أخترت لكم هذا الكتاب " للدكتور جارى ميللر " مبشر نصرانى سابق أمن بالإسلام كدين موحى به من عند الله سبحانه وتعالى ... وبالرغم من أن بعض ما جاء فيه ، ربما يكون قد تكرر ، إلا أن عمق كثير من النقاط التى أنارت طريق الإسلام فى قلبه تستحق النظر فيها ... فهى دعوة واعية لغير المسلمين ، وفى نفس الوقت بالنسبة للمؤمنين ، فهى ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ولعلها تكون فرصة ليحاجوا بما جاء فيه غير المسلمين إذا اقتضى الأمر ... فقراءة هذا الكتاب مفيدة من عدة وجوه ... اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .


القرآن الرائع The Amazing Qura'an
بقلم : د. جارى ميللر Gary Miller
( 1 )


ليس المسلمين هم فقط الذين يطلقون على القرآن الكريم بأنه رائع ومدهش ، وهم فقط الذين يقدرون هذا الكتاب ويجلونه ؛ فى الحقيقة فقد أطلق عليه غير المسلمين هذه الصفة ، وحتى من أناس يكرهون الإسلام كراهية كبيرة ، ما زالوا يطلقون عليه هذه الصفة .



مقدمة :

إحدى النقاط التى تحير غير المسلمين حينما ينظرون فى هذا الكتاب نظرة وثيقة ، أن القرآن يظهر لهم بغير ما كانوا يتوقعونه . كانوا يتوقعون كتابا قديما مر عليه أربعة عشر قرنا ، وخرج من الصحراء العربية ؛ وهذه كانت هى نظرتهم المسبقة لهذا الكتاب . ويفاجئون بأنه ليس كما توقعوا بالمرة . بالإضافة إلى ذلك ، فهم كانوا يتوقعون أن الكتاب سيتكلم عن الصحراء التى خرج منها . نعم قد تكلم القرآن الكريم عن الصحراء فى بعض سوره ، ولكنه أيضا تكلم عن البحار ، وماذا يحدث فيها من العواصف .

عن البحر :

منذ سنوات ، وصلتنا فى تورونتو قصة عن بحار تجارى يعيش فى البحر . أهداه أحد المسلمين نسخة مترجمة من القرآن ليقرأها . البحار لا يعلم شيئا فى التاريخ عن الإسلام ، ولكنه كان مهتما لقراءة القرآن . وعندما انتهى من قراءته ، أعاد النسخة للمسلم وسأله هل كان محمد ( عليه الصلاة والسلام ) بحارا ؟؟؟ كان متأثرا بشدة بما قرأه فى القرآن عن العواصف فى البحر ... وحينما أخبر بالنفى وبأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعيش فى الصحراء ، كان هذا كافيا له وأعلن إسلامه .
فقد عايش العواصف فى البحر ، ووجد الدقة فى وصفها فى القرآن الكريم ، وأيقن أن من يكتب هذا الوصف لا يمكن إلا أن يكون عاينه ، ولما كان الرسول لم يركب البحر ، فلا بد أن يكون هذا من عند الله سبحانه وتعالى . الآية رقم ( 24 من سورة النور ) :::
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ
هذه فقط إحدى النقاط التى تبين أن القرآن ليس مرتبطا بمكان معين دون مكان آخر . وبالتأكيد ، فالإشارات الكونية التى ذكرت فيه لايمكن أن تكون وليدة الصحراء من أربعة عشر قرن مضت .

أدق الأشياء :

قبل النبوة بعدة قرون ، كانت هناك نظرية معروفة عند الإغريق ، وضعها الفيلسوف الإغريقى " دومقريتوس " .، هو ومن جاؤا بعده قالوا أن المادة تتكون من ذرات دقيقة لا تتحطم ، غير مرئية . وأيضا كان العرب يعرفون نفس المعنى ، وكلمة " ذرة " فى أدبهم ، ويعرفون أنها أصغر شئ ممكن . الآن وقد جاء العلم الحديث واكتشف أن هذه الذرة من الممكن تحطيمها إلى الجزيئات الأصغر التى تكونها ... هذه نظرية جديدة أكتشفت فقط فى القرن الماضى ، وقد ألمح لها القرآن الكريم فى سورة سبأ الآية رقم ( 3 ) :::
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {3}
مما لا شك فيه أن مثل هذا التقرير يعتبر غريبا على من سمعوه من أربعة عشر قرنا ، وهذا مما يدل على أن القرآن متجدد كل حين .

محمد ( عليه الصلاة والسلام ) والقرآن الكريم :

جدلا ... الفرضية التى يقول بها بعض غير المسلمين بإن القرآن نتاج بشرى ، فلو كان كذلك لانعكس ما يكون فى ذهن مؤلفه عليه . فى الحقيقة فبعض الموسوعات وبعض الكتب تذكر أن القرآن الكريم نتاج هلوسة كانت تمر بالنبى ( عليه الصلاة والسلام ) . لو كانت هذه الفرضية صحيحة بأن هناك مشاكل نفسية كان الرسول يمر بها ، لظهر ذلك جليا فى نص القرآن الكريم ذاته . هل يوجد فى القرآن الكريم ما يدعم هذه النظرية ؟؟؟ للإجابة على هذا السؤال إيجابا أو سلبا ، فلينظر المرء إلى ما هى هذه الأشياء التى كان يعايشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لها انعكاسا فى نصوص القرآن ؟؟؟
من المعروف أن حياته عليه السلام كانت حياة صعبة . كل أولاده وبناته قبضوا فى حياته ماعدا السيدة فاطمة ، وقد كانت له زوجة لعدة سنين " السيدة خديجة . رضى الله عنها " لها مكانة كبيرة فى قلبه وحياته ، ولم تمت فقط فى حياته بل ماتت فى أصعب ظروف حياته . فى الواقع فقد كانت زوجة عظيمة لأنه فى بداية الوحى لجأ إليها خائفا يرتعد فواسته وثبتته وأيدته . وأنت لاتجد .. حتى فى أيامنا هذه ... أحدا من العرب حينما يكون خائفا أن يذهب لزوجته ليعلنها بهذا الخوف ، ولكن لا يتم هذا الإخبار إلا إذا كانت هناك رابطة قوية جدا بينه وبين زوجته حتى يرفع تلك الكلفة بينهما ، وهذا يوضح لك مدى قوتها وثقة الرسول عليه السلام فيها ، وبالرغم من أن هذه بعض الأمثلة فقط التى تنبئ بما كان يدور فى ذهن الرسول ولكنها كافية لتوضح وجهة نظرى .
القرآن الكريم لم ترد فيه مثل هذه الأشياء ، لا موت بنيه ، لا موت زوجته ، لا انفعالاته فى بداية نزول الوحى عليه وتصرف زوجته معه ... لا شئ من هذا ... بالرغم من أن هذه الأمور قد آلمته وشغلته وأخذت جزءا كبيرا من انفعالاته ، ولو كان القرآن الكريم من نتاجه الشخصى لظهرت انفعلاته النفسية وأمثالها فى نصوصه .

الإشارات العلمية فى القرآن الكريم :

فى الحقيقة فإن القرآن الكريم يختلف عن الكتب السماوية بل عن كل الكتب الدينية الأخرى فهو ملئ بالإشارات الكونية . وهذا من متطلبات العلماء . فى أيامنا هذه يتبنى الكثير من الناس نظريات عن نشأة الكون وكيف يعمل . هؤلاء موجودون فى كل مكان ، ولكن المجتمع العلمى لا يأبه لأقوالهم أو يستمع إليهم ، لأنه فى القرن الماضى اعتمد المجتمع العلمى نظرية " أختبار عدم الزيف Test of Falsification " .. ( الترجمة مع التصرف لأنه لا يجوز نسبة الزيف حينما نتكلم عن القرآن ) يقرر هذا الإختبار أن من يأتى بنظرية فلكى تستحق النظر فيها لابد أن يأتى بالإختبارات اللازمة ليدلل على صحتها من عدمه .
مثل هذا الإختبار كان السبب فى أن المجتمع العلمى استمع لـ " أينشتين Einestien " فى بداية القرن الماضى ، ذكر نظرية جديدة عن الكون وقال أعتقد أن الكون حدث هكذا ، ولكى تتحققوا من قولى فهناك ثلاث طرق لإثبات ذلك وصدق ما أقول ، وبناء عليه طبق المجتمع العلمى هذه الإختبارات على ادعائه وخلال ست سنوات صدقت نظريته وتحققت الثلاثة أختبارات . وبهذه الطريقة اكتسب ثقة المجتمع العلمى وجعله يستمع إليه ويصدقه ويثبت صحة نظريته .
هذا بالضبط " اختبار عدم الزيف " الذى جاء به القرآن الكريم ، بعضها قديم وثبتت صحته ، وبعضها ما زال قائما إلى الآن . " إذا كنت تتدعى أن هذا الكتاب غير صحيح فافعل كذا أو كذا أو كذا لتثبت ذلك ... وفى مدة أربعة عشرة قرنا لم يستطع أحد أن يفعل كذا أو كذا أو كذا مما يدل على صحته وأنه الحق موحى به من عند الله " .

إختبار عدم الزيف :

أقترح عليك ، أنك إذا دخلت فى نقاش مع أحد عن الأديان أن تسأله هذا السؤال " هل هناك فى دينك اختبار للزيف " أى اختبار " بحيث إذا أثبت أنا هذا الزيف تكون عقيدتك غير صحيحة وإذا لم أثبتها تكون عقيدتك صحيحة ؟؟؟ وأنا أؤكد من الآن أنك لن تجد مثل هذه الإختبارات عند أى ديانة أخرى ، لا شئ بالمرة !!! لا اختبار .. لا دليل .. لا شئ !!! وذلك لأنهم لا يحملون فكرة أن ما يقدمونه من أفكار واعتقادات ، يجب أن يكون مصحوبا بما يتيح للآخرين فرصة إثبات أنه ليس خطأ ... ولكن الإسلام يفعل ذلك .
وكمثال واضح كيف أن الإسلام يترك للإنسان الفرصة لأن يبحث عن صحة ما جاء به ... وفى الواقع لقد أذهلتنى هذه الآية الكريمة رقم ( 82 ) من سورة النساء حينما قرأتها لأول مرة !!!
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً
هذا تحد صريح لغير المسلمين . فى الأساس هى تدعوهم لأن يجدوا خطأ واحدا فى التنزيل ، هذه الطريقة فى التحدى ... فى حد ذاتها ... ليست من طبيعة البشر . لا تجد ... كمثال لتتصور طبيعة التحدى ... أحدا يدخل اختبار ويجيب على الأسئلة ثم يكتب فى آخر الإمتحان للممتحن ، أنا أتحداك أن تجد خطأ واحدا فى إجابتى ، لا يفعل أحد ذلك ، لأن هذا التحدى سيدفع الممتحن إلى أن يقضى ليلته فى البحث عن خطأ حتى يجده . ولكن هذه هى الطريقة التى يتحدى الإسلام بها المعاندين .