مصر تكتب، لبنان يطبع، العراق يقرأ

"مصر تَكتب، لبنان يَطبع، العراق يقرأ"

هذه العبارةُ التي لطالَما ترنَّم بها الأدباء والمثقَّفون العرب طيلةَ عقودٍ من الزمن،
عبارةٌ تفصح عن حال الثقافة في عهدٍ خلا، وتُزيح النقاب عن وجه الأدب في عصرٍ زاهرٍ مضى،
مصر الرافعي والمنفلوطي والعقاد وأمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم يَكتبون للأمة المشوقة
للعلم والثقافة الرَّصينة والأدب الهادف، ولبنان التي اشتُهرت بسبقها في عالم الطباعة حتَّى تميَّزت بذلك
إلى يومِنا، والعراق الذي أنجب أعلامًا كبارًا في العلم والأدب، والعبارة وإن اختَزلت دولاً وبلدانًا في
مصر ولبنان والعراق، إنّما كان ذلك مجازًا عن حال الثقافة بشكلٍ عام في ربوع البلاد العربية،
حيث كانت الشعوب العربية آنذاك طموحةً لاستعادة مجدها وسيادتها ورفعتها،
وذلك بالقضاء على جماع العِلَل، المتمثِّلة في الفقر والجهل والمرض.

وكذلك فإنَّ هذا الشِّعار يُدلِّل - بما لا يقبل الشَّك - على الوحدة الثقافية العلْميَّة بين العرب،
ووحدة الثقافة تُشكِّل حجرَ الأساس في الوحدة والاتحاد العربي الذي ظلَّ حُلمًا يراود دعاةَ الوحدة
الصادقين، وليس الزائفين من أصحاب الشعارات القومية، فوحدة الثقافة الهادفة لها من الأهمية
ما يفوق وحدةَ الأرض والحدود، كما قال الأب "مونتيني" الذي أنشأ السوق الأوروبِّية
المشتركة: "كنت أتمنَّى لو أنني بدأتُ بتوحيد الثقافة في أوروبا!".



فما بال العرب اليوم
وقد استبدلوا الكلمة الفصيحة الهادفة باللحن الدَّخيل الذي فشَا على ألسنتهم،
واستبدلوا أمَّ اللغات بلهجاتٍ فرّقتهم، فمِن عزَّة ومنَعة إلى ذلٍّ وتبعيَّة؛
تبعية في الفكر حين استأجرْنا عقولَ غيرِنا ليُفكِّر عنَّا،
وتبعيَّة في القولِ حين أصبحَتْ عقولنا في آذاننا
كالببغاء نُردَّد ما نسمع دون أن نعي!

كما كنا بالأمسِ البعيد تحت راية القرآن الكريم والخلافة الإسلامية الجامعة،
فكان كل العرب مسلمين، وكل المسلمين عربًا، فلم تختلط عروبتهم بماركسية أو قومية
أو علمانية، كما لم يختلط إسلامهم بشعوبيةٍ لخناء تبغض العرب ولا ترى لهم
فضلاً قط، وتتخذ من ذلك ذريعةً لضرب الإسلام.



واليومَ يريد الشُّذاذ أن توحِّدَنا الأغاني بدل الدِّين، وتجمعنا المعازف والقَيْنات
بدل العربية والأخلاق، يريدون أن تَكتُب مصر بدل النافع الهادف المفيد - كلماتِ الأغاني
ومواويلَ الضالين وأشعارَ المجون، وبدل أن يطبع لبنان ما يُغذِّي النفوس، ويروي القلوب،
ويُحيي الموتى (موتى القلوب) - أن يلحن و(يُمَوسِق) ويتميَّع ويَرقُص في غنجٍ وسفَهٍ
وحُمقٍ، ويُريدون للعراق أن يذوب في بوتقَة الفساد والانحراف،
كما يريدون للعرب جميعهم ذلك.

فهل فرَّقتْنا العِفَّة؛ لتَجمعَنا الخلاعة؟
وهل شتَّتتْنا الفضيلة؛ لتلمَّ شعَثَنا الرَّذيلة؟!




ما فتِئَ دُعاة عَولمة الفساد يُعرِّبون برامج الغرب
المنغمس حتى أذنَيه في الشهوات والمادية؛
لتكون نُسخها المُعرَّبة إحدى أدوات إفساد الشباب العربي،
وصدِّه عن مسالك المجد، وسُبُل الرِّفعة، وطُرق المعالي،
فما بعض البرامج في بعض الفضائيات وغيرها،
إلا تسفيهٌ لأحلام الشَّباب العربي في
بلوغ أعلى رتب المجد والعلياء.



فلْتَكتُبْ مصر، وليطبَعْ لبنان، ولْيَقرأ العراق،

وليقرأ الخليج واليمَن والمَغرب...

ليقرأ العرب..

ليقرؤوا.


منقول