قال تعالى في كتابه العزيز مؤكدا على إحدى أهم حقائق الحياة الدنيا :

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {21/35}


لماذا يشيخ الإنسان ثم يموت ؟

قبل ان نقدم إجابة مبسطة عن هذا السؤال ، يجب علينا معرفة بعض الحقائق التي قد لا يعلمها القاريء غير المتخصص في علم الأحياء (Biology)
وحدة بناء الكائن الحي هي الخلية الحية . تحتوي الخلية الحية على جسم معين يتحكم في كافة نشاطاتها يسمى بالنواة . تحتوي النواة على ما يعرف بالكروموسومات
وهي أجسام تحمل الصفات الوراثية للكائن الحي . تحتوي الكروموسومات (الجينات الوراثية) على مادة معقدة التركيب تسمى بالحمض النووي المسمى باسم (DNA)
أو الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين (deoxyribonucleic acid) . تتكون هذه المادة من سلاسل من وحدات كيمائية تسمى بـ النيكلوتيدات وهي تشبه
في الشكل سلم حلزوني ملتف حول نفسه . (شكل حلزوني مزدوج) أو (double-helix ) .





عندما تتلف خلية في الانسان يتم استبدالها فورا بأخرى سليمة عن طريق قيام الخلايا السليمة بنسخ هذا الشريط الحلزوني لصورة طبق الأصل منه ليتم استبدال الخلية التالفة به في صورة خلية جديدة . تتم هذه العملية في فترة الطفولة والشباب بمعدل سريع وتقل كلما تقدم الإنسان في العمر حتى يأتي وقت تتوقف هذه العملية
ويموت بعدها الإنسان ( هذا إذا عاش بصورة طبيعية ولم يتعرض لحادث أو مرض قاتل ) .


وقد حاول العلماء ولازالوا يحاولون معرفة أسرار هذه المادة حتى يتيحوا للإنسان فرصة الحياة في صحة جيدة لأطول وقت ممكن إن لم يكن للأبد (بزعمهم ) .
ولكن لازال العلماء يواجهون المتاعب في الوصول الى هذا الحلم بالرغم من معرفتهم كثيرا من أسرار الخلية ، حتى أنهم يعرفون أن الموت وكأنه برنامج مسجل
في خلايا كل كائن حي ولكن لازال الأمل يراودهم .

ولكن ماذا أكتشف العلماء في هذا المجال ؟

http://www.viewzone.com/aging.html


Dr. Langmore and his group looked inside human cells, at the very essence of human life: the DNA molecule. Specifically, Dr. Langmore looked at the tips of the DNA molecule -- a previously overlooked part of the double-helix molecule -- that contain a kind of chain of repeating pairs of enzymes

Called telomeres, these molecular chains have often been compared to the blank leaders on film and recording tape. Indeed, telomeres seem to perform a similar function. During the replication process the spiral DNA molecule must split in half and reassemble a copy of itself. Protecting the vital DNA molecule from being copied out of synch, telomeres provide a kind of buffer zone where mis-alignments (which are inevitable) will not result in any of the important DNA code being lost


الدكتور لانجمور و مساعديه (عالم جينات) نظروا داخل الخلية الإنسانية التي هي جوهر حياة الإنسان ، إلى جزيء الحمض النووي خاصة ، فوجدوا في أطراف هذا الشريط الوراثي مادة تسمى (تيلومر) ، وهي تلعب دور وضع علامة على نهاية الشريط الوراثي مثلما تجد في نهاية الشريط السينمائي شاشة بيضاء تدل على
نهاية الفيلم . وأثناء عملية نسخ الشريط الوراثي (لتكوين خلية جديدة) يجب ان ينقسم جزيء الحمض النووي الى النصف ليقوم بعمل نسخة مطابقة من هذا النصف ليكمل بها شريطا جديدا هو نسخة من نفسه. وتقوم مادة (تيلومر) ببيان نهاية الشريط تجنبا لحدوث أخطاء في عملية تجميع الشريط الجديد بنفس ترتيبها الأصلي .
(علما بأن الخطأ في هذه العملية وارد الحدوث) .

