عندما يجهل المسلم الجديد حكم الشرع

د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان




إذا كان على الدعاة أن يبذلوا العلم للمسلم الجديد، فإن عليه أن يسعى إلى تعلُّم أحكام الدين وشرائعه وإقامتها، وينبغي أن يجدَّ في السعي لذلك، ولا يُعذَر إلا إن عجز عن ذلك، قال شيخ الإسلام: "لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يَعجِز عنها؛ بل الوجوب بحسب الإمكان، وكذلك ما لم يعلم حكمه، فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة وبقي مدَّة لا يصلي، لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء، وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، وكذلك سائر الواجبات من صوم رمضان، وأداء الزكاة، وغير ذلك، ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها، لم يحدَّ باتفاق المسلمين".

وقال ابن اللحام: إذا أسلم كافر ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه، ثم علم بعد مدة، فهل يجب عليه قضاء ما ترك من الصلاة والصيام قبل علمه أم لا؟ في المسألة قولان، والمذهب لزوم الإعادة، وذكر القاضي قولاً آخر: لا إعادة عليه، واختاره أبو العباس، قال: والقولان في كل مَن ترك واجبًا قبل بلوغ الشرع.

ومن الشواهد في اعتبار الجهل عند المسلم الجديد:
ما جاء عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: بينا أنا أصلِّي مع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمَّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يصمِّتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)) - أو كما قال رسول الله، صلَّى الله عليْه وسلَّم - قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منَّا رجالاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم...)) الحديث.

قال النووي - رحمه الله -:
"فيه بيان ما كان عليه رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من عظيم الخُلق الذي شهد الله - تعالى - له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمَّته، وشفقته عليهم، وفيه التخلُّق بخلقه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه"، وقوله: ما كهرني، الكهر: العبوس في وجه مَن تلقاه؛ أي: ما استقبلني بوجهٍ عبوس.

لقد تجلَّى في هذا الموقف حكمةُ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الدعوة من الرفق واللطف في تعليم المسلم الجديد، ومن حكمته - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في دعوته أنه لم يُطِل الموعظة له؛ بل أرشده بكلمات يسيرات، وهذا ما ينبغي أن يكون مع كل حديثِ عهدٍ بالإسلام، فالمسلم الجديد أحوجُ ما يكون إلى الحكمة من الداعية، لا سيما في التعامل مع ما يبدو منه من أخطاء مصدرُها الأساس الجهلُ، فلا يُطِيل الموعظة في بيان خطئه.

ومن المهم في اعتبار الجهل في المسلم أهميةُ السؤال قبل الإنكار عليه، ولا يحكم عليه من دون أن يستفصل منه عن خطئه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً أهدى للنبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - راوية خمر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((هل علمت أن الله قد حرَّمها؟))، قال: لا، فسارَّ إنسانًا، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((بم ساررتَه؟))، فقال: أمرتُه ببيعها، فقال: ((إن الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها)).

قال النووي - رحمه الله -:
"قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - للذي أهدى إليه الخمر: ((هل علمت أن الله قد حرمها؟))، لعل السؤال كان ليعرف حاله، فإن كان عالمًا بتحريمها أنكر عليه هديتها وإمساكها وحملها وعزَّره على ذلك، فلما أخبره أنه كان جاهلاً بذلك عذَره".

ومثل ذلك لو زنى، أو أفطر في رمضان جاهلاً بحكم الشرع؛ فقد قال ابن عثيمين - رحمه الله -: رجل زنى يظنُّ أن الزنا حلال؛ لأنه عاش في غير بلاد الإسلام وهو حديث عهد بإسلام، لا حدَّ عليه؛ لأنه جاهل بالحكم، لأنه أسلم حديثًا، ولم يدرِ أن الزنا حرام، فقوله مقبول. اهـ.

فالجهل بالحكم الشرعي معتبَر في المسلم الجديد، ولكن عليه أن يسعى فور إسلامه إلى تعلُّم أحكام الشرع، كما أن على إخوانه المسلمين أن يعلموه أحكام الإسلام.