لم يزل المسلمون يتذكرون بكاء عمر - رضي الله عنه - عندما أُنزل الله تعالى على النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عرفة الذي وافق يوم جمعة، قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [1]. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا يُبْكِيكَ؟" قَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ! فَقَالَ: "صَدَقَتْ". وكأنه رضي الله عنه توقع موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قريبًا.

قال جابر رضي الله عنه: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: "لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه"[2]. وعن ابن عمر -رضي الله عنهما - قال: "وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بين الجمرات... وقال: "هذا يوم الحج الأكبر" وطَفِق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم اشهد" وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع[3].

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في حجة الوداع ثلاث خطب:
خطبة يوم عرفة.
والخطبة الثانية يوم النحر في منى.
والخطبة الثالثة في منى يوم الثاني عشر من ذي الحجة. لم تزل تضمخ آذانهم، ولئن سرى في بعضهم الإحساس بدنو رحيل رسول الله إلا إنهم لم يكونوا يتوقعون حدوث هذا سريعًا، فليس بين حجة الوداع ووفاته إلا ثلاثة أشهر، وهي مدة لا تعطي إحساسًا صادقًا لمتوقع بقرب النهاية حتى أن عمر الذي سمع هذه الآية بل وسمع سورة النصر كذلك وعلم تفسيرها الصحيح هو وبعض من الصحابة المقربين من عمر - رضى الله عنه وأرضاهم - مثلما ابن عباس - رضى الله عنهما - إلا أنهمً كانوا في خبيئة نفوسهم مستبعدين سرعة تحقيقه، لأنهم فهموا من التفسير أن هذا وإن كان لابد حادثَا لرسول الله فإنهم لم يفترضوا له زمنًا ولم يكن يتمنون - لحبهم لرسول الله - حدوثه أبدًا، كما أن الصحابة أخذوا يفسرون آيات السورة تفسيرًا ظاهريًا، فقد كان الفرح والبشر والثقة تشيع في الزمان والمكان، وتملأ الأنفس حيوية وانبهارًا.

فإن الصحابة [4] لم يكونوا يعلمون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نُعيِ إلى نفسه.. فحتى الذين تليت عليهم سورة النصر، لم يفهموا منها ما فهمه أبو بكر، وعمر، والعباس - رضي الله عنهم - وعن الصحابة أجمعين - لم يكونوا يدرون إلا أنهم في مهرجان عظيم، يحتفلون فيه بانتهاء مناسك الحج كما ينعمون بنصر الله وفضله.

فقد روى الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي عن ابن عمر قال: (نزلت هذه السورة: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم)[5].

نعم بكى عمر وهو يسمع آية الإكمال والإتمام وأحس بفراسته دنو أجل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لما تحقق نسىًّ، لأنه إنما نظر إلى سنة الله تعالى من نقص الشيء بعد كمال ازدياده، وعلم أن نقصان الدين هو موت خاتم النبيين، فبكى لذلك وازداد نحيبًا، ووقع ما علمه قريبًا، لكنه خَفى عليه لمَّا وقع بعد أيام، لينفرد الصديق بالتصديق قائمًا ذلك المقام[6].

المتأمل لسير الأحداث يرى أن علم عمر بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما جاءت به الآيات إنَّما هو العلم العام بأن نهاية الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتمًا الموت لأنها نهاية كل حي، وهو كذلك علم العامة من صحابة رسول الله التي أحسَّت بقرب الوفاة على وجه الإجمال من استقراء شواهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، مثل: عرض جبريل القرآن عليه مرتين وكان يعرضه في كل عام مرة كما أسًّر بذلك لابنته فاطمة فقالت: فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين "ولا أُراني إلا قد حضر أجلي فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك". وكذلك توديعه للأحياء والأموات. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد". وفي رواية أنه قال: "فإن جبريل أتاني.. فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"، قالت عائشة: يا رسول الله، كيف أقول لهم؟ قال: "قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"[7].

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلى على قتلى أُحُد صلاة الميت بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع علي المنبر، فقال: "إني بين أيديكم فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإن موعدكم الحوض، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن مقامي هذا، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها [وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم]، قال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله [على المنبر]"[8].

وربما عَزّز حدسهم في أن مايفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو ولاشك الوداع، فماذا تعني صلاته على شهداء مضى على موتهم قرابة الثماني سنوات، وشهداء المعارك لايصلى عليهم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، يعلق ابن حجر[9]على هذه الصلاة التى وردت بالحديث: (أما هذا الحديث فكأنه دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعًا لهم بذلك، كما ودع أهل البقيع بالاستغفار لهم).

أما أبو بكر الصديق فقد علم بأن رسول الله وشيك الوفاة بالعلم الخاص، لأن عبارات الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تدل على أن الأمر عُرِضَ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأختار كما جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم: "إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده".

وما يؤيد أنه علم الخاصة، أن العامة من الصحابة كبيرهم وصغيرهم غُمًّت عليهم وفهموا من مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله إنما عرض عليه الدنيا فاستبعدوا فكرة موته صلى الله عليه وسلم، بل لاموا الصدًيق حين بكى رضى الله عنه وعنهم أجمعين، فأصبح الصدَيق وحده هو المُصدِّق بوفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوشيكة دونهم، وهذا ليكون أبا بكرٍ أول من صدًّق برسالة محمد حين ابتعثه الله رسولًا، وليكون أول من َصدَّق وفهم مقالة رسول الله وأيقن بدنو أجله، لينفرد الصدَّيق بالتصديق على الدوام.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَطَبَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :"إِنَّ أَمِنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنَ النَّاسِ لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ لا يَبْقَيَّنَ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلا سُدَّ إِلا بَابُ أَبِي بَكْر"[10].

وربما الذي أعان الصديق على فهم مقالة رسول الله - وقد كان يفهم مراميه - هو ما كانت تعلمه بضعته وابنته السيدة عائشة رضى الله عنها، ولعله سمعه منها من جملة العلوم التي فقهتها من زوجها رسول الله حين قالت عند موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكريم : (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخيَّر بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه وأخذته بُحَّة [شديدة] يقول: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾[11]. قالت: فظننته خير حينئذ)[12].

ولئن سأل سائل ألم يشهد رسول الله بالعلم لعمر وبأنه مُحدّث كما جاء في الحديث: قال رسول الله : "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر"[13].

فهذا الحديث كما جاء في فتح الباري شرح النووي[14]: "تضمن منقبة عظيمة للفاروق رضي الله عنه وقد اختلف العلماء في المراد بالمحدَّث، فقيل: المراد بالمحدث: الملهم. وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل: مكلم أي: تكلمه الملائكة بغير نبوة.. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلمًا في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام. وفسره بعضهم بالتفرس"، فقد قال ابن حجر[15]: (والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الموافقات التي نزل القرآن مطابقًا لها ووقع له بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة إصابات. وكون عمر رضي الله عنه اختص بهذه المكرمة العظيمة وانفرد بها دون سواه من الصحابة لا تدل على أنه أفضل من الصديق رضي الله عنه).

أما ابن تيمية فقد قال[16]: (وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن أبا بكر أعلم الأمة بالباطن والظاهر، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد).

وأكد ابن القيم [17] قول من سبقوه حيث قال:
(ولا تظن أن تخصيص عمر رضي الله عنه بهذا تفضيل له على أبي بكر الصديق بل هذا من أقوى مناقب الصديق فإنه لكمال مشربه من حوض النبوة وتمام رضاعه من ثدي الرسالة استغنى بذلك عما تلقاه من تحديث أو غيره، فالذي يتلقاه من مشكاة النبوة أتم من الذي يتلقاه عمر من التحديث فتأمل هذا الموضع وأعطه حقه من المعرفة وتأمل ما فيه من الحكمة البالغة الشاهدة لله بأنه الحكيم الخبير).كما قال[18]: (فإن اختلف أبوبكر وعمر، فالصواب مع أبي بكر، وهذه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم).

وقد أسر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنته فاطمة بنبأ رحيله عن الدار الدنيا كما أسرَ إليها ثانية بعد حزنها على ما أنبأها به بخبر عرض القرآن عليه مرتين في العرضة الأخيرة من جبريل مما يعني ويؤكد رحيله، وبأنها ستكون أول أهله لحوقًا به فَسُرتْ بذلك. ويفهم ذلك من قولها: فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال: "يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة"؟ قالت: فضحكت[19]. وفي رواية: "فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت"[20].

بداءةً نود أن نُلفت القارئ بمقصودنا من "مفاهيم العامة والخاصة وخاصة الخاصة".

أولًا: بأن تلك المفاهيم تفارق وتزايل ذلك المعنى المتصور الذي أورده الإمام أبي حامد الغزالي في حديثه عن درجات الصوم الواردة في الفصل الثاني من كتاب "أسرار الصوم" من موسوعته "إحياء علوم الدين" [21]، بينما تأتي في التصور أقرب لتقسيم العلماء "الرحمة المحمدية" إلى عامة وخاصة؛ حين عرَّفوا الرحمة العامة: "بأنها التي تشمل سائر الخلائق ويدخل تحتها رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان، وعرَّفوا الرحمة الخاصة: بأنها الرحمة الخاصة بأمته ".

وإنما ما قصدتُ إليه من هذه المفاهيم من دلالة قرب علاقة صاحب الحدث بالرسول - صلى الله عليه وسلم - القلبية والمكانية - حيث مكان الحدث - فحديث عمر كان في الحج ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الأمة فالعمومية متوافرة جدًا، أما في موقف الصديق فكان الخطاب في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحُضُور من المسلمين أقل، فالخصوصية متوافرة جدًا، أما من حيث العلاقة القلبية فعامة المسلمين عامتهم قبل خاصتهم يعلمون موقع أبا بكر في قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة نورد منها ما يلى:
♦ روى الطبراني في المعجم الكبير، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله قال:" لا تؤذوني في صاحبي؛ فإن الله - عز وجل - بعثني بالهدى ودين الحق؛ فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقتَ، ولولا أن الله - عز وجل - سمَّاه صاحباً لاتَّخذته خليلاً، ولكن أخوة الله، ألا فسُدُّوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة ".

♦ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي"، قال أبو بكر‏:‏ وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال‏:‏ "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي"[22].‏

وحتى لا نغمط الفاروق حقه ومنزلته عند رسول الله نورد الحديث الذي رواه الخليفة الرابع علي رضى الله عنه، أن رسول الله قال: "أبوبكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين"[23].

أما حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع السيدة فاطمة رضى الله عنها فهو حديث الأب الموَدِّع في مرضه الأخير وابنته الوحيدة والأثيرة؛ إذن فهو حديث "خاصة الخاصة" حيث الحديث بينهما في أعلى درجات السرية والكتمان حتى عن أقرب المقربين ولو أزواجه وإن تكن عائشة، فالحديث عائلي جدًا والأب المُغادر لا يُعلنها تلويحًا أو كناية عن رحيله بل يخبرها مصارحًا في جلاءٍ ويقين بأنه لامحالة ميت كما أنها لامحالة ستموت بعده.

إنها فاطمة ابنته الحبيبة التي بشرها وهو في مرض الموت بأنها ستكون أول أهل بيته الكريم لحوقًا به فتضحك، بعدما كانت قبلها تبكي عندما أعلمها بحضور أجله حتى تعجبت السيدة عائشة وقالت: (ما رأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن!!).

هل يستطيع أب أن يَزُف هذه البشارة لابنته الشابة البالغة من العمر ثمان ٍ وعشرين سنة ولها من الذرية الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وهم صغار من سيرعاهم بعدها؟! يبشرها والدها وتفرح ولم تجفل ولم تجزع ولم تراجعه وتستعطفه بأن يدعو لها بطول العمر حتى تربي أفراخها الزغب، وتسعد أيامًا بالعيش مع صنو روحها زوجها الحبيب علي رضى الله عنهما؛ ألاَّ يذكرنا هذا الموقف بأبي الأنبياء إبراهيم وابنه الذبيح سيدنا إسماعيل نفس الرضا والتسليم مع الفارق في سير الأحداث.

ولئن تعجبنا كيف أن الابنة لم يروَّعِها النبأ بل سُرّت به فيما يمكن أن نسمي علاقة البنوة بالأبوة المتشابكة بين الزهراء وأبيها بأنها معجزة تُضاف لسيد الخلق حين نجح في أن يُهذب ويؤدب ابنته إلى هذا الحد الفائق من الطاعة حين لم تَرُد عليه مقالته، بل وجعلت نعيها بشارة فلم تغتم ولكن سُرَّت؛ ليس زهدًا في الحياة ولكن فرحًا بالمرافقة والمجاورة لأبيها في رحلته الأخيرة عن الدنيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
[1] (المائدة: 3).
[2] (مسلم برقم 1297).
[3] (البخاري برقم 1742).
[4] خالد محمد خالد: عشرة أيام في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ص 183.
[5] أخرجه البزار، والبيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة، وعبد بن حميد في مسنده...
[6] ناصر الدين الدمشقي: سلوة الكئيب بوفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم ص 92.
[7] (أخرجه مسلم برقم:974).
[8] (البخاري من الألفاظ في جميع المواضع، برقم: 1344، 3596، 4042، 4085، 6426، 6590، ومسلم برقم: 2296، وما بين الهلالين من صحيح مسلم).
[9] فتح الباري 7/349.
[10] (‏أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب ‏(‏5/4‏)‏.
[11] (النساء: 69).
[12] (البخاري برقم 4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509، ومسلم برقم 2444).
[13] (البخاري رقم 3689، مسلم رقم 2398).
[14] فتح الباري (7/50)، شرح النووي (15/166).
[15] ابن حجر: فتح الباري (7/51).
[16] مجموع الفتاوى (13/ 237).
[17] مفتاح دار السعادة (1/255).
[18] أعلام الموقعين (4/ 119).
[19] [البخاري برقم 4433، 4434، ومسلم برقم 2450، واللفظ لمسلم ].
[20] [ البخاري برقم 4433، 4434، ومسلم 2450]
[21] إحياء علوم الدين ج- 1 ص- 306.
[22] أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم.
[23] (حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره) [للاستزادة: انظر الغرر في فضائل عمر للسيوطي].