رد شبهة : نبيُّ يتزوج من امرأة قبل انقضاءِ عدتِها (صفية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -)!

أثاروا شبهةً للطعنِ في أخلاقِ نبيِّنا r مفادها أنهم قالوا عن زواجِ النَّبِيِّ r من صفيةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - :إنه r تزوجها قبل انقضاءِ عدتِها ...! ثم قالوا : كيف يدخل بها دون عدةٍ بعد سبيها من غزوةِ خيبر.. ؟! وتعلقوا على ذلك بما جاء في صحيحِ البخاري كِتَاب( الْمَغَازِي ) بَاب (غَزْوَةِ خَيْبَرَ ) برقم 3889 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ : قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ r لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ r يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.
الرد على الشبهة
أولاً : إن هذه الشبهة تدل على جهلِ مثيرها ، وعلى عمى في أبصارِهم أيضًا ؛ لأن من الواضح لي أنهم لا يعرفون الفرقَ بين عدةِ المرأةِ المسبية ، وبين غيرِها فهذا من جهلِهم !
فعدة المرأة المسبية :هي أن تستبرئ بحيضةٍ واحدةٍ ؛ تدلل على ذلك عدة أدلة منها:
1- مسند أحمد برقم11396 ، وفي سنن أبي داود برقم 1843، و صححه الألبانيُّ في سننِ أبي داود برقم 2157 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ tوَرَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: " لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً ".
2- مسند أحمد برقم 16383 وفي سنن أبي داود برقم 1844 عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ tقَالَ : قَامَ فِينَا خَطِيبًا قَالَ: أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ : " لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ ".
حسنه الألبانيُّ في صحيح سنن أبي داود برقم 2158 .
إذن نفهم مما سبق: أن عدة المسبية الحامل هي أن تضع حملها ، وعدة غير الحامل أن تحيض حيضةً واحدة. وأما عن عمى أبصارهم أقول : جاء في الحديثِ الذي استشهدوا به ما نصه :" فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ r لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r....".
نلاحظ كلمة (حَلَّتْ ) أي: طهرت،وأصبحت حلالاً له r.
قال ابنُ حجرٍ في شرحِه : قَوْله : ( حَلَّتْ ) أَيْ: طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْض .
وعليه تسقط شبهتهم - بفضل الله I -.
ثانيًا : إن ما ثبت في صحيح البخاري شرحه هو ما ثبت في صحيحِ مسلمٍ كِتَاب( النِّكَاحِ ) بَاب (فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) برقم 2564 عَنْ أَنَسٍ tقَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ :فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ :وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ": rخَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ { فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ }" قَالَ: وَهَزَمَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ r بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا قَالَ :وَأَحْسِبُهُ قَالَ:وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَ :وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ فُحِصَتْ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ :لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r وَدَفَعْنَا قَالَ: فَعَثَرَتْ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ r وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا وَقَدْ أَشْرَفَتْ النِّسَاءُ فَقُلْنَ أَبْعَدَ اللَّهُ الْيَهُودِيَّةَ قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ: أَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ r قَالَ : إِي وَاللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ .
قال النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه : قَوْله :( حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْل فَأَصْبَحَ رَسُول اللَّه r عَرُوسًا ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذِهِ : ( ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمّ سُلَيْمٍ تَصْنَعهَا وَتُهَيِّئهَا قَالَ : وَأَحْسَبهُ قَالَ : وَتَعْتَدّ فِي بَيْتهَا ) .
أَمَّا قَوْله : ( تَعْتَدّ ) فَمَعْنَاه تَسْتَبْرِئ فَإِنْ كَانَتْ مَسْبِيَّة يَجِب اِسْتِبْرَاؤُهَا وَجَعَلَهَا فِي مُدَّة الِاسْتِبْرَاء فِي بَيْت أُمّ سُلَيْمٍ ، فَلَمَّا اِنْقَضَى الِاسْتِبْرَاء جَهَّزَتْهَا أُمّ سُلَيْمٍ وَهَيَّأَتْهَا أَيْ زَيَّنَتْهَا وَجَمَّلْتهَا عَلَى عَادَة الْعَرُوس بِمَا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ مِنْ وَشْم وَوَصْل وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَنْهِيّ عَنْهُ . وَقَوْله : ( أَهْدَتْهَا ) أَيْ زَفَّتْهَا يُقَال : أَهْدَيْت الْعَرُوس إِلَى زَوْجهَا أَيْ : زَفَفْتهَا . وَالْعَرُوس يُطْلَق عَلَى الزَّوْج وَالزَّوْجَة جَمِيعًا . وَفِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير وَمَعْنَاهُ اِعْتَدَّتْ أَيْ: اِسْتَبْرَأَتْ ، ثُمَّ هَيَّأَتْهَا ، ثُمَّ أَهْدَتْهَا . أهـ
قلتُ : لم ترد روايةُ واحدةٌ صحيحة تقول : إن النبيَّr دخل بها (صفية) قبل أن تحل له ، بل الثابت هو ما تقدم معنا كما بينتُ - بفضل الله I-
كتبه / أكرم حسن مرسي