بقلم: الشيخ نجاح عبدالقادر سرور
نشرت جريدة الأخبار بتاريخ 23/12/2.13 مقالا للأستاذة مديحة عزب تنفى فيه شفاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأن القرآن لم يشر إلى ذلك في أية آية، وتستنكر خروج المسلمين العصاة من النار بشفاعته (صلى الله عليه وسلم)، وتسخر من حديث "من قال لا إله إلا الله موقنا دخل الجنة" وتقول ساخرة (ما كنش حد غلب)!
وتفنيدا لهذه الأفكار وتصحيحا لهذه المفاهيم المغلوطة نقول وبالله التوفيق:


1 - تقولين إنه لا نجاة من النار والله يقول: }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) (مريم 71-72) فهل هناك نجاة أم لا؟


2- اعترفتِ في مقالك بوجود شفاعة للملائكة ؛ والسؤال المنطقى: لمن ستشفع الملائكة إلا للموحدين العصاة؟


3- قوله تعالى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) الزمر 19 نتساءل بهدوء: من هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب؟ لقد حسم القرآن الكريم الأمر في نفس السورة فقال الله تعالى:


(وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) الزمر 71، فثبت يقينا أن آية: (أفأنت تنقذ من في النار) لا يقصد بها المسلمين العصاة، بل تقصد الكافرين وحدهم.


4- يقول تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة 72، ويفهم من هذه الآية بداهة أنه إذا كانت الجنة محرمة على المشرك فهى بالتالى ليست محرمة على غير المشرك.


و نحن نوجه هذا السؤال: ما مصير إنسان كان على غير ملة الإسلام ثم أسلم في أخريات حياته ومات بعد إسلامه مباشرة ؛ هل هو في الجنة أم في النار؟ والإجابة تأتى ساطعة من القرآن ؛ يقول الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال: 38، فهذا دليل قرآنى على أنه يمكن أن يدخل الجنة إنسان وهو لم يفعل أى عمل صالح.


5 - أما القول بأن آيات القرآن تحدثت عن شفاعة الملائكة ولم ترد أية آية تشير إلى شفاعة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) فأقول للكاتبة المحترمة: الحمد لله أنك اعترفت بأن هناك شفاعة يوم القيامة ؛ وأنت تثبتينها للملائكة ولكنك تعارضين إثباتها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)! وأقول لها باحترام وهدوء: أما يكفيك قول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) الإسراء: 79؟ إن جميع مفسرى القرآن الكريم فسروا المقام المحمود بالشفاعة: ففى التفسير الميسر: ( عسى أن يبعثك الله شافعًا للناس يوم القيامة؛ ليرحمهم الله مما يكونون فيه، وتقوم مقامًا يحمدك فيه الأولون والآخرون ).


وفى تفسير الجلالين: (مَقَاماً مَّحْمُودًا) يحمدك فيه الأوّلون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء.


وعند ابن كثير في تفسيره: روى الإمام أحمد عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) قال: "هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه".


وانظرى: جامع البيان للطبرى 14/168 وأضواء البيان للشنقيطى 9/2.7، وروح المعانى للألوسى 11/53. وهذا غيض من فيض.


6 - أسأل الكاتبة: ألست تقولين بعد الأذان: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " فما هذا المقام المحمود إن لم يكن مقام الشفاعة؟ والحديث الصحيح يبين أن من قال ذلك حين يسمع النداء حلت له الشفاعة يوم القيامة.

7 - دليل آخر على شفاعته (صلى الله عليه وسلم) من القرآن وهو قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى). أى يعطيه عطاء جزيلا ومنه: مقام الشفاعة. وإليك البيان من بعض كتب التفسير:


- في تفسير الجلالين: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلاً (فترضى) فقال (صلى الله عليه وسلم) « إذن لا أرضى وواحد من أمتي في النار »


- وفي تفسير ابن كثير: وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة.


- وعند القرطبى: عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه (صلى الله عليه وسلم): ( يُشَفِّعُنِي اللَّه فِي أُمَّتِي حَتَّى يَقُول اللَّه سُبْحَانه لِي: رَضِيت يَا مُحَمَّد ؟ فَأَقُول يَا رَبّ رَضِيت).


8- اعلمى أن السنة مفسرة ومبينة للقرآن (وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل 44 وهذا البيان للقرآن ما تم إلا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الثابتة في كتب الصحيح التى تطعنين في صحتها ؛ ونخشى أن يأتى وقت يظهر فيه من ينكر كيفية الصلاة وعدد ركعات كل صلاة ومقدار الزكاة وكيفية الحج وأحكام التشريع وتفاصيل الميراث... فما عرفنا ذلك إلا من السنة ؛ ومن استمر على هذا الإنكار يخشى عليه من أن ينكر السنة جميعا ؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " مسند أحمد.


9 – أما استشهادك بحديث "خلود فلا موت" فهو بتر من السياق؛ والحديث يدل على أن ذلك لن يتم إلا بعد أن تتم الشفاعات جميعا. روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودًا فَلَا مَوْتَ فِيهِ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودًا فَلَا مَوْتَ فِيهِ"، قَالَ جَابِر وَعُبَيْد بْنِ عُمَيْرٍ: إنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الشَّفَاعَاتِ وَمَنْ يُخْرَجُ مِنْ النَّارِ. مسند أحمد .


1.- القول سخرية ( ما كنش حد غلب ) استهزاء منك بفظاعة عذاب النار !.. فلتعلمى أيتها الكاتبة المحترمة أن هؤلاء العصاة لن تدركهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين إلا بعد أن يأخذوا قسطهم من العذاب الذى لا يعلم طول مدته إلا الله عز وجل؛ وهذا عين ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث المتفق عليه "....يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنْ النَّارِ ؛ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ" (البخارى). إن الحديث يوضح بجلاء أنهم ستدركهم الشفاعة وينقذون بعد عذاب فظيع في نار جهنم!.. ولو علم العاصون فظاعة العذاب الذى سيدركهم قبل أن تنقذهم الشفاعة لبادروا إلى توبة صادقة.


عن النُّعْمَانَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ" (البخارى).


الذى يدخل النار- أعاذنا الله منها - لا يموت فيها ولا يحيى ؛ يشرب فيها الصديد والماء الحميم ويأكل فيها الزقوم ؛ يبدل جلده في كل ساعة مائة مرة ؛ إنها نار يتمنى داخلها أن يخفف عنه ولو يوما من العذاب: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) غافر 49:


فهل مثل هذا العذاب يقال عنه (ما كنش حد غلب).


إن محمدا (صلى الله عليه وسلم) هو أول شافع وأول مشفع بإذن ربه؛ فأرجو أن تكون هذه الأدلة قد أقنعت الكاتبة المحترمة ؛ وأسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل؛ والله أعلى وأعلم.


المصدر: بوابة القاهرة الكبرى
http://www.cairoportal.com/suspicions-and-untruths/23296