بقلم أ. رجب عبد الله
- يكثر الكلام بين الحين والحين حول قضية النقاب.. هل هو فرض أم مستحب؟.. هل هو عادة أم عبادة؟.. بل ذهب بعض الناس إلى القول: بأن النقاب بدعة رجعية جاهلية من القرون الأولى.
- كل ذلك ليس غريبا بل الغريب أن يقوم وزير الأوقاف وهو وزير أعرق وزارة مسئولة عن الدعوة والإرشاد والتثقيف في مصر بالحملة على النقاب.. ويؤيده شيخ الأزهر ومفتي مصر في ذلك.
- حيث أصدرت وزارة الأوقاف كتابا (النقاب عادة وليس عبادة) لوزير الأوقاف محمد محمود زقزوق، وهذه الحملة تهدف إلى خلع النقاب عن وجوه المنتقبات معاونا للوزارات والجامعات في الحملة الموجه على النقاب منذ أمد بعيد.
- وكأن النقاب ليس من الإسلام في شيء.. وكأنه بدعة جاهلية رجعية يجب على الإسلام محاربته.
- وعلى عجالة نذكر بعض الأدلة على أن النقاب عبادة وليس عادة والخلاف في حكمه يدور بين الفريضة والاستحباب:

تاريخ النقاب
- بادئ ذي بدأ نقول: أن الستر والعفاف من الإسلام، وأن العري والتبرج والفجور من الشيطان ومظاهر الجاهلية.. قال تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما....) الأعراف
- فالله يريد الستر والعفاف للمرأة.. والشيطان يريد العري والتبرج.
- والإسلام يريد ستر العورات وحفظ السوءات.. والشيطان يريد إظهار العورات وكشف السوءات، فالله يستر والشيطان يفضح.

الحجاب عند أهل الكتاب
- الحجاب معروف من عهد إبراهيم (عليه السلام) وبعده عند الأنبياء جميعاً ومذكور في التوراة والإنجيل.. فقد ذكر في العهدين القديم والجديد في الإصحاح الرابع والعشرين من( سفر التكوين).. وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من نفس السفر.. وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان (عليه السلام).. وفي الإصحاح الثالث من (سفر أشعيا).
- يقول بولس في رسالته كورنثوس:"إن النقاب شرف للمرأة".
- وكانت الكنيسة في القرون الوسطى تخصص جانبا للنساء حتى لا يختلطن بالرجال..(راجع أدلة الحجاب للدكتور محمد إسماعيل).
- سبحان الله أهل الكتاب يدعون إلى النقاب.. وأهل الإسلام يدعون إلى كشف الوجه.

الحجاب والنقاب قبل الإسلام
- كان النقاب معروف في الجاهلية قبل الإسلام ولعل ذلك من بقايا الحنفية مثل الختان والعقيقة.
- يذكر النابغة الشاعر أن امرأة النعمان مرت به في مجلس فسقط نصيفها (البرقع) الذي كان يستر وجهها.. فسترت وجهها بذراعيها وانحنت على الأرض ترفع النصيف باليد الأخرى.. فطلب منه النعمان أن يصف ذلك فقال:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته وتقينا باليد
- كما كان بعض النساء لا يسفرن عن وجوههن إلا لخطب عظيم مثل الحرب حتى تلتبس بالإماء فلا يعرف أنها حرة.
- وقد نشبت حرب بين قريش وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس راودوها عن كشف وجهها.. فنادت يا آل عامر فلبتها سيوف بني عامر.. كما كان السفور موجود في الجاهلية كذلك..(أدلة الحجاب).
- أليس ستر الوجه أولى بالمسلمين من أهل الجاهلية؟.

النقاب في الإسلام
- السفور في الجاهلية لم يكن عند الحرائر مثل اليوم بل كانت المرأة تظهر وجهها وصدرها وذوائب شعرها.. وهذا الذي سماه الإسلام تبرج الجاهلية الأولى.
- ثم جاء الإسلام وأمر بالستر والعفاف فانتقبت نساء المسلمين منذ عهد النبي (صلى الله عليه وسلم ) إلى أن جاء قاسم آمين - وهو ليس بآمين- وهدى شعراوي وصفية زغلول ومن كان معهم.. وقاموا بحملة على النقاب وتم حرق النقاب في ميدان الإسماعيلية.. ومن ذلك الوقت كشفت المرأة عن وجهها ثم باقي جسدها حتى سارت النساء في الشوارع كاسيات عاريات لا ينكر عليهن أحد.. ولأصبح السفور مألوفا وتغير الوضع ونعكس الأمر.. وأصبح النقاب غريبا وبدعة في المجتمع المسلم.. يقوم مسئول الدعوة للإسلام بالهجوم على النقاب.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الأدلة على وجوب النقاب
- اختلف العلماء في عورة المرأة بين من يقول: جسد المرأة عورة إلا الوجه والكفين (وهم الأحناف والمالكية) ومن سار معهم وعندهم يجوز كشف الوجه إن أمنت الفتنة.
- وبين من يقول: جسد المرأة كله عورة يجب ستر(وهم الشافعية والحنابلة) ومن سار معهم وعندهم واجب ستر وجه المرأة ولكل دليله.
- قال الصابوني في تفسير آيات الأحكام: أما عورة المرأة بالنسبة للرجال فجميع بدنها عورة على الصحيح وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
- ونص أحمد على ذلك فقال: وكل شئ من المرأة عورة حتى الظفر.
- وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن بدن المرأة كله عورة ما عدا الوجه الكفين ولكل أدلته.

أدلة جواز كشف الوجه
- استدل المالكية والأحناف ومن كان معهم على جواز كشف الوجه وأنه ليس بعورة بقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر) منها أي الوجه والكفان.
- قال سعيد بن جبير:"في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) الوجه والكف".
- قال عطاء: في معنى (إلا ما ظهر منها) "الكفان والوجه"
- كما استدلوا بحديث أسماء بنت أبي بكر حين دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).. وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجه وكفيه" رواه أبو داود وهو حديث ضعيف منقطع لأن خالد لم يدرك عائشة.
- كما قالوا: إن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والحج ولو كان عورة لما أبيح كشفه.. لأن ستر العورة واجب ولا يصح صلاة الإنسان وهو مكشوف العورة.
- ومن المعلوم أن المرأة لها حالتان في العورة:
- عورة في الصلاة والحج كل جسدها إلا الوجه والكفين.. اتفاقا بين العلماء ما دامت بعيدة عن الأجانب.
- وعورة خارج الصلاة والحج وهذا الذي وقع فيه الخلاف.
- كما استدلوا بحديث الخثعمية في البخاري ومسلم عن ابن عباس "أن النبي أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه.. وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخرة..."
- قال ابن حزم:"لو كان الوجه عورة يجب سترة لما أقر النبي هذه المرأة على كشفه بحضرته".
- قال ابن بطال:"وفيه دليل على أن ستر الوجه ليس فرضا ".

الأدلة على وجوب ستر الوجه
أولاً: من القرآن الكريم:-
1- قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين...) الأحزاب.
- قال ابن عباس في الآية: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر".
- قال ابن سيرين:"سألت عبيدة عن قوله تعالى: (يا أيها النبي...) قال: فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه وأبرز عن إحدى عينه".
- قال الطبري في الآية: "لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن.. ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول".
- قال مجاهد:" (يدنين عليهن من جلابيبهن) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة".
- ومن المعلوم أن الفاسق لا يتعرض إلا لمن تكشف عن وجهها.. لأنها معرفة أم التي تستر وجهها لا تعرف فلا يتعرض لها أحد.
- قال الإمام أبكر الجصاص الحنفي عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية (يدنين عليهن من جلابيبهن) خرج نساء من الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من ألبسة سود يلبسنها" قال أبو بكر:"في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن".
- وبه قال الإمام محيي السنة أبو الحسن البغوي.
- قال ابن العربي المالكي في تفسيره: المسألة الثالثة: قوله تعالى: (يدنين عليهن) قيل معناه تغطي به رأسها فوق خمارها.. وقيل:تغطي به وجهها حتى لا يظهر منها إلا عينها اليسرى.
- قال القرطبي المالكي:"أمر الله رسوله أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج".
- وقال في معنى الجلابيب: أنه الرداء.. وقيل: القناع.. والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن".
- قال الإمام البيضاوي الشافعي: " في تفسير قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة".
- قال الإمام النسفي الحنفي في تفسير قوله تعالى (يدنين....) "يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن".
- وبذلك قال الإمام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والسعدي.
- قال أبو حيان في تفسيره:" قال السدي: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الأخر إلا العين".
- قال الشوكاني في تفسيره:" قال الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم أنهن حرائر لا يعرض لهن بأذى".
- قال الشنقيطي: "ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وستر جميع بدنها حتى وجهها قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين....) فقد قال غير واحد من أهل العلم إن معنى (يدنين...) لأنهن يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهرن منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها وممن قال به ابن مسعود وابن عباس وعبيدة وغيرهم".
- قال الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الآية:"الجلابيب جمع جلباب وهو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب.. والستر به أمر الله سبحانه جميع النساء بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة فلا يفتن غيرهن فيؤذيهن".
2- قوله تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن).. النور.
- قال الدكتور محمد إسماعيل:" وهذا يتضمن أمر النساء بتغطية وجوههن ورقابهن".
- قال ابن تيمية: "الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لباسها إلا العينين".
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:"فإن الخمار ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه بها وجهها كالغدقة فإن كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على وجيبها كانت مأمور بستر وجهها.. إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس.. فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة.. فإن الناس الذين يتطلبون جمال الصور لا يسألون إلا عن الوجه".
ثانيا: الأدلة من السنة على وجوب ستر الوجه:-
1- عن ابن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "المرأة عورة ".
- قال التو يجري:"وهذا الحديث دال على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب وسواء في وجهها وغيره من أعضائها".
2- عن ابن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" رواه البخاري.
- قال القاضي أبو بكر بن العربي:"والمسألة الرابعة عشرة: قوله في حديث ابن عمر "ولا تنتقب المحرمة" وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج "
- وبه قال ابن تيمية وابن القيم.
3- عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".. قالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟.. قال: "يرخين شبرا".. فقالت:إذا تنكشف أقدامهن.. قال: "فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه".. رواه أبو داود والترمذي وأحمد والنسائي.
- قال الترويجري: "وفي هذا الحديث دليل على أن المرأة كلها عور في حق الرجال الأجانب".
4- عن عقبة بن عامر الجهيني أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إياكم والدخول على النساء".. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو قال: "الحمو الموت".
- قال البوطي:"فلولا أن المرأة بمجموعها عورة بالنسبة للرجال الأجانب من الرجال لما أطلق النبي النهي عن دخولهن عليهن إذ النهي يشمل مختلف ما عليه المرأة من حالات".
5- عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة (رض الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه" رواه أبو داود والترمذي.. وقال: حديث حسن صحيح.
- قال الشيخ محمد بن صالح الفوزان: "والصحيح الذي تدل عليه الأدلة أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها.. بل هو أشد المواضع الفتانة في جسدها لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه.. فالوجه أعظم عورة في المرأة مع ورد الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه".
6- قال ابن حجر في شرح حديث عائشة: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فختمرن بها أي غطين وجوههن".
- ونكتفي بهذا من الأدلة على وجوب ستر الوجه والتي تدل على وجوب النقاب ولولا الإطالة لسردنا الكثير والكثير من الأدلة وفيما ذكر الكفاية لمن يريد الحق.

