مساواة أم .. حقوق ضائعة

تطالب نساء اليوم بأمورٍ كثيرةٍ تزعُم أنَّها حقوقها الضائعة، وتَستَمِيتُ في سبيل الحصول عليها،
كحقِّ المُساواة بالرَّجُل، وحقِّ الحُرِّيَّة في أن تعمل كالرَّجُل في كل مَجال، وحتَّى في ساعةٍ مُتأخرة
من الليل، وفي أن تسافر وحدها إلى أي مكان شاءت ومتى شاءت، دون ضوابط ودون حدود... إلخ،
وهنَّ يعقِدْنَ لأجل ذلك النَّدوات والمؤتَمرات، ويرفعْنَ الشعارات! ولكن... هل هذا حقًّا ما تُريدُه
المرأةُ وتَبْحَثُ عنه؟ وهل هذه هي السَّعادة التي تبحث عنها؟ وهل من العدل مساواتُها بالرجل،
أم أنَّ هذا ظلم لها؟!

إن المرأة بمساواتها بالرجل تُحَمِّل نفسَها أعباءً وتكاليفَ فوق ما عليها؛ لأنَّ المساواة تعني أن
تخرج للعمل لتُنْفِقَ على نفسِها كالرَّجُل، وأنَّها تَقِفُ في الحافلات ووسائلِ النَّقْل المُختلِفة كما يقف
الرَّجُل، وأن تنتظِرَ كما يَنتظِرُ الرَّجُل ركوب الحافلة، وليس لها أن تَصْعَدَ قبله، أو أن تأخذ دوره،
حتى ولو أظلم عليها الليل وهي تنتظر... إلخ.

هل هذا تكريم للمرأة، أم أنه امتهان لها ولكرامتها؟ أن تزاحم الرجال، وتكدح في طلب العيش
مع وجود مَن ينفق عليها، وهي مع هذا تعاني في الحمل والولادة والنفاس، والرضاع والحيض،
والتربية ورعاية شؤون البيت، وهذا كله لا يعانيه الرجل، إذًا فهي فعلاً قد كلفت نفسها أعباء
إضافية، وهي بِهذا قد ظلمت نفسها من حيث تدري أو لا تدري!


أيها الإخوة، إنَّ هناك ظلمًا يقع على النساء فعلاً، وإنَّ هناك حقوقًا ضائعةً لهنَّ، ولكن ليست تلك
الحقوق التي ذكرناها آنفًا، والتي تطالب بها تلك الفئة من النساء، كحق المساواة وغيرها كما ذكرنا،
ولكنَّ هناك حقوقًا أوجبها لهن الشرع الحنيف ولكنهنَّ قد حُرِمْنَ منها، فكم من النساء من يُعانين
قسوة الآباء، وظلمهم لهن في تزويجهن ممن لا يَرْغَبْنَ ودون مشاورَتِهنَّ!

قال - عليه الصلاة والسلام -:

((إذا أراد الرَّجُل أن يُزَوِّج ابنَتَهُ فلْيستأْذِنْها))،

وقال:

((الأَيِّم أحق بنفسها مِن وليِّها،والبكر تُستأذن في نفسها، وإذنُها صماتها))،

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يزوج بنتًا من بناته جلس إلى خدرها، فقال:

((إن فلانًا يذكر فلانة))

يسميها ويسمي الرجل الذي يذكرها،
فإن سكتت زوَّجها، أو إن كرهت نقرت الستر، فإذا نقرته لم يزوِّجها.

وكم من النساء قد حُرمن من حقهن في الميراث من قبل إخوانِهن أو أعمامهن! بل إن هناك آباء
قد حَرموا بناتهم حقهن في الميراث في حياتهم وقبل مماتهم! ومنهم من يعطون أولادهم الذكور
العطايا والهبات، ويحرمون بناتهم منها، وهذا ظلم كبير وجور لا يرضي الله ورسوله، فعن
النعمان بن بشير: أن أباه نحله نحلاً، فأراد أن يُشهِد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
((كل ولدك نحلت كما نحلته؟))، فقال: لا، قال رسول الله - صلى اله عليه وسلم -:

((إن عليك من الحق أن تعدل بين ولدك، كما عليهم من الحق أن يبروك)).


أيها الآباء، إن أردتم أن تدخلوا الجنة، فاتقوا الله في بناتكم، وأحسنوا صحبتهن،
فالنبي – عليه الصلاة والسلام - يقول:

((ما من مسلمٍ تدرك له ابنتان، فيُحْسِن إليهما ما صحِبَتاهُ أو صَحِبَهُما إلا أدْخَلَتَاه الجنَّة)).

وكم من الإخوة من يتجبَّر ويقسُو على أخواتِه، ويفعل بِهِنَّ الأفاعيل المُنكرة! أمَا سَمِعَ هذا
الأَخُ قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -:

((من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فاتقى الله وأقام عليهن، كان معي في الجنة هكذا،
وأومأ بالسبابة والوسطى)).

ثم ماذا نقول عن الأذى الذي يُلحقه الأزواج بزوجاتهم؟ ماذا نقول عن هذا الذي يهين زوجته
ويحتقرها، ويكيل لها الشتائم، ويستولي على مالِها، ويمنعها من زيارة أهلها؟ بل ماذا نقول
عن هذا الذي يضرب زوجته؟! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

((ألا عسى أحدكم أن يضرب امرأته ضرب الأمة! ألا خيرُكم خيرُكم لأهله)).


أيها الرجال - آباء كنتم أم أزواجًا أم إخوانًا - يقول - عليه الصلاة والسلام -:

((إنما النساء شقائق الرجال))،

ويقول:

((إني أحرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))،

ويقول:

((إن الله يوصيكم بالنساء خيرًا، فإنَّهنَّ أمهاتُكم وبناتُكم وخالاتُكم.)).

فاتَّقوا الله، وارفعوا الظُّلم عن النِّساء، واتَّقوا دعوة المظلوم، فإنَّها ليس بينها وبينَ الله حجاب،

قال - عليه الصلاة والسلام -:

((اتَّقوا دعوةَ المظلوم، فإنَّها تُحمَل على الغمام، يقول الله - جل جلاله -: وعزَّتي وجلالي
لأنصرنَّك ولو بعد حين))،

وقال:

((اتَّقوا دعوة المظلوم، فإنَّها تصعد إلى السماء كأنها شرار))،

وقال:

((اتَّقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا، فإنَّه ليس دونها حجاب)).

لاَ تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا *** فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إِلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ

وكيف أيها المسلمون تريدون من الله أن ينصرنا ونحن يظلم بعضنا بعضًا، والقوي يأكل
حق الضعيف؟! لابد أن ينتهي الظَّلَمة عن ظلمهم، وأن تأخذ الأُمَّة على يد الظَّلمة، وإلا
فلا
تنتظروا أن يرفع الظلم عنا.


منقول