المسلم الجديد وأهل بيته

منقذ بن حيان - رضي الله عنه - ذَكَرَ له أهلُ السِّيَر قصةً مع أهل بيته عند إسلامه، فقد كان متجره إلى يثرب في الجاهلية، فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينما هو قاعد إذ مرَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فنهض منقذٌ إليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أمنقذ بن حيان، كيف جميع هيئتك وقومك؟))، ثم سأله عن أشرافهم رجلاً رجلاً يسميهم بأسمائهم، فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة و"اقرأ باسم ربك"، ثم رحل قبَل هجر، فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - معه إلى جماعة عبدالقيس كتابًا فذهب به وكتمه أيامًا، ثم اطَّلعتْ عليه امرأتُه، وهي بنت المنذر بن عائذ بن الحارث (والمنذر هو الأشج، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به؛ لأثر كان في وجهه).

وكان منقذ - رضي الله عنه - يصلِّي ويقرأ، فنكرت امراتُه ذلك، فذكرتْه لأبيها المنذر، فقالت: أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب أنه يغسل أطرافه، ويستقبل الجهة؛ تعني: القبلة، فيحني ظهره مرة، ويضع جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ قدم، فتلاقيا فتجاريا ذلك، فوقع الإسلام في قلبه، ثم ثار الأشج إلى قومه بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأه عليهم، فوقع الإسلام في قلوبهم وأجمعوا على السير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

والطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه - أيضًا له قصة مشهورة عند إسلامه، فقد كان الطفيل رجلاً شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: إنك قدمتَ بلادنا وهذا الرجلُ الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا، وشتَّتَ أمرنا، وإنما قوله كالسِّحر؛ يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل عليك، فلا تكلمه ولا تسمعَن منه.

قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعتُ أن لا أسمع منه شيئًا ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفًا؛ فَرَقًا من أن يبلغني شيء من قوله، قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة، قمت قريبًا منه فأبى الله إلا أن يُسمِعني بعض قوله، فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت في نفسي: واثكل أماه! والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسنًا قبلتُ، وإن كان قبيحًا تركت، قال: فمكثت أيامًا حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخله دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف؛ لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه فسمعت قولاً حسنًا، فاعرض عليَّ أمرَك.

قال: فعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليَّ الإسلام وتلا علي القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادعُ الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: ((اللهم اجعل له آية))... إلى أن قال: فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إليك عني يا أبه، فلستُ منك ولستَ مني، قال: لِمَ يا بني؟ قلت: أسلمت وتابعت دين محمد، قال: يا بني، فديني دِينك، قال: قلت: فاذهب يا أبه فاغتسل وطهِّر ثيابك، ثم تعالَ حتى أعلِّمك ما علمتُ، قال: فذهب فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتْني صاحبتي فقلت لها: إليكِ عني، فلستُ منك ولستِ مني، قالت: لِمَ بأبي أنت وأمي؟ قلت: فرَّق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت دين محمد - صلى الله عليه وسلم - قالت: فديني دينك، فأمرها بالتطهر فذهبت واغتسلت ثم جاءت فعرض عليها الإسلام فأسلمت.

فهذان الموقفان لمسلمينِ جديدين، ويتغايران في التعامل مع الأهل، فالأول لم يبتدئ الدعوة؛ بل كان يقيم الصلاة وكتم إسلامه مدة، وكانت زوجته ترقب حاله، ثم أخبرت عنه، بخلاف الطفيل - رضي الله عنه - الذي بادر بالدعوة ومقاطعة أهل بيته حتى يدخلوا الإسلام.

والمسلم الجديد يواجه الحرجَ الشديد مع أهل بيته بعد دخوله الإسلام؛ بل قبل ذلك، فربما كان الأهل والأولاد مانعًا للمرء من دخول الإسلام، ولا بد من توخي الحكمة في معاملة الأهل والأقربين بعد دخول المرء الإسلام، والحكمة تكون أحيانًا في المبادرة إلى دعوتهم إلى الإسلام ترغيبًا أو ترهيبًا، وهي تكون أحيانًا في الصبر حتى يحين الوقت المناسب.

ومن فقه الداعية أن لا يجعل حكمًا واحدًا لجميع المسلمين الجدد في تعاملهم مع أهليهم؛ فذلك يختلف من شخص إلى آخر، ومن حال إلى حال؛ فلكلٍّ ما يناسبه من الأقوال والأعمال.



د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان