هل أساء القرآنُ إلى مريمَ أم المسيح - عليها السلام- ؟!

قالوا : إن القرآنَ أساء إلى مريمَ - أم المسيح -عليهما السلام - ، وذلك لما ذكر كلمة الفرج ، لما قال  : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)  (الأنبياء) .

وقال  : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)  ( التحريم ).

زعموا أن كلمة ( فَرْجَهَا ) ليست لائقةً بمريم البتول ...


الرد على الشبهة


أولاً : إن هذه الكلمة كلمة لائقة جدًا ؛ فليس صحيحًا أنها غير لائقةٍ ؛فلو نظرنا إلى السياق العام نجدها لم تأتِ - هذه الكلمة - قط في القرآنِ الكريم إلا في مقامِ العفةِ والطهارةِ ، فمريم الصديقى أحق من يدخل في هذا المقام .مقام العفة والطهارة...
اليهود رموها بالتهمة الشنيعة (بالزنا) ، والقرآنُ الكريم تولى الدفاع عنها ، و أورد هذه الكلمة في هذا المقام بخلاف الأناجيل الذي أهملت حمل رايةِ الدفاعِ عنها ...
يدلل على ما سبق كل الآيات التي وردت بها كلمة ( فَرْج ) كما يلي :

1- قوله  : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (المؤمنون 5).

2- قوله : قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (النور30(.

3- قوله : وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ...  (النور31 ).

ِ4 -قوله : إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب 35(.

5 - قوله : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( المعارج 29).

ونجد ذلك أيضًا في الآيتين الآتين معنا كما يلي :

1- قوله  : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم 12 (.

2- قوله  : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ  ( الأنبياء 91 ).


ثانيًا : إن هذه الكلمة فيها كناية ، فهذه الكلمة وردت في القرآنِ الكريم للرجلِ كما وردت للمرأة ، فهي تستعمل للرجل و للمرأة مما يُثبت الكناية فيها ، والدليل على أنها أيضًا للرجلِ من القرآن الكريم عدة آيات ؛ أكتفي منها بالآتي :

1- قوله  :  قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (النور30).

2- قوله  : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)  (النور).

وعليه : فلم ترد هذه الكلمة أبدًا إلا في مقام العفةِ ، والدفاعِ عن مريمَ - عليها السلام- ، ووجودها هو على سبيل المبالغة في الدفاعِ عنها بالعفة والطهارة على ما فيها من كناية لوقوعها على الرجل كما المرأة .....

وبالمثال يتضح المقال :

1- يقول من ُرمي بالأكلِ في نهارِ رمضانَ نافيًا هذه التهمة : ما أكلت بفمي طعامًا ، لو قال: ما أكلت طعامًا لكان كافيًا ، لكن لما ذكر أنه لم يأكل بفمه أفاد المبالغة في النفي ؛ لأن الفم هو العضو الذي من خلاله يأكل الطعام ...

2- قول عائشةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - :" لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ r يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ". ( صحيح البخاري 4879).
كان من الممكن أن تقول - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - : ما مس النبيُّ يد أمرآةِ قط ُ، ولكنها بالغت بقولها :" مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِr يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ".

3- قولك : خذ بيدكَ هذا القلم مع أنه لا يعقل الأخذ بغير اليد.... وكان يكفي أن تقول خذ القلم ...

4- قولك : ما رأيتُ بعيني جريمةَ قتلٍ ، لو قلتَ : ما رأيتُ جريمة قتل لكفى ؛ وإنما زاد ذكر العينَ للمبالغة....

ثالثًا : إن من يقرأ آيةً وردت فيها هذه الكلمة لا يشعر بأي حرج ؛ من يقرءاها في سياقِها يشعر بالعفةِ والحض على الطهارةِ ، وهذا بيّن لمن كان منصفًا باحثًا عن الحق هذا بخلاف قراءةِ سفرِ نشيدِ الإنشاد ...
أذكر منه جزءًا من الإصحاح 7 عدد1مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. 3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ! 7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ...

