: هل كان لوطٌ يأوي إلى ركنٍ شديدٍ ؟!

أُثيرت شبهةٌ حول نبيِّ اللهِ لوط تقول : لقد تعجب رسولُ الإسلامِ من فعلِ النبيِّ لوطٍ لما جاء أهلُ سدوم إليه وعنده الضيوف طالبين إياهم للفاحشةِ ، فلم يلجئ لوطٌ إلى اللهِ ليدافع عنهم ...
بل يقول لهم : لو أن لي عشيرة وأهل لدافعوا معي عن أضيافي ...
تعلقوا بما جاء في الآتي :
1- قوله :  قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) (هود).
2- صحيح البخاريِّ كِتَاب (أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ ) بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ } برقم 3135 عن أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : r " يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ... ".

الرد على الشبهة

أولاً : إن المعترضَ يعتقدُ أن النبيَّ rأصابته الدهشة من فعلِِ لوطٍ ظنًا منه أنه أعتمد على الأسبابِ ونسي مسببَ الأسبابِ (الله  ) ، وهذا باطل... بل الحق أن النبيَّ r دعا له بالرحمة قائلاً :" يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا ، لَقَدْ كَانَ يأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ".
ودعا له بالمغفرةِ قائلاً : " يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" . صحيح البخاري برقم 3124
ويدلل على ما سبق ما قاله ابنُ حجرٍ في الفتحِ: وقد ثَبَتَ أَنَّه ُr دَعَا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء فَلَمْ يَبْدَأ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَنَاقِب مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " يَرْحَم اللَّه لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْن شَدِيد " . أهـ
وعليه فلم يقل النبيُّ r الحديثَ عتاباً على نبيِّ اللهِ لوطٍ ، ولكن تعجبًا لفعله إذ كان يبحث عن المددِ وهو لا يعلم بوجود الملائكة معه في بيته على صورةِ البشر( الضيوف) ، فدعا له بخيرٍ لما ذكر لأصحابِه ضيقَ حالِه في ذلك الموقف.
ثم إن المقصود من قولِ النبيِّ r: " لقد كَانَ لقد يأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ". أي: يأوي إلى اللهِ  ....
هذا واضح من أقوال العلماء كما يلي :
1- قال ابنُ حجرٍ – رحمه اللهُ- في الفتحِ : قَوْلُهُ : ( يَغْفِر اللَّه لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) أَيْ: إِلَى اللَّه ، وَيُشِير r إِلَى قَوْله تَعَالَى : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) . أهـ
2- قال النوويُّ– رحمه اللهُ- في شرحه :وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ r: ( وَيَرْحَم اللَّه لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْن شَدِيد ) فَالْمُرَاد بِالرُّكْنِ الشَّدِيد هُوَ اللَّه ، فَإِنَّهُ أَشَدّ الْأَرْكَان وَأَقْوَاهَا وَأَمْنَعهَا . أهـ
3- قال صاحبُ تحفة الأحوزي – رحمه اللهُ-: " وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ " أَيْ :إِلَى اللَّهِ  ، يُشِيرُ rإِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ }. أهـ


ثانيا : إن قولَ المعترضِ لم يلجئ لوطٌ إلى اللهِ ليدافع عنه بل يقول لهم : لو أن لي عشيرة وأهل لدافعوا معي عن أضيافي ... قول باطل لا دليل عليه ، فهو لجاء إلى اللهِ  (الركن الشديد) كما تقدم معنا ، ولكنه أظهر في كلامِه للضيوف أن لو كان له عشيرة لمنعتهم من أن يصلوا إليهم ليفعلوا بهم الفاحشة ،وذلك على سبيل تقديم الاعتذارِ لهم ولإظهارِ أخذهِ بالأسبابِ .... يدلل على ذلك ما يلي :
1- ظاهر تتمة الآيات الكريمات:قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)  (هود).
2- قول النوويُّ– رحمه الله- في شرحِه : وَمَعْنَى الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم : أَنَّ لُوطًا r لَمَّا خَافَ عَلَى أَضْيَافه وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَة تَمْنَعهُمْ مِنْ الظَّالِمِينَ ضَاقَ ذَرْعه وَاشْتَدَّ حُزْنه عَلَيْهِمْ ، فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْحَال : " لَوْ أَنَّ لِي بِكَمْ قُوَّة " فِي الدَّفْع بِنَفْسِي " أَوْ آوِي " إِلَى عَشِيرَة تَمْنَع لَمَنَعْتُكُم وَقَصْد لُوط r إِظْهَار الْعُذْر عِنْد أَضْيَافه ، وَأَنَّهُ لَوْ اِسْتَطَاعَ دَفْع الْمَكْرُوه عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ مَا لَفَعَلَهُ وَأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعه فِي إِكْرَامهمْ وَالْمُدَافَعَة عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِعْرَاضًا مِنْهُ r عَنْ الِاعْتِمَاد عَلَى اللَّه تَعَالَى ، وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَطْيِيب قُلُوب الْأَضْيَاف وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَسِيَ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي حِمَايَتهمْ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِلْتَجَأَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّه تَعَالَى وَأَظْهَرَ لِلْأَضْيَافِ التَّأَلُّم وَضِيق الصَّدْر . وَاَللَّه أَعْلَم . أهـ