مفهوم الضلال في الآية الكريمة ومعناه
إن كلمة الضلال في اللغة لهي من المشترك اللفظي..
فما هو مفهوم المشترك اللفظي في القرآن الكريم؟..
المشترك اللفظي يطلق على تسمية الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، أو بتعبير الإمام السيوطي هو: اللفظ الواحد الدال على
معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة.. وقد اختلف أهل اللغة في أمره، فمنهم من قال بوقوعه في اللغة
كالأصمعي والخليل بن أحمد وسيبويه وابن فارس وابن قتيبة وأبي عبيدة وغيرهم، وأفردوا مؤلفات خاصة سردوا له فيها أمثلة كثيرة،
وهو عندهم سمة إيجابية ودليل على ثراء اللغة وطواعيتها ومرونتها واتساعها في التعبير..
والقرآن الكريم باعتباره كتاب الله عز وجل المنزل باللغة العربية، وعلى عادة العرب وطرائقهم في التعبير.. قد ورد فيه طائفة من
الألفاظ المشتركة عني بجمعها وتصنيفها مجموعة من العلماء. وكان ذلك سببا من أسباب اختلاف المفسرين والفقهاء وعلماء الأصول
في تأويل كثير من النصوص القرآنية، وقد أدى هذا الأمر إلى الاختلاف في الاستنباط وتقرير كثير من الأحكام الفقهية. لذلك حظيت
هذه الظاهرة، أي ظاهرة وجود المشترك اللفظي في القرآن الكريم بعناية كبيرة من لدن المتقدمين، وعرفت باسم الوجوه والنظائر
في القرآن الكريم، قال الزركشي: (فالوجوه اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان، كلفظ «الأمَّة»، والنظائر كالألفاظ المتواطئة).
بل الأكثر من ذلك أن الإمام السيوطي عد وجود الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم من أعظم مظاهر إعجازه
(حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك فـي كـلام البشر).
وكأنه يشير بذلك إلى قابلية اللفظ القرآني وقدرته على تحمل معاني متعددة. فهو إذن وسيلة من وسائل التوسع في التعبير
عند العرب، وسبب من أسباب توفير معاني القرآن الكريم، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى تعامل بعض العلماء مع هذه القضية.
و لفظ الضلال يطلق في القرآن، وفي اللغة العربية على إطلاقات عدة..
فيطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشيء، حيث تقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضلّ عنه،
وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: ( وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ ) ، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم،والأسرار التي لا تعلم إلا عن
طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ .
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى في كِتَابٍلاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى) .
فقوله: ( لاَّ يَضِلُّ رَبّى )، أي: لا يذهب عنه علم شيء كائنًا ما كان .
وقد يطلق وهو المشهور في اللغة، وفي القرءان على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر،وعن طريق الحقّ إلى الباطل،
وعن طريق الجنّة إلى النار، ومنه قوله تعالىٰ: ( غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ).
وقد يطلق على الغيبوبة والاضمحلال ،تقول العرب: ضلّ الشيء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم: ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ،
ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.
ومن هذا المعنى قوله تعالىٰ: ( وَقَالُواْ أَءذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلاْرْضِ ) ، يعنون: إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها،
أي: غابوا فيها واضمحلّوا .. وقد وردت الكلمة بمشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من ( 375 ) مرة
ويمكن إجمالها فيما يلي :
1 ـ من معاني الضلال : التيه والانحراف : مثال هذا المعنىقوله تعالى في سورة المائدة " .. وأضلّوا كثيراً ، وضلوا عن سواء السبيل " ،
فقدانحرفوا وأمالوا عن الحق كثيراً من أتباعهم ومن وثق بهم . وفي سورة السجدة ينفي الله تعالى الغواية والانحراف عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم
" والنجم إذا هوى؛ ما ضل صاحبكم وما غوى " .
2 ـ وتعني كلمة الضلال بمعنى الوقوع في المتاهة والخطأ ،كقوله تعالى ينعى على الكفار تخبطهم في حديثهم مع النبي صلى الله عليه وسلم
ومحاولة تيئيسه من الدعوة ، والتضييق عليه ليتركها ، فوقعوا في أخطاء كبيرة : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ، فلا يستطيعون سبيلاً " .
3ـ ومن معاني الضلال الخسران وإبطال الثواب : ومن أمثلة ذلك المعنى قوله تعالى في سورة سيدنا محمد " والذين كفروا فتعساً لهم ،
وأضل أعمالهم " فالكافر ليس له في الآخرة نصيب ، وكل عمل لا يقوم على أساس الإيمان ليس لصاحبه خلاق في الأمن والنجاح يوم القيامة ،
وأضل أعمالهم ، أحبطها فخسروها . وعلى هذا نرى في قوله تعالى في السورة نفسها : " والذين قتلوا في سبيل الله فلن يُضل أعمالهم ،
سيهديهم ويصلح بالهم .. " فقوله : لن يضل أعمالهم : لن يحبطها ، ولن يبطل ثوابها ، بل يصلح بالهم فيزيدهم من فضله وكرمه .
ومثال ذلك قوله تعالى في سورة غافر " وما كيد الكافرين إلا في ضلال " وقوله سبحانه في السورة نفسها " ومادعاء الكافرين إلا في ضلال
" فمكر الكافر وكيده في الدنيا عليه وليس له ، ودعاؤه في الآخرة لا يُقبل ، إنه لا ينجو هناك إلا المؤمن الموحّد.
4ـ ويأتي الضلال بمعنى الغفلة والجهل بالشيء ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة يبحث عن الحقيقة ،
فهداه الله إليها بعد غفلة عنها وجهل بها ، هذا ما نجده في قوله تعالى في سورة الضحى " ووجدك ضالاًّ فهدى " ، يوضحها قوله تعالى :
" وإن كنت من قبله لمن الغافلين ؟ " فالضلال هنا الجهل بالشيء والغفلة عنه .
ولما اتهم فرعون سيدنا موسى بالكفر حين قتل القبطي ، فقال له " وفعلت فَعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين
" رد عليه موسى نافياً الكفر ومثبتاً الجهل والغفلة إذ ذاك " فعلتها إذاً وأنا من الضالين " لم يكن رسولاً بعد ، وكان غافلاً عن أمر الرسالة .
5 ـ وقد يأتي الضلال بمعنى الهلاك . مثال ذلك قوله تعالى " إن المجرمين في ضلال وسُعُر" قال القرطبي إن الضلال هنا الهلاك لمساوقته كلمة " سُعُر "
وفي قوله تعالى في سورةالإسراء ، وقد جاءت الآية نفسها دون تغيير في سورة يونس " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ،
ومن ضل فإنما يضل عليها " ومعنى يضل عليها يهلكها ، ويدخلها عذاب جهنم .
وفي قوله تعالى في سورةالنساء " يبين الله لكم أن تضلوا " نجد معنى الهلاك واضحاً . فمن لم يتبع البينة ويعمل بها هلك .
وكذلك في قوله تعالى " ... ضل سعيهم في الحياة الدنيا " فخاب وهلك .
6ـ والضلال هو آخر مراتب الحب ..فالحب أوله العلاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الصبابة لانصباب القلب إليه ثم الغرام
وهو الحب الملازم للقلب ثم العشق وآخرها الضلال.
الحب إحساس داخلي جاهز فطري في داخلنا ينمو إذا واتته الظروف.
وهو ينمو دائماً من الداخل . .
والحب هو تعلق روح بروح ، واشتباك نفس بنفس ، دون النظر إلى جمال جسد ، أو حسن مظهر.
والحب هو عمى العاشق عن عيوب المعشوق.
قيل لبعض العلماء : إن ابنك قد عشق ! فقال : الحمد لله !
الآن رقت حواشيه ، و لطفت معانيه ، وملحت إشاراته ، وظرفت حركاته ، حسنت عباراته ، وجادت رسائله ، وجلت شمائله ، فواظب المليح ، وجنب القبيح.
وسئل أحد العلماء وقيل له : هل سلم أحد من العشق؟ فقال : نعم الجلف ..فالجلف هو الجافي الذي ليس له فضل ولا عنده فهم
العشق
هو فرط الحب وأمره واخبثه
الهوى
وهو ميل النفس إلى الشيء
العلاقة
وهو الحب اللازم للقلب
الكلف
وهو شدة الحب
الشغف
وهو ارتفاع الحب أعلى موضع من القلب
الشعف
وهو إحراق الحب للقلب
الجوى
وهو الهوى الباطن والحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن
التتيم
وهو التعبد والمتيم هو الذي تيمه الحب إذا عبده
التبل
وهو أن يسقمه ويمرضه الهوى
التدله
وهو ذهاب العقل من الهوى
الهيام
وهو اشد العطش
الصبابة
وهي رقة الشوق وحرارته
المقة
المحبة الوامق المحب
الوجد
هو الحب الذي يتبعه الحزن
الدنف
هو المرض واستعمل العرب هذا الاسم للحب اللازم
الشجو
هو الحب الذي يتبعه هم وحزن
الشوق
هو سفر القلب إلى المحبوب
البلبال
هو الهم ووسواس الصدور
التباريح
الشدائد والدواهي يقال برح به الحب والشوق إذا منه البرح وهو الشده
الغمرة
ما يغمر القلب من حب أو سكر
الشجن
هو حاجة المحب اشد إلى محبوبة
الوصب
هو ألم الحب ومرضه
الكمد
هو الحزن المكتوم
الأرق
السهر و هو من لوازم الحب
الحنين
هو الشوق الممزوج برقه
الجنون
ومن الحب ما يكون جنوناً واصل مادة الجنون الستر والحب المفرط يستر العقل
الود
هو خالص الحب وألطفه وأرأفه
الخلة
توحيد المحبة وقيل سميت خله لتخلل المحبة جميع أجزاء الروح
الغرام
هو الولوع و الحب اللازم واغرم بالشيء أي أولع به
الوله
هو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد
الرسيس
وهو الثبات ورسوخ صورة المحبوب في النفس
الجزع
هو عدم الصبر على الفرقة
السُّـهْدُ
شدة السهر وتواتر أحوال المحبوب على القلب
الغل
شدة العشق
اللهف
حزن وتحسر ، اللهفان المتحسر ، واللهيف المضطر
التبالـه
تبله الحب أي أسقمه وأفسده
اللوعة
لحرقه لوعه الحب حرقته
الداء المخامر
وهو من أوصافه وسمي مخامراً لمخالطته القلب والروح
السدم
هو الحب الذي يتبعه ندم وحزن
والضلال هو كل ما سبق من مراتب الحب..
ففي قوله تعالىٰ عن أولاد يعقوب عليه السلام: (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلٰلٍ مُّبِينٍ) ،وقوله: (قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ)،على التحقيق في ذلك كلّه ،
ولا يفهم من هذا كله أن أولاده ينعتونه بالضلال المتعارف عليه وهوالضلال في الدين ; إذ لو أرادوا ذلك لكانوا كفارا..
ووصف النسوة لامرأة العزيز بقولهم: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) يوسف: 30
فلقد اجتمعت كل معاني الحب في قلبها وقالبها الأمر الذي جعل النسوة يقولون ما قد قالوه..
ومن هذا المعنى قول الشاعر: وتظنّ سلمى أنني أبغي بها...بدلاً أراها في الضلال تهيم
وحينما تناول المفسرون قوله تعالى واصفا نبيه عليه الصلاة والسلام: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..قالوا كلاما لا يقنع ويسيء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحب أن اذكر ما قالوا هنا..ولكنني أقول بخلاف قولهم فقوله الله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..
أي وجدك مضلولاً عنك فهدى الخلق إلى الإقرار بنبوتك والاعتراف بصدقك..
وعليه فوجدك ضالا بمعنى مضلول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وسر كاتم بمعنى كتوم..
ومع ذلك فالمدقق في الآيات وفروعها يجد معنى أعمق من ذلك بكثير..
أقول(كاتب المقال زهدي):
قال تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)..يتفرع منه قوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
فكان يتيما فآواه ومرتب عليه .. لا تقهر اليتيم
قال تعالى : (وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى)..يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاتَنْهَرْ)
وكان عائلا فأغناه ومرتب عليه.. لا تنهر السائل
قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)..يتفرع منه قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
فهل مرتب على من كان ضالا ..أن يحدث بنعمة ربه على ضلاله..مستحيل؟؟!!..إلا إذا كان المعنى بخلاف ذلك..
فالمعنى الذي أرتاح إليه هو أن الله سبحانه وتعالى وجدك يا محمد محباً له سبحانه وتعالى تبحث عن بُرهان
ودليل على الوحدانيّة ـ فهداك إليه ـ فجعلك رسولا نبيّا..وتلك نعمة أيما نعمة.. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)..
فكان مُنذ صِغره صلى الله عليه وسلم(حنيفا) .. مِثل أبوه إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
المفضلات