لماذا هذا المقال؟ولمن؟

د. خالد راتب

هذا المقال خُطوة على الطريق؛

لنَبدأ سويًّا في نهضة أُمَّة مَكلومة ومَحرومة، ومُتعطِّشة ومُتفائلة.

أُمَّة مكلومة بسكِّين الفساد الذي مزَّق وَحدتَها، وبرصاص الخِيانة الذي
خدش سيادتَها، وبقنَّاصة العملاء الذين عَرْقلوا نَهضتَها، وبصيحة السَّراب
من المُنتسِبين إلى صحوتِها، دُعاة على أبواب أمريكا والصَّهاينة، قِبلتُهم
الدينارُ والدِّرهم، أُشرِبوا حبَّ الزَّعامة في قلوبهم من أسيادهم، فعشَّش
الوهَنُ في قلوبهم، وركَعُوا لأعدائهم.

أمَّة مَكلومة في ليلٍ طويلٍ لم ينجلِ، وبَحْر عميقٍ مُتلاطِم الأمواج بفِتنٍ
يَشيبُ منها الوِلدَان.

أمة مكلومة تَبحث عن خيريَّتِها، وأسبابِ عزَّتِها.

أمة مكلومة؛ بسبب بَطالةٍ قاتِلة، وفقْرٍ طاش بلُبِّ الأريب.

أمَّة مكلومة في أطفالها ونسائها وشيوخها، قَتْلٌ هناك، وتشريد هنا.

أمة مَحرومة ومُتعطِّشة لتحكيم كتاب ربِّها وسُنَّة نبيِّها.

بعد قرون طويلة قَبعتْ تحت قوانينَ طاغية.


مُتعطِّشة لترى - فقد سَمِعت -:

((لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقَت، لقَطعتُ يدَها))

بعدما رأتْ:

((إذا سرَق الشريف تَرَكوه، وإذا سَرَق الضعيف سجنوه)).

أمَّة تُريد أن ترى الفاروق ساعيًا بين رعيَّتِه قائلاً:
لو نِمْتُ نَهارًا، ضَيَّعتُ رعيَّتِي، ولو نِمتُ ليلاً، ضَيَّعتُ حقَّ ربي.

أمة مُتعطِّشة لتحرير بيت المقدس، وتحرير نفسها من أمريكا والصهاينة.

أُمَّة محرومة من أمنٍ وأمانٍ وجَدَه: الذين آمنوا ولم يَلبِسوا إيمانَهم بظُلم:

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

أمَّة مُتعطِّشة إلى عدْل وقسْط، وحريَّة وعدَالة، ونور وهِداية.

أمَّة مُتعطَّشة إلى جرعة أملٍ وحبٍّ وأخوَّة، وصدْق وإخلاص.

أمَّة مُتعطِّشة إلى

((اليد العُليا أحبُّ من اليد السفلى)).

ورغم ذلك فهي أمة مُتفائلة في وعْد ربِّها بالنَّصر والتمكين:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].


لمن هذا المقال؟

هذا المقال لكلِّ من يريد أنْ يحيا كريمًا ويموت كريمًا.

فأنا لا أُخاطِب الذين باعُوا دينَهم، وأرادوا رضا عدوِّنا.

لا أُخاطِب إلا أصحابَ الإيمان والمبادئ الذين يُريدون عزًّا لدينهم
وبلادهم (هم المَعنيُّون من هذا المقال).

تَعالوا نَبدأ:

مَنطِق (لو كان كذا، لكان كذا) منطقُ العَجَزة وضِعاف الإيمان والنَّفس،
ومنطق الأقوياء (قدَّر الله، وما شاء فعَل) ، بعد (استَعِنْ بالله).

عشْنا عصْر خيانة وعَمَالة وفساد وتَفرُّق واختلاف - وما زلنا - والكلُّ
يَعرِف ذلك، وأَغلَب الناس يعرفون أكثرَ الأمراض التي تُعاني منها الأمة،
والكلُّ يعرِف تَدَاعي الأمم علينا، الكلُّ يُشخِّص الداء، ولكن لا يَصِف الدواء،
إنَّنا - وللأسف - فقهاء في الكلام، وعدِّ المآخذ، وتحليل المواقف، فأكْثر مَجالِسنا
قيل وقال، وكثرة السؤال، وفي كلِّ مشكلة نأتِي بِمُحلِّلين وسياسيِّين وحقوقيِّين،
يَتحدَّثون عن أصل المشكلة وأسبابها، وظواهِرها وخطَرها، ولكن لم نَجد حلاًّ،
وإذا وجدنا نجد حلولاً ناقِصة؛ لفقْدها الرؤيَّة الشرعية، أو الرؤية الحياتيَّة،
والسَّبب في ذلك أنَّنا أخذنا شطرًا واحدًا من حديث رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - وتركْنا الشطرَ الآخر، أخذنا: (لكل داء)، ولم نأخذ (دواء)، فكلُّ داء له
في الإسلام دواء، ولكن كثيرًا من الناس يُكابِرون، أو لا يَعلمون؛ لذا قال -
صلى الله عليه وسلم - في حديثه:

((إنَّ الله لَم يُنْزِل داءً إلا أَنزَل له شفاءً، عَلِمه من عَلِمه، وجَهِله من جَهِله)).

تعالوا نبدأ: الاعتصام والوَحدة التي لم تُبنَ أبدًا إلا على أساس الإيمان السليم
والعمل الصالح، وهذا ما نَبَّه عليه القرآن الكريم:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
[العصر: 1 - 3]،

فكانت النتيجة:

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].


طريق الأمَّة في هذه السُّورة،

فأيُّ أمَّة تستطيع أنْ تَبني مجدها عن طريق:

1- مَعرِفة الداء ومعرفة طريق المُفسدِين الخاسرين لتَتَجنَّبه:

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

ويقول الشاعر:

عَرَفْتُ الشَـــرَّ لا لِلشَّرْرِ *** لَكِنْ لِتَوَقِّيـــــــــــــــهِ
وَمَنْ لا يَعْرِفِ الخَيْـــــرَ *** مِنَ الشَّرِّ يَقَعْ فِيــــــهِ

2- الإيمان والحِفَاظ على مَنسُوبه في القلوب، والحِفاظُ عليه
يكون بالعمل الصالح، وليس أي عمَل، بل لا بدَّ أن يكون صالِحًا
يُبتَغى به وجه الله والدار الآخرة، يُبتَغى به التعاون على البرِّ والتقوى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]،

عمَلٌ صالِح يَشملُ أمور الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الإنسان جاء لتحقيق مَقصِدَين:

• عِبادة الله كما أمر على هَدْي نبيِّه وحبيبه - صلى الله عليه وسلَّم.

• عِمارة الأرض.

3- الاتِّحاد والتعاون والبُعد عن الفُرقة والاختلاف،
وذلك عن طريق التَّواصِي بالحق :

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾،

وهذه نتيجة طبيعيَّة، وثَمرة الإيمان والعَمَل الصالِح.

4- الصَّبر والتَّأنِّي في الأقوال تَجنُّبًا للشائعات،
وكذلك الصَّبر في عدم استعجال النتائج؛ فأنت ما عليك إلا أنْ تَرمي
الحبَّة وتَرْعاها، والذي يتولَّى إخراجها الذي يُخرِج الخبءَ-سبحانه وتعالى-
وهذا درْسٌ مُهمٌّ لأبناء الصَّحوة؛ لذا خَتَم الله سورة العصر بالصَّبر:

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.



منقول