أضواء على حديث بعثت بالسيف


أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( بعثتُ بالسَّيفِ بينَ يديِ السَّاعة، حتَّى يُعبدَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لَه ، وجعلَ رزقِي تحتَ ظِلِّ رُمحي ، وجعلَ الذِّلَّةَ والصَّغارَ عَلى مَن خَالفَ أمرِي، ومَن تشبَّه بقومٍ فهوَ منهُم )) (رواه أحمد 2/50،92 وابن أبي شيبة 5/313 وإسناده حسن صحح إسناده الحافظ العراقي وجوده ابن تيمية في الاقتضاء).
ولنا مع هذا الحديث وقفات :

الوقفة الأولى: قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( بُعثتُ بالسَّيفِ )) .
يعني أن الله بعثه داعياً إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجَّة، فمن لم يستجب لدعوة التوحيد بالقرآن والحجة والبيان، دُعِيَ بالسيف والسنان، يقول تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)) (الحديد: 25) .
وقال تعالى: ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )) (التوبة: 29) .
وقال تعالى: ((فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهم)) (التوبة: 5) .
وإنما أُمر -صلى الله عليه وسلم- بالجهاد بالسيف بعد الهجرة إلى المدينة لمَّا صار له أتباع وقوَّة ومَنَعَة ، وقد كان قبل الهجرة يتهدد أعداءه بالسيف، ففي مسند أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- : (( كان يطوف بالبيت وأشراف قريش قد اجتمعوا بالحِجر وقالوا : ما رأينا مثل صَبْرِنا عليه من هذا الرجل ، قد سفَّه أحلامنا وشتم آباءنا ، وعاب ديننا، وفرَّق جماعتنا ، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمرٍ عظيم . فلما مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- غمزوه ببعض القول فعُرف ذلك في وجهه -صلى الله عليه وسلم- وفعلوا ذلك به ثلاث مرات فوقف وقال: ( أتَسمعونَ يَا معشَرَ قَرَيش ؟ أمَا والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لقَد جئتُكُم بالذَّبْحِ ) فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجلٌ إلا كأنما على رأسه الطير واقع، وحتى أنَّ أشدَّهم عليه قبل ذلك ليَلقاه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنَّه ليقول : انصرف يا أبا القاسم راشداً ، فوا لله ما كنت جهولاً )) .
هذا وقد أمر الله بالقتال في مواضع كثيرة ، قال تعالى: (( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء)) (محمد: 4) .
وقال سبحانه: ((فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)) (التوبة: 5) .
وقال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) (الحجرات: 15) .
الوقفة الثانية : قوله -صلى الله عليه وسلم- : (( بينَ يديِ السَّاعة )) .
يعني أمامها ، ومراده أنه بعث قُدَّام الساعة قريباً منها،
قاله ابن رجب: وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (( بعثتُ أنا والسَّاعة كهَاتين وأشار بإصبعيه: السَّبابة والوسطى )) .
الوقفة الثالثة: قوله -صلى الله عليه وسلم-:(( حتَّى يعبدَ اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ )). هذا هو المقصود الأعظم من بعثته -صلى الله عليه وسلم- بل من بعثة الرسل من قبله كما قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) (الأنبياء: 25) .
بل لهذا خلق الله الخلق وأوجدهم كما قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) (الذاريات: 56) .
ولما انحرف كثير منهم عما خُلقوا له، ونقضوا العهد المأخوذ عليهم، أرسل الله إليهم الرسل تجدِّد ذلك العهد الأول، وتدعوا إلى تجديد الإقرار بالوحدانية .
فكان أوَّل رسول بُعث إلى أهل الأرض يدعوا إلى التوحيد وينهى عن الشرك، فنوح -عليه السلام- لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله وإلى عبادته وحده لا شريك له، فما استجاب له إلا القليل، وأكثرهم أصرُّوا على الشرك فأغرقهم الله بالطوفان، ونجى نوحاً ومن معه من أهل الإيمان .
ثم إن الله بعث إبراهيم الخليل -عليه السلام- فدعا إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، وناظر على ذلك أحسن المناظرة، وأبطل شُبَهَ المشركين بالبراهين الواضحة، وكسر أصنام قومه حتى جعلهم جذا ذاً، فأرادوا تحريقه بنار أوقدوها له، فنجاه الله من النار وجعلها برداً وسلاماً، ووهب له إسماعيل وإسحاق، وجعل عامة الأنبياء من ذرية إسحاق، فإن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق، وأنبياء بني إسرائيل كلهم من ذرية يعقوب كيوسف وموسى وداود وسليمان- عليهم السلام- وآخرهم المسيح بن مريم -عليه السلام- وإنما دعا إلى التوحيد كما قال تعالى: ((مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)) (المائدة: 117) .
ثم طبق الشرك الأرض بعد المسيح، فإن قومه ( النصارى ) الذين ادعوا اتباعه والإيمان به أشركوا غاية الشرك، فجعلوا المسيح هو الله أو ابن الله، وجعلوا أمه ثالث ثلاثة، وأما اليهود فإنهم تبرؤوا من الشرك، فالشرك فيهم موجود ، فلقد كان فيهم مَن عبد العجل في حياة موسى -عليه السلام- وقال فيه: إنه الله ، وإنَّ موسى نسي ربه وذهب يطلبه ، ولا شرك أعظم من هذا .
وطائفةٌ قالوا: العزير ابن الله ، وهذا من أعظم الشرك ، وأكثرهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فأحلُّوا لهم الحرام ، وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم إياهم ، لأن من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق، واعتقد جواز طاعته أو وجوبها فقد أشرك بهذا الاعتبار، حيث جعل التحليل والتحريم لغير الله .
وأما العرب وغيرهم من الأمم فشركهم ظاهر، فهم يعبدون مع الله آلهة كثيرة بدعوى أنها تقربهم إلى الله زلفى ، فلما طبق الشرك أقطار الأرض بعث الله رسوله محمَّداً- صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية ، وهي دين إبراهيم- عليه السلام- ، وأمره أن يدعو الخلق كلهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فكان يدعو إلى الله سرَّاً ثلاث سنين، فاستجاب له جماعة، ثم أمر بإعلان الدعوة وإظهارها ونزل : ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)) (الحجر: 94) .
فدعا جهراً وذمَّ الآلهة ، وأخبرهم بأن من يعبدها من أهل النار، فثار عليه أهل الشرك من قومه، وأوصلوا إليه أنواع الأذى، واجتهدوا في إطفاء نور الله الذي بعثه وهو لا يزداد إلا تصميماً وثباتاً .
وكان - صلى الله عليه وسلم- يخرج بنفسه في مواسم الحج وتجمعاتهم فيعرض دعوته على قبائل العرب، ويدعوهم إلى توحيد الله وهم لا يستجيبون له بل يردون عليه، ويُسمعونه ما يكره، وربما نالوه بالأذى ، وبقي على ذلك عشر سنين يقول : ((مَن يمنعُني حتَّى أبلِّغ رسالةَ ربِّي ، فإنَّ قريشاً قَد مَنعوني أنْ أبلِّغ رسالةَ ربِّي )).
وكان يشقُّ أسواقهم في المواسم وهم مزدحمون بها كسوق المجاز ينادي : (( يَا أيُّها النَّاسُ قُولوا : لا إلهَ إلا الله تُفلحوا )) .
وعمه أبو لهب وراءه يؤذيه ويردُّ عليه ، وينهى الناس عن اتباعه ، يقول - صلى الله عليه وسلم- : (( لقدْ خِفتُ في اللهِ ومَا يخافُ أحَد ، ولقدْ أُوذيت في اللهِ ومَا يُؤذَى أحَد ، ولقدْ أتَت عليَّ ثلاثونَ مَا بينَ يومٍ وليلةٍ ومَا لِي طعامٌ يأكلُه ذُو كبدٍ إلا شيءٌ يوارِيه إِبِطُ بِلالٍ )) .
ثم إنّ أبا طالب الذي كان يحميه توفي ، ثم توفيت خديجة وكانت تشدُّ أزره وتعينه على الدعوة ، فاشتد المشركون عليه حتى خرج إلى الطائف فدعا من فيها إلى عبادة الله وحده فلم يجيبوه، و بل قابلوه بالأذى، وأغرُّوا به السُّفهاء ، فرموه بالحجارة حتى أدمَوه ، فخرج - صلى الله عليه وسلم- من الطائف ومعه مولاه زيد بن حارثة فلم يمكنه دخول مكة إلا بجوار، فأجاره المطعم بن عدي فدخل في جواره، واستمر في دعوته إلى الله، عبادته بصبرٍ وثبات ورضى، وتحمل بلا جزع ولا ضجر .
عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم- : هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد ؟ قال: (( لقدْ لقيتُ مِن قومِكِ مَا لقيتُ، وكانَ أشدُّ مَا لقيتُ منهُم يومَ العَقَبة، إذْ عرضتُ نَفسي عَلى ابنِ عبدِ يا ليل بنُ عبدِ كلال ، فلَم يُجبني إلى مَا أردتُ ، فانطلقتُ وأنَا مهمومٌ عَلى وَجهي ، فلَم أستفقْ إلاّ وأنَا بقرنِ الثَّعالبِ ، فرفعتُ رأسِي فإذَا أنَا بِسحابةٍ قدْ أظلَّتني ، فنظرتُ فيهَا فإذَا فيهَا جبريلُ فنَاداني فقالَ : إنَّ اللهَ قدْ سمعَ قولَ قومِكَ لكَ ومَا ردُّوا عليكَ ، وقدْ بعثَ اللهُ إليكَ مَلَكَ الجِبَالِ لتأمرهُ بما شئتَ فيهِم ، فنادَاني مَلكُ الجبالِ فسلَّم عليَّ ثمَّ قالَ : يا مُحَمَّد ، فقالَ : ذَلك فيمَا شئتَ ، إنْ شئتَ أنْ أُطبقَ عليهم الأخشبين . فقالَ النَّبي- صلى الله عليه وسلم- : بل أرجُو أن يُخرج اللهُ من أصلابِهم مَن يعبدُ اللهَ وحدهُ لا يشركُ بهِ شيئاً)) .
وعن عروة بن الزُّبير قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشدِّ ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : (( بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمَنْكِبِه ودفعه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربِّكم !)) (أخرجه البخاري) .
وقال عليٌّ- رضي الله عنه - : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأخذته قريش ، فهذا يجادله، وهذا يُتلتلُه، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً، فو الله ما دنا منَّا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجاهد هذا، ويتلتل هذا، ويقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ! . [البداية والنهاية 3/272] .
وهكذا استمرَّ رسول الله يدعو إلى عبادة الله وتوحيده، ويجاهد في سبيله حتى ظهر دين الله ، وأعلى ذِكره وتوحيده في مشارق الأرض ومغاربها، وصارت كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وكان ذلك علامةٌ على اقتراب أجله - صلى الله عليه وسلم- ، فانتقل - صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى وقد بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وبقي دينه إلى قيام الساعة بعد ثلاث وعشرين سنة من الجهاد والمجاهدة ، والصبر والمصابرة ، والدعوة إلى التوحيد ، وجهاد الكفار المنافقين .
نعم هو القائل: (( وَجعلَ رزقِي تحتَ ظلِّ رُمحِي )) .
يشير إلى أنه ما بُعث في طلب الدنيا، ولا بجمعها واكتنازها، وإنما بعث داعياً إلى التوحيد بالسيف لمن لم يستجب لدعوة الحق ، ومن لازم ذلك – كما قال ابن رجب – أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول دعوة التوحيد ، ويستبيح أموالهم ، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه ، فإنما المال إنما خلقه الله لبني آدم ليستعينوا به على طاعة الله وعبادته، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسوله والمؤمنين فانتزعوه منه، وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته، فمن لم يستجب لدعوة الحق بالحجة والبيان، فلا بد أن يخضع لحكم الإسلام بالسيف والسِّنان ، وما أحسن ما قال الشاعر :
دَعَا المصْطَفَى دهرَاً بمكَّةَ لمْ يُجَبْ وَقدْ لانَ منهُ جانبٌ وخِطَابُ
فَلمَّا دَعَا والسَّيفُ صَلْتٌ بِكَفِّهِ لَهُ أسْلَمُوا واسْتَسْلَمُوا وأَنَابُوا
الوقفة الرابعة: عند قوله - صلى الله عليه وسلم- : (( وجعلَ الذِّلَّةَ والصَّغَارَ علَى مَن خَالَفَ أمْرِي )) .
وهذا يدلُّ على أن العزَّة والرِّفعة في الدنيا والآخرة بمتابعة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لامتثال متابعة أمر الله ، قال سبحانه : ((مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)) (النساء: 80) .
وقال تعالى: ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) (المنافقون: 8) .
وقال: ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)) (فاطر: 10) .
فالذلة والصغار يحصل بمخالفة أمر الله ورسوله .
فأمر الله وأمر رسوله أحقُّ بالتعظيم والاتباع ، ففي طاعة الله وطاعة رسوله سعادة الدنيا والآخرة ، كما أن من أعظم ما تحصل به الذلة والشقاء مخالفة أمر الله وأمر رسوله، ولهذا لما ترك الجهاد في سبيل الله وقع الذل على المسلمين، وهذه نتيجةٌ واضحة، فمن سلك سبيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الجهاد وغيره عزَّ ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذلَّ ، يقول - صلى الله عليه وسلم-: (( إذَا تبايَعتُم بالعِينَة ، وأخذتمُ أذْنَابَ البَقَرِ ، ورضيتُم بالزَّرعِ ، وتركتُم الجهادَ ، سلَّطَ الله عليكُم ذلاًّ لا ينزعُه حتَّى ترجِعوا إِلى دِينِكُم )) [د].
أما الوقفة الخامسة: فعند قوله - صلى الله عليه وسلم- : (( ومَن تشَبَّهَ بقومٍ فهوَ مِنهُم )) .
وهو يدل على النهي من التشبه بأهل الشر مثل أهل الكفر والفسوق والعصيان ، وتعددت الأحاديث التي تنهى المسلمين عن التشبه بالكفار في عباداتهم وأعيادهم وهيئاتهم وملابسهم ، ومع النهي عنه والتحذير منه إلا أنه لا بدَّ من وقوعه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (( لَتَتَّبِعُنَّ سنَنَ مَن كانَ قبلكُم شبراَ بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، حتَّى لَو دَخلوا جُحرَ ضَبٍّ لدخلتُموه . قالوا : يَا رسولَ الله اليهودُ والنَّصَارى ؟ قالَ : فَمَن )) . [خ-م] .
وتأمل مع شديد الأسف ما وقع فيه كثير من المسلمين اليوم من تقبل لعادات الكفار وأخلاقهم ، فصار البعض لا يقيم لشعائر الإسلام وزناً ، ولا يعظم شيئاً من حرمات الله ، فعوقبوا بقسوة القلوب ، نعوذ بالله من غضبه وعقابه، إنَّ أعظم ما نحارب به أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم هو إصلاح أحوالنا، وتربية أبنائنا على طاعة الله ، نعم إصلاح النفس واستقامتها على طاعة الله من أقوى ما يواجَهُ به هؤلاء ، وهو نوع من الإعداد للجهاد في سبيل الله .

د .محمد بن عبد الله القناص