حتى المخلوقات الضعيفة عرفت السر
فسعدت


إذا قيل: سوف يسقط الثلج،
فقل: سوف نستمتع إلى حين سقوطه

تأمَّلْ في مخلوقاتِ الله؛ لتُبصِرَ ما حباك به ربُّك؛
العصفور في الجوِّ، والنَّملة في الجُحر، والسَّمكة في الماء
- مخلوقاتٌ صغيرةٌ، تُحاكُ لها المصائبُ والفِخاخُ، فتجدها هانئةً
في عَيشِها، ومع ذلك لا تتكدَّرُ حياتُها؛ لأنَّه لن يصيبَها غيرُ القدرِ المقدَّرِ،
تتكاثر وتتناسل وتستمتعُ بيومِها وأكلِها، ولا تفكِّرُ في مصيرِها؛
لأنَّ ذلك ليس من شأنِها، انظر إلى الطَّيرِ وهو يَسْبَحُ في الهواء،
ويُسبِّحُ ربَّ السَّماءِ والمساءِ، مع ما يعتريه من جهدٍ،
وما يكتنفُه من أخطار.



انظر إلى تلك الحشَراتِ الضَّعيفةِ،
دورتُها في الحياةِ أيَّامٌ معدودةٌ، عدد أصابعِ اليدِ الواحدة،
فلا تفكِّرُ متى تموتُ؛ وإنَّما تفكِّرُ في لحظتِها التي تعيشها،
وأملِها الذي تسعى إليه، النَّحلُ يبني القلاعَ، والنَّملُ يبني القرى،
وكم يعتريه من فشلٍ وعَقباتٍ، ومع ذلك تراه نشيطًا متفائلاً
من غيرِ ملَلٍ أو إحباطٍ.



وأنت إنسانٌ مكرَّمٌ من اللهِ؛ لدمِك حرمةٌ، ولمالِك حرمةٌ،
ولشخصِك حرمةٌ، جعلك ربُّك كذلك تكريمًا وتشريفًا:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾
[الإسراء: 70].


كم من الكفَّارِ مَن هو معاقٌ أو مَعيبٌ،
ومع ذلك تراه ممتِّعًا نفسَه بزينة الدنيا، عاملاً مجتهدًا،
لا يقطع ليلَه ولا نهارَه بالتأفُّفِ والتأوُّهِ، والضَّجرِ والأنينِ،
مع أنَّه لا ينتظرُ جزاءً على صبرِه، ولا جنَّةً بعد موته!!



وكيف تهتمُّ بتوافِهِ الأمورِ، وتجعلُها
تسيطرُ على سَيرِك وعَيشِك؟

أليس لك ربٌّ يعلم السِّرَّ وأخفى، يعلم حزنَك،
وقدْرَ ما تعانيه من الأسى، وقدر المفقودِ في نفسِك،
وتعلم أنَّه حكيمٌ - سبحانه - وأنَّه لا يُضِيعُ أجرَ من صبر
لوجهِه، ومن رضيَ بقضائه، ومن أحسنَ عملاً؟!



من (كتاب "ولكن سعداء.."
للكاتب أ.محمد بن سعد الفصّام)