و كذلك سفرِ حزقيال في الإصحاح الثالث و العشرون بأكملِه عبارة غير لائقة ، ولكني أكتفي هنا بالإعداد التالية :
17فَأَتَاهَا بَنُو بَابِلَ فِي مَضْجَعِ الْحُبِّ وَنَجَّسُوهَا بِزِنَاهُمْ، فَتَنَجَّسَتْ بِهِمْ، وجَفَتْهُمْ نَفْسُهَا. 18وَكَشَفَتْ زِنَاهَا وَكَشَفَتْ عَوْرَتَهَا، فَجَفَتْهَا نَفْسِي، كَمَا جَفَتْ نَفْسِي أُخْتَهَا. 19وَأَكْثَرَتْ زِنَاهَا بِذِكْرِهَا أَيَّامَ صِبَاهَا الَّتِي فِيهَا زَنَتْ بِأَرْضِ مِصْرَ. 20وَعَشِقَتْ مَعْشُوقِيهِمِ الَّذِينَ لَحْمُهُمْ كَلَحْمِ الْحَمِيرِ وَمَنِيُّهُمْ كَمَنِيِّ الْخَيْلِ. 21وَافْتَقَدْتِ رَذِيلَةَ صِبَاكِ بِزَغْزَغَةِ الْمِصْرِيِّينَ تَرَائِبَكِ لأَجْلِ ثَدْيِ صِبَاكِ. 22«لأَجْلِ ذلِكَ يَا أُهُولِيبَةُ، هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْكِ عُشَّاقَكِ الَّذِينَ جَفَتْهُمْ نَفْسُكِ، وَآتِي بِهِمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ: 23بَنِي بَابِلَ وَكُلَّ الْكَلْدَانِيِّينَ، فَقُودَ وَشُوعَ وَقُوعَ، وَمَعَهُمْ كُلُّ بَنِي أَشُّورَ، شُبَّانُ شَهْوَةٍ، وُلاَةٌ وَشِحَنٌ كُلُّهُمْ رُؤَسَاءُ مَرْكَبَاتٍ وَشُهَرَاءُ.

والأعجب قول الأب متى المسكين عنه : اللغة القبيحة الفاحشة في أحط معناها وصورها [ثم يقول] فيها كل وساخة الزنا وفحشاء الإنسان....!

جاء ذلك في كتابة (النبوة والأنبياء في العهد القديم (صــ 227/226) قائلاً :
وسوف يصدم القارئ المتحفظ باستخدام اللغة القبيحة الفاحشة في أحط معناها و صورها في مخاطبة أهل إسرائيل أربعة وعشرون إصحاحًا يفتتح بهم حزقيال نبوته عليهم فيها كل وساخة الزنا ، وفحشاء الإنسان...أهـ


رابعًا : إن وقوع هذه الكلمة ( الفرج ) في سياق الحث على الطهارة والدفاع عن الطاهرة مريم هو بمثابة شهادة حسن سيرة و سلوك ، لكن المفاجأة أن الأناجيل لم تقدم لهذه الكلمة شهادة حسن سيرة وسلوك ؛ نجد في بعض الترجمات ورود هذه الكلمة في ترجمتين عربيتين يعني أنها كلمة لائقة ، لا يمكن أن يختار من قدم هاتين الترجمتين لكتابِه المقدس إلا أطهر الكلمات و أنقى العبارات الترجمة الكاثوليكية و اليسوعية اختارتا هذه الكلمة، وذلك في الآتي :

1 - فقالوا له : " هكذا قال حزقيا : اليوم يوم الشدة والعقاب، يوم الهوان، وقد بلغت الأجنة فرج الرحم ، ولا قوة للولادة " أشعياء 37 / 3 ( الترجمة اليسوعية(.

2- سفر الملوك الثاني إصحاح 19 عدد 3: " فقالوا لَه : هكذا قالَ حِزقِيَّا : اليَومَ يَومُ الشِّدَّةِ والعِقاب ، يَومُ الهَوان ، وقَد بَلَغَتِ الأجنَّةُ فَرج الرَّحِم، ولا قُوَّةَ لِلوِلادة " . َ )الترجمة الكاثوليكية ).


خامسًا : إن الأناجيلَ ذكرت أن اليهود اتهموا أمَّ المسيح بالزنا ، ولم تذكر الأناجيلُ دفاعًا واحدًا عنها .... نجد ذلك في إنجيل يوحنا إصحاح 8 عدد41أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ:«إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».

نلاحظ من النص : أن اليهود الفرسيون كان يسوع يحاورهم وفي اثناء الحوار اتهموه بأنه ابن زنا إشارة الى أمه لما قالوا : :«إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».!

سادسًا : إن العجب العجيب هو : أن محمل الشبهة هو في الانجيل ، وليس في القرآن الكريم ؛فالاناجيل ذكرت ان مريم وجدت حبلى من الروح القدس... جاء ذلك في إنجيل متى إصحاح 1 عدد18 أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو : إن الروح القدس بحسب معتقد المنصرين هو أقنوم من أقانيم الله ؛ فهل مريم حبلت من الله بحسب هذا النص ؟!
كتبه / أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابي / رد السهام عن الانبياء الاعلام (مطبوع ).