مصدر الطّاقات على سطح الأرض
هناك عمليّة حيويّة هامّة في الطّبيعة تعرف باسم عمليّة التركيب الضوئي أو التّركيب اليخضوري وفيها يأخذ النّبات الأخضر بوجود الضّوء ووجود اليخضور ثاني أكسيد الكربون ويطرح الأكسجين ويصنع غذاءه بنفسه ويكوّن الأخشاب فيه .
لذلك يعدّ النّبات الأخضر المصدر الأهم للطّاقة التي تدير آلاتنا ومحرّكات مصانعنا التي تعتمد على حرق الوقود لاستخلاص ما به من طاقة كامنة ، وهذا الوقود إمّا أن يكون فحماً ، وإمّا أن يكون زيتاً معدنياً كالبترول ، ومصدر البترول كائنات حيّة قد تفسّخت وتحللت داخل الأرض .
وتدلّ الدّراسات الحديثة على أنّ الطّاقة المستمدّة من الشّمس عن طريق النّباتات والأشجار الخضراء هي مصدر جميع أنواع الطّاقة على الأرض ، قال تعالى :
" الذي جعل لكم من الشّجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون " ( يس 81 )
ولو عدنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أنّ هذه الآية قد جاءت بعد الآية التي روت القصّة التي دارت بين النّبي عليه أفضل الصلاة والسلام والعاصي بن وائل كما جاء في أسباب النزول للسّيوطي رحمه الله ، قال الله تعالى :
" وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم " ( يس 78 – 79 )
ما العلاقة التي تربط بين الآيتين السابقتين والآية التي تليهما ؟ ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً ) . وللإجابة نقول : إنّ الذي خلقها أوّل مرّة لا يعجز أن يعيدها مرّة ثانية بعد فنائها فهو الخبير بها وهي من صنعه , وهناك خلقاً من خلقه عزّ وجلّ يلعب دوراً مماثلاً في الطّبيعة حيث أنّ الله تعالى أودع في النّبات الأخضر عمليّة إعادة المواد الفانية من جديد ، فالأخشاب والمواد المحترقة التي تتحوّل إلى طاقة وغاز ثاني أكسيد الكربون يستطيع النّبات الأخضر امتصاصها من الجو وإعادتها من جديد إلى ساقه وأغصانه بشكل أخشاب . فإذا كانت الأخشاب قد احترقت وأصبحت بشكل غازي وتبعثرت بين جزيئات الهواء بحيث لاترى بالعين المجرّدة فالنبات الأخضر يمتصّها ويعيدها . وهذه العملية ليست ببعيدة عن إعادة جسم الإنسان الفاني الذي تحوّل إلى تراب ولا يزال بين جزيئات الجسم الصّلب . ثمّ نلاحظ أيضاً أنّ هذه الآية على صلة بالآية التي تليها :
" أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادرعلى أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلّاق العليم "
حيث أنّ عمليّة التركيب الضّوئي من الأهمّية بمكان كأهميّة خلق السّموات والأرض، ويرى علماء البيولوجيا استحالة الحياة بدونها . إذاً هذه الآيات الأخيرة من سورة يس ليست منفصلة عن بعضها ولا تتكلّم عن مواضيع مختلفة بل كلّها تدور في محور واحد وتشير إلى موضوع واحد وهو إعادة الخلق .
من كتاب "خواطر علمية من كتاب الله تعالى"
لمؤلفه محمد صفوح الموصللي
دمشق