تصورات خاطئة عن المسلم الجديد

د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان





العدل من أخلاق الإسلام، أمَر اللهُ به المؤمنين، في السِّلم والحرب، والمنشط والمكره؛ بل في كلِّ حالٍ من أحوالهم؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، ومنهج الإسلام في ذلك واضحٌ، والشواهد على ذلك كثيرةٌ، فالمسلمون يَعدِلون مع كلِّ أحدٍ في الأقوال والأفعال، وعندما قال المُستَورِد القرشي عند عمرو بن العاص - رضِي الله عنه -: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((تَقومُ الساعة والرُّوم أكثرُ الناس))، فقال له عمرو - رضِي الله عنه -: أبصِر ما تقول، قال: أقولُ ما سمعتُ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: لئن قلتَ ذلك، إنَّ فيهم لَخِصالاً أربعًا: إنهم لأحلَمُ الناس عند فتنة، وأسرَعُهم إفاقةً بعد مُصِيبة، وأوشَكُهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمِسكِين ويَتِيم وضَعِيف، وخامسة حسنة جميلة: وإنهم لأمنع الناس من ظُلْمِ الملوك.

وفي قصَّة عثمان بن طلحة - رضِي الله عنْه - مع أمِّ سلمة - رضِي الله عنْها - في هجرتها إلى المدينة، ما يبيِّن أنَّ غير المسلم قد يتحلَّى بجملةٍ من الأخلاق التي ينال عليها حظًّا من الثناء والذِّكر وإن لم يُسلِم، وإذا أسلم فقد أسلم على ما أسلَفَ من خير، قالت أم سلمة - رضِي الله عنها - في قصَّتها عندما هاجرت: فارتَحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني فوضَعتُه في حجري، ثم خرجتُ أُرِيد زوجي بالمدينة، وما معي أحدٌ من خلْق الله، حتى إذا كنتُ بالتَّنعِيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار - وكان إذ ذاك مشركًا - فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أميَّة؟ فقلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوَما معك أحد؟ فقلت: لا والله، إلا الله وبُني هذا، قال: والله ما لك من مَترَكٍ، فأخَذ بخطام البَعِير فانطَلَق معي يَهوِي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه؛ كان إذا بلَغ المنزل أناخَ بي ثم استَأخَر عنِّي، حتى إذا نزلت استَأخَر ببعيري فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى عنِّي إلى شجرة فاضطجَع تحتَها، فإذا دنا الرواح قام إلى بَعِيري فقدَّمه فرحله، ثم استأخر عنِّي وقال: اركبي، فإذا ركبتُ واستوَيْتُ على بعيري أتَى فأخَذَه بخطامه فقادَه حتى يَنزِل بي، حتى أقدَمَنِي المدينة، فلمَّا نظَر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: زوجُك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازِلاً - فادخليها على بركة الله، ثم انصَرَف راجِعًا إلى مكة، فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قطُّ كان أكرَمَ من عثمان بن طلحة.

وقد أسلم عثمان بن طلحة - رضِي الله عنه - بعد الحديبية، وهاجَر هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص معًا، والشواهد في سِياق خِصال الخير في البشر لا حصرَ لها، ولا يعدم إنسانٌ من خصلةٍ من خِصال الخير، وجَديرٌ بالذِّكر هنا أنَّ "كل خير في غير المسلمين، فهو في المسلمين أكثر، وكل شر في المسلمين، فهو في غيرهم أكثر".

وممَّا يُخطِئ الناس في تَصوُّره عن المسلم الجديد أنَّه كان قبلَ إسلامِه معدومًا من الخير، لا يعرف ربًّا ولا خالقًا، وهذا إنْ صحَّ في طوائف، فهو لا يصحُّ في آخَرين؛ لذا فعلى الداعِيَة أن يعرف مَن يُخاطِب ويَعلَم حاله؛ حتى يكون الخطاب وفقَ مقتضى الحال، ولا يكون مُنفِّرًا.

ومن منهج القرآن الكريم التفريقُ بين دعوة أهل الكتاب وغيرهم، وهذا ظاهرٌ في كتاب الله - سبحانه وتعالى - في غير موضع؛ قال - تعالى -: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]، وقال - تعالى - عن النصارى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 83]، وقديمًا وحديثًا يُوجَد من النصارى مَن يَرتاد الكنائس، ويُؤمِن بالله واليوم الآخِر، ويدعو الله ويَرجُوه ويخافه، وربما لم يَسمَع عن الإسلام قطُّ، أو سمع عنه مُشوَّهًا ومُحرَّفًا، وهذا كمَن لم يَسمَع عنه شيئًا؛ لذا فينبَغِي عدم مخاطبة مَن هذا حالُه كمخاطبة الآخَر الذي لا يُؤمِن بوجود الخالق، ولا يرجو بعثًا ولا نشورًا، والخِطاب الواحد لكِلاَ الفِئتَيْن ليس من منهج القرآن، وربما أثَّر ذلك في نفس المسلم الجديد الذي كان يُؤمِن بالكتاب.