[ السبيل إلى معرفة أهل الحق ]
الكاتب : الشيخ أبو عبد الرحمن الصومالي.
من سنة الله أن يقع الاختلاف بين أتباع الرسول الواحد بعد مماته، بما في طبيعة الإنسان من "الجهل" و" البغي" ما يحول بينه وبين الإنصاف والإذعان للحقّ.
قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} . (سورة البقرة أية 253(
وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
(سورة البقرة أية 213)
والاختلافات الكثيرة والأهواء المتعارضة والأحزاب المتعادية لا تزول من حياة البشر نهائياً وإن كانت في بعض الأوقات والأزمان أكثر وأشدّ. لأن ذلك الإنسان الموصوف بالظلم والجهل ستكون حياته ممتدة إلى قيام الساعة دون أن تتغيّر طبيعته تلك.
ولا شك أنه قد يتحرّر ويتوب من الظلم والجهل وذلك لمن وفقه الله للإيمان الحق والاستقامة على الصراط المستقيم, ولكن ذلك ليس مقدراً لجميع الخلق قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} ( سورة التغابن أية 2)
ومن تأييد الله ولطفه ورحمته لعباده المؤمنين أنه يهديهم ويوفقهم للحق الذي أختلف فيه، وهذه من أجلﱠ النعم وأفضل الكرامات التي لا تفارق أهل الإيمان الحق ماداموا بحبل الله مستمسكين.
يقول تبارك وتعالى: بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
(سورة البقرة أية 213)
إنّ سبيل الله مستقيم وليس ثمّ سبيل غيره يؤدي إلى الله وجنته، وإن سبل الشيطان كثيرة متنوّعة على جانبي سبيل الله المستقيم وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إلى سلوكه.
وإنه لا ينجو من هذه الدعوات المضلة إلا من استنار بنور الإيمان واتعظ بمواعظ القرآن، والمعصوم من عصم الله.
وإنه كثيرا ما ترى من يحتار في أمر الدعوات المختلفة ويقول : أختلف العلماء فكيف السبيل إلى معرفة أهل الحق ؟؟ إنّ هذا التساؤلَ ينم عن قلة العلم وضُعف البصيرة, وقد أجاب عنه أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الذي ابتلي بكثرة الاختلافات الواقعة في أيامه, لما قيل له أتظنّ ان فلاناً وفلاناً علي باطل. فقال : " إن الأمر ملتبس عليك , إن الحق لا يعرف بالرجال, وإنما يعرف الرجال بالحق, أعرف الحق تعرف أهله "
"وإنها لحكمة بليغة تفيدك في إدراك طريقة الإسلام التي يزن بها الأشخاص والأحداث "
فالذي يريد أن يكون من المسلمين ويتبرأ من المشركين لا يصل إلى مراده إذا صدق دعاوى الناس لأن غالبية المشركين يزعمون أنهم مؤمنون بالله ولكنه يصل إلى مراده عندما يتعلم معنى الإسلام وحقيقته ومعنى الشرك وحقيقته , أي انه عندما يعرف الحق يعرف أهله وعندما يعرف الباطل يعرف أهله.
وكذلك لا يستطيع أن يميّز المؤمن من المنافق مالم يدرك معنى الإيمان وحقيقته ومعنى النفاق وحقيقته لأن الناس إنما يعرفون بالحق وليس الحق يعرف بالناس.
فإذا عرف الإنسان حدود الله وفهم المراد من الاصطلاحات الواردة في كتابه الكريم مثل الإسلام والإيمان والإحسان والعبادة والدّين والتقوى والصلاح ..
والولاء و البراءة , ومثل الجاهلية والشرك والكفر والبدعة والفسق والفجور والظلم وغير ذالك يكون هذا العارف للمراد من هذه الاصطلاحات قادراً على معرفة الرجال ومراتبهم في الدّين, وخليقا لأن يكون عالما ربانياً لا تميل به الأهواء ولا يستخفّه الذين لا يوقنون.
قال الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه : "الناس ثلاثة عالم ربانيُ ومتعلم علي سبيل النجاة, وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق"
ومراده من "الهمج الرعاع" هو الغوغاء الجهال الذين لا يتقون الله ولا يتعلمون العلوم النافعة, بل يلهثون وراء المطامع ليس لهم همّ غير المكاسب المادية, يتبعون كل ناعق لعلهم يجدون عنده من الدنيا ما يروي غليلهم ويشفى صدورهم . فإياك أن تكون من هذا الصنف الذليل الحقير المنافق الذين هم عند الله من الأذلين الخاسرين.
وليكن قلبك دائماً موصولاً بالله وتوجه إليه بالدعاء خوفا وطمعاً
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المفضلات