السؤال

السلام عليكم.

أختي متزوجة بسويسرا، وأبي كل همه أن أتزوج هناك، والآن يريدون تزويجي بنصراني، وأنا لا أريد الزواج به لأن ذلك حرام، وأنا أريد الزواج بمسلم، وعائلتي ترفض بشدة، ويقول لي أبي: إذا لم أسمع كلامه فإنني سأكون فتاة عاصية، وإذا وقع لوالدي أي شيء فسأكون أنا المذنبة، وأكرر أني لا أريد هذا الزواج، ويريد شاب مسلم التقدم لخطبتي وهما لا يريدان، فماذا أفعل؟!

أفيدوني وجزاكم الله خيراً.




الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإننا نحمد الله تعالى الذي شرح صدرك لنور هذا الدين فجعلك على بصيرة من أمره، بحيث إنك ثابتة العزيمة على طاعة الله تعالى وعلى تجنب هذا المنكر العظيم الذي يريد والدك أن يوقعك فيه، فإن الزواج من رجل كافر سواء كان نصرانيّاً أو يهوديّاً أو وثنيّاً أو على أي ملة غير ملة الإسلام هو حرام بإجماع أمة الإسلام، بل إن هذا الزواج في الحقيقة ليس بزواج.

فإن المرأة المسلمة إذا ارتبطت برجل غير مسلم بعقد يقصد منه الزواج لم ينعقد هذا الزواج، بل هو باطل وفاسد ويعتبر في هذه الحالة زناً وفاحشة صريحة، حتى ولو كان موثقاً في الدوائر الرسمية على أنه زواج؛ لأن زواج المسلمة بغير المسلم باطل أصلاً لا يلحقه تصحيح ولا إجازة، فهو أعظم من فاحشة الزنا وأشد جرماً؛ لأن الزنا ذنب قد عرف لدى مرتكبه أنه من جملة الفواحش والمحرمات، وأما هذا النوع من الارتباط فقد أسبغ عليه صفة الزواج فهو أشنع جرماً وأفحش فاحشة بإجماع المسلمين.

وإذا تم هذا العقد كانت الذرية التي تنتج من هذا الارتباط ذرية ناتجة من سفاح وزناً وليسوا بأولاد شرعيين، فقد حرم الله جل وعلا على المؤمنة التي تؤمن بالله واليوم الآخر وتصدق بدين الرسول صلى الله عليه وسلم أن تتزوج بأي رجل كافر، ولم يبح لها جل وعلا إلا الزواج من المسلم؛ قال تعالى: ((وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))[البقرة:221]، وقال تعالى: ((لا هنَّ)) –أي: المؤمنات– ((حِلٌّ لَهُمْ)) –أي: الكافرين– ((وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ))[الممتحنة:10].

وأما عن موقف والدك فهو موقف مصادم لأصل الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله هذا من أعظم الجرائم وأشنع الموبقات، فكيف يجترئ والدك على أن يزوجك من رجل كافر ويرفض تزوجك بالرجل المسلم، فهذا الأمر من أعجب الأمور، وهو دال على انتكاس فطرته وفساد دينه، فوالدك ساقط الولاية عليك بإجماع الأئمة الفقهاء عليهم رضوان الله تعالى، فلا ولاية له عليك، ويحرم عليك قطعاً طاعته في مثل هذا الأمر ويجب عليك مخالفته، بل الواجب عليك الآن أن تتزوجي بهذا الخاطب المسلم سواء رضي والدك أو لم يرض، فلا التفات إلى رضاه أو سخطه لأنه ساقط الولاية منعدم النظر عليك، فيشرع لك أن تتزوجي هذا الخاطب المسلم بحيث تولِّي أي مسلم عندكم ليكون وكيلاً عنك ويتولى الموافقة نيابة عنك؛ لأن المرأة المسلمة لا تزوج نفسها، هذا مع حضور شاهدين مسلمين على العقد، وبعد ذلك كله توثيق الزواج في الدوائر الرسمية عندكم، وبهذا تحلين لزوجك، فلا حل لك إلا هذا، فأقدمي عليه ولا تترددي فيه، وأما طاعة والدك فقد عرفت أنه يجب عليك عصيانه في هذا الأمر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري.

فاعرفي الحق واعملي به، ولا تلتفتي لرضا الأهل أو غضبهم طالما أنهم يسعون في تزويجك من رجل كافر ويتركون الرجل المسلم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فاثبتي على دينك واستمسكي بقول الله تعالى: ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))[الزخرف:43].

وبالله التوفيق.