بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب

المسيحية فى ضوء التعصب الاعمى والتقليد

تعصب الانسان لما تربى ونشأ عليه من معتقدات او رؤيته اياها اصح الصحيح يكاد ان يكون طبيعة معوجة فى الانسان وان لم يكن فى الحقيقة كذلك يكفى لعلاجها المعرفة والاعتبار ولا علاقة له بخطأ او صواب هذا المعتقد والدليل على ذلك ان كل اصحاب الديانات الوضعية والوثنية من هندكيون وبوذيون وطاويون ومجوس وغيرهم ينظرون لدياناتهم ومعتقداتهم نفس هذه النظرة مما لا يجعل مجالا للتمييز فى هذا الكرنفال العظيم الا للعقل ولا شىء سواه بالاضافة الى ان التعصب الديني لا يختلف في شيء البتة عن أي تعصب آخر سواء أكان قومياً أو طائفياً أو قبلياً أو وطنياً أو مناطقياً أو عرقياَ .
وعلم النفس يؤكد على ذلك فى دراسته لسيكولوجية التعصب و نفسيه التعصب الاعمى ليظهر لنا بان التعصب لا يخرج عن كونه طبيعة معوجة فى الانسان تحركها بواعث نفسية قد تكون فى بعض الاحيان مرضية لا علاقة لها بصحيح او خاطىء .
فعلم النفس الحديث : "يعرِّف التعصب بأنه "اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك موضوعاً معيناً أو فرداً آخر غيره أو جماعة من الناس أو طائفة أو مذهباً (إدراكاً إيجابياَ محباً) أو (إدراكاً سلبياً كارهاً) دون أن يكون لطبيعة هذا الإدراك بجانبيه ما يبرره من المنطق أو الأحداث أو الخبرات الواقعية او الثوابت المطلقة" ووفقاً لهذا التعريف، فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما (رؤية عقدية مثلا) إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها فإنه لا يأخذها على أنها مجرد أحد المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها مجرد رأي ينضاف إلى آراء أخرى عديدة لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار، لا بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً فسينظر إليها باعتبارها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان دامغة الحجة لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي (رؤى الآخرين المخالفة) فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة عارية من كل ما يمت إليها بصلة، متفاصلة مع كل ما يتصل بالخير أو الجمال أو الفاعلية أوالإبداع الإنساني مفاصلة نهائية لا رجعة فيها، ويترتب على تلك النظرة (اللاواعية) أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه (الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية والسلبي تجاه رؤى الآخرين) فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبدا، بنفس الوقت الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة.
من هنا فالتعصب كما يرى عالم النفس العربي الدكتور مصطفى زيور "ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية" وبالتالي فيمكن أن تتعدد مظاهرها بدون أن يغير ذلك من ظاهريتها الاجتماعية البحتة، فالتعصب الديني مثلاً لا يختلف في شيء البتة عن أي تعصب آخر سواء أكان قومياً أو طائفياً أو قبلياً أو وطنياً أو مناطقياً أو عرقياَ، فكلها صور وتشكلات لظاهرة اجتماعية واحدة لكل صورة منها بواعثها النفسية الداخلية، ومن هذا المنطلق - أعني اجتماعية ظاهرة التعصب - فقد تناول علم النفس الحديث الاتجاهات التعصبية على أساس دراسة جذورها ومكوناتها البيئية والثقافية التي عملت على تعميقها وتضمينها (اللاشعور) الفردي، وهو ما يعني أنها ليست صفة بيولوجية تنتقل تأثيراتها عبر المورثات الجينية من جيل إلى جيل، إنها ببساطة شديدة ظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري يستطيع الناس اكتسابها وفق شروط ثقافية واجتماعية معينة" .
http://forum.stop55.com/116472.html
اذن هناك اشياء كثيرة تعمى البصر والبصيرة فتجعل الانسان يرى الحق باطل والباطل حق وتعصب الانسان اكبر دليل على ذلك اى عدم اعتبار العقل والثوابت والمنطق , فعدم اعتبار الانسان للثوابت والمنطق واعمال العقل يجعله فى حالة من اللاوعى لن يفلح فيها الاعتذار.
