ما معنى قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ؟!

من الشبهات التي وصلتني أن أحدَ المعترضين قال لي يومًا: هناك آيةٌ في القرآنِ تقول :" لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)"(القصص).

ثم قال وأنت يا أستاذ أكرم تثبت الصفة التي تنسب إلى الله على الحقيقة كما ذكرتَ سابقًا ؛ فأنت تثبت صفات ،مثل:الساق واليد والعين والسمع ....

فقلت له: صحيح.

قال لي: إن كل هذه الصفات سوف تهلك جميعًا قبل يوم القيامة ، إلا صفة الوجه فقط ؛لأن الآية تقول:" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" وإلا أداة استثناء وحصر...فما هو ردك؟

الرد على الشبهة

أولًا: إن أهل السنة لا يشبهون، ولا يجسمون، ولا يعطلون، ولا يكيفون، ولا يؤولون إلا إذا دعا السياق....

فالمعترضُ قد رسمَ في رأسِه صورةً عن الله بأن له جسم يتكون من يد وساق وعين ويضحك ويفرح .....

وفي الحقيقة هذا تصوير خاطئ يشبه الكفار... فمن من علماء السنة قال عن الله إن له جسم حتى تهلك أعضاؤه فيما عدا وجهه فقط؟!

الجواب : لم يقل بذلك أحدٌ من أهلِ السنة ،فليس الله جسم مكون من هذه الصفات تهلك وتبقى صفة واحدة فقط (الوجه).

وبالتالي فهذا ليس معتقدي الذي يدور في رأس المعترض ظنًا منه أنه بذلك يستطيع هدم الإسلام، بل هو يخرف مع أحلام ....

ثانيًا: إنني لا أشبُه ، ولا أجسمُ، ولا أعطلُ، ولا أُكيفُ، ولا أؤولُ إلا إذا دعا السياقُ القرآني لذلك... ومن هنا جاء الدور لفهم معنى الآية الكريمة التي تقول : "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ".

في الآية أثبات صفة الوجه لله ؛ فإن الصفة إذا نُسبت إلى الله نُسبت إليه على الحقيقة التي تليق بكماله وعظمته ، وبما أن القرآنَ الكريمَ عربيٌ مبينٌ فقد كان العربُ يُكنوا الوجهَ عن الذاتِ ...

ويصبح المعنى : "كل شيء هالك إلا ذاته مع إثبات صفة الوجه ".
والآيةٌ تشبُه قوله :"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)" (الرحمن). ويصبح المعنى : أن كل حي سيفنى، ويبقى في وجه الله ،أي : ذاته .

كما أن كل الآيات الشبيهة بالصفة لا تحمل إلا هذا المعنى مع إثبات صفة الوجه لله منها ما يلي:

1-قوله : "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله" (البقرة 115).
2-قوله : "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" (الأنعام 52).
3-قوله : "وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى" (الليل: 19-21).

وعلى هذا فلا صفات تهلك وتبقى صفة واحدة لله ثابتة -الوجه- كما يتخيل المعترض ؛بل المعنى أن كل شيء هالك إلا ذاتُه ؛فالذاتُ باقيةٌ لا تفنى ، وصفة الوجه ثابتة لله على الحقيقة ...

كذلك أقول : لا مفر من التأويل الحسن على حسب ما يقتضي السياق وفقا للغةِ العرب وما ينزه الله عن كل نقص ، وعدم التأويل أسلم وأحكم.

مثال آخر : يقول الله :" وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) "(هود). أفهمُ من الآية أن صفةَ العين ثابتة لله بما تليق بعظمته وجلاله ...

ولكن معنى الآية عمومًا هو : أن نوحًا يصنعُ السفينةَ تحت رعاية اللهِ وحفظِه ...
فلا بد هنا من تأويل لفهم مُراد الله ، وإن لم نؤول سيكون المفهوم هو: أن نوحًا يصنع السفينة بعين الله التي تليق بجلاله .. وهذا مرفوض ومرود؛ لا يقبل به من له عقل وهو أبعد عن الحق للخلق- والله أعلم-.

ثالثًا: إن الله في الإسلام ليس كمثله شيء ؛ فكل ما خطر ببالك فالله أكبر من ذلك ؛ قال تعالى : لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) (القصص).ولكن العجيب أننا نجد أن الكتاب المقدس الذي يؤمن به المعترض وصف ربهم بأنه إنسان تصارع من النبي يعقوب ، وقد غلب يعقوبُ الربَّ في المصارعة ،وأجبره أن يباركه، واسماه إسرائيل ... جاء ذلك في سفرِ التكوين الإصحاح 32 عدد 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ،لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي».

بل الأعجب أن المعترضين يؤمنون بأن يسوع إله له وجه، وعين، ،وساق، ويضحك ، يبول ، ويتبرز ... ثم يعترضون علينا بجهل كبير ولم يهتموا بالأخير...

كتبه: أكرم حسن مرسي

الساعة اثنين ونصف بعد منتصف الليل
يوم 18/6/2014م.