هل هناك تناقض حول رؤية الله من القرآن أم لا؟ (الأنعام103).

زعموا أن تناقضًا واضحًا بين القرآن و القرآن ، ثم القرآن والسنة ؛ فهناك آية تقول :  لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)  (الأنعام).

ثم تناقضها آية أخرى تقول :  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  (القيامة 22).

ويأتي الحديث ليقول سترون ربكم ؛ وذلك في صحيح البخاري برقم 6882 عَنْ جَرِيرٍ قَالَ
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ r إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَافْعَلُوا.


الرد على الشبهة


أولا : إن فهم الآية الأولى هو ما أشكل فهمه على المعترضين؛ فبعد بيانها تنسف الشبهة - إن شاء الله  – نسفًا.

الآية تقول :  لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 

المعنى : أننا لن نرى الله في هذا الدنيا مؤمن وكافر؛ بل يراه في الآخرة المؤمن كما بينت الآية التي تحدثت عن الآخرة قائلة : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  (القيامة 22).

وأما الكافر فلا يرى ربه في الآخرة ، وهذا من قوله  :  كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ  (المطففين 15).

وهذه حقيقة ذكرها النبي r كما في الحديث المتقدم معنا –محل الاعتراض – وبذلك يزول الإشكال - بفضل الله -

فهم بذلك علماء المسلمين كما يلي :

1- التفسير الميسر : لا ترى اللهَ الأبصارُ في الدنيا، أما في الدار الآخرة فإن المؤمنين يرون ربهم بغير إحاطة، وهو سبحانه يدرك الأبصار ويحيط بها، ويعلمها على ما هي عليه، وهو اللطيف بأوليائه الذي يعلم دقائق الأشياء، الخبير الذي يعلم بواطنها.

2- تفسير الجلالين : { لا تدركه الأبصار } أي: لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } وحديث الشيخين [ إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ] وقيل المراد لا تحيط به { وهو يدرك الأبصار } أي: يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر وهو لا يدركه أو يحيط به علما { وهو اللطيف } بأوليائه

3- تفسير بن كثير: لا تدركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة كما تواترت به الأخبار عن رسول الله r من غير ما طريق ثابت في الصحاح والمسانيد والسنن ، كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمدا أبصر ربه فقد كذب. [وفي رواية: على الله] فإن الله يقول: { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ }
رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عَيَّاش، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي الضحى، عن مسروق. ورواه غير واحد عن مسروق، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة غير وجه
وقد خالفها ابن عباس، فعنه إطلاق الرؤية، وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين. والمسألة تذكر في أول "سورة النجم" إن شاء الله .
وقال ابن أبي حاتم: ذكر محمد بن مسلم، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقِي، حدثنا يحيى بن مَعِين قال: سمعت إسماعيل بن عُليَّة يقول في قول الله تعالى: { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } قال: هذا في الدنيا. قال: وذكر أبي، عن هشام بن عبيد الله أنه قال نحو ذلك.
وقال آخرون: { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ } أي: جميعها، وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة .
وقال آخرون، من المعتزلة بمقتضى ما فهموه من الآية: إنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب، فقوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23]، وقال تعالى عن الكافرين: { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15].
قال الإمام الشافعي: فدل هذا على أن المؤمنين لا يُحْجَبُون عنه تبارك وتعالى.
وأما السنة، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس، وجرير، وصُهَيْب، وبلال، وغير واحد من الصحابة عن النبي r : أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات، وفي روضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين.


ثانيًا : إن التناقض الحقيقي حول رؤية الله في الدنيا والآخرة هو في الكتاب المقدس الذي يذكر تناقضات واضحة في نصوص كثيرة ، ولكني اكتفي بمثال واحد كما يلي :

1- نص يقول الله لم يره أحد ، وذلك على لسان يسوع المسيح لما قال : " الله لم يَرَهُ أحد قط " .(يوحنا 1: 18) .

2- نص آخر يذكر أن موسى كلم ربه وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه : " ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه". (خروج33: 11).


ويبقى السؤال الذي طرح نفسه هو : أليس هذا تناقضا واضحا وجب على المعترضين أن يتفرغوا له ويزيلوا إشكاله...؟

كتبه / أكرم حسن مرسي