بسم الله الرحمن الرحيم
-----------------------
من هم الكافرون؟الجزء السابع
-----------------------------
الكافرون على غرار كفر ابليس-(2)
---------------------------------
وكما عرف ابليس أن الله هو خالقه وخالق كل شىء،كذلك عرف أن جنسه غير جنس الملائكة،فالملائكة من النور ولا يعصون الله ما أمرهم،أما هو وباقى الجن فمن النار،وقد مررهم الله بتجربة أن يتركهم للتعرض للدنيا والهوى وأنفسهم ففسدوا وسفكوا الدماء،فعرف أنه وجنسه ليسوا كالملائكة،فالجن عصوا الله،والملائكة لا يعصون الله.
فلما تأكد ابليس فى نفسه من تلك الحقائق،وتأكد له أنه اذا عبد الله فرد من الجنس الذى يكون له القدرة على الخيار بين الطاعة والمعصية واضعا نفسه منهم،بنفس القدر الذى يعبده الجنس الذى لا يعرف الا الطاعة وهم الملائكة،يكون عند الله أعظم منهم،فراح يتفانى فى عبادة الله ويتقن العبادة حتى يثبت لنفسه ولأقرانه أنه خيرهم،وأنه خير من الملائكة أنفسهم.
ولكن ابليس الرجيم كان يشعر بالنقص بينه هو وقومه وبين الملائكة،فبالرغم من انخراطه وجنسه فى عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد،والذى ليس كمثله شىء،الا أن شعوره بالنقص كان يزداد يوما بعد يوم،فان فوارق التفضيل كانت جلية له ولجنسه،فمنهم من أخذ ذلك باستسلام لمشيئة الله المطلقة،وأنه ليس لهم من الأمر شىء خاصة بأنهم كانوا على يقين أنهم لم يكونوا شيئا مذكور من قبل خلقتهم،وأن خالقهم هو الله الذى عرفوه لأول وهلة،وأن مجرد خلقهم من غير جنس سابق عليهم أكد لهم أن خالقهم قادر وقدير غير محدود القدرة،وكلما نظروا فيما بينهم وفيما حولهم تأكدوا أن خالقهم هو الله القوى الجبار الذى لا حدود لقوته ولا لجبروته،وأنهم لا بد أن يكونوا شاكرين لفضله عليهم،وأن عبادته وحده هى الدليل على هذا الشكر والامتنان،وكما خلقهم ربهم،هداهم لسبيل عبادته بالطريقة التى ترضيه سبحانه،راضين عن أنفسهم كلما عبدوا الله وكلما أخلصوا فى عبادته،خاصة بعدما مروا بتجربة المعصية على الأرض وشعورهم بمرارة المعاصى التى كادت أن تفقدهم وجودهم الذى هم عليه وحبهم لحياتهم التى شعرت بها أنفسهم،لولا فضل الله عليهم،خاصة وأنهم كانوا يعلمون أن الملائكة أيضا لا يموتون،بينما هم سيموتون،وسيحاسبون على ما يفعلون عند عزيز قدير،وذلك من العلم واليقين الذى أوجده الله فيهم مع خلقتهم.
وكان بعضهم الأخرين يضمرون فى أنفسهم أمورا لم يكونوا قادرين على كشفها ومجادلة أقرانهم فيها خوفا من غضب الله الذى يعلمون عنه تمام العلم أنه قادر أن يفنيهم مرة أخرى الى العدم أو قد يعذبهم عذابا شديدا هم ليسوا بقادرين على تحمل ذلك العذاب الذى قد يقع عليهم من ربهم ان هم خالفوه فى أوامره وفى عبادته بالطريقة التى بينها لهم.
وكان ابليس أكثرهم تشوقا أن يعلنه الله خالق كل شىء بأنه أفضل عباده أجمعين من بين الملائكة والجن،وكان يحاول دائما أن يخفى فى نفسه مقته لجنس الملائكة،الذين كانوا متميزين عن الجن فى طلاقة الالتزام بعبادة الله ولا يفترون،ولكنه كان يواسى نفسه بأن خالقه سبحانه قد تنطلى عليه ما يخفى ابليس فى نفسه،وأن الله سبحانه على وشك أن يعلن للجميع أنه قد اختار ابليس ليكون رئيسا للملائكة،وهو الاسم الذى كان يطلق مجازا على مجموع الملائكة والجن.
ولكن أفضل ما كان يصف موقف ابليس هذا استشهادا بأيات الله العزيز هو قول رب العالمين:بسم الله الرحمن الرحيم(ويمكرون(يدبرون باحكام)،ويمكر الله(يدبر باحكام)،والله خير الماكرين(المدبرين باحكام))،صدق الله العظيم،30-سورة الأنفال.
سولت له نفسه أن الله خالقه لن يطلع على ما يضمره بينه وبين نفسه،وتناسى أن الله خالقه أعلم به من نفسه،من قبل أن يخلقه.
ولكن الله الذى هو أرحم الراحمين بخلقه أجمعين كان ينتظر من عبده أن يثوب لرشده،ويتوب الى ربه،مستسلما لقضائه،راضيا بقدره سبحانه،شاكرا لأنعمه،راجيا رضاه ورحمته،طامعا فى جناته أن يديمها الله عيه.
كذلك كان علم الله بابليس بأنه لن يتوب من قريب،وأنه يتمادى فى كبره يوما من بعد يوم،وأنه لا راد لتماديه الا أن يفضح الله سره أمام نفسه وأمام جنسه وباقى الملائكة.
فأراد الله القدير أن يخلق له جنسا جديدا سيخرجه من نطاق الاسرار بكبره الى البوح به علانية لخالقه وللملائكة والجن.
فأعلن الله سبحانه للملائكة أنه جاعل فى الأرض خليفة.
يتبع ان شاء الله،وأصلى وأسلم على سيدى وحبيبى محمد،أللهم صلى وسلم عليه.