هل معاوية في النار ؛ لأنه قاتل عليا وعمار؟!

سأل أحدُ الإخوة سؤلاً يقول: كيف نردُ على هذه الشبهات التي يدندن بها المعترضون ...

قول النبي r : " ويْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ". صحيح البخاري برقم 428.

من المعلوم أن عمار t كان في جيش علي فقتله أصحاب معاوية ؛ وبذلك فالمقصود من قوله r : "يدعونه إلى النار" هو معاوية وأصحابه ...!

2- قد حدث اقتتالٌ عظيمٌ في معركةِ الجمل وصفين بين عليٍّ ومعاويةَ ، فمن فيهما في النارِ ، أومن فيهما الكافر......؟!

واستدل على سؤاله بهذين الحديثين :

1- صحيح البخاري كِتَاب ( الْإِيمَانِ ) بَاب { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَسَمَّاهُمْ الْمُؤْمِنِينَ. برقم 30 عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ. فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ : ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ِr يَقُولُ : " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : " إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ " .
2- صحيح مسلم برقم 46 عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود أَنَّ النَّبِيَّr قَالَ :" سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ".
الرد على الشبهة

أولاً : إن هذه الوقائع التي حدث فيها اقتتالٌ بين المسلمين من بعدِه r تدلل على صدقِ نبوتِهr ، وفيها معجزة من معجزاتِه r ؛ لأنه r أخبر عنها قبل وقوعِها ، وقد تحققت بالفعل ..... تدلل على ذلك أدلة منها :

1- بيّن r أن الصلحَ سيكون على يدي ابنِه الحسن بن علي t ؛ فحدث كما أخبر r ...
وذلك في صحيح البخاري برقم 6576 قَالَ النَّبِيُّ r : "ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ".
2- أخبرr أن عمارًا تقتله الفئة الباغية ، وذلك في صحيح البخاري برقم 2601 عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ r وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ وَقَالَ : " وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ ".
نلاحظ : أن النبيَّ r أخبرَ عن هذه الفتنةِ فحدث ما أخبر بهr ....

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو : من أخبر محمدًا r بما سيحدث بعد موتِه ، مثل تلك الأحداث ؟
الجواب : إنه اللهُ I ؛ إذًا محمدٌ r رسولٌ من عندِ اللهِI ...
إذًا هذه معجزة في حقِه r ....
وعليه فالحديث لم يخدم المعترضين من جهةٍ يغفلون عنها تماما كما بيّنتُ- بفضلِ اللهِ I- .


ثانيًا : إن النبيَّ r مات وهو عن أصحابِه y راضٍ ، وشهد لهم جميعًا بالإيمانِ ، وأخبر عن الفتنةِ ، ولم يخبر أن أحدًا منهم من أهلِ النار بل شهد لهم جميعًا بالإسلامِ ...
دليل ذلك في الآتي :

1- الحديثِ الذي سبق معنا :" ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ".
نلاحظ : " فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " ولم يقل : " فِئَتَيْنِ من الكافرين ".

القرآن الكريم شهد لهم y بالإيمان رُغم الاقتتالِ الذي وقع بينهما ، وذلك لما قال I : ]وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ (الحجرات9).

نلاحظ قولَه I: " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ". شهد اللهُ لهم بالإيمانِ ....

قوله r : " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ". ذكره البخاريُّ - رحمه اللهُ- في بَابِ{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } فَسَمَّاهُمْ الْمُؤْمِنِينَ.

وعليه: تسقط شبهتهم التي تقول: قد حدث اقتتالٌ عظيمٌ في معركتي الجمل وصفين بين عليٍّ ومعاويةَ فمن فيهما في النارِ ، أو من فيهما الكافر....؟!

ثالثًا : إن اقتتالَ أصحابِهy من بعده لم يكن من أجلِ دنيا يصيبونها ، مثل : خلافةٍ ، أو عرقيةٍ ، أو قبليةٍ ، أو حميةٍ .... ولكن كان اقتتالهم اجتهادًا ، وبحثًا عن الحقِ ؛لأخذ الثأر من دمِ قتلة عثمان t خليفة المسلمين الذي قتله اليهودُ والمنافقون ، وبالتالي فهذا القتال لا يستوجب الكفر لأحدٍ من أصحابِ النبيِّ r ، مثل: عليِّ أو معاويةَ - رضي اللهُ عنهما- ؛ وإنما كان قتالهم بحثا عن الحق في كيفية أخذ الثائر لأميرِ المؤمنين عثمانَ t.
وأحيل المعترضين إلى قراءةِ كتبِ التاريخِ ليتأكدوا بأنفسهم من هذا الأمر إذا كانوا يعرفون القراءةَ وإذا كانوا أصحابَ منهجيةٍ صحيحةِ في البحث ...

رابعا : إن قول السائل بأن عمار بن ياسر t كان في جيش علي ، وقتله أصحاب معاوية... فهذا ليس دليلا على أن معاوية t في النار..... بل الثابت عكس ذلك كما يلي:

1- إن النبيَّ r مات وهو راضٍ عن معاوية t تمامَ الرضا ....
فقد دعا له النبي r وذلك في عدة مواضع كما يلي:

1- قوله r :" اللهم اجعله هاديًا مهديًا، واهده، واهد به " .(أخرجه البخاري في التاريخ 4/1/327 وابن عساكر في تاريخه 2/133/1) ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وحكم عليه الشيخ الألباني بالصحة وذكر تحسين الترمذي له في (سننه 3842) راجع: (السلسلة الصحيحة 4/9691).

عن العرباض بن سارية السلمي قال: " سمعت رسول الله r يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب". (صحيح ابن حبان 16 /192 ، و صحيح ابن خزيمة 3/214 والطبراني في المعجم الكبير 18/251 وأحمد في المسند 4/127 وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 3227).

2- بيّن القرآن الكريم أن الطائفتين مؤمنين ، وليس منهما كافرًا أبدًا مستحقًا للنار...جاء في البداية والنهاية لابن كثير (ج 7 / ص 298 ):
"عن عمرو بن شمر عن السري عن يعقوب بن راقط قال: اختصم رجلان في سلب عمار وفي قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص ليتحاكما إليه،
فقال لهما: ويحكما اخرجا عني، فإن رسول الله r قال - ولعبت قريش بعمار -: " ما لهم ولعمار ؟ عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قاتله وسالبه في النار ".
قال: فبلغني أن معاوية قال: إنما قتله من أخرجه .
يخدع بذلك أهل الشام".
إذًا : الذي قتله بيده هو من أهل النار كما بين النبيُّ r ؛ وأما قول معاوية t فيحتمل الصحة ؛ فالذي قتله هو من جاء به ليُقتل ... وليس كما قال الراوي: "يخدع أهل الشام" .
وقتل قتل عمار t شهيدًا في معركة صفين أسكنه الله الفردوس الأعلى ...

خامسًا : أما عن قوله r:" سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ".
أقول: إن الكفر كفران :
كفرٌ أكبر : وهو مُخرج عن ملةِ الإسلام.
وكفرٌ أصغر : وهو كفر دون كفرٍ؛ لا يخرج عن ملةِ الإسلامِ ، والثاني لا شك أنه ذنبٌ كبيرٌ... صاحبه في مشيئةِ الله I إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.
ففي قوله r : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ". يظهر لنا انه كفر دون كفرٍ لا يخرج عن الملة ، إلا إذا استحل القاتلُ القتلَ سواء أكان لمسلمٍ أو لغيرِه،ومن قتل مؤمنا لدينه أو لإيمانه فهذا كفر يخرج عن الملةِ ؛ وأما إن لم يستحل القتلَ فهو في مشيئةِ اللهِ إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ؛ عن عذبه من عدله وإن عفا عنه فمن فضله.....

سادسًا : إن الواجبَ عن المسلمِ أن يقول عن هذه الفتنة كما قال اللهُ I :] تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (البقرة134).
وكما قال عمرُ بنُ عبدِ العزيز - رحمه اللهُ - : " هذه فتن نجا اللهُ أيدينا من دمائهم فلا نخوض فيها بألسنتنا ".

سابعًا : إن المتأملَ في الكتابِ المقدس يجد فيه أن بعضَ الأنبياءِ ، والقديسين يقتتلون مع بعضهم البعض ؛ من أجلِ الملكِ والسلطةِ ، ومنهم من قتل أخاه من أجلِ الملكِ والسلطةِ ، ونحن ننزههم عن ذلك .... دليل ذلك ما جاء في الآتي:
1- اقتتال داود النبي مع النبيِّ شاول ، وذلك في سفر صموئيل الأول إصحاح 19 عدد 1 "وَكَلَّمَ شَاوُلُ يُونَاثَانَ ابْنَهُ وَجَمِيعَ عَبِيدِهِ أَنْ يَقْتُلُوا دَاوُدَ"..

2- سليمانُ النبيُّ يقتل أخاه الأكبر( أَدُونِيَّا ) ، وذلك من أجلِ الملك ؛ لأن أَدُونِيَّا كان الأكبر في السن وله الحق بالملك منه فقتله ! جاء ذلك في سفر الملوك الأول إصحاح 2 عدد23 " وَحَلَفَ سُلَيْمَانُ الْمَلِكُ بِالرَّبِّ قَائِلاً: «هكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ أَدُونِيَّا بِهذَا الْكَلاَمِ ضِدَّ نَفْسِهِ. 24وَالآنَ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي ثَبَّتَنِي وَأَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِي، وَالَّذِي صَنَعَ لِي بَيْتًا كَمَا تَكَلَّمَ، إِنَّهُ الْيَوْمَ يُقْتَلُ أَدُونِيَّا». 25فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِيَدِ بَنَايَاهُو بْنِ يَهُويَادَاعَ، فَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ".

ثامنًا : إن الناظرَ في تاريخِ الكنيسةِ يجد المذابحَ التي قامت مع المسيحيين بعضهم البعض، وقتل الموحدين منهم .... والقارئ لمجمع أفسوس سنة 325 م يجد أنهم كانوا يتكلمون في أمر المشيئتين والطبيعتين للمسيح ، وعندما اختلف أصحابُ المجمع كان رد فعلهم أنهم تلاعنوا وتضاربوا بالأيدي حتى أن أحدهم سقط قتيلاً مع العلم أنهم كانوا أعلم أهل الأرض بالمسيحية في ذلك الزمان وهذا اجتماع ديني ....!

والقارئ لمحاكم التفتيش يجدها أحدَ أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين،وقد امتدت وحشيتها المفرطة لتنال النصارى أيضاً فيما بعد ؛ ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس ، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، وتم تنصير البقية الباقية من المسلمين بالقوة، ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس.....!

وأخيرًا : اقتتال البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية مذابح رهيبة ....!
وتكفير الأرثوذكس لمن ليس من طائفتهم والعكس.

إذًا يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هو تعليقهم على الأحداث التي وقعت في تاريخهم لما كانت الكنيسة هي الحاكمة... ؟!


كتبه / أكرم حسن مرسي