السؤال : هنا في هولندا تسعى الحكومة لتشجيع وتحفيز الشباب على الدراسة الجامعية بمجرد انتهائهم من المرحلة الثانوية ، لذلك فإن الحكومة تقدم قروضاً للطلاب لكي يتمكنوا من دفع رسوم الدراسة والمصاريف ؛ فإن أكمل الطالب الدراسة كاملة وحصل على شهادة ، فإنه عندئذ غير مطالب بسداد هذا القرض ، وإن فشل فلم يستطع الإكمال والحصول على الشهادة ، فإنه يصبح مديناً للحكومة ، ويتعين عليه سداد هذا القرض في ظرف 15 سنة.. إن ما يقارب 90% من الطلاب يلجئون إلى هذا الاقتراض لما فيه من التيسير ، وأنا واحدة ممن أخذ هذا القرض ، ولم أكن قد اعتنقت الإسلام حينها.. أمّا الآن فأنا مسلمة والحمد لله ، ومتزوجة كذلك ، وقد علمت أن هذا القرض غير جيد ، لذلك توقفت عن أخذه منذ سنتين.. والمشكلة الآن هي أني لست متأكدة من مقدرتي على إكمال الدراسة والحصول على شهادة ، بمعنى أنه سيتعين عليّ سداد القرض في هذه الحالة ، والمقدر بحوالي 15 ألف يورو ، وهو مبلغ كبير جداً يصعب عليّ وعلى زوجي سداده ... وقد توفي والدي منذ خمس سنوات وترك مالاً ، فكان نصيبي منه 8000 يورو ، ولكنه في البنك لا يمكنني التصرف فيه إلا بحلول عام 2013 ، وبما أني أعلم أنه لا يجوز لمسلم أن يرث كافراً ، فبالتالي أنوي أن أبقي هذا المبلغ في البنك ، وأعطي والدتي وأختي الصغيرة جزءً منه كل عام ، دون أن أرجوا ثواباً من هذه العطية ، لأن المال ليس مالي أصلاً.. لكن في الوقت ذاته فكرت فيما إذا كان يمكنني أن أستخدم هذا المال لسداد جزء من القرض الذي اقترضته ، لا سيّما وأني أخذت هذا القرض عندما كنت غير مسلمة . فما رأي الشرع في ذلك ؟ أرجوكم ، لا تقولوا لي أن هذا السؤال قد أجيب عنه ، لأنني بحثت فلم أجد نظيراً له . وجزاكم الله خيراً.



الجواب :
الحمد لله
أولا :
نحمد الله أن هداك للإسلام ، ونسأله أن يمن بذلك على والدتك وأختك وسائر أهلك .
وقد علمت أنه لا يرث المسلم الكافر ؛ لما روى البخاري (6764) ومسلم (1614) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ).
والعبرة بحال الوارث عند لحظة الموت .
وعليه ؛ فإن كنت عند وفاة والدك على غير الإسلام ، ورثتِ منه ، وصار المال المذكور من حقك ، ثم إن أسلمت بعد ذلك كان المال لك أيضا ؛ لأنه بالموت ينتقل المال إلى مستحقيه من الورثة حكما ، حتى وإن تأخرت قسمته ، فإن قسمت التركة دخل المال في ملكك حقيقة ، ولا يضر كونك ممنوعة من استعماله إلى مدة معينة ، فإن هذا لا ينافي أنك مالكة له . وهذه الحالة ليست من باب إرث المسلم من الكافر ، بل هي من إرث الكافر للكافر ؛ لأن العبرة بحال الوارث والمورث عند الموت .
وإن كنت عند وفاة والدك مسلمة ، فلا يحل لك ميراث منه ، ويلزم رد هذا المال في التركة ليوزع على ورثته الذين هم على دينه ، وليس لك حجزه وتوزيعه مجزءا كل عام ؛ لأن الوارث أحق بماله ينتفع به كما يشاء .
قال الباجي رحمه الله : " وإنما المراعى في التوارث اتفاق الدينين حال الوفاة .
ولو أن نصرانيا أسلم عند الموت ، وهو مريض : ورثه ورثته من المسلمين دون غيرهم ، وجرى حاله في غسله والصلاة عليه ودفنه مجرى المسلمين .
ولو أن كافرا توفي وترك حملا ، فولد له ، لكان على دين أبيه وورثه . قاله القاضي أبو الحسين . والله أعلم وأحكم " انتهى من "المنتقى" (6/ 251).
وقال زكريا الأنصاري رحمه الله : " ( فرع ) لو ( مات كافر عن حمل فأسلمت أمه قبل الوضع ) له ( ورث وإن حكم بإسلامه ; لأنه محكوم بكفره يوم الموت ) " انتهى من "أسنى المطالب" (3/ 19) . وينظر : "الانصاف" ، للمرداوي (7/ 333) .
ثانيا :
إذا كنت عاجزة عن التصرف في هذا المال ، أو سحبه من البنك الآن ، فلا يلزمك أن تدفعي لهم شيئا ، حتى تستلمي المال من البنك ، فتدفعيه لمستحقيه .
كما لا يجوز أن تستعملي هذا المال لسداد القرض الذي عليك ؛ لأنه مال مملوك لغيرك ، لكن لك أن تأخذي من والدتك نصيبها من هذا المال على سبيل القرض الحسن إن رضيت بذلك .
وإن أعطتك والدتك ، أو غيرها من الورثة ، نصيبها من هذا المال ، أو شيئا منه على سبيل الهبة ، فلا حرج عليك ـ أيضا ـ في قبوله منهم .
وينبغي للمسلم إذا فاته الميراث من قريبه الكافر ، أن يحتسب الأجر عند الله تعالى ، فإن ما عندكم ينفد وما عند الله باق .
ونسأل الله أن يعينك وييسر لك أمرك .
وانظري للفائدة السؤال رقم (2815)ورقم (2261)
والله أعلم .