هل هناك تناقض في القرآن حول الرهبان؟

زعموا أن هناك تناقضًا في القرآن الكريم بين آياته حول الرهبان...

آيات تقول : " ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)"( الحديد).

وآيات أخرى تقول : " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) (المائدة).

قالوا: آيات تذكر أن الرهبان مبتدعون... وآيات أخرى تصفهم بالخير.....
وهذا تناقض واضح في القرآن أيها المسلمون...!

الرد على الشبهة

أولًا: ليس هناك تناقض إلا في عقول المعترضين الخربة....

فالآية الأولى: تخبرنا أن أصل الرهبانية ليست من دين المسيح ولا من أصحابه، وإنما هي بدعة أحدثها بعضُ المتأخرين عنه لم تكن من دينِه أبدًا... ولم تتحدث من قريب أو بعيد عن أخلاق هؤلاء الرهبان....

أما الآية الثانية: فهي تخبرنا أن بعض الرهبان من النصارى هم أقرب إلى المسلمين من اليهود وكافة المشركين... فقد ذكر اللهُ حسنَ أخلاقهم لما قال :" وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ".

أي: عن أتباع الحق، ثم ذكر بعدها صفة هؤلاء الرهبان الطيبين أنهم إذا سمعوا القرآن تفيض أعينهم من الدمع لمعرفتهم بمحمد -النبي المنتظر- المذكور عندهم في كتابهم المقدس....

قال : " وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) "(المائدة).
وهذا ما حدث مع نبينا الكريم r بشأن وفد نصارى الحبشة ففيهم نزلت هذه الآيات الكريمات...

جاء في التفسير الميسر: لتجدنَّ -أيها الرسول- أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك، اليهودَ; لعنادهم، وجحودهم، وغمطهم الحق، والذين أشركوا مع الله غيره، كعبدة الأوثان وغيرهم، ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبَّادًا في الصوامع متنسكين، وأنهم متواضعون لا يستكبرون عن قَبول الحق، وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد r وآمنوا بها. ومما يدل على قرب مودتهم للمسلمين أن فريقًا منهم(وهم وفد الحبشة لما سمعوا القرآن) فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه حقٌّ منزل من عند الله تعالى، وصدَّقوا بالله واتبعوا رسوله، وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أمَّة محمد -عليه السلام- على الأمم يوم القيامة.اهـ

إذًا: الآيات الأولى: تذكر أن الرهبانية بدعة ليست من دين المسيح ابتدعها المتأخرون...

وأما الآيات الثانية: تحدثت على حال بعض الرهبان وهم قلة بأن أخلاقهم طيبة حسنة، ولا يستكبرون عن معرفة الحق... وحين يستمعون إلى القرآن تبكي أعيونهم لمعرفة الحق؛ وهو الإسلام ، وأن النبي محمد هو النبي الصادق المنتظر من الكتاب المقدس وخير الأنام.....
وهذا ما حدث مع وفد الحبشة الذين نزلت بشأنهم هذه الآيات الكريمات..

وقد ذكر اللهُ في موضع آخر أن أكثر الرهبان يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ...

وذلك لما قال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)" ( التوبة).

فأعطى اللهُ حق القلة من الرهبان لما ذكرهم بالخير؛ ووصف أكثر الرهبان بأن يصدون عن سبيل الله كما نرى اليوم...
وهذا من باب الإنصاف لوصف أخلاقهم.... كما وصفَ أهلَ الكتاب عمومًا بأن منهم الأمين ومنهم ليس أمينًا...

قال :" وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)"(آل عمران).

وقد وصف النبيُّ النجاشيَّ لما كان كافرًا "ملكٌ لا يظلمُ عنده أحد".... وهذا يُحمد للإسلام أنه يُنزلُ الناسَ منازلهم، ويُنزلُ بعضَ الرهبان منازلهم رغم كونهم ابتدعوا هذه الرهبنة..
..
وعليه: لا يوجد تناقض إلا في عقول المعترضين فقط، ولا أساس لها من الصحة....

ثانيًّا: إن الآيات الكريمات ذكرت أن الرهبنة ليست من دينِ المسيح ، إنما بدعة ابتدعها من ينتسب إلى المسيح ... يقول : " وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)"( الحديد).

هذه الحقيقة القرآنية كتبَ فيها غيرُ المسلمين قبل المسلمين أنفسهم... فالرهبنة بدعة ابتدعها من ينتسب إلى المسيح الذي لم يوصي بها ولم يعرفها...
وأحيل القارئ الكريم إلى كتابِ / "بدعة الرهبنة". للدكتور/ حنين عبد المسيح – شماس سابق في الكنيسة الأرثوذكسية- الذي أثبت أن الرهبنةَ بدعة، وهاجم فيه الكنيسة الأرثوذكسية على هذه البدعة التي ليست من دين المسيح ، والتي تخالف ما جاء في الكتاب المقدس...
تناول الكتاب ما يلي:
1- نشأتها ومبادئها الهدامة.
2- كيف أضرت بالكنيسة.
3- علاقتها بالكبت والشذوذ.
4- تناقضها مع تعاليم المسيح.

وبالتالي: كان من الأولى للمعترضين أن يردوا على هذا الرجل الذي أثبت ما ذكره القرآن وهو لا يزال على دين النصرانية حتى اليوم....

كتبه / أكرم حسن مرسي

باحث في مقارنة الأديان
التوقيت / الآن