وبعد
1- الأدلة السابقة تدل على أن النقاب إما واجب أو مستحب وكلاهما من أقسام الحكم لتكليفي الذي يدل على أن فعل الشئ عبادة وليس عادة.. فهي تدل على أن النقاب عبادة من العبادات وليس من العادات.
2- مسألة النقاب فيها خلاف لكن الأدلة التي تدل على وجوب ستر الوجه أقوي من الأدلة التي تقول بجواز كشف الوجه.. وعلى أي من الأمرين فإن النقاب يكون أما واجب تأجر المرأة عليه إن فعلته.. وإما يكون مستحب تأجر عليه أيضا.. ففي كلا الحالين لها الأجر إن أخذت بالوجوب أو الاستحباب.
3- النقاب ليس عادة وإلا كيف نصنع بالأدلة السابقة وأقوال العلماء فيها.. وهل علماء الأمة يعرفون أن النقاب عادة ثم يقولون بوجوبه؟!!.. أم أن وزير الأوقاف أعلم من علماء السلف الصالح وغيرهم حتى خرج بهذا القول من عند نفسه؟!!.
4- لم نسمع عن أحد من علماء السلف أنه قال أن النقاب عادة حتى خرج الوزير الموقر بهذا القول.
5- كانت نساء المسلمين يلبسن النقاب من عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى القرن (20).. وظهور حركة التحرر من النقاب يدل على أن النقاب له أهمية في حياة الأمة.
6- إن الذين قالوا بجواز كشف الوجه شرطوا أمن الفتنة.. فهل الفتنة مأمونة في هذا العصر؟!!.. والتحرش بالنساء ليل نهار على مرأى ومسمع من الجميع في كل مكان ليس منا ببعيد!!.. واسأل المحاكم تخبرك عن ذلك.
7- أولى بوزير الأوقاف أن يقوم بهذه الحملة على المتبرجات والسافرات الآتي يفتن الشباب ويثر الغرائز ويوقع الرجال في الشر بأن يسترن أجسادهن.. على أضعف الإيمان.. ليكون المجتمع عفيف نظيف بعيدا عن الموبقات.

الخلاصة
- أن حكم النقاب يدور بين الفريضة والاستحباب.. وستر الوجه واجب عند من قال أنه عورة.. وجائز كشفه عند من قال أن الوجه ليس بعورة.

والله أعلم