تقول الشبهة، إن ما أصاب الرسول في غزوة أُحُدٍ من جروح يعد دليلاً على أنه ليس نبيًّا، وإلا لكلَّف الله ملائكته بوقايته من الأذى الذي أصابه...

ونقول في الرد على الشبهة:


1 - إن محمدًا عليه الصلاة والسلام لم يدَّع يومًا أنه محصَّن من الأوجاع والآلام والجروح، ليكون ما أصابه يوم أحد مناقضًا لما قاله ، بل طالما كان يكرر هذه العبارة : «إنما أنا بشر» بكل ما تحمله هذه العبارة من الافتقار والضعف أمام الله عز وجل.


2 - إن النبي كغيره من الأنبياء من أشد الناس بلاء كما قال صلى الله عليه وسلم : «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ». فتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للإصابة يوم أحد يعد من البلاء الذي يصاب به الأنبياء عليهم السلام.

3 - كما أن الأنبياء معرضون - كبقية الناس للابتلاء ، فإنهم كذلك يموتون وقد يقتلون، وذلك لا يمكن أن يقدح أبدًا في نبوتهم ، فنبي الله يحيى قد قتل وقُطِعت رأسه وقُدِّمَتْ على صحنٍ إرضاء لراقصة عاهرة في مشهد مأساوي مرعب، فلماذا لم يسأل مثيرو هذه الشبهة أنفسَهم عن السبب الذي منع الملائكة من التدخل لحماية يحيى من هذا المصير البشع؟ ولماذا- ما دامت الملائكة لم تتدخل من أجله- لم ينفوا نبوته كما نفوا نبوة محمد لمجرد إصابته بجروح في أُحُد؟
على أنْ ليس يحيى هو وحده من بين الأنبياء الذي قُتِل، بل قُتِل أيضا زكريا بن برخيَّا بين الهيكل والمذبح. وغيره من الأنبياء.

4 - يؤمن النصارى بأن عيسى عليه السلام قتل وصلب كما ورد في الكتاب المقدس، وإن كنا نحن المسلمين لا نؤمن بذلك ونكفِّر من يقول به. فلماذا لم يتساءل عن السبب في أن الله لم يكلف ملائكته منع جريمة قتله عليه السلام ؟ ولماذا- وقد وقعت الجريمة ولم يحم الله عيسى- لم ينف عنه فطاسُنا السخيفُ النبوةَ (والألوهية أيضًا) مثلما أنكر على الرسول العظيم أن يكون نبيًّا لمجرد إصابته ببعض الجروح في معركة حربية لا تُعَدُّ الجروح التي أصابته أثناءها شيئًا ذا بال على الإطلاق؟

5 - لو وازنا بين الإصابات التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبين ما ادعاه النصارى من قتل المسيح عليه السلام، وصلبه وشتمه والسخرية منه... وغير ذلك من الافتراءات لرجَحَ ما تعرض له المسيح عليه السلام حسبما يذكرون.

6 - قول الله تعالى : «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» . لا يتعارض مع ما أصابه يوم أحد ؛ لأن ذلك من سنة الأنبياء عليهم السلام. ومع ذلك لم يستطع أحد أن يَخْلُص إليه رغم كثرة الحروب التي خاضها، ورغم كثرة المتآمرين عليه من منافقين ويهود ومشركين كراهيةً منهم للنور الباهر الذي أتى به، ورغم أنه لم يكن يتحصن وراء الأسوار ولم يتخذ الجلاوزة (الذين يمسكون السياط) ليصدوا عنه الناس. فالله يحفظ نبيه حتى يبلغ رسالته.

7 - لم ينفرد القرآن بذكر قتل الأنبياء وتعرضهم للأذى بل ذكر الكتاب المقدس ذلك، فجاء على لسان عيسى عليه السلام مخاطبا بني إسرائيل : ""9 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْـمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، 30 وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. 31 فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32 فَامْلئوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33 أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34 لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، 35 لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. 36 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ! 37 «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْـمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 38 هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. 39 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!»" (متى/ 24) ! وهو ما قاله أيضا القرآن الكريم حين تحدث- في أكثر من موضع منه- عن قتل اليهود للنبيين بغير حق.



المصدر: بوابة القاهرة الإخبارية
http://www.cairoportal.com/suspicions-and-untruths/31800