بسم الله الرحمن الرحيم
-----------------------
من هم المسلمون؟الجزء الثالث والعشرون
----------------------------------------
حادثة الافك-2
--------------
واستوشى ابن سلول الى الناس،فسرت الوشاية بينهم كسريان النار بين الهشيم،فوصلت الوشاية الى رسول الله(ص)،وما كان رسول الله(ص) بمصدق لوشاية عن أهله أو غيرهم بلا بينة،ولكنه كبشر تغير من ناحية أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها،ولم يفاتحها أو أحدا من أبويها فى ذلك الشأن طوال مرضها،واستشعرت أم المؤمنين بذلك التغير فى لطفه المعتاد ولهجة سؤاله عنها فى مرقدها،ولكنها ظنت أن هناك من أمور المسلمين ما يشغل فكره،حتى مر الشهر واستردت أم المؤمنين عافيتها،فهمت بالخروج مع احدى قريباتها ليلا الى الخلاء،وكانت أم مسطح ابن أثاثة،فلما عادتا بعدما فرغن من شأنهما تعثرت أم مسطح أثناء سيرها فقالت:تعس مسطح،فتعجبت أم المؤمنين عائشة قائلة:أو تسبين رجلا شهد بدرا؟،فردت عليها أم مسطح:أو لم تسمعى ما قال؟،وأخبرتها بقول أهل الافك،فازدادت مرضا على مرضها،فلما رجعتا الى بيتها دخل عليها رسول الله(ص) قائلا كيف تيكم؟،فقالت له:أتأذن لى أن أتى أبوى؟،فأذن لها،فسألت أمها فأكدت لها ما يقوله الناس،فبكت ليلتها بكاء شديدا حتى الصباح.
واستدعى رسول الله(ص) كل من على ابن أبى طالب وأسامة ابن زيد رضى الله عنهما يستشيرهما فى فراق أهله،فأشار أسامة رضى الله عنه بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى يعلم لهم فى نفسه فقال:أهلك ولا نعلم الا خيرا،وقال على ابن أبى طالب رضى الله عنه أن النساء سواها كثير،وأشار عليه أن يسأل جاريتها عن ذلك فستصدقه،فاستدعى رسول الله(ص) جاريتها بريرة،فقالت قولتها الباقية الى يوم الدين:والذى بعثك بالحق ما رأيت عليها شىء قط أغمصه أكثر من كونها جارية حديثة السن،تنام عن عجين أهلها،فتأتى الداجن فتأكله (ما يعنى شدة طفولة براءتها)،فقام رسول الله(ص) فاستعذر من عبد الله ابن سلول وهو على المنبر قائلا:(يا معشر المسلمين،من يعذرنى من رجل قد بلغنى عنه أذاه فى أهلى،والله ما علمت على أهلى الا خيرا،ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا،وما يدخل على أهلى الا معى)،وكان ابن سلول من الخزرج فكادت تقوم بين الأوس والخزرج فتنة لولا تدخل رسول الله الذى هدا الأمور بينهما فى انتظار ما يأتى به الله علام الغيوب.
ووصلت تلك الأخبار الى أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فظلت تبكى ليلتها بلا نوم حتى أصبحت،وأصبح أبويها عندها،فاستأذنت عليها امرأة من الأنصار فجلست تبكى معها،فبينا هم على ذلك دخل عليهم رسول الله(ص) فسلم ثم جلس،ولم يكن قد جلس عندها منذ قيل ما قيل،وقد لبث شهرا لا يوحى اليه فى شأنها شىء،فتشهد رسول الله(ص) حين جلس،ثم قال:أما بعد،يا عائشة،انه بلغنى عنك كذا وكذا،فان كنت بريئة،فسيبرئك الله،وان كنت ألممت بذنب،فاستغفرى الله وتوبى اليه،فان العبد اذا اعترف ثم تاب،تاب الله عليه،فقالت السيدة عائشة وقد تقلص دمعها لأبيها:أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى فيما قال،فقال أبو بكر رضى الله عنه:والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم قالت لأمها رضى الله عنها:أجيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال،فقالت أمها رضى الله عنها:والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم،فقالت رضى الله عنها:انى والله لقد علمت،لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر فى أنفسكم وصدقتم به،فان قلت لكم انى بريئة،لا تصدقونى،ولان اعترفت لكم بأمر،والله يعلم أنى منه بريئة،لتصدقنى،فوالله لا أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف(ص) حين قال:(فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)،ثم تحولت واضطجعت على فراشها مسلمة أمرها الى الله،والله يعلم أنها لبريئة،والله مبرئها ببراءتها،وكانت ترجو أن يرى رسول الله(ص) رؤيا يبرئها الله بها،وكان هذا أخر أملها فى ذلك،ولكن الله العدل الرحمن الرحيم لم يرض لرسول الله(ص) ولا لزوجه بأقل من أن ينزل فى شأنهما قرأنا يتلى بعونه الى يوم القيامة،فما غادر رسول الله(ص) مجلسه الا وأمر الله يتنزل عليه،فبدا عليه ما يبدو أثناء تلقيه الوحى،فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء،حتى أنه ليتحدر منه العرق بشدة،فسرى عن رسول الله(ص) وهو يضحك قائلا:يا عائشة،أما والله فقد برأك،فقالت لها أمها:قومى اليه،فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها:والله لا أقوم اليه،فانى لا أحمد الا الله عز وجل،وتقبل رسول الله(ص) منها ذلك فالذى يستحق الحمد والشكر دوما هو خالقه وخالقها وخالقنا جميعا،الله رب العالمين،وأنزل الله قوله سبحانه:بسم الله الرحمن الرحيم(ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم،لا تحسبوه شرا لكم،بل هو خير لكم،لكل امرىء منهم ما اكتسب من الاثم،والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم،لولا اذ سمعتموه،ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا،وقالوا هذا افك مبين،لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء،فاذ لم يأتوا بالشهداء،فأولئك عند الله هم الكاذبون،ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والأخرة،لمسكم فى ما أفضتم فيه عذاب عظيم،اذ تلقونه بألسنتكم،وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم،وتحسبونه هينا،وهو عند الله عظيم،ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا،سبحانك هذا بهتان عظيم،يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين،ويبين الله لكم الأيات،والله عليم حكيم،ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين أمنوا،لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة،والله يعلم،وأنتم لا تعلمون)،صدق الله العظيم،19:11-سورة النور.يتبع ان شاء الله،وأصلى وأسلم على سيدى وحبيبى محمد،أللهم صلى وسلم عليه.
----------------------
حادثة الافك-3
-------------
واستكمالا للأيات الكريمات اللاتى أنزلهن الرحمن الرحيم على رسوله الكريم(ص) معلنا على العالمين أن الله علام الغيوب يعلم رسوله الكريم(ص) الذى لا يعلم الغيب،لأنه بشر مثلنا يوحى اليه،ببراءة زوجه من البهتان العظيم الذى ابتدعه رأس النفاق والمنافقين عبد الله ابن أبى ابن سلول بوازع من نفسه وتعضيد ابليس الرجيم،فقال الله رب العالمين:بسم الله الرحمن الرحيم(يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين،ويبين الله لكم الأيات،والله عليم حكيم،ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين أمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة،والله يعلم وأنتم لا تعلمون،ولولا فضل الله عليكم ورحمته،وأن الله رءوف رحيم)،صدق الله العظيم،20:16-سورة النور.
وكان المسلمون قبل تنزيل تلك الأيات قد انقسموا فيما بينهم الى فئات أربع:أولاهم فئة لا يعلمون عن أهل رسول الله(ص) الا خيرا وعلى رأسهم رسول الله نفسه الذى أعلن ذلك من فوق منبره مطالبا بالقصاص من ابن سلول،وفئة يحصنون سمعهم وأبصارهم فلا يقولون الا خيرا،وفئة لاقت الوشاية فى أنفسهم مكانا ولكنهم لا يتحدثون بها أو يكذبونها،وعصبة أضلهم ابليس وأنفسهم فراحوا ينشرون الوشاية بين الناس وعلى رأسهم المنافق عبد الله ابن سلول وحسان ابن ثابت شاعر الرسول(ص) ومسطح ابن أثاثة قريب أبى بكر رضى الله عنه وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج رسول الله(ص).
