أدلة اضافية على عدم اصالة العدد في الانجيل:

أولاً: المخطوطات العبرية المكتشفة حديثاً لإنجيل " متى " – الذي كتب أصلاً بالعبرانية – ليس فيها هذا النص ، وهذا الأمر اعتبره الدكتور ج ريكارت - أستاذ اللاهوت في الكلية الإرسالية الإنجيلية (Kaufman, Texas) في كوفمان في ولاية تكساس – دليلاً قاطعاً على إلحاقية هذا النص بإنجيل متى ، وقال : " إن الكنيسة الكاثوليكية بالإضافة إلى أرثوذكس المشرق قد كذبوا على العالم فيما يخص هذا النص من " متى " ؛ وذلك لأن كل من عمِّد بهذه الطريقة قد عُمد كذباً ومات من غير خلاص " .

http://www.jesus-messiah.com/apologe...hew-proof.html

ويذكرنا الدكتور ريكارت بالعديد من النصوص الإنجيلية التي تتحدث عن التعميد بيسوع المسيح فقط ، كما في قول بطرس في خطبته الشهيرة : " توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس " ( أعمال 2 / 38 ) ، والسامريون اعتمدوا بمعمودية يوحنا المعمدان ، فلما سمعوا بطرس " اعتمدوا باسم الرب يسوع " ( أعمال 19 / 5 ) ، فلم يطالبهم بطرس بالتعميد باسم الآب والروح القدس ، واكتفى بالتعميد باسم يسوع .

ثانياً: يقول " أدولف هرنك " في كتابه " تاريخ العقيدة " : " صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والابن والروح القدس : غريب ذِكرها على لسان المسيح ، ولم يكن لها وجود في عصر الرسل … كذلك لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم النصرانية ما يتكلم به المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات ، إن " بولس " لا يعلم شيئاً عن هذا " ، إذ هو لم يستشهد بقول ينسبه إلى المسيح يحض على نشر النصرانية بين الأمم .

ثالثاً: ويؤكد عدم أصالة هذه الفقرة مفسرو الكتاب المقدس ومؤرخو المسيحية كما نقل ذلك المطران كيرلس سليم بسترس - رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك – بقوله :

" يرجّح مفسرو الكتاب المقدس أنّ هذه الوصية التي وضعها الإنجيل على لسان يسوع ليست من يسوع نفسه ، بل هي موجز الكرازة التي كانت تُعِدُّ الموعوظين للمعمودية في الأوساط اليونانية ، فالمعمودية في السنوات الأولى للمسيحية كانت تعطى " باسم يسوع المسيح " ( أع 2 / 38 ، 10 / 48 ) أو " باسم الرب يسوع " ( أع 8 / 16 ، 19 / 5 ) ، من هنا يرجّح المؤرخون أن صيغة المعمودية الثالوثية هي موجز للكرازة التي كانت تُعِدُّ للمعمودية ، وهكذا توسّع استدعاء اسم يسوع ليشمل أبّوة الله وموهبة الروح القدس " .

" اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر " المطران كيرلس سليم بسترس ( 2 / 48 )

رابعاً: يؤكد تاريخ التلاميذ عدم معرفتهم بهذا النص ، إذ لم يخرجوا لدعوة الناس كما أمر المسيح في هذا النص المزعوم ، بل إنه أمرهم باجتناب دعوة غير اليهود :

أ. " هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع ، وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا ، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (متى 10 / 5 – 6).



ب. ويتطابق هذا مع شهادة تاريخية تعود للقرن الثاني تناقض الأمر المزعوم بدعوة الأمم وتعميدها باسم الثالوث ، إذ يقول المؤرخ الكنسي " أبولونيوس " : " إني تسلمت من الأقدمين أن المسيح قبل صعوده إلى السماء كان قد أوصى رسله أن لا يبتعدوا كثيراً عن أورشليم لمدة اثنتي عشرة سنة " .

" الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة " الأنبا ايسذورس ( 1 / 39 ) .



ج. وقد التزم التلاميذ بأمر المسيح عليه السلام ، ولم يخرجوا من فلسطين إلا حين أجبرتهم الظروف على الخروج ، " وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس ، فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكيا ، وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط " ( أعمال 11 / 19 ) ، ولو كانوا سمعوا المسيح يأمرهم بدعوة الأمم باسم الآب والابن والروح القدس : لخرجوا امتثالاً لقوله ، من غير إكراه ، ولبشروا الأمم بدعوته .



د. ولما حدث أن " بطرس " استدعي من قبل " كرنيليوس " الوثني ليعرف منه دين النصرانية ، ثم تنصر على يديه لما حصل ذلك : لامَه التلاميذ فقال لهم : " أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه ، وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما إنه دنس أو نجس " ( أعمال 10 / 28 ) ، لكنه لم يذكر أن المسيح أمرهم بذلك ، بل قال : " نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات ، وأوصانا أن نكرز للشعب " ( أعمال 10 / 42 ) ، أي : لليهود فقط ، ولما رجع إلى " أورشليم " تعرض لمزيد من اللوم فقد " خاصمه الذين من أهل الختان ، قائلين : إنك دخلت إلى رجال ذوي غلفة ، وأكلت معهم ! " ( أعمال 11 / 2 – 3 ) ، فبدأ " بطرس " يحكي لهم عن رؤيا منامية رآها سوغت له الأكل مع الأمميين ( أعمال 11 / 4 – 10 ) ، ثم حكى لهم كيف جاءه الروح القدس ، وأمره بالذهاب ، " قال لي الروح أن أذهب معهم غير مرتاب في شيء ، وذهب معي أيضاً " ( أعمال 11 / 12 ) .

وبعد هذا العرض الإقناعي المسهب من بطرس رضي التلاميذ عن ذهابه إلى الغلف ، " فلما سمعوا ذلك سكتوا ، وكانوا يمجدون الله قائلين : إذا أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة " ( أعمال 11 / 18 ) .

وعليه فهؤلاء جميعاً بما فيهم بطرس لا يعلمون شيئاً عن نص " متَّى " الذي يأمر بتعميد الأمم باسم الآب والابن والروح القدس ، لماذا ؟ لأن المسيح لم يقله ، وهم لم يسمعوه ، ولو كان المسيح قاله لما احتاج الأمر إلى عتاب وملامة .

خامساً: وأيضاً اتفق التلاميذ مع " بولس " على أن يدعو الأمميين ، وهم يدعون الختان - أي : اليهود ، يقول بولس : " رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة ( الأمم ) كما بطرس على إنجيل الختان … أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم ، وأما هم فللختان " ( غلاطية 2 / 7 – 9 ) ، فكيف لهم أن يخالفوا أمر المسيح - لو كان صحيحاً نص " متى " - ويقعدوا عن دعوة الأمم ، ثم يتركوا ذلك لبولس وبرنابا فقط ؟ .

فكل هذه الشواهد تكذب نص " متى " ، وتؤكد أنه نص مختلق لا تصح نسبته إلى المسيح .



ثم عند غض الطرف عن ذلك كله : فإنه ليس في النص ما يسلم بأنه حديث عن ثالوث أقدس اجتمع في ذات واحدة ، فهو يتحدث عن ثلاث ذوات متغايرة قرن بينها بواو عاطفة دلت على المغايرة ، والمعنى الصحيح لخاتمة " متى " : " اذهبوا باسم الله ورسوله عيسى والوحي المنزل عليه بتعاليم الله عز وجل " ، ولهذه الصيغة الواردة في " متى " مثل لا يصرفه النصارى للتثليث ، فقد جاء في بعض رسالة " بولس " إلى " تيموثاوس " : " أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين … " ( تيموثاوس ( 1 ) 5 / 21 ) فإن أحداً لم يفهم من النص ألوهية الملائكة أو أنهم الأقنوم الثالث ، ويقال في نص " متى " ما يقال في نص " بولس " .

ويشبهه ما جاء " سفر الخروج " من دعوة بني إسرائيل للإيمان بالله وبموسى من غير أن يفهم تساوي المعطوفين في قوله : " فخاف الشعب الرب ، وآمنوا بالرب وبعبده موسى " ( الخروج 14 / 31 ) .

وهذا الأسلوب في التعبير معهود في اللغات والكتب ، وقد نزل في القرآن مثله ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ) النساء/ 136 ، وغير ذلك من الآيات القرآنية .

" الله جل جلاله واحد أم ثلاثة " ( ص 122 – 125 ) .

المزيد من التفاصيل والمراجع والوثائق:

http://aljame3.net/ib/index.php?show...aded&pid=35588