ما حكم من أسلم في بلاد الكفار هل يشمله حديث ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ) وتجب عليه الهجرة ؟.



الحمد لله
من أسلم من أهل بلاد الكفر ولم يتمكن من إظهار دينه والقيام بشعائر عبادته، أو خاف على نفسه الفتنة في الدين، ولم يستطع حماية عرضه فإنه يجب عليه الهجرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين )
أما إن كان قادراً على إظهار دينه ، وإقامة الشعائر ، وقدر على الهجرة ، فإنه تستحب له الهجرة في هذه الحالة لا تجب .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتاب المغني : "فتستحب له ليتمكن من جهادهم ( يعني الكفار ) ، وتكثير المسلمين ومعونتهم" . انتهى .
وأما إن كان قادراً على إظهار الدين ، وأمن الفتنة ، ويقوم بالدعوة إلى الله عز وجل وتعليم المسلمين أمر دينهم فإنه يبقى ولا يهاجر ؛ لأن بقاءه فيه مصلحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث رضي الله عنه لما جاء عند النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه وجلسوا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأى اشتياقهم لأهليهم فأمرهم بالرجوع وتعليم من وراءهم فقال : ( ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ) رواه البخاري (6008) ومسلم (674) ، وروى البخاري (1452) ومسلم (1865) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا .
قال النووي رحمه الله :
"( لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا) مَعْنَاهُ : لَنْ يُنْقِصك مِنْ ثَوَاب أَعْمَالك شَيْئًا , حَيْثُ كُنْت , قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْمُرَاد بِالْبِحَارِ هُنَا الْقُرَى , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْقُرَى الْبِحَار , وَالْقَرْيَة الْبُحَيْرَة . قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْمُرَاد بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الأَعْرَابِيّ مُلازَمَة الْمَدِينَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْك أَهْله وَوَطَنه ، فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يَقْوَى لَهَا ، وَلا يَقُوم بِحُقُوقِهَا , وَأَنْ يَنْكُص عَلَى عَقِبَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ شَأْن الْهِجْرَة الَّتِي سَأَلْت عَنْهَا لَشَدِيد وَلَكِنْ اِعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنك ، وَحَيْثُ مَا كُنْت فَهُوَ يَنْفَعك , وَلا يُنْقِصك اللَّه مِنْهُ شَيْئًا". انتهى .
فالهجرة تدور على القدرة على إظهار الشعائر الدينية والتعبد ، فإن لم يستطع وخشي الفتنة وجبت الهجرة ، وإن استطاع أن يظهر الشعائر وتمكن من الهجرة استحبت ، وإن تمكن من إظهار الشعائر وكان يقوم بالدعوة وتعليم المسلمين بقي والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى..