شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

صفحة 1 من 3 1 2 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 22

الموضوع: شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

    الفصل الأول

    عصور القهر

    لم تكن المرأة قبل الإسلام شيئًا مذكورًا.كانت كل الشعوب والأمم لا تعترف لها بأية حقوق من أي نوع، فهي عندهم سبب الخطايا ومصدر الآثام، وهى كذلك عبء ثقيل على الرجل، عليه إطعامها وكسوتها وحمايتها. وفى المقابل لا تقدِّم هي شيئًا يذكر - حسب زعمهم - إذ هي لا تستطيع القتال دفاعًا عن القبيلة والأرض، فهي مصدر القلق والعار إذا انهزم قومها؛ لأن المغيرين يتَّخذون النساء وأطفالهن سبايا.وكان المتعارَف عليه في كل أنحاء الأرض أنَّ من حق الجيش المنتصر أن ينهب كل ممتلكات المهزوم، ومنها النساء اللاتي كن من أهم غنائم الحرب، ويحرص المنتصرون على الاستحواذ عليهن، فهن يحققن المتعة ويقمن على الخدمة في البيوت، كما يمكن بيعهن في سوق النخاسة لمَن يدفع أكثر إن لم يقم المهزوم بدفع فدية باهظة لاستردادهن.



    ويثبت التاريخ أن الاسترقاق بدأ أولاً بالنساء، فهن كن أغلب ضحاياه، ولم يخضع الرجال للرق إلا بعد مرور زمن طويل عندما انتشر العمران، وأراد الغالبون المزيد من الأيدي العاملة الرخيصة أو المجانية تقريبًا، أما استرقاق النساء فبدأ قبل ذلك؛ لأنهن يقدمن المتعة والخدمة معًا كما أشرنا.

    وكانت شعوب - مثل اليهود - تقتل النساء كما تقتل الرجال؛ لأنهم يتوهَّمون أن العرق اليهودي أنبل وأسمى من باقي الأعراق، ولا يحبُّون أن يختلط دمهم بدماء شعوب أخرى أقل منهم شأنًا وأصالة!!! وهكذا لا تفقد النساء العرض والحرية والكرامة الإنسانية فقط بل تفقد الحياة أيضًا!!

    وكانت المرأة تفقد أطفالها الذين يُباعون في أسواق العبيد المنتشرة في كل أنحاء العالم، ولا تراهم بعد ذلك، ولا تعرف عن مصيرهم شيئًا أبدًا!! ولم يكن السيد وحده هو الذي يغتصب السبايا، بل يقدمهن لضيوفه لمضاجعتهن من قبيل كرم الضيافة!! وكان إجبار الجواري على الاشتغال بالدعارة ليكسب المالك ثروة من الاتِّجار بفروجهن أمرًا شائعًا في كل أنحاء العالم قبل الإسلام، ومن الأمثلة على إهدار آدمية المرأة عندهم ما كان يسمى بـ"حزام العِفَّة"؛ فقد كانت عادة فرسان أوروبا أن يربط كل منهم حزامًا حديديًّا حول فرج زوجته قبل انطلاقه إلى الجيش، ليضمن عدم ممارستها الفاحشة مع رجل آخر أثناء فترة غيابه في الحروب!! وسبب تفشِّي استخدام "حزام العفة" هذا أنهم كانوا يعتقدون أن المرأة هي مجرد "حيوان" مسعور الشهوة ولا يمكن الوثوق بها، أو ضمان سيطرتها على غريزتها الجنسية في غياب الزوج، فلا مفرَّ إذًا من ربط الحزام الحديدي حول فرجها لمنعها من الفاحشة!!!

    وإذا كانت هذه نظرتهم إلى المرأة في الغرب، فإن الشيوعية في شرق أوروبا لم تأتِ بحال أفضل؛ فقد ذهب مفكرو اليسار إلى حتمية انهيار مؤسسة الأسرة، وبالتالي تتحوَّل المرأة إلى مجرَّد "آلة" أو أداة من أدوات الإنتاج، يعاشرها مَن أراد بدون زواج، وبلا تمييز بين زوج أو رجل غريب، فإذا أنجبت انتزعوا منها طفلها ليُربَّى بعيدًا في مؤسسات الدولة الشيوعية، ولا تراه أو تعرفه بعد ذلك أبدًا. فالإنجاب هنا أو ممارسة العلاقات الجنسية يتحرَّر - كما يرى فردريك أنجلز - من أيَّة رابطة كالزواج، ويتحرَّر كذلك من أي شعور أو عاطفة كالحب؛ لأنه مجرَّد وظيفة أو شكل من أشكال الإنتاج في المجتمع!!! ولا تمتلك المرأة عندهم شيئًا من المال شأنها شأن الرجل، فلا ملكية خاصة لأحد، كما أنها مُجْبَرة على أداء أشقِّ الأعمال في المصانع والحقول مع الرجال بلا أجر إلا ما يسدُّ الجوعَ فقط لا غير!![1].

    وفى دستور الاتحاد السوفيتي الصادر 1977 تأخذ "التعاونيات" مكان الأسرة. وهكذا فإن الشيوعية كانت تستهدف القضاء التامَّ على الزواج والأسرة التقليدية، وفى هذا النظام لا حقوق ولا خصوصية ولا حتى دين أو مشاعر إنسانية للمرأة أو للرجل!! فهي لا تستطيع اختيار الرجل الذي تحبه، ولا يمكنها الامتناع عن ممارسة الجنس مع أي "رفيق" يطلبها، وإلاَّ كان مصيرها الدفن تحت طبقات الجليد في أعماق سيبيريا!! وإذا كانوا لا يعترفون لها بأيَّة مشاعر، ولا حتى حق الاحتفاظ بالأطفال أو البيت أو المال؛ فهل يبقى لها في هذا النظام حقٌّ أو كرامة أو حتى كيان إنساني؟!!

    وعن أحوال النساء عند الإغريق يقول ول ديورانت في موسوعته: "كان الزواج عادة يتَّفق عليه والدا الزوجين كما كان يحدث على الدوام في فرنسا القديمة، أو بين خُطَّاب محترفين، وأكبر ما يهتمُّون به فيه البائنات لا الحب؛ فقد كانت ينتظر من والد الفتاة أن يقدِّم لابنته بائنة من المال والثياب والجواهر، ومن العبيد في بعض الأحيان، فإذا لم يكن للبنت مال فنادرًا ما تجد لها زوجًا!!! ومن أجل هذا كان أقاربها يجمعون لها المال إذا عجز الوالد. وبهذه الطريقة انقلب الزواج بالشراء الذي كان كثير الحدوث في أيام هومر، فصارت المرأة في عهد پركلي هي التي تشتري زوجها!! ومن هذا الوضع تشكو "ميديا" في إحدى مسرحيات "يورپديز"، فلم يكن اليوناني إذًا يتزوج لأنه يحبُّ، ولا لأنه يرغب في الزواج، فهو كثير التحدُّث عن متاعبه، بل ليحافظ على نفسه وعلى الدولة عن طريق زوجة جاءته بثروة مناسبة. ولقد كان الرجل - رغم المغريات كلها - يتجنب الزواج ما دام يستطيع تجنبه، وكانت حرفية القانون تُحرَّم عليه أن يبقى أعزبَ، ولكن القانون لم يكن يُنفَّذ دائمًا في أيام پركليز، ولما انقضى عهده زاد عدد العُزَّاب حتى صار مشكلة من المشاكل الأساسية في أثينا، حقًّا ما أكثر الأمور التي تدهش الإنسان في بلاد اليونان!

    وكان الذين يرضون بالزواج من الرجال يتزوَّجون متأخرين - في سن الثلاثين عادة - ثم يصرون على الزواج من فتيات لا تزيد سنهن على خمسة عشر عامًا!!

    وفي ذلك تقول إحدى الشخصيات في مسرحية ليورپديز: "إن زواج الشابِّ من زوجة شابَّة شرٌّ مستطير؛ وسبب ذلك أن قوَّة الرجل تبقى طويلاً، أما نضرة الجمال فسرعان ما تفارق صورة المرأة!!".

    فإذا ما تمَّ اختيار الزوجة واتفق على بائنتها، تمت خطبتها رسميًّا في بيت والدها، ويجب أن يحضر هذه الخطبة شهود، ولكن حضور الفتاة نفسها لم يكن ضروريًّا. فإذا لم تتم هذه الخطبة الرسمية لا يعترف القانون الأثينى بالزواج. وكان يجوز للزوج دائمًا أن يطلقها في أي وقت يشاء بلا سبب. الطلاق يُبَاح أيضًا إذا تراضى الزوجان، وكان هذا التراضي يعبر عنه عادة بإعلانه رسميًّا إلى الأركون. وإذا افترق الزوجان بقى الأطفال مع أبيهم حتى إذا ثبت الزنا عليه. وجملة القول أن العادات والشريعة الأثينية فيما يختصُّ بالعلاقات بين الرجال والنساء كانت كلها من صنع الرجال، وهى تمثل النكوص عن ما وصل إليه المجتمع في مصر وكريت وبلاد اليونان نفسها في عصر هومر، وتميل بالمجتمع الأثينى ناحية إهدار حقوق المرأة".

    ويضيف ديورانت:
    "من الأمور التي لا تقلُّ دهشة الإنسان منها عن دهشته من أي شئ آخر في هذه الحضارة، أنها ازدهرت من غير أن يكون لها عون أو حافز من المرأة. اختفت النساء المتزوجات من تاريخ اليونان بين يوم وليلة، كأن الأقدار قد أرادت أن تدحض حجة القائلين بأن ثمة ارتباطًا بين مستوى الحضارة في بلد ما ومركز المرأة فيه. فبينما نرى المرأة في تاريخ هيرودوت في كل مكان، لا نراها في تاريخ توكيديدز في أي مكان، وترى الأدب اليوناني من سمنيدز الأمرجوسى إلى لوشان يكرر أخطاء النساء تكريرًا تشمئز منه النفس، وفى آخر هذا العصر يكرر فلوطارخس الرحيم نفسه قول توكيديدز: "يجب أن يُحْبَس اسم السيدة المصونة في البيت كما يحبس فيه جسمها"!!.

    وهذه العزلة النسائية لا وجود لها عند الدوريين، وأكبر الظن أنها جاءت من الشرق الأدنى إلى أيونيا، ثم انتقلت من أيونيا إلى أتكا، فهي جزء من تقاليد آسيا. ولعل اختفاء نظام التوارث عن طريق الأم، ونشأة الطبقات الوسطى، وسيطرة النظرة التجارية إلى الحياة، لعل لهذه الأمور أثرها في هذا التغيير؛ ذلك أن الرجال في هذه الأحوال ينظرون إلى النساء نظرة نفعية، فيَجِدُونَهُنَّ أكثر فائدة لهم في البيت.

    وتتفق الصبغة الشرقية التي اصطبغ بها الزواج اليوناني مع نظام العزلة التكية (Attic)، فهذا الزواج يقطع الصلة بين العروس وأقاربها، فتذهب لتعيش معيشة لا تكاد تختلف عن عيشة الخدم في بيت غير بيتها. ولم يكن في مقدورها أن تتعاقد على شيء، أو أن تستدين أكثر من مبلغ تافه، أو أن ترفع قضايا أمام المحاكم. وإذا مات الزوج لا ترث زوجته شيئًا من ماله. وحتى العيب الفسيولوجى في أمور التناسل يُعَدُّ سببًا مشروعًا لإخضاعها للرجل. فبينما كان جهل الرجل فى الأزمنة البدائية في أمور التناسل يؤدى إلى رفع المرأة، نرى النظرية السائدة في عصر اليونان الزاهر ترفع من شأن الرجل بتقريرها أن قوة التناسل يختصُّ بها الرجل وحده، وأن المرأة لا تعدو أن تكون حاملاً للطفل ومرضعًا له. وكان كِبَرُ سِنِّ الرجل عن المرأة وقت الزواج من أسباب خضوع المرأة، فقد كانت سنه في ذلك الوقت ضعفي سنها، وكان في وُسْعِه - إلى حدٍّ ما - أن يُشَكِّل عقلها حسب آرائه وفلسفته في الحياة. وما من شكٍّ أن الرجل كان يعرف ما يتمتع به الرجال من حرية في المسائل الجنسية في أثينا معرفة تمنعه من أن يجازف بإطلاق الحرية لزوجته أو ابنته، فهو يختار الحرية لنفسه على أن يكون ثمنها عزلة زوجته أو ابنته. ولقد كان في وسعها إذا تحجبت الحجاب اللائق بها، وصَحِبها مَن يوثق به، أن تزور أقاربها، وأن تشترك في الاحتفالات الدينية - ومنها مشاهدة التمثيل - أما فيما عدا هذا فقد كان ينتظر منها أن تقبع في منزلها، وألاَّ تسمح لأحد بأن يراها من النافذة. وكانت تقضى حياتها في جناح النساء القائم في مؤخِّرة الدار، ولم يكن يسمح لزائر من الرجال أن يدخل فيه، كما لم يكن يسمح لها بالظهور إذا كان مع زوجها زائر.

    وكانت وهى في البيت تُطَاع في كل ما لا يتعارض مع سلطة زوجها الأبوية. فهي تدبر شؤون البيت أو تشرف على تدبيرها وهى تطهو الطعام، وتمشِّط الصوف وتغزله، وتخبط ثياب الأسرة وتصنع فراشها. ويكاد تعليمها أن يكون مقصورًا على الفنون المنزلية؛ لأن اليونان كانوا يعتقدون مثل يوپديز أن ذكاء المرأة يعوقها عن أداء واجباتها؛ وكانت نتيجة ذلك أن نساء أثينا المحصَّنات كن أكثر تواضعًا، وأكثر فتنة لأزواجهن من مثيلاتهن في اسپارطة، ولكنهن كن في الوقت نفسه أقل منهن ظرفًا ونضوجًا، عاجزات عن أن يكن رفيقات لأزواجهن؛ لأن عقول الأزواج قد امتلأت وصقلت بتجارب الحياة المختلفة، ومن أجل هذا فإن الأدب اليوناني لم يستفد شيئًا من نساء أثينا في عصر پركليز. وكان أرسطوفان يسخر منهن بألفاظ وقحة صاخبة"[2]. ولم يكن الفيلسوف أفلاطون بأفضل رأيًا في المرأة؛ إذ يرى في كتابه عن الجمهورية المثالية أن النساء هن أدوات للتناسل فقط، فيجب وضعهن في غُرَفٍ خاصة للتناسل مع رجال بلا تمييز ولا زواج، والأطفال الذين ينتجون عن هذه العلاقات الجنسية الفوضوية ينتزعون من أمهاتهم بمجرَّد انتهاء فترة الرضاعة؛ حيث تتولى السلطة تربيتهم في معاهد خاصة، ولا يرون أمهاتهم بعد ذلك مطلقًا ولا يتعرَّفن عليهن!! وإذا مارست المرأة دون سن العشرين الجنس أو كان رفيقها أكبر من خمسين سنة فإن الطفل الذي يولد نتيجة لهذه العلاقة يجب إعدامه بتركه حتى الموت جوعًا؛ لأنه لا يصلح ليكون عضوًا نافعًا حسب زعم أفلاطون!! ولا يعترف أفلاطون بالأسرة أو الزواج أو أية حقوق للمرأة في حضانة وتربية فَلَذَاتِ كَبِدِها أو حتى رؤيتهم بعد ذلك مطلقًا!! وكان الفُرْس يبيحون النساء حتى المحارم لكل الرجال بدون زواج، وجاءت هذه الإباحة طبقًا لمذهب "مزدك" الذي أعلن أن سبب كل الفتن هو النساء، ولذلك أباحهن للكافة![3]. وعقب معركة القادسية أمر يزجرد ملك الفرس بقتل كل النساء اللاتي كن يصرخن حزنًا على القتلى من أقاربهن!!!.

    ولم يكن حظُّ المرأة عند الرومان بأوفر من حظها عند الفرس أو اليونان؛ فشعار الروم الشهير كان هو "قيد المرأة لا يُنزع ونَيْرُها - استعبادها - لا يُخلع"!! وكانت عقيدة الرومان هي "نجاسة المرأة" وأنها هي الخطيئة، والابتعاد عنها فضيلة لمَن لا تغلبه الرذيلة!![4].

    وكان من نتائج هذا الفكر الظالم انهيار كل مكانة، وانعدام أية حقوق للنساء، ثم خطا الفكر المسيحي الأوروبي خطوات أبعد وأشد تطرُّفًا وشذوذًا؛ عندما راحت المجامع الأوروبية - مثل مجمع "ماكون" - تبحث في القرن الخامس الميلادي قضية اختلفوا حولها وهى التساؤل عما إذا كانت المرأة جسدًا فقط بلا روح، أم أنها جسد وروح كالرجل، وتغلب الرأي الذي أفتاهم بأن المرأة جسد بلا روح!! ولم يكن هناك استثناء من هذه القاعدة - على حدِّ زعمهم - إلا السيدة مريم - عليها السلام- !! وإذا كان الأمر كذلك فقد أفتوا بأنها لا تصلح إلا لخدمة الرجل من صباها إلى مماتها، ولا حق لها في شيء إلا ما يتفضل به عليها سيدها الرجل!! وما زال معظم الرهبان يظن أن الابتعاد عن النساء ضرورة؛ لأنهن حبائل الشيطان وسبب كل الخطايا!!

    ولو قال أحد من المسلمين مثل هذا لقامت قيامة الغرب!!

    وكانت شريعة "مانو" في الهند لا تعترف بوجود للمرأة استقلالاً عن أبيها أو زوجها أو ولدها في حالة عدم وجود الأب والزوج. وكانوا لا يعترفون لها حتى بحق الحياة بعد الزوج، فإذا مات وشرعوا في حرق جثته فإنهم يحرقون الزوجة حَيَّة معه ويبعثرون أشلاءها مع أشلائه!!

    وفى شريعة "حمورابى" في بابل كانت النساء تعتبر في عداد الماشية والأغنام المملوكة، وكان عندهم نصٌّ على أنه إذا قتل شخص ابنة رجل آخر فإن على القاتل أن يُسلم ابنته إلى والد القتيلة ليقتلها قصاصًا وانتقامًا أو يمتلكها كجارية إلى الأبد بدلاً من قتلها!! وهكذا لا يقتص من القاتل بل تدفع ابنته المسكينة ثمن جريمة أبيها!! ويظن بعض الناس أن عادة وأد البنات الوحشية كانت موجودة فقط عند عرب الجاهلية، وهو ظن خاطئ تمامًا؛ إذ أن عادة قتل المولود - الأنثى - عرفتها شعوب كثيرة، بل كانت - وما زالت موجودة حتى الآن - في المناطق الريفية من الصين.

    ولم يُنصف المرأة أي تشريع في أيَّة أمة قبل نزول القرآن الكريم. وزاد الطين بِلَّة عندما قام اليهود والنصارى بتحريف التوراة والإنجيل لإضافة نصوص بشعة ما أنزل الله بها من سلطان!!

    وعلى سبيل المثال لا الحصر، أضاف المجرمون في التوراة نصوصًا تُلصق الخطيئة بحواء وحدها، وتزعم أن الشيطان أغوى حواء وساعدته الحية حتى أكلت حواء من الشجرة المُحَّرمة ليأكل آدم بعدها بدوره، فتسببت حواء بذلك في طردهما من الجنة!! ونورد فيما يلي النص الذي حرَّفوه بالتوراة لتأتى القصة على النحو الذي يروق لهم، وهو الإصحاح الثالث من سفر التكوين الذي جاء به:
    "وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية... فقالت للمرأة: أحقًّا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منها ولا تمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، وأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل. وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر، وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان واختبأت. فقال: مَن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة: فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غَرَّتْنِى فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه، وقال للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً: لا تأكل منها - ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كلَّ أيام حياتك. وشوكًا وحسكًا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك، تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود...".

    وعلى هذا النحو سارت كتب العهد الجديد حيث جاء في الإصحاح الحادي عشر من كتاب كورنثوس الثاني:
    "ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح".

    وذكر في تيموثاوس من الإصحاح الثاني:"إن آدم لم يغوِ، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي". وهكذا ألصقت الأناجيل الخطيئة بحواء وحدها على غرار ما فعلت التوراة!!.

    ويبدو أن من بَدَّلوا التوراة كانوا يُكِنُّون كراهية شديدة للنساء، فلم يكتفوا بإلصاق الخطيئة بحواء وحدها وإنما أضاقوا نصوصًا أخرى للحط من قيمة النساء والتنفير منهم، وسار مفكرو النصرانية على ذات الدرب أيضَا، فهي عندهم "حبالة الشيطان ومصدر النقمة والشرور، وأسلم ما يكون الرجل أبعد ما يكون عنها".

    ومن تلك النصوص التي تبث الكراهية للمرأة: "إنها إبريق مُلِئ بالقاذورات وفمها مُلِئ بالدم، ومع ذلك يجرى وراءها الجميع". وحاشا لله أن يهبط الوحي المقدس بمثل هذا الكلام على نبي من الأنبياء - عليهم السلام - وقالت الموسوعة اليهودية أيضَا: "وكان الخوف من المرأة باعتبارها مصدر الغواية والإغراء وسبب الانفلات الكبير في الأمور الجنسية بين عامة الشعب" انتهى[5]. وفى التوراة أيضَا: "وإذا إمرأة استقبلته في زى زانية وخبيثة القلب" الأمثال10:7. ووضع المجرمون نصوصًا مماثلة في الأناجيل منها ما يرمى ابنتي لوط عليه السلام بالفاحشة وينسب إليهما أنهما سقتا أباهما خمرًا وزنتا معه وحملتا من أبيهما سفاحًا!!

    وإذا كانوا قد افتروا هذا على بنات الأنبياء و على السيدة مريم أيضًا فهل تكون عامة النساء أفضل حظًا عندهم؟!!

    وقد استمرت المهانة والإذلال وإهدار آدمية النساء في أوروبا حتى القرن التاسع عشر الميلادي، ولم تحصل المرأة على أي حقوق هناك إلا بعد ثلاثة عشر قرنًا كاملة من نزول القرآن الكريم.

    ويكفى أن نورد ما قاله لورانس ستون أحد كبار الكُتَّاب الاجتماعيين في أوروبا في كتابه "الطريق الطويل نحو الطلاق في إنجلترا"، فقد ذكر ستون أنه كان مسموحًا ببيع "الزوجة" في مقاطعة بريطانيا ونيو إنجلند إلى شخص آخر بكل أغراضها. وكان بيع الزوجات يتم علنًا في أسواق الماشية كما تُباع الأبقار والأغنام!!! لاحظ أننا نتحدث عن الزوجات وليست الجواري!!

    واستمرت تلك الممارسات حتى أواخر القرن الثامن عشر، ولم تتوقَّف طوال قرون رغم استنكار الصحافة المحلية!! وكان الزوج الذي لا يستطيع تطليق زوجته - بسبب الحظر القانوني لذلك وقتها - يطردها من البيت ويحضر عشيقته لتنام معه على فراش زوجته الطريدة، وينفق على العشيقة من مال الزوجة حتى يدفع الأخيرة إلى الانتحار أو الجنون أو قتلهما معًا؛ لتتخلص من الجحيم الذي تعيش فيه على الأرض![6]. وفى عام 1790م باعت كنيسة في انجلترا امرأة في السوق بشلنين فقط؛ لأن تلك الكنيسة عجزت عن إيواء المرأة المسكينة أو إطعامها!!!

    وسوف يطالع القارئ العزيز في مواضع أخرى من هذه الدراسة أرقامًا مُفْزِعة تُظْهِر بجلاء أن كثيرًا من الاضطهاد والظلم والجرائم بكل أنواعها ما زال يرتكب ضد النساء في أوروبا وأمريكا رغم كل مزاعم المدنية والحضارة والمساواة بين الجنسين!!! فالمسألة ليست شعارات جوفاء لا صلة لها بالواقع. إنما يكون احترام المرأة والمحافظة على حقوقها، نابعًا من عقيدة صادقة، يؤمن صاحبها أن الله تعالى فرض عليه أن يحب لنسائه ما يحب لنفسه، وإكرام المرأة التي هي أخته في الإنسانية وهى أمه وجدته وابنته وزوجته أيضًا.

    وذلك لن يكون بغير الإسلام، ولن تجده عند غير المسلمين.

    [1] انظر: فردريك أنجلز: The Origin of the Family.

    [2] ول ديورانت، قصة الحضارة - ترجمة محمد بدران - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر - الجزء الرابع "حياة اليونان" ص 112-119.

    [3] الكامل في التاريخ - لابن الأثير (1/318)، وكذلك الملل والنحل للشهرستانى (1/249) .

    [4] المرأة في القرآن - عباس محمود العقاد، ص 48 - طبعة شركة نهضة مصر - القاهرة - مصر.

    [5] الموسوعة اليهودية - باللغة الانجليزية - مشار إليه عند زكى على أبو غضة: المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام - ص 244-245 – طبعة دار الوفاء - مصر.

    [6] لورانس ستون - الطريق الطويل إلى الطلاق في انجلترا - Road to divorce – England، Oxford University Press - 1990..


    يتبع إن شاء الله...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل الثاني

    إنصاف حواء

    رد الإسلام إلى المرأة كيانها كإنسان، فليست حيوانًا ولا أداة ولا متاعًا يملكه الرجل كما كانت كل الأمم قبل الإسلام تعتقد وتعاملها على هذا النحو. والآيات في ذلك عديدة منها قوله تعالى: ﴿ فَاستجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[آل عمران: 195]. ومن يتأمَّل قوله - تعالى -: ﴿ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يدرك فورًا أن أصل الخلق واحد بالنسبة للجميع ذكورًا وإناثًَا، والله - سبحانه وتعالى - هو "رب العالمين" كلهم، والعالمين تشمل الإناث كما تشمل الذكور. وتقول الآية الأولى من سورة النساء عن الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء: 1].فقد خلق الله كل البشر من آدم - عليه السلام - وحواء زوجته التي خلقها الله - تعالى - من أحد أضلاعه، فهي جزء منه، وليست مخلوقًا أدنى، ولا هي بحيوان أو جماد كما زعم الآخرون. كما أن كل البشر - باستثناء آدم - قد وُلِدُوا من رَحِم امرأة، والكلُّ مخلوقٌ من طين الأرض، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وصالح الأعمال.


    وفى هذا المعنى ورد الحديث الشريف «النساء شقائق الرجال» أخرجه أحمد وأبو داودوالترمذي والبزّار، وذكره القرطبى في تفسيره[1]. والمساواة بين الرجال والنساء فى الثواب والأجر على الأعمال الصالحة مقرَّر بنص القرآن الكريم: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97][2]. وكما يتساوى الذكور والإناث فى الثواب فإنهم يتساوون فى العقاب على السيئات. بل نجد أن المرأة تُعفى من العقاب إذا أكرهها الرجل على الزنا أو غيره من الجرائم، مراعاة لضعفها وتسلُّطه عليها بقوته البدنية. وهناك نهى صريح فى سورة النور الآية رقم 33 عن ذلك؛ قال - تعالى - ﴿ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾[النور: 33].فإذا حدث هذا الإكراه فإن ذات الآية تقرِّر أن الله سيغفر لهن: ﴿ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ[النور: 33] كما يُؤجل تنفيذ العقوبة على الحامل حتى تضع وترضع طفلها عامين.


    الحق في الحياة:
    وحرص الإسلام على حماية حق المرأة فى الحياة،فهي نفس، وقد حرَّم الله، قتل النفس بغير جريمة ارتكبتها أو إفساد فى الأرض، كما نهى الإسلام بشدَّة عن وأد البنات المسكينات لمجرَّد أنهن إناث. قال - تعالى -: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[البقرة: 179]، وقال - تعالى -: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ[المائدة: 45]، ولا عبرة فى القصاص أو الدية - التعويض - عن القتل أو الجرح أو إتلاف عضو من البدن بكون المجنى عليه ذكرًا أو أنثى. وأمَّا وأد البنات فقد قال الله - سبحانه - فيه: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ[النحل: 58- 59] تأمَّل وصف المولى لأهل الجاهلية حين يبلغ أحدهم خبر ولادة أنثى له، وكيف يكتسى وجهه بالكآبة والسواد - المعنوى طبعًا - وهو يحاول كتمان ما به من غيظ وحسرة ويتفادى لقاء الناس؛ لأن زوجته ولدت أنثى ولم تلد له ذكرًا يحارب معه حين يكبر ويحوز الغنائم والرئاسة فى قومه... ثم يُصوِّر القرآن مستخدما أبلغ وأقل عدد من الكلمات الحالة النفسية المنهارة للأب الكافر، وكيف تعصف به الهواجس والحيرة فلا يدرى: أيحتفظ بالمولودة على هوانها وضعفها واحتمالات تسببها فى عار يلحق به إن وقعت فى أسر إحدى القبائل المغيرة، مع ما تُكَلِّفه من نفقات إطعامها وكسوتها بلا مقابل تقدمه دفاعًا عن القبيلة وإحرازًا للمكاسب؟!!


    أم يدفنها حيَّة فى التراب ليتخلص من عبئها الثقيل ونفعها القليل وعارها الذليل؟!! وانظر إلى حكم ربنا - عز وجل - في نهاية الآية: ﴿ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ لتعلم علم اليقين أن هذا كلام رب العالمين حقًّا؛ لأنه لا ينحاز إلى الرجل ضد المرأة،فالكلُّ عباد وإماء له. ولو كان هذا الكلام من عند النبى - كما زعم الكفار - لكان أفضل له ألاَّ يتطرَّق إلى ذكر هذا الموضوع أبدًا، لأنه يصطدم بعادات وتقاليد الجاهليين، وهى أقوى عندهم من رابطة الدم، إلى درجة أن الأب لا تجد عاطفة الأبوة لها موضعًا فى نفسه وهو يدفن فَلَذَةَ كَبِدِه حيّة في التراب إلى أن تخمد أنفاسها البريئة، وهو في ذلك الدرك الأسفل من الإجرام وانعدام الرحمة، ولا نقول الوحشية، فإننا لم نجد على مرِّ التاريخ أسدًا أو نمرًا أو ذئبًا يدفن كبده فى التراب، بل يقاتل لحماية أشباله حتى آخر قطرة دم، وتوعَّد القرآن من يفعل ذلك بأشد الحساب و العقاب يوم القيامة: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[التكوير: 8- 9].


    البرّ بالأمهات والبنات والأخوات;
    وقد جاء تحريم وأد البنات صريحًا قاطعًا كذلك فى الحديث الشريف الذى رواه الإمام البخاري عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».


    وفى هذا الحديث العظيم نصٌّ على تحريم قتل المولودة الأنثى كما كانت كثير من الشعوب تفعل قبل الإسلام. ونلاحظ أيضًا حكمًا آخر فى ذات الحديث هو تحريم عقوق الأمهات؛ أي: الإساءة إليهن بقول أو فعل. وهكذا نجد حديثا واحدا يحظر قتلها ويُحرِّم كذلك الإساءة إليها مطلقًا. وبذلك نخلص إلى حتمية الاعتراف لهن أوَّلاً بالحق فى الحياة ثم حتمية الإحسان إليهن طوال تلك الحياة.


    وروى البخاري أيضًا أن رجلاً سأل النبى - صلى الله عليه وسلم -: مَن أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك» قال ثم مَن؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك»، وهكذا فقد أوصاه - عليه السلام - بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة واحدة،وكل امرأة هى أم لرجل أو ابنة لرجل حتمًا.


    ولم يقتصر الإسلام على تحريم القتل أو الإساءة إليهن بل حثَّ الرجال على رعايتهن والبرِّ بهن، ووعد مَن يحسن إليهن بأعظم الأجر والثواب من الله فى الدنيا والآخرة. وهذه الصلة والبرُّ بالأم مفروضة حتى لو كانت مشركة لا تؤمن بالله.


    روى البخاري عن أسماء بنت أبى بكر - رضي الله عنهما - أن أمها قدمت إليها فى المدينة فقالت أسماء للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي المشركة قدمت وهى راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صلى أمك»، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.

    وللجدَّات والعمَّات والخالات مكانة الأم ذاتها، وهن نساء، ويمتدُّ الحث على البرِّ والإحسان إلى البنات والأخوات. روى الطبراني عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يَبِنَّ أو يَمُتْنَ إلا كُنَّ له حجابًا من النار»، فقالت امرأة: أو بنتان؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أو بنتان». وفى رواية لأبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة»، ورواه الترمذي أيضًا بألفاظ قريبة.وروى أحمد و الطبرانى عن أم مسلمة - رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَن أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتى قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله أو يكفيهما كانتا سترًا له من النار». وعن جابر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنَّة البتّة» قيل: يا رسول الله فإن كانتا اثنتين؟ قال: «وإن كانتا اثنتين»، قال: فودَّ بعض القوم أن لو قالوا له: "واحدة" ليقول - عليه السلام -: "أو واحدة". وفى رواية أخرى عن أبى هريرة - رضي الله عنه -: قال رجل: يا رسول الله وواحدة؟ قال - عليه السلام -: «وواحدة»؛ رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد[3]. كما روى أبو داود عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال: «مَن كانت له أنثى فلم يئدها ولم يُهنها ولم يؤثر ولده - الذكر - عليها أدخله الله الجنة».


    فهل يستطيع أحد بعد كل هذه النصوص أن يزعم أن الإسلام لم ينصف المرأة ؟! وهل هناك مزيد يمكن لأى تشريع أن يقدمه لها فوق ذلك؟!


    حمايتهن أثناء الحرب:
    ومَن يراجع أحكام القتال فى الإسلام يدرك فورًا جانبًا مهمًّا من جوانب العظمة والرحمة فى هذا الدين الحنيف. فقد راعى الشارع الحكيم ضعف المرأة وحاجتها إلى الرعاية والحماية من الأهوال والفظائع التى ترتكبها الجيوش فى كل مكان وزمان فى أوقات الحروب العصيبة، ولا جدال فى أن أغلب ضحايا الصراعات المسلَّحة عادةً هم الضعفاء من النساء والأطفال والمرضى والعجائز، فنصَّ القرآن الكريم على ضرورة القتال دفاعًا عن هؤلاء المستضعفين: ﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا[النساء: 75].


    وكما يقول المفسرون: إن الأمر بالقتال هنا هو للرجال من المؤمنين الذين عليهم إغاثة المستضعفين المضطهَدين. قال الشوكانى فى فتح القدير: "المعنى: ما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله وسبيل المستضعفين؛ حتى تخلّصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد، وخصَّ بالذكر المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه (سبيل الله)، ولا يبعد أن يُقال أن لفظ الآية أوسع"[4]. وهكذا فرض الله على الرجال القتال لحماية النساء وغيرهن من المستضعفين، ورفع الظلم والإذلال والإستعباد عن الجميع، و في الوقت ذاته أعفى الإسلام المرأة من القتال؛ رحمة بها وإشفاقًا عليها من التعرض للقتل أو الجراح أو الوقوع فى الأسر والتعرُّض للإسترقاق والاغتصاب وغيره من الأهوال. ويُجَوِّز للنساء المشاركة فى إسعاف الجرحى وإطعام الجنود وسقيهم، كما حدث فى غزوة بدر وغزوة أُحد. ولها أن تشارك فى القتال فى حالات الضرورة دفاعًا عن النفس والأطفال إذا لم يوجد رجال أو لم يكفِ عددهم لصدِّ الأعداء.


    وحتى على الجانب المقابل وهو جيش الأعداء أو بلادهم، فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والأطفال؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة» رواه أبو داود فى سننه، ومَّر صلى الله عليه وسلم بعد إحدى المعارك بجثث قتلى الكُفَّار فرأى جثة امرأة، فغضب الرسول عليه غضبا شديدًا واستنكر قتلها قائلاً: «ما بالها قُتلت ولم تقاتل؟!» رواه أبو داود، وفى رواية عند البخارى أن إمرأة وُجدت فى بعض مغازى النبى - صلى الله عليه وسلم - مقتولة، فأنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان. وفى رواية أخرى للبخارى ومسلم: "وُجدت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"، وقال الدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ الحديث بجامعة الأزهر تعليقًا على الحديث: قد اتَّفق العلماء على منع قتل النساء من الأعداء والأطفال وغير المحاربين[5].


    وفى حالة الوقوع فى الأسر؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُفَرَّق بين الوالدة وولدها» فقيل حتى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية»؛ رواه البيهقى فى "السنن".


    وتمتدُّ هذه الرحمة العامة لتشمل حتى إناث الطيور، روى ابن مسعود: كنا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة - طائر- معها فرخان فأخذت الحمرة تعرش - تُحَلِّق حولهم - فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فرآها فقال: «مَن فجع هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها»، والحديث في "صحيح الجامع" وهو واضح الدلالة على الرحمة حتى بالأمهات من الطيور.


    وتتمتَّع المرأة الأسيرة بالحماية والضمانات التى كفلها الإسلام للأسرى رجالاً كانوا أم نساء. فقد فرض الإسلام حسن معاملة الأسرى وإطعامهم وإيوائهم وحظر التعذيب وسائر ألوان الإهانة والبطش، بل جعل الإحسان إلى الأسرى من المكارم وفضائل الأعمال. وأورد القرآن الكريم فى أواخر ما نزل من الآيات قوله تعالى: ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾[محمد: 4]. وهكذا يأمر الإسلام بالتكرُّم على الأسيرات بإطلاق سراحهن بلا مقابل - والأسرى من الرجال كذلك - أو بفداء وهو تبادل الأسرى بين الجانبين، أو تعويضات مادية مقابل ما أحدثه الجيش المعتدى من أضرار، ومن العدل كل العدل أن مَن تسبَّب في الدمار هو الذى يدفع تكاليف الإصلاح.


    كما فتح الإسلام أبواب الحرية على مصاريعها للجوارى والعبيد بعشرات الوسائل التى فرضها لعتق وإنقاذ هؤلاء من ذل الرق. وتختص الجارية بفرصة للتحرَّر لا ينالها الرجل، فالجارية لا يعاشرها إلا سيدها بموجب عقد ملك اليمين الذى يفرض عليه إطعامها وكسوتها والإحسان فى عشرتها تمامًا كزوجته. فإن ولدت منه طفلاً تنال حريتها ولو كان المولود سقطًا - جنينًا ميتًا لم يكتمل نموه - ويحظر على سيدها بيعها؛ لأنها تصبح "أم ولد". وليس هذا هو الحال بالنسبة للعبد - الذكر - لأنه لو تزوَّج من حُرَّة وأنجب منها لا يصبح حُرًّا بهذا الإنجاب، وإنما عليه السعى لتحرير نفسه بوسائل أخرى تشاركه فيها الجارية الأنثى أيضًا[6].


    ومن أحكام الجهاد أيضًا أنه لا يجوز للرجل الخروج للقتال بدون إذن أبويه وخاصة أمه؛ روى الشيخان أن رجلاً جاء يستأذن النبى - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فسأله: «أحي والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد».

    وروى الطبراني أن رجلاً أستأذن النبى - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فسأله: «أمك حيّة؟» قال الرجل: نعم، قال النبي: «الزم رجلها فثمَّ الجنَّة».

    وهكذا قدَّم الإسلام بِرَّ الأم على الجهاد فى سبيل الله. وإذا كان الإسلام قد أعفى المرأة من أهوال القتل والقتال فإنه لم يحرمها من أجر مماثل لأجر الرجال المقاتلين فى سبيل الله؛ روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "استأذنت النبى - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد فقال «جهادكن الحج»، وفى رواية ثانية للبخارى أيضًا أنه قال - عليه الصلاة والسلام -: «نِعم الجهاد الحج». والحديث واضح الدلالة على أن القتال غير واجب على النساء، وأن الجهاد متعدد ومتنوِّع[7].


    وقد روت كتب السيرة والأحاديث قصة وافدة النساء وهى أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية التى أبلغت الرسول - عليه الصلاة والسلام - رسالة من جموع النساء يطالبن فيها بعمل،كأعمال الجهاد وصلاة الجمعة والجماعة التى يقوم بها الرجال لنيل الأجر مثلهم، فأعجب - عليه الصلاة والسلام - بفصاحتها وحرصهن على نيل الخير والثواب، وأخبرها أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها - أي قيامها بواجباتها كزوجة - يساوى القتال في الأجر،فهو بنص كلامه عليه الصلاة والسلام: «يعدل ذلك كله»، والحديث رواه الإمام أحمد.


    كما تنال المرأة درجة الشهداء إذا ماتت أثناء الولادة أوالنِّفاس، وهى وسيلة للشهادة لا يملكها الرجل بطبيعة الحال.فقد روى أحمد والنسائى وأبو داود: «والمرأة تموت بجمع - أثناء الولادة - شهيدة».


    نساء في القرآن:
    توجد فى القرآن الكريم عشرات الآيات التي تناولت بالتفصيل كل شؤون المرأة وحقوقها، وأوجبت البر بها ورعايتها وحسن معاشرتها، وحذّرت الرجال من عقاب رادع فى حالة مخالفة كل ذلك. وتجد فى القراَن سورة عظيمة اسمها سورة "النساء"، ولا نجد سورة باسم "الرجال". وهناك سورة أخرى اسمها سورة "مريم" وهى امرأة، بينما لا نجد سورة بإسم "أبى بكر" أو "عمر" وهما أعظم رجال الإسلام بعد النبى صلى الله عليه وسلم. بل إن كثيرًا من الرسل والأنبياء لم يُذْكَرُوا في القرآن بالاسم، بينما ذكرت السيدة مريم. وكذلك توