه إلا الله وأَنْ محمدًا رَسُول الله، وإقام الصلاةِ وإيتاءُ الزَكـَاةِ، وصَوْمُ رَمَضَــان، وحَجُ البيْتِ.. ولفت نظري أن يكون الحج أحد هذه الأسس الخمس التي يبنى عليها الإسلام!! وهو عبادة لا يكلف بها المسلم أو المسلمة إلا مرة واحدة في العمر، وهي لمن استطاع.. أي أن هناك ملايين من المسلمين على مر العصور لا يتمكنون من أداء هذه الفريضة لعدم الاستطاعة.. حتى من يستطيع أن يؤدي هذه الفريضة، فأغلبهم يؤديها مرة واحدة؛ أي أن هذه الفريضة لا تأخذ من وقت المسلم ومن حياته -إذا أداها- إلا وقتًا قليلاً جدًّا لا يتجاوز الأسبوعين في أحسن الأحوال..

فلماذا يختار الله عز وجل هذه العبادة العارضة ليجعلها أساسًا من أسس هذا الدين؟؟!!


رأيت أن الحج لا بد أن يكون له تأثيره على حياة الإنسان بكاملها في الأرض، وأن هناك فوائد تتحقق من أداء هذه الفريضة في حياة الإنسان الذي أداها كلها.

وكذلك فقد شرع الله لمن لم يشهد الحج بعض الأمور التي تجعلنا نحيا في نفس جو الحجاج، ونتنسم معهم نسمات الحج، ليس ذلك عن طريق سماعهم أو متابعتهم إعلاميًّا، وإنما بالفعل أيضًا.. ولتتأمل معي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر -أي عشر ذي الحجة-، قالوا يا رسول: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء.
هذه الأيام العشر من ذي الحجة هي الفرصة لكل المؤمنين في الأرض.. مما يعني أننا يجب أن نستغل هذه الأيام العشر خير استغلال حتى نكون كمن حج تمـامًا.


وهذه بعض الأعمال التي يمكن تحصيل الأجر بها إن شاء الله رب العالمين:




1 - الصيام:
=================
يجب أن يحرص كل مسلم على صيام التسع أيام الأول من ذي الحجة، وبخاصة يوم (عرفة)؛ لأن صيامه يكفر ذنوب سنتين كاملتين: سنة ماضية وسنة مستقبلة، كما روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه؛ ويجب أن نعلم أن الله يغفر ذنوب الحجاج جميعًا، ويعتق رقاب الكثيرين من خلقه في ذلك اليوم المبارك (يوم عرفة).. روى مسلم عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق فيـه عبدًا من النار من يوم عرفة)، فالحاج سيكفر الله له ذنوبه في عرفة، وغير الحجاج الصائمين في يوم "عرفة" سيغفر الله تعالى لهم ذنوبهم وهم في بلادهم على بعد أميال من مكة!! أي نعمة وأي فضل أعظم من ذلك؟؟


2 - صلاة الجمـاعة:
==============
فالحفاظ على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، والصلاة على أول وقتها بالنسبة للنساء يجب أن يكون حال المسلم طوال العام، ولكن للشيطان أوقات يتغلب فيها على ابن آدم فيحرمه من الأجر والثواب العظيم، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن جعل للمؤمنين مواسم يشتاق فيها المرء للعبادة، مثل "شهر رمضان"، "والعشر الأوائل من ذي الحجة".. وهي فرص ثمينة ليست لتحصيل الثواب فحسب، وإنما للتدرب والتعود على هذه الفضائل طوال العام وطول العمر. وصلاة الفجر من أهم الصلوات التي يجب على المسلم أن يحافظ عليها في كل أيامه، وفي هذه الأيام المباركة على الخصوص، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن صلاة الجماعة بصفة عامة: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة، كلما غدا أو راح).. مـاذا نريد أكثر من ذلك؟.. إنها فرصة ذهبية، ألسنا نحسد الحجاج على وعد الله لهم بالجنة، في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)، وهانحن تتوفر لنا فرصة رائعة ونحن في بلادنا.. فلا يتعلل المرء بأنه لا يستطيع الحج في حين أنه في كل مرة يذهب فيها للمسجد أو يرجع منه يَعَدّ الله سبحانه له بيتًا في الجنة.


3 - الإكثار من صلاة النوافل:
====================
للحجاج بالطبع فرصة عظيمة في تحصيل الأجر من الصلاة في المسجد الحرام، والمسجد النبوي؛ لكن الله سبحانه وتعالى لم يحرم من لم يحج من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة.. وأنت في بلدك وفي بيتك.. ذلك إذا استشعرت أنك كالحاج تمامًا في هذه الأيام العشر، فالحاج في مكة لا يضيع وقته؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة.. وكذلك أنت يجب ألا تضيع وقتك في هذه الأيام، وستجد أبوابًا للحسنات لا يمكنك حصرها:

أ - قيام الليل:
==================
وهو من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وقيام الليل في هذه الأيام له وضع خاص وأجر خاص.. وكثير من المفسرين يقولون في تفسير القسم في قول الله عز وجل: [والفجر . وليــالٍ عشر] أن المقصود بها الليالي العشر الأول من ذي الحجة.. قم صل قدر ما استطعت، واسأل الله من فضله ما أردت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له) ماذا يريد العبد أكثر من ذلك؟؟!

الله سبحانه وتعالى يتودد إلى عباده ويطلب منهم أن يسألوه حاجاتهم.. كل حاجاتهم، ويَعِدُهم بالإجابة سبحانه!!.. ألسنا نحسد الحجاج على أن الله يكفر عنهم كل سيئاتهم؟ هاهي الفرصة أمامنا، فقط قم الليل واستغفر الله، وسيغفر لك الغفور الرحيم.. ولم تتكلف في ذلك عناء السفر، أو إنفاق الآلاف!!

ليس معنى ذلك أن يتوقف الناس عن الحج.. أبدًا؛ فالحج من أعظم العبادات في الإسلام، ولكنني أقول هذا لعموم المسلمين الذين لم يُيسر الله لهم الحج أن أعطاهم المولى عز وجل بدائل في نفس موسم الحج، ولها أجر يقترب من أجر الحج نفسه، بل قد تكون أعلى إذا خلصت النية وكان هناك شوق حقيقي للمغفرة والعمل الصالح، وانظر معي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرجعه من غزوة تبوك: (إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا شركوكم الأجر، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر)، فكان جزاء صدق نواياهم أن كتب الله لهم الأجر كاملاً.


ب - السنن الرواتب:
================
في صحيح مسلمٍ عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة)؛ 12 ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.. أي فضل وأي خير هذا؟! انظر كم باستطاعتك أن (تحجز) من البيوت، وتدبر معي: إذا وعدك أحد الملوك بأنه سيعطيك بيتًا واسعًا وجميلاً في مكان جميل بشرط أن تفرِّغ له نصف ساعة يوميًّا من وقتك، فهل ستلبي طلبه أم تتقاعس عنه؟! فما بالك ورب العزة سبحانه وتعالى يعدك ببيت في الجنة التي وصفها فقال: [عرضها السماوات والأرض] !!! لذلك فإنني أقول إن المسألة مسألة إيمان ويقين في وعد الله تبارك وتعالى، فلا يفرط إنسان عاقل في هذه الفرص.

وغير ذلك من السنن والنوافل: صلاة الضحى، سنة الوضوء، صلاة الاستخارة، وغيرها...

لتجعل من هذه العشر هجرة كاملة لله عز وجل.

يتبع...