Perhaps the best analogy I have heard is to compare the telomeres to the white margin surrounding an important type written document. In this analogy, the printed text is the vital DNA code while the white space is the "blank" telomeres. Imagine that this paper is repeatedly slapped on a copy machine, a copy is made, and then that copy is used to make another copy. Each time the paper is subject to errors of alignment and these errors accumulate. After enough copying, it is probable that the white space will diminish and some of the actual text will not be copied. That's what happens inside our cells and it is the reason we get old and die

ربما كان أفضا تشبيه لعمل مادة (تيلومر) هذه هو وجود هامش أبيض يحيط الأجزاء الهامة لمستند ما مكتوب . ويمثل في هذه الحالة النص المكتوب كود الحمض النووي الحيوي بينما الهامش يمثل (تيلومر) . لنتصور محاولة نسخ نص مكتوب ثم نسخت من النص الجديد نص آخر وهكذا . كل محاولة نسخ قد تتعرض لأخطاء
في ترتيب الكلمات وبذلك تزيد عدد الأخطاء بعد تكرار عملية النسخ وتتراكم . وذلك سوف يؤدي الى تضاؤل مساحة الهامش الابيض (تيلومر) كما ان بعض التص ربما لن يتم نسخه . لذلك بعد تراكم الاخطاء تحدث الشيخوخة ثم الموت
.

Scientists observe that the length of telomere chains becomes shorter as we grow older. Eventually the telomeres become so short that cell replication produces lethal errors or missing pieces in the DNA sequence, ending the cell's ability to replace itself. This point, when the cell has lost vital DNA code and cannot reproduce. It's the measure of how many times a cell can copy itself before it dies

لاحظ العلماء ان سلسلة تيلومر تكون أقصر كلما تقدم العمر . أخيرا يؤدي هذا الى قصر السلسة بحيث تحدث أخطاء قاتلة في عملية النسخ مما يؤدي الى عجز الخلية
عن نسخ نفسها قبل ان تموت .
ولذلك أثبتت التجارب المعملية ان الخلايا البشرية في الانسجة التي تم تنميتها معمليا أنقسمت 50 مرة فقط قبل ان تموت . يستثنى من ذلك خلايا السرطان التي ليس لها حد في الانقسام وايضا خلايا المخ والعضلات التي لا تنقسم بعد الولادة . وهذا يقترج وجود ساعة جينية تحد من عدد مرات الانقسام في الخلايا . وكلما قل انقسام الخلايا (تجددها) كلما ازدادت الشيخوخة في الانسان ، كما ان وظائف الانسان تبدأ في التراجع مما يتسبب في الشيخوخة ثم الموت .


المصدر :

http://www.scienceclarified.com/A-Al...d-Death.html#b



Repeated experiments have shown that human cells grown in tissue culture in the laboratory will divide only about 50 times before they die. (Exceptions are cancer cells, which have unlimited growth, and brain and muscle cells, which do not divide after birth). This suggests a genetic clock that limits how many time cells can divide. It is thought that as cell division decreases, as it does in older people, the functioning of the body also begins to slow down, resulting in aging and eventual death

وقد أحيا اكتشاف أنزيم يسمى تيلومريز (telomerase) أمل العلماء في إطالة سلسلة تيلومر التي يقل طولها بعد كل انقسام طبيعي ، فهذا الانزيم يعمل على تعويض هذه السلسة بحيث يطيل فرصة انقسام الخلايا بدون التقيد بعدد خمسين (في البشر) . ولكن هذا الوضع قد ينذر بخطر جسم ، حيث ان انقسام غير محدود للخلايا يعني خطر التعرض للسرطان لآن هذا الوضع يشبه فعلا وضع الخلايا السرطانية :

While this unbounded growth property has excited many researchers, caution is warranted in exploiting this property, as exactly this same unbounded growth is a crucial step in enabling cancerous growth

http://en.wikipedia.org/wiki/Telomerase


وقد يقول قائل : وما الجديد ؟ نحن نعرف ان الموت هو نهاية كل حي

نرد على ذلك بأن كتاب النصارى المقدس يقول غير ذلك :
ففي مقابل القرآن الذي أكد ان الموت حتما لازما على كل حي ، نجد ان الكتاب المقدس عند أهل الكتاب يعطي معلومة أخرى ، وهي ان خلود بعض البشر أمر ممكن
ورد في الرسالة الى العبرانيين ما يلي :

ملكي صادق الكاهن
عب-7-1 لأن ملكي صادق هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلي، الذي استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه،
عب-7-2: الذي قسم له إبراهيم عشرا من كل شيء. المترجم أولا ((ملك البر)) ثم أيضا ((ملك ساليم)) أي ملك السلام
عب-7-3: بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة. بل هو مشبه بابن الله. هذا يبقى كاهنا إلى الأبد.