"لذا يرفض الإسلام لاعتباره ذلك أخذ الأمور عن طريق التقليد الأعمى، ويطلب أخذها عن طريق المعرفة والاقتناع وهذا لا يتأتى إلا بعد الانفتاح على مجمل الآراء ومعرفة الصواب منها عن طريق اعمال العقل.
ومن هنا تأتي فتاوى العلماء بضرورة الإيمان بالأصول عن طريق الاستدلال والبرهنة وفي ذلك إعطاء الفرد فسحة ومتسعاً من الحريــــة فـــي الإيمان وعــدمه كما يـــقرر ذلك القرآن (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.. ) وبهذا تكون حرية الاختيار حق مكفول للجميع (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) وقوله تعالى (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات.. ).
وقراءة سيرة الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم) تحقق لنا ما ذكره القرآن من الدعوة لحرية الرأي وسيرته العملية دليل صدق على ذلك، فقد احترم الرأي الآخر ولم يقلّل من شأنه كما في قوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ولم يعمل على إسقاطه والتاريخ يحدثنا عن دخول النبي(صلى الله عليه وسلم) في حوارات ولقاءات مع الرأي الآخر كما في قصة المباهلة مع وفد نصارى نجران، بل أقر لهم العمل بدياناتهم ـ مع غض النظر عن فسادها وصلاحهاـ والزمهم بما التزموا به من عقائدهم ومعاملاتهم...
وقد رفض النبي(ص) أن يعاقب أحد على دينه يهودياً كان أم نصرانياً، ولذا تجد أهل الديانات الأخرى انخرطوا في الدفاع عن المسلمين رغم تباعد الديانة والثقافة كما في قضية سهيل بن عمرو، عن الواحدي في كتابه المغازي حين فتح المسلمون مكة أرسل ابنه عبدالله إلى النبي(ص) يطلب له جواراً فلما التقى عبد الله بالنبي(ص) قال تؤمن أبي يا رسول الله(ص)؟ قال نعم هو آمن بأمان الله فليظهر لعمري أن سهيلاً له عقل وشرف وما مثل سهيل جهل الإسلام.. فخرج عبد الله إلى أبيه فأخبره فكان يقبل ويدبر وهو أمن دون أن يسلم بل وخرج بعد ذلك في جيش النبي(ص) إلى حنين وهو على شركه حتى اسلم بعد ذلك في الجعرانه".
http://www.annabaa.org/nba48/enfetah.htm
ولقد حذر الانجيل من السير وراء اصحاب الغرائب والاعاجيب اذا كان ما يدعون اليه مناقض للعقل والفطرة كما ورد فى سفر التثنية (13 : 1-5 ) (اذا ظهر بينكم نبى او صاحب احلام وتنبأ بوقوع آية او اعجوبة فتحققت تلك الاية او الاعجوبة التى تنبأ بها ثم قال هلم نذهب وراء الهة اخرى لم تعرفوها ونعبدها فلا تصغوا الى كلام ذلك النبى او صاحب الاحلام لان الرب الهكم يجربكم ليرى ان كنتم تحبونه من كل قلبوبكم ومن كل وانفسكم اما ذلك النبى او الحاكم فانه يقتل )
والتجريب والاختبار لا يمكن ان يكون فى العقل لسبب بسيط وهو انتشار الكثير من الديانات الوضعية التى لا يمكن معرفة بطلانها وفسادها الا بالعقل فاذا سار الدين السماوى هو الاخر على نفس المنهاج بمخالفته للعقل لاستحال تمييزه مما يؤدى الى اختلاط الحابل بالنابل ولا يمكن ان تكون الحقيقة حكرا على من ولد او نشأ عليها ومحرمة على المتعطش لها او الباحث عنها.