هل أخطأ القرآنُ في ترتيب نعم اللهِ على الإنسان؟!

كثر الغلط واللغط من المعترضين حول قول الله تعالى في سورة الرحمن لما ذكر تعالى نعمه على الإنسان قائلًا: " الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) " (الرحمن).
قالوا : هذا خطأ في الترتيب ، وكان من الأولى أن يقدم نعمة الخلق أولًا ثم نعمة تعلم القرآن.... !
الرد على الشبهة

أولًا: لم أجد هناك خطًا إلا في عقول المعترضين فقط ؛ فنعمة تعلم القرآن أعظم من نعمة خلق الإنسان ؛ فهذا الترتيب إنما هو لصالح هذا الإنسان الذي كرمه، وحمّله الأمانةَ التي خافت منها السموات الأرض والجبال (الدين) وحمّلها سبحانه لهذا الإنسان وكرمه بها من خلال تعليمه لكتابه القرآن الكريم...
فنعمةُ خلقِ الإنسان نعمة عظيمة ، ولكن ليست أفضل من نعمة تعليمه للقرآن ثم البيان....

إننا وجدنا ناسًا خُلقوا أولًا – من وجهة نظرهم- ثم كفروا ، وكان مصيرُهم جهنم خالدين فيها، والجحيم .....
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس الصالح لهذا الإنسان أن يؤمن بالقرآن والإيمان خيرًا له من حياة نهايتها الأبدية هي الجحيم والعذاب الأليم..؟!

ثانيًّا: إن بعض الأنبياء والصالحين تمنوا الموتَ عن الحياة عند وقائع معينة،منها :
1-عند وقوع فتنة عظيمة قد تُقع بالدين ،مثل :مريم الصديقة التي قالت : يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)(مريم).

2- عند تمام وكمال النعمة، وشوقًا للقاء الله ،مثل: يوسف الصديق لما قال : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) (يوسف).

3- عند الغزو في سبيل الله من أجل الحياة التي تأخذ بأيدي الناس إلى جنة الله ،
مثل : محمد لما قال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ". صحيح البخاري برقم2588.

وبالجملة قال تعالى : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) " (آل عمران).

وعليه: فحياة إنسان يتعلم القرآن ويدعو لله خيرًا له من أن يحيا حياةً بعيدةً عن تعلم كتاب الله الذي فصلّ فيه ما يُحيى به الناسَ الحياة الحقيقية ... فهذا خير لهم من أن يخلقهم ثم يكفروا به ثم يعذبون في الجحيم والعذاب الأليم ....

وأقول كما قال ربي عن أهل الجنة لما عاينوها : وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)(الأعراف)

جاء في التفسير الميسر: الرحمن علَّم الإنسان القرآن؛ بتيسير تلاوته وحفظه وفهم معانيه. خلق الإنسان، علَّمه البيان عمَّا في نفسه تمييزًا له عن غيره.اهـ
وعلى هذا يزول إشكال المعترضين.. بفضل الله الرحمن الرحيم،ثم فهمنا للكتاب المبين....

ثالثًا : كتب أخي الحبيب /الحاخام المسلم قائلًا: "
لو قلنا: أن المراد بعلّم القرآن أي فهمه وأخبره
وهل هذا قبل خلق الإنسان نقول نعم يصلح هذا أيضا ولا إشكال
الله قال في القرآن نفسه { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَـبٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ لْمُطَهَّرُونَ }
فالقرآن علّمه الله للملائكة المطهرون الذين كتبوه في اللوح المحفوظ
فالآيات تتكلم عن تعليم الله لمخلوقات السماء ولمخلوقات الأرض
فالمخلوقات السماوية ( الملائكة ) علّمها الله القرآن لكتابته
والمخلوقات الأرضية ( الإنسان ) علمه الله البيان وهو حسن التعبير والفهم
لذلك تجد بعدها من الآيات ذكر المتقابلات بين الفوقية والسفلية
مثل ( والسماء رفعها ) وبعدها ( والأرض وضعها ) وهكذا". اهـ

رابعًا: إن يسوع المسيح نفسه أوصى أتباعه بأن يقطعوا أعضاءهم، ويقلعوا أعينَهم إن كانت سببًا في دخول جهنم...فدل ذلك عن أن هذه الأعضاء إن لم تعمل لله فلا فائدة من وجودها... ودل أيضًا على أن نعمة الإيمان أعظم من نعمة خلق الإنسان نفسه .... جاء ما ذكرتُ ذلك إنجيل متى إصحاح 18 عدد 8 "فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. 9وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ".
لا تعليق!

كتبه / أكرم حسن مرسي