يقول المفسر القس انطونيوس فكري :

ملكي صادق بلا أب بلا أم بلا نهاية ولا بداية حياة بلا نسب (عب7: 3). هذا لا يعنى أنه حقًا بلا أب ولا أم ولا نسب وأنه يحيا حتى الآن. ولكن الكتاب لم يذكر له أي نسب ولا أي عائلة، لم يذكر أبوه ولا أمه ولم يذكر متى ولد ولا متى مات على الرغم أن الكتاب دائمًا يشير لأصل ومواليد الشخصيات المهمة.

تعليق :
هنا نرى ان المفسر يعترف ان ملكي صادق هذا يحيا حتى الآن وأنه فعلا سيكون بدون نهاية كما أنه بلا بداية . عال جدا
كتاب النصارى المقدس يقول ان هناك كائن بشري لن يموت
مع ان كل البشر يموتون مرة واحدة حتى المسيح ، فهل ملكي صادق هذا أعظم من المسيح ؟
الطريف ان المفسر بعد ان قال : (بلا نهاية ولا بداية ) و (وأنه يحيا حتى الآن) ، قال في السطر التالي : (ولم يذكر متى ولد ولا متى مات ) وكأنه لا يصدق نفسه ولا كتابه
يا رااااجل ، ماذا يعني (ولا متى مات ) بعد ان قلت (وأنه يحيا حتى الآن)
راجع الرابط :

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القس أنطونيوس فكري

عبرانيين 7 - تفسير رسالة العبرانيين

http://st-takla.org/pub_Bible-Interp...hapter-07.html

كما ان بولس صاحب الديانة النصرانية الحقيقي كان يعتقد أنه لن يموت هو ومن معه بل سيأتي المسيح في عصره وسوف يتبدل جسده هو وفرقته الى جسد روحي ثم يذهب لملاقاه الرب في الهواء !!! راجع كلام بولس :

تس-4-15: فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين
تس-4-16: لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماءوالأموات في المسيح سيقومون أولا
تس-4-17: ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب
تس-4-18: لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام

كور-10-11: فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالا وكتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور
كور-15-51: هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير

طبعا مات بولس بالسيف كما توعد الرب الأنبياء الكذابين في روما ولم ينتظر حتى يلاقي المسيح في الهواء ولكن يلاقي إبليس في الهاوية بإذن الله

وهذه المقارنة لمعرفة الفارق بين كلان الله الحقيقي والتأليف البشري المقدس

التعليق :

الخلود هو حلم الانسان حتى قبل النزول على الأرض ، وهو ما أغرى به الشيطان آدم عليه السلام و زوجه في الجنة :

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {20/120}

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ {7/20}

ولايزال العلماء (من غير المسلمين) يحاولون إلغاء الموت (الطبيعي) من حياة الإنسان لآنهم لا يؤمنون أن كل نفس ذائقة الموت .
ولكن هل تمنع الابحاث البيولوجية الانسان من الموت بالكوارث والحوادث والقتل ؟ طبعا لا ولنفرض جدلا أنهم اكتشفوا طريقة لإطالة الحياة الطبيعية لأجل غير محدود (وهيهات) كل سيحلوا مشكلة تراكم الأجيال ؟
تخيل انك تعيش في زمن يعيش معك فيه جدك السابع عشر ؟ بل و جميع أقاربك من مختلف الأجيال ، ماذا سيحدث على كوكب الأرض محدود الموارد ؟
هل سيترك أحدا مكانه للآخر طواعيةً ؟
هل سيزداد سكان الارض بصورة لا تطاق وتحدث نزاعات لا حد لها بحيث لا يكون هناك حل إلا الصراع حتى الموت ؟
ماذا ؟؟؟ الموت ؟؟ الموت الذي أردنا الهرب منه ، نلجأ إليه كحل لمشاكلنا ؟ ياللعجب
ثم لماذا لا يبحث العلماء في سبب انتحار الكثير من البشر هربا من مشاكلهم الى الموت مع ان هؤلاء كثيرا ما تكون مشكلتهم كثرة الترف وعدم المشاكل ؟
وإلا لماذا تكثر نسب الانتحار في الدول المتقدمة أكثر ؟ قبل حل مشكلة الموت فليحلوا مشكلة الانتحار أولا .
إذاً ، التغلب على الموت يؤدي حتما الى الموت ، بمعنى آخر المشاكل التي سوف تحدث من عدم الموت ليس لها حل إلا الموت نفسه .

صدق ربنا عز و جل الذي قال :

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ {3/185}

وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا