ان بلاغة القران الكريم في اختيار اللفظ الذي يناسب المعنى تماما ، ليس فيه تجاوز ولا مترادفات ، يقول الله عز وجل على لسان لقمان
( واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الأمور )
ثم نجد اية ثانية

(ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور )

زادت هنا اللام ، اي انسان يقول ان زيادة اللام هنا للتاكيد كلمة مترادفة لا يتوقف عندها كثيرا ، ولكن المسلم حين يدقق في معاني القران الكريم يجد ان كل حرف في القران الكريم .قد تم وضعه بحكمة بالغة ، وانه لا شيء اسمه مترادفات وانما لكل لفظ معنى يؤديه ، ولا يؤديه لفظ آخر ، رغم التشابه
فاذا دققنا في المعنى نجد ما يلي/ في الآية الاولى يقول الله عز وجل ( واصبر على ما اصابك )والامر الذي يصيب الانسان نوعان نوع الانسان فيه غريم ونوع لا يوجد فيه غريم ، عندما امرض ليس لي غريم

واذا اصابني مكروه بقضاء وقدر كان اكون سائرا في الطريق فيسقط مني شيء فوقي ليس هناك غريم ، انما عندما اسير في الشارع ويعتدي على انسان بالضرب اذن هناك غريم

فهناك نوعان من الصبر ، صبر النفس فيما ليس لي فيه غريم وهذا هين لانه ليس هناك انسان انفعل عليه ، و لا املك ان ارد على شيء قد حدث لي ، ماحدث هو قضاء الله وانا ليس امامي الا الصبر هذا نوع من الصبر لا يحتاج الى طاقة كبيرة ليمارسه الانسان لانه ليس هناك غريم استطيع ان ارد له ما اصابني

والنوع الثاني من الصبر محتاج الى جلد اكبر ومحتاج الى قوة ارادة وهذا النوع هو الذي يوجد لي فيه غريم استطيع ان انتقم منه واستطيع ان اصفح واغفر اذن عندما يتحدث الله عز وجل عن الصبر بنوعيه يعطي لكل نوع ما يستحقه من وصف للنفس البشرية فهو عندما يتحدث عن الصبر على شيئ ليس لي فيه غريم يقول:

(واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور)

وعندما يتحدث عن الصبر الذي لي فيه غريم بحيث استطيع ان انتقم واكون منفعلا اذا لم انتقم يقول عز وجل
(ان ذلك لمن عزم الامور )

هنا اللام للتاكيد في نوه الصبر ومايحتاجه من جلد وضبط للنفس .. ففي الحالى الاولى لا تستطيع ان تعاقب بمثل ما عوقبت به يكون الصبر من عزم الامور ولكن في الحالة الثانية فانك تستطيع ان تنتقم من غريمك ولذلك قال تعالى:
(لمن صبر وغفر)

وهنا يظهر من كلمة غفر ان هناك غريما يمكن الانتقام منه وان هذا الغريم قد غفر الانسان له ومن هنا لابد ان تاتي اللام للتاكيد وتؤكد المعنى وتؤكد الفرق بين عزم الامور في الحالة الاولى وعزم الامور في الحالة الثانية وهكذا نرى ان حرفا واحد من القران الكريم يصنع معجزة بلاغية



مقتبس من كتاب معجزة القران الكريم للشيخ الشعراوي