وكان من الذين استشارهم رسول الله(ص) فى ذلك الشأن علاوة على من تم ذكرهم سابقا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه،وهو من أحب الصحابة الى قلب رسول الله(ص) وأبو زوجه حفصة رضى الله عنها التى كانت بعصمة رسول الله(ص) فى حينه فقال:والله يارسول الله ما نعلم عن أهلك الا خيرا،وقالت حفصة نفسها رضى الله عنها:والله يا رسول الله انى أحصن سمعى وبصرى ولا أعلم عنها الا خيرا.
وبعدما تنزلت أيات التبرئة المباركة تيقن المسلمون جميعا وعلى رأسهم رسول الله(ص) من براءة أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ببراءة رب العالمين لها من فوق سبع سماوات.
ومن أفضل ماتم نقله عن أحد الصحابة الكرام رضى الله عنهم أنه سأل زوجه الصالحة قبل نزول تلك الأيات الكريمات:لو كنت مكان أم المؤمنين عائشة،هل كنت فاعلة اثما؟،قالت:لا والله،قال لها فان أم المؤمنين عائشة خير منك فما كانت فاعلة اثما،قالت:صدقت،ثم عادت فسألته:ولو كنت مكان ابن المعطل،هل كنت فاعلا اثما؟،قال:لا والله،قالت فان ابن المعطل خير منك فما كان فاعلا اثما،قال:صدقت.
وكذلك ما نقل عن ابن المعطل رضى الله عنه لما سمع بالوشاية فأخذ قوسه واتجه الى ابن سلول فقال له:أو تسبنى فى عرضى؟،وضربه بقوسه فشق رأسه وأدماه،فذهب ابن سلول الى رسول الله(ص) شاكيا له ابن المعطل رضى الله عنه،فاستدعاه رسول الله(ص) وسأله:أفعلت ذلك؟،قال:نعم،فرد رسول الله(ص):عليك أن ترضيه،فقال ابن المعطل رضى الله عنه:ليس معى ما أرضيه به،فقال رسول الله(ص):سأعطيك من مالى ما ترضيه به،فاصلا فصلا باتا بين شخصه(ص) كقائد أمة،وبين شخصه(ص) كمصاب من افك ابن سلول الذى ابتدعه.
وكذلك ما نقل حديثا عن أحد المستشرقين سائلا أحد علماء المسلمين المحدثين:بأى وجه قابلت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قومها بعد وشاية ابن سلول؟،فقال له:بنفس الوجه الذى قابلت به الصديقة مريم رضى الله عنها قومها لما رموها بالافك وابنها(ص) بين ذراعيها،فان البريئات رضى الله عنهن لهن البراءة من رب العالمين.
وأيضا ما نقل أن أبا بكر رضى الله عنه كان يخرج صدقة لقريبه مسطح ابن أثاثة،فلما سمع بأن مسطح كان ممن يقولون بالافك فمنعها عنه،فلم تنزلت الأيات الكريمات:بسم الله الرحمن ارحيم(يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان،ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر،ولولا فضل الله عليكم ورحمته،ما زكا منكم من أحد أبدا،والله يزكى من يشاء،والله سميع عليم،ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله،وليعفوا وليصفحوا،ألا تحبون أن يغفر الله لكم،والله غفور رحيم)،صدق الله العظيم،22،21-سورة النور،فقال أبو بكر رضى الله عنه:بلى والله انى أحب أن يغفر الله لى،وأقسم أن يعيد الصدقة الى ابن أثاثة ولا يمنعها عنه أبدا.
يتبع ان شاء الله،وأصلى وأسلم على سيدى وحبيبى محمد،أللهم صلى وسلم عليه.