قال تعالى في سورة الفتح :
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا {48/20} وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا {48/21}
ما هي تلك المغانم المعجلة التي وعد الله بها المسلمين ؟
وما هي المؤجلة التي لم يقدروا عليها في ذلك الوقت واحاط الله بها ؟

اقوال المفسرين :
اغلبهم على ان المقصود منها غنائم خيبر :
عَنْ مُجَاهِد { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } قَالَ : عَجَّلَ لَكُمْ خَيْبَر .
عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } وَهِيَ خَيْبَر .
وقال البعض هو الصلح (الحديبية)

قال الطبري :
وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ الَّذِي أَثَابَهُمْ اللَّه مِنْ مَسِيرهمْ ذَلِكَ مَعَ الْفَتْح الْقَرِيب الْمَغَانِم الْكَثِيرَة مِنْ مَغَانِم خَيْبَر , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَغْنَمُوا بَعْد الْحُدَيْبِيَة غَنِيمَة , وَلَمْ يَفْتَحُوا فَتْحًا أَقْرَب مِنْ بَيْعَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ إِلَيْهَا مِنْ فَتْح خَيْبَر وَغَنَائِمهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَعَدَكُمْ اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة } فَهِيَ سَائِر الْمَغَانِم الَّتِي غَنَّمَهُمُوهَا اللَّه بَعْد خَيْبَر , كَغَنَائِم هَوَازِن , وَغَطَفَان , وَفَارِس , وَالرُّوم . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ كَذَلِكَ دُون غَنَائِم خَيْبَر ; لِأَنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ عَجَّلَ لَهُمْ هَذِهِ الَّتِي أَثَابَهُمْ مِنْ مَسِيرهمْ الَّذِي سَارُوهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة , وَلِمَا عَلِمَ مِنْ صِحَّة نِيَّتهمْ فِي قِتَال أَهْلهَا , إِذْ بَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا عَنْهُ , وَلَا شَكّ أَنَّ الَّتِي عُجِّلَتْ لَهُمْ غَيْر الَّتِي لَمْ تُعَجَّل لَهُمْ .

وماذا عن الآجلة ؟
وَقَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَوَعَدَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم رَبّكُمْ فَتْح بَلْدَة أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى فَتْحهَا , قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا لَكُمْ حَتَّى يَفْتَحهَا لَكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْبَلْدَة الْأُخْرَى , وَالْقَرْيَة الْأُخْرَى الَّتِي وَعَدَهُمْ فَتْحهَا , الَّتِي أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُحِيط بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَرْض فَارِس وَالرُّوم , وَمَا يَفْتَحهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْبِلَاد إِلَى قِيَام السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24413 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك الْحَنَفِيّ , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } فَارِس وَالرُّوم . 24414 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى مِثْله . 24415 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّه بِهَا } قَالَ : حُدِّثَ عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هِيَ فَارِس وَالرُّوم . 24416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن . قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } مَا فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ابْن أَبِي لَيْلَى , فِي قَوْله : { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } قَالَ : فَارِس وَالرُّوم

تعليق :
رجع المسلمون عن مكة عام الحديبية بدون ان يعتمروا ، واتفقوا مع قريش على ما يأتي :
* عقد هدنة لمدة عشر سنوات
* أن يعود المسلمون ذلك العام على أن يدخلوا مكة معتمرين في العام المقبل.
* عدم الاعتداء على أي قبيلة أو على بعض مهما كانت الأسباب.
* وأن من أراد أن يدخل ( من القبائل) في عهد قريش (حلف قريش) دخل فيه, ومن أراد أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه و دخل فيه. فدخلت قبيلة خزاعة في عهد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.
* أن يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه, وألا ترد قريش من يعود إليها من المسلمين.
وقد اصاب الغم البعض ومنهم عمر بن الخطاب لهذا الاتفاق وتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم و مع ابي بكر الذي نصحه قائلا :
هو رسول الله فالزم غرسه .

ما هو الموقف العسكري آنذاك ؟
كان الخطر على دعوة الاسلام في الجزيرة العربية لم يزل قائما ، فالمسلمون رجعوا من مكة بدون أداء العمرة ، بل بدون دخولها اصلا
ولم تكن كثير من القبائل قد اسلمت بعد ، فهذه قريش صدت المسلمين عن المسجد الحرام ، واليهود تحصنوا بخيبر و تجمعوا فيها بعد مغادرة المدينة ، و قبيلة غطفان كانت مظاهرة لليهود ، وهوازن بالطائف خطرها قائم و عددها كبير. هذا والمسلمون لم يكن لهم عدد يمثل تهديدا مخيفا
لأعدائهم بعد . ( جيش المسلمين في خيبر حوالي 1600 مقاتل) . ناهيك عن الخطر الخارجي المتمثل في الفرس و الروم الذين من رحمة الله انشغلوا بالحرب القائمة بينهم في هذه الفترة (628م) . فكيف يكون هناك وعود بمغانم كثيرة في هذا الجو ؟
خاصة ان نفس السورة تنبئهم ايضا بأنه سوف يكون هناك قتال مع اقوام من اصحاب القوة :

قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {48/16}
والآية تبين ايضا ان هناك من الاعراب المفترض فيهم انهم اسلموا يحتالون للتخلف عن القتال وقت الحاجة ، وهي نقطة ليست في صالح المسلمين بأي حال . إذاً ، بالحسابات الانسانية الدنيوية ليس هناك مجال للوعد بالغنائم . ولكن لآن الذي يعد هو الله وليس اي مدع للنبوة ، فقد
تحققت الوعود ‘ اولا المعجلة والتي هي مغانم خيبر والمؤجلة التي هي فارس و الروم . ويدخل في نفس السياق ان اليهود بعد فتح خيبر اقترحوا على النبي صلى الله عليه و سلم ان يتركهم ليزرعوا ارضهم على ان يكون للمسلمين نصف الانتاج ، فأقرهم على ذلك .

وجه الاعجاز في الآيات :
من يملك اعطاء وعود بغنائم كثيرة وطبعا انتصارات عسكرية كبيرة بهذا الحجم وفي هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر إلا الله ؟
فقد كان امام المسلمين المعركة الاخيرة مع قريش ، و تحدي اليهود في خيبر و تحدي هوازن في الطائف وهذا فقط في الداخل . فمن يضمن للمسلمين الانتصارات والغنائم إلا الله ؟

و الحمد لله رب العالمين