وهكذا مر شهر الصيام مودعاً !! بقلم : د زغلول ا

لنجار - التاريخ : 2011-09-03
بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا مر شهر الصيام مودعاً !!

بقلم

الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب محمد النجار

شهر رمضان هو أفضل شهور السنة على الإطلاق، وبه العشر الأواخر التي أقسم بها ربنا – تبارك وتعالى – فقال: ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ*) (الفجر: 1-5).

والقسم هنا من الله – تعالى – وهو غنى عن القسم لعباده، ولكن إذا جاءت الآية القرآنية الكريمة بصيغة القسم كان في ذلك تنبيه لنا بأهمية الأمر المقسم به، وبأهمية جواب القسم وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا – تبارك وتعالى – بالفجر وهو أول النهار عند بداية وصول نور الصبح إلى سطح الأرض ليحل محل ظلمة الليل، وهو حدث هام بالنسبة لأهل الأرض، يدركون به مرور الزمن، ويؤرخون به للأحداث، وذلك بتبادل ظاهرتي الليل والنهار على سطح كوكبنا الأرضي، ثم يقسم ربنا – تبارك وتعالى – بالليالي العشر، وقال فيها المفسرون أنها هي الليالي العشر المباركات من أول شهر ذي الحجة، لأنها أيام الاشتغال بأعمال الحج، وهذا غير صحيح لأن المقصود بالقسم هنا هي الليالي، وليست الأيام (بمعنى النهار) وأغلب أعمال الحج تتم بالنهار.

على ذلك فإن المقصود "بالليالي العشر" في سورة "الفجر" هي الليالي العشر الأخيرة من رمضان، وفيها "ليلة القدر" التي هي خير من ألف شهر كما وصفها ربنا – تبارك وتعالى – ويقابل ذلك الأيام العشر الأولى من ذي الحجة (بمعنى نهار اليوم) وفيها يوم عرفة، وفي ذلك يروي جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال: "ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة" فقال رجل: هن أفضل من عدتهم جهاداً في سبيل الله؟ قال: "هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة". (رواه كل من أبي يعلى، والبزار، وابن خزيمة وابن حبان، واللفظ له).

والمقصود بيوم عرفة هو نهاره الذي ينتهي مع غروب قرص الشمس تحت الأفق.

ثم أقسم ربنا – تبارك وتعالى – في سورة "الفجر" بالشفع والوتر أي بكل من يومي النحر وعرفة، لكون يومالنحر هو اليوم العاشر (أي يوم زوجي)، ويوم عرفة هو التاسع من ذي الحجة (أي يوم فردي)، أو هو قسم بالله – تعالى – الخالق وهو واحد أحد، وبالمخلوقين وقد خلقهم ربهم جميعاً في زوجية كاملة حتى يبقى متفرداً بالوحدانية المطلقة ثم يأتي القسم "بالليل إذا يسر"، وفيه إشارة إلى تبادل الليل والنهار، وإلى محو النهار ولظلمة الليل، وبذلك يدرك الإنسان مرور الزمن، وتبادل الأحداث، بالإضافة إلى كون هذا التبادل لكل من الليل والنهار هو من ضرورات استقامة الحياة على الأرض، مما يدل على كمال القدرة الإلهية المبدعة لكل شيء.

وبعد ذلك يأتي هذا السؤال الاستفهامي التقرير الذي يقول فيه الحق – تبارك وتعالى -: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ). أي هل في صيغ القسم السابقة ما يقنع أصحاب العقول الرجحة؟

لأن (الحجر) هو العقل واللب. ومعنى السؤال أن الله – تعالى – يقول: إن هذا لقسم عظيم عند ذوي العقول والألباب الذين يدركون بما وهبهم الله – تعالى – من حسن الفهم أن الأمور التي جاء بها القسم تدل على أن لهذا الكون خالق حكيم عليم أتقن كل شيء خلقه مما يشهد لجلاله بالألوهية والربوبية والخالقية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.

وجواب القسم محذوف، وتقديره: ورب هذه الأشياء ليعذبن الكفار الذي طغوا في الأرض وأفسدوا فيها إفساداً عظيماً.

وهكذا مر شهر رمضان أفضل شهور السنة، بلياليه العشر الأواخر، أفضل عشر ليال في السنة، وفيها ليلة القدر أشرف ليلة في السنة على الإطلاق، والتي قال فيها ربنا – تبارك وتعالى -: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ *) (القدر: 1-5).

ويأتي هلال شوال مؤذناً بمقدم يوم عيد الفطر الذي يعرف باسم يوم الجائزة" لكل من صام نهار رمضان وقام ليله، وأحيا ثلثه الأخير وتخلق بأخلاق الصيام، واجتهد في العبادة إيماناً واحتساباً لوجه الله الكريم، ومنها مدارسة القرآن وتدبر معاني آياته، وذلك لقول ربنا – تبارك وتعالى – في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

وعيد الفطر هو "يوم الجائزة" الكبرى لأنه هو يوم مغفرة الذنوب، والعتق من النار، وما أعظمها من جائزة لأن المسلم إذا تحقق له ذلك فقد فاز أو أعظم الفوز لقول الحق – تبارك وتعالى - : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (آل عمران: 185).

ومن سسن يوم الفطر تناول تمرات وتراً قبل الخروج إلى صلاة سنة العيد، وهي من السنن المؤكدة التي يستحب لها الغسل، والتطيب، ولبس أجمل الثياب، ومخالفة الطريق، ومن تلك السنن إخراج زكاة الفطر لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : "زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (أخرجه من علماء الحديث كل من أبي داود، وابن ماجة، والحاكم).

وعيد الفطر فرصة لتجديد صلات الأرحام، ولأداء حقوق كل من الأصدقاء والمعارف والجيران، ولإصلاح ذات البين. وهو كذلك فرصة لإدخال السرور على جميع أفراد الأسرة بمختلف النشاطات المنضبطة بالضوابط الشرعية.

ومن السنن النبوية الشريفة إتباع عيد الفطر مباشرة أو على التراخي بصوم ستة أيام من شهر شوال، وذلك لقول المصطفى -صلى الله عليه و سلم- : "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر" (صحيح مسلم).

أعاننا الله – تعالى – على ذلك، وأعاد علينا أمثال شهر رمضان، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها موفقون إلى خيري الدنيا والآخرة اللهم آمين.
المزيذ على هذا الرابط هو http://info-reading.blogspot.com/