مراتب مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله (ت. 795 هـ:(

قوله صلى الله عليه وسلم: "وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري *"
هذا يدل على أن العز الرفعةفي الدنيا والآخرة بمتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لامتثال متابعة أمر الله، قال تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ..(النساء-80) وقال تعالى : ..وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..(المنافقون-8) وقال تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا..(فاطر-10)
وفي بعضالآثار يقول الله تعالى : "أنا العزيز فمن أراد العز فليطع العزيز" ** . قال الله تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..(الحجرات-13) ، فالذلة والصغار يحصل بمخالفة أمر اللهورسوله .

ومخالفة الرسول على قسمين :

أحدهما:
مخالفة من لا يعتقد طاعة أمره كمخالفةالكفار ، وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول ، فهم تحت الذلة والصغار ، ولهذاأمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وعلى اليهود الذلةوالمسكنة لأن كفرهم بالرسول كفر عناد .


من اعتقد طاعته ثميخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية فله نصيب من الذلة والصغار ، وقال الحسن : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم ، أبىالله إلا أن يذل من عصاه ، كان الإمام أحمد يدعو: (اللهم أعزنا بالطاعة ولا تذلنابالمعصية) .


*البخاري, (كتاب بدأ الوحي-88)
** أورده الذهبي في كتاب الموضوعات, وقال الألباني: موضوع (السلسلة الضعيفة-5752)

وقال أبو العتاهية :
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحبـــــــــــــكللدنيا هو الذل والسقــــــــم
وليــــــس على عبـــد تقي نقيصـــــة إذا حقق التقوى وإن حاك أوحجم

فأهل هذا النوع خالفوا الرسول من أجل داعي الشهوات .

(النوع الثاني ) من خالف أمره من أجل الشبهات:وهم أهل الأهواء والبدع ، فكلهم لهم نصيب من الذلة والصغار بحسبمخالفتهم لأوامره، قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ(الأعراف-152)
وأهل الأهواء والبدع كلهم مفترون علىالله ، وبدعتهم تتغلظ بحسب كثرة افترائهم عليه ، وقد جعل الله من حرم ما أحله اللهوحلل ما حرمه الله مفتريا عليه الكذب ، فمن قال على الله ما لا يعلم فقد افترى عليهالكذب ، ومن نسب إليه ما لا يجوز نسبته إليه من تمثيل أو تعطيل ، أو كذب بأقدارهفقد افترى على الله الكذب .
وقد قال الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور-63). وقال سفيان : (الفتنة أن يطبع الله على قلوبهم) .
فلهذا تغلظت عقوبة المبتدع على عقوبة العاصي لأن المبتدع مفتر على اللهمخالف لأمر رسوله لأجل هواه .

فأما مخالفة بعض أوامر الرسول صلى الله عليهوسلم خطأ من غير عمد ، مع الاجتهاد على متابعته ، فهذا يقع كثيراً من أعيان الأمةمن علمائها وصلحائها ، ولا إثم فيه ، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر على اجتهاده ،وخطأه موضوع عنه ، ومع هذا فلا يمنع ذلك من علم أمر الرسول، نصيحة لله ولرسولهولعامة المسلمين، ولا يمنع ذلك من عظمة من خالف أمره خطأ ، وهب أن هذا المخالفعظيم له قدر وجلالة ، وهو محبوب للمؤمنين إلا أن حق الرسول مقدم على حقه وهو أولىبالمؤمنين من أنفسهم .
فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمةوينصح لهم ، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة ، فإن أمر الرسول صلىالله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ .

المصدر: الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبليوالثاني: