الأخوة و الأخوات طلاب و طالبات العلم ..

سلام الله عليكم جميعا و رحمته و بركاته ..

في البداية إخوتي و أخواتي ، فإن لي رجاء خاص عندكم ، و هو الدعاء لي بظهر الغيب ، لأنني حقا في كرب عظيم ، و حياتي و عائلتي كلّها أصبحت تنهار أمام عيني ، و لا أستطيع فعل شيء ..

فأسألكم بالله عليكم أن تدعو لي بالفرج من عنده ..
فللّه الأمر من قبل و من بعد ..


نأتي للقاؤنا اليوم مع درسنا الثاني في مادة علوم الحديث ، و التي ندرس فيها بإذن الله تعالى متن نخبة الفكر للإمام الحافظ ابن حجر بشرح الشيخ الدكتور سعد الحميد ، و أذكرّكم اخوتي و أخوتي بضرورة حفظ المتن الذي سأقوم بإذن الله تعالى بتحميله على صفحة المجموعة ..

نبدأ درسنا اليوم بإذن الله تعالى بمراجعة يليها درسنا الثاني ..

مراجعة

علمنا بدايةً أن علم الحديث ينقسم إلى قسمين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، فهذا الذي نقوم بتدريسه لكم هو علم الحديث دراية، وقد يدخل في الدراية الشرح والفقه والاستنباط، هذا أيضًا من أنواع علوم الحديث الدراية، وليس مقصورًا فقط على مصطلح الحديث، كما ذهب إليه بعض أهل العلم.
أما علم الحديث رواية، فالمقصود به رواية الحديث، يعني ذكر الحديث بسنده ومتنه، كما هو الحال في صحيح البخاري وصحيح مسلم وباقي الكتب الستة، وغير ذلك، هذا يسمونه علم الحديث رواية.
تعريف علم مصطلح الحديث :


هو علمٌ بأصولٍ وقواعدٍ يُدرى بها حال السند والمتن من حيث القبول والرد .


الراوي : هو السند .

المروي : المتن .

بداية المتن :

( بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبُسِطَتْ واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك، فأقول:

الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أومع حصر بما فوق الاثنين، أوبهما، أوبواحد ).


الافتتاح بالبسملة والحمدلة والصلاة وخطبة الحاجة كما سُنّ عن الرسول صلوات ربي و سلامه عليه .

الخبر وأقسامه :
الخبر ينقسم في الجملة إلى قسمين، متواتر وآحاد .

ملحوظة هامة :

بعض أهل العلم يرى أن الحديث والخبر والأثر بمعنًى واحد، وهناك من يقول لا، الحديث: هو كل ما يُضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعلٍ أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة قبل البعثة أو بعدها، فكل ما يُنقل عنه عليه الصلاة والسلام يُسمى حديثًا.

الخبر: هو ما يُروى عن غير النبي صلى الله عليه وسلم،

- كل حديثٍ فهو خبر، وليس كل خبرٍ حديثًا .


الأثر : هو ما يؤثر عن الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى .

الدرس الثاني



يقول الحافظ :
( الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أومع حصر بما فوق الاثنين، أوبهما، أوبواحد.
فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه.
والثاني: المشهور وهو المستفيض على رأي )


الخبر :

اختار الحافظ -رحمه الله- لفظ الخبر، لأنه أعم فتشمل كل ما يُروى من خبر، سواء كان هذا الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن غيره، وهذا الغير إما أن يكون من الأمم السالفة، أو من الصحابة، أو من التابعين، ومن جاء بعدهم .

و يقول: إن الخبر من حيث وروده ينقسم إلى قسمين: متواتر و آحاد .

الخبر المتواتر

تعريفُ الخَبَرِ المُتَوَاتِر :
التعريف اللغوي : المتواتر هو المتتابع، ولذلك يُقال تواتر المطر أو تتابع المطر.

التعريف الاصطلاحي : هو ما يرويه عددٌ كثير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، وتكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند، وأحالوه إلى شيءٍ محسوس" .

شروط الخبر المتواتر :

1- كثرة العدد .

2- توفر هذه الكثرة في جميع طبقات السند .

3- أن تحيل العادة تواطؤ هؤلاء الرواة على الكذب .

4- أن يكون مستند هؤلاء الرواة الحس، أي لا الظن ولا النظريات ولا غير ذلك، إنما لابد أن يكون الخبر الذي يرون به ناشئًا عن حس، إما بالسماع أو بالمشاهدة، أو غير ذلك مما يدرك بالحواس.

نشأة التعريف و شرحه :

إن نشأة هذا التعريف أو تقسيم الخبر بالمعنى الأدق إنما نشأت بعد ظهور تيار المعتزلة، يعني في آخر القرن الثاني، فلو نظرنا في القرن الأول، وبداية القرن الثاني لا نجد لعلماء الحديث وغيرهم أيضًا من العلماء المعتبرين، لا نجد لهم كلامًا في هذا البتة، فلا يعرفون إلا الصحيح والضعيف، هل يثبت أو لا يثبت، أما هذه الشروط التي اشترطت في المتواتر، وهذا التعريف الذي ذُكر في المتواتر فلم يكونوا يعرفوه .

و دعونا نحرك الأذهان ونعرف حتى نتوصل إلى حقيقة التعريف والمراد منه بكل وضوح وجلاء ، لأن هذا يحتاج منا فعلا إلى تأمل، حتى لا يكون الواحد منا إمعة مقلد ونأخذ الكلام بإطلاق ولا نتمعن فيه ولا ندقق في محتوياته، لا، بل ينبغي أن نعمل أذهاننا في نقد التعاريف أو قبولها.

هذا التعريف الذي نتحدث عنه إذا ابتدأنا في لفظه جزئية جزئية، فإننا يمكن أن نعرف خبايا هذا التعريف وإلى ماذا يريد أن يصل؟

حد الكثرة في تعريف المتواتر :

فأول شرط من هذه الشروط قلنا أنه : كثرة العدد .

ما ضابط هذه الكثرة؟ أو ما حد هذه الكثرة؟

هنا انقسموا إلى قسمين :

1- بعضهم قال بضرورة عدم الحصر : لأنه متى ما حصرت بعدد فهذا غير متواتر، يعني لابد أن يكون المتواتر غير محصور بعدد معين، يعني لو قلت مثلا إن الذين نقلوا الخبر مليون فيقول إنه غير متواتر؛ لأنه متى حُصر العدد بحاصر فهذا يعني أنه لم يتواتر، إذًا فلابد أن يكون الخبر نُقل بعدد غير محصور .

2- القول الثاني : أنه لابد أن يذكر هذا الخبر كل من بين المشرق والمغرب، وهذا قريبٌ من القول الأول.

القسم الأول : القائلين بضرورة الحد :

قال بعضهم:

1- ثلاثمائة وأربعة عشر، يعني عدة أهل بدر .

2- بعضهم قال: مائة .

3- بعضهم قال: لابد أن يكون العدد سبعين .

4- بعضهم قال: خمسين .

5- بعضهم قال: أربعين .

6- بعضهم قال: عشرين .

7- بعضهم قال: اثني عشر .

8- بعضهم قال: عشرة .

9- وأخذوا يتنزلون إلى أن قال بعضهم: يمكن أن يكون متواترًا باثنين، و بعضهم قال: ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، وهكذا.

فهي أقوالٌ مضطربة لا دليل عليها البتة، و بعضهم يستدل بأدلة عجيبة:

- فبعضهم استدل بعدة أهل بدر، ما دخل أهل بدر في المتواتر؟!! ليس هناك دخل.

- و الذين قالوا سبعين يستدلون بقول اللهِ جلَّ وعلا ? وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ? [الأعـراف: 155].

- بعضهم قال: لابد وأن يكون العدد خمسين أخذًا من حديث القسامة، يعني لابد أن يُقسم عدد خمسين .

- الذين قالوا أربعين قالوا: لأنه العدد الذي تُقام به صلاة الجمعة، وهكذا في أمثلة كثيرة جدًا.

القسم الثاني : القائلين بعدم الحد :

هؤلاء ينقسمون إلى قسمين:

1- بعضهم يقول لابد وأن يكونوا كثرة، وهذه الكثرة لابد وأن تفيد العلم وتحيل العادة تواطؤهم على الكذب .

2- وبعضهم يتريث في هذا، فمثلا ابن حزم -رحمه الله- هو أجود من حدد هذا العدد، فابن حزم يرى أنه يمكن أن يكون التواتر باثنين، يقول: لو أنك أتيت برجلين وأدخلت كل واحدٍ منهما في غرفة، وأغلقت على هذا وأغلقت على هذا، وهذا أخبرك بخبر وهذا أخبرك بخبر جديد، لم يتفقا عليه، أنت وضعت هذا في مكان وهذا في مكان، فبلا شك أن هؤلاء يستحيل عادة أن يتواطأ هذان الاثنان على اختلاف هذا الخبر الذي أخبراك به، ولذلك ابن حزم يقول: نحن وجدنا فيما نشاهد من الواقع -على سبيل المثال- الشعراء، يستحيل أن تجد شاعرين أو أكثر يتفقان على أبياتٍ إلا أن يكون لها أصول ، إما أن يكون أحدٌ منهم سمع الآخر، أو يكون كل واحد منهم سرق البيت من شاعر سابق فاتفقوا، أما أن تكون هذه الأبيات مستحدثة جديدة فيستحيل أن تجد شاعرين يختلقان أبياتًا بهذه الصفة.

فالشاهد أن كثرة العدد لا يمكن أن تكون منضبطة في مثل هذا الموضوع، إذًا فما الذي ينضبط؟


نقول: الذي ينضبط هو الضوابط الأخرى، وهي إفادة العلم مع ضوابط الشريعة، كما قلنا: نحن ننظر إلى الأدلة الشرعية، فمثلا :

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما جاءه أبو موسى الأشعري يستأذنه وضرب عليه الباب ثلاث مرات، فلم يفتح عمر ، انصرف أبو موسى، ففتح عمر الباب بعد ذلك فاستدعاه وقال له: لماذا انصرفت؟ فقال: لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( إذا استأذن أحدكم فليستأذن ثلاث مرات، فإن أُذن له، وإلا فليرجع ) فقال له عمر: إما أن تأتيني ببينة أو لأوجعنك ضربًا، فذهب أبو موسى الأشعري وهو منتقع اللون حتى جاء إلى مجلس من مجالس الأنصار فوجد فيه جمعًا، فوجدوه منتقع اللون فسألوه عن الخبر، فأخبرهم بالخبر الذي جرى له مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فقال: هل منكم أحدٌ سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا، قالوا: كلنا سمعناه، لكن -والله- لا يذهب معك إلا أصغرنا، وكان أصغرهم أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه، فذهب وشهد معه، فقال له عمر: أما إني لم أتهمك ولكني أحببت أن أتثبت.

فإذًا عمر -رضي الله عنه- قبل الخبر الآن بشهادة واحد، وما قال: إنك ما قامت بك الحجة، ولا يمكن أن أصدق .

النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذًا -رضي الله عنه- إلى أهل اليمن، بعثه وهو واحد، وبعثه بأصول الاعتقاد : ( إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله..... ) إلى أخر الحديث، وهو واحد، وما قال أهل اليمن: إنك واحدٌ، والواحد لا تقوم به حجة، وخبرك خبرٌ ظني لا يمكن أن نتيقنه، ما قالوا هذا لأنهم أناسٌ سليمي الفطرة، ففطرهم سليمة لم تتلوث بهذه الملوثات الكلامية.

الشرط الثاني ، والثالث من شروط المتواتر ونقضه :

من المساوئ التي في هذا التعريف -الشرط الثاني: وهو أن تكون هذه الكثرة في جميع طبقات السند مع التعريف الثالث : وهو أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب .

فنسأل أصحاب هذا التعريف ونقول: هل يمكن أن ينطبق هذا التعريف على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟

لا شك أنهم سيقولون: نعم لأنهم لا يقولون عن حديثٍ يرويه صحابي ويرويه عن هذا الصحابي مثلا ألف: إنه حديثٌ متواتر، بل يقولون: الكثرة لم تتوافر في طبقة الصحابة فلا يسمونه متواترًا ، لأنهم لا ينفون عن صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتواطئوا على الكذب، وهذا في حقيقته من أبشع ما تضمنه هذا التعريف؛ لأنه فيه سوء أدب مع صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يُنقد هذا التعريف من هذه الحيثية مع مجمل أصول اعتقاد أهل السنة، فلا يُسَلَّم بهذا التعريف، وينبغي لمن يرتضيه أن يحرر هذه النقطة حتى يخلص منها.

بالإضافة إلى أنه قد يأتينا خبر عن طريق اثنين فيكون مفيدًا للعلم اليقيني، وقد يأتينا خبر من قرابة مائة طريق ومع ذلك نقطع أنه كذب، فمثلا :

حديث الطير، هذا الحديث مروي عن أنس بن مالك من قرابة مائة طريق، لكن كل طرقه فيها قدح، ولذلك حكم عليه كثيرٌ من أهل العلم بالوضع .

لكن حديث عمر بن الخطاب ( إنما الأعمال بالنيات ) وهو حديث واحد، أخرجوه في الصحاح، وما تردد أحدٌ من القول بأن هذا الحديث صحيح .

فانظروا كيف مائة طريق ما اعتبروا بها، وطريق واحد أخذوه وقالوا إنه صحيح، فهذا يدل على أن هذه المقاييس مقاييس غير صحيحة.

الشرط الأخير :

قولهم: "وأسندوه إلى شيءٍ محسوس"، أي إلى شيء يُدرك بالحواس، فيخرج من ذلك ما يمكن أن يدرك بالظنون مثل النظريات التي تُستحدث الآن، مثلا : نظرية دارون، كانت هذه النظرية شائعة وفشت بشكلٍ كبير، ثم بعد ذلك تهاوت بتهاوي الجهة التي كانت متبنية لها، فمثل هذه النظرية لو قال بها أكثر من واحد فإنها لا تفيد العلم؛ لأن هذه النظرية إنما نشأت من غير حس، وإنما من مجرد ظنون.

بقي أن نقول: هل يمكن أن يكون هناك شيءٌ متواتر؟

نقول نعم، أهل العلم يسمون الأخبار بتسميات، فيقولون: خبر الكافة، هذا نجده عند الإمام الشافعي رحمه الله وعند غيره من أهل العلم .

خبر الكافة ما هو؟

هو الذي يُتناقل من كافة الناس إلى من بعدهم وهكذا، هذا يُشبه ما نسميه بقضية الإجماع وجريان العمل، فإذا كان بهذه الصفة فنعم .

و عندنا على سبيل المثال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة وعددها وعدد ركعاتها والزكاة ونحو ذلك، هذه كيف صدقنا بها كحكم؟ إنما صدقنا بها؛ لأنها جاءت بطريق النقل المتواتر الذي يُسمى خبر الكافة، يعني لا يحتاج هذا إلى إقامة دليل.

و لو ذهبت على سبيل المثال إلى شيءٍ أدق من هذا، مثل وجود عنترة بن شداد الرجل الشجاع في التاريخ، لو تطلبت إسنادًا لتقول أنا أريد إسنادًا صحيحًا يُثبت أن عنترة بن شداد موجود في الوجود بهذه الصفات التي ذُكرت عنه ما تجد إسنادًا، كذلك حاتم الطائي، لكن تجد أن الناس تناقلوا هذا الخبر وسلموا به .

أنواع المتواتر من حيث الثبوت :

1- ما يفيد العلم الضروري .

2- ما يفيد العلم النظري .

أنواع المتواتر من حيث النوع :

1- متواتر لفظي .

2- متواترٌ معنوي.

أولا من حيث الثبوت :

العلم الضروري : هو الذي يضطر صاحبه إلى التصديق .

مثال : يمكن كثير منا ما رأى استراليا، لكن هل يشك أحدٌ منا أن هناك قارة يُقال لها استراليا، وأن هناك أناسًا يعيشون هناك وأنهم بيض ونحو ذلك، ما أحد يشك منا في وجود استراليا مع أننا ما رأيناها، اللهم إن كان عن طريق الصور، دعونا نقول: قبل وجود الصور، هذا العلم الذي يضطر صاحبه إلى التصديق به، وهو ما يسمى بالعلم الضروري؟ فليس أمامك أسانيد حتى تبحث بها وتفتش، فذلك يصدق عليه كلام الحافظ ابن حجر أنه ليس من مباحث علم الإسناد.

العلم النظري : هو الناشئ بعد النظر والتتبع والاستقراء.

ثانيا : من حيث النوع :

المتواتر اللفظي: هو ما ينقل بلفظه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث ( من كذب عليّ متعمدًا ) .

المتواتر المعنوي : ما تعددت ألفاظه واختلفت وقائعه لكن كلها تدل على معنًى واحد، فمثلا :

أحاديث الشفاعة، هي كثيرة لكنها كلها تدل على معنًى واحد وهو إثبات الشفاعة، كذلك أحاديث الرؤية، وأحاديث كثيرة تدل على معنًى واحد وهو إثبات رؤية الباري جلّ وعلا في الدار الآخرة، كذلك أحاديث رفع اليدين عند الدعاء، هي أحاديث كثيرة كلها في مجملها تدل على مشروعية رفع اليدين عند الدعاء، لكنها ليست ذات لفظ واحد يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم.

فصل في عقيدة الإمام ابن حجر:

الحافظ ابن حجر عالم مجتهد، فبعضهم ربما قال: إنه أشعريٌّ في معتقده، ونقول: إن الحافظ أحيانًا يوافق الأشاعرة في بعض ما ذهبوا إليه: من نفي بعض الصفات، أو بعض المسائل الأخرى التي عُرفت عن الأشاعرة، كقضية التحسيني والتقبيحي، ونحو ذلك، وربما أيضًا في مسائل الإيمان التي شابه فيها الأشاعرة والمرجئة، وعندهم نوعٌ من الإرجاء.

لكن هناك قضايا أخرى عند الحافظ ابن حجر نجده فيها يخالف الأشاعرة، ويوافق أهل السنة، فهذا دليلٌ على أنه -رحمه الله- ليس مقلدًا، ولكنه اجتهد، فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ( من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد ) فمثل هؤلاء الأئمة تطوى زلاتهم ولا تروى، ولا ينبغي أن تذكر إلا من متجردٍ للحق راغبًا في التنبيه على الخطأ حتى لا يقع فيه أحدٌ، أما إذا كان يريد أن يُنتَقَصُ ذلك الإمام، أو يقدح في شخصه، فهذا كما قال: الحافظ ابن عساكر -رحمه الله: "إن لحوم العلماء مسمومة، وسنة الله -جلّ وعلا- في منتهكهم معلومة" .

القاعدة التي جرى عليها علماء الحديث أن العالم الذي كثر خيره، وكثرت حسناته، وكثرت إصابته؛ يجب أن يقدر، وأن يحترم وأن يعرف له ما أصاب فيه، وأن يدعى له بالمغفرة والرحمة، نعم، ولا يُجارى في خطأه.

وهذا منهجٌ تربوي ينبغي أن يتحلى به طالب علم الحديث، و من أهم المهمات في طالب الحديث أن يكون عنده من العدل والإنصاف وتقدير الأمور بقدرها الشيء الذي يكفل له التوازن، وأن لا يكون منهجه منهج الخوارج الذين لا يعرفون إلا نظرة السوداوية، فلا ينظرون للمحاسن، ولا ينظرون إلا إلى المساوئ والمثالب، فهذا المنهج مهما طُبق، سواء طبق على الحكام، أو على عامة الناس، أو على العلماء، أو على طلبة العلم، والدعاة ونحو ذلك، فالمنهج هو المنهج لا يتغير ولا يختلف.

و نحن إذا أردنا أن نكون متبعين لسلف الأمة الصالحين يجب أن نأخذ منهجهم بكامله، ولا نركز على قضايا في أعصارٍ معينة، وصدرت من أشخاص معينين.

فعلى سبيل المثال: الإمام أحمد -رحمه الله- في عصره حصلت الفتنة المعروفة وهي فتنة خلق القرآن، ووقف الإمام أحمد -رحمه الله- من هذه الفتنة وممن أجاب فيها وإن كان مكرهًا- موقفًا معروفًا، لكن للإمام أحمد عذره، فبعض الناس يأخذ منهج الإمام أحمد ويريد أن يطبقه في كل العصور، وفي كل القضايا، هذا مستحيل؛ لأن الإمام أحمد -رحمه الله- أيضًا له مواقف أخرى، على سبيل المثال الإمام أحمد لا يرد رواية قتادة، بل يعد قتادة من كبار الأئمة، وقتادة ممن عُرف عنه القول بالقدر، الإمام أحمد لا يرد رواية الأعمش، بل يحتج بها ويعد الأعمش من كبار الأئمة، والأعمش فيه نوع تشيع.

البخاري -رحمه الله- احتج بعباد بن يعقوب الرواجلي، وعباد لو اطلعنا على كلامه في التشيع لرأينا العجب العجاب؛ ولذلك يقول ابن خزيمة- وهو من هو ابن خزيمة؟! ممن أصل في أصول الاعتقاد، ولا أحد يستطيع أن يتهمه بغير معتقد أهل السنة، ومع ذلك يقول ابن خزيمة: "حدثنا عباد بن يعقوب الثقة في حديثه المتهم في دينه"، يقصد المتهم في دينه؛ لأنه تناول بعض الصحابة -رضي الله عنهم- وقال أقوالا شنيعة، لكن عدل أئمة الحديث وإنصافهم تجلى في مثل هذه الموقف، تجلى في مثل معاملتهم لهذا الرجل، مع أنه موصوف بهذه الصفات التي تُستبشع، إلا أن عدلهم وإنصافهم يأبى عليهم إلا أن يأخذوا منه؛ لأنهم يعرفون أنه ثقة في حديثه، ولا يكذب، وجربوا عليه الصدق، فعليه بدعته ولنا حديثه وصدقه، ولذلك البخاري احتج بعمران بن حطان وهو الذي امتدح عبد الرحمن بن الملجم قاتل علي -رضي الله تعالى عنه، هو الذي قال "يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانًا" ، فيمتدح عبد الرحمن بن الملجم بهذه البدعة، ومع ذلك أخرج له البخاري في صحيحه، لماذا يخرج البخاري لهذا المبتدع؟ إنما أخرج له البخاري؛ لأنه يعرف أن هذا الرجل صادق لا يمكن أن يكذب، فعليه بدعته ولنا صدقه وأحاديثه التي أصاب فيها.




هل الأحاديث تُفيد في تفسير الآيات؟

بلا شك أن أول ما يُفسر به القرآن القرآن نفسه، كما صنع الشنقيطي -رحمه الله- في أضواء البيان، ثم بما صح من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين، ثم بلغة العرب، هذا هي القواعد التي ينبغي أن يتماشى بها لتفسير القرآن.

ما الفرق بين الشهادة والخبر؟

هناك فرقٌ بين الشهادة والخبر، وهذه الفروق تكلم عنها أيضًا ابن حزم، يعني لو أمكن للأخ السائل أن يرجع إليه لكان أفضل، لكن أُجمل الفروق في الآتي :

1- فالشهادة لابد فيها من اثنين، والخبر يُكتفى فيه بواحد .

2- فالشهادة يشترطون فيها شروطًا، مثلا لا تُقبل عندهم شهادة العبد .

3- شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل، أما بالنسبة للخبر فالأمر سيان، فيُقبل خبر الواحد سواءً كان عبدًا أو امرأة أو رجلا أو غير ذلك.


منقول للفائده إن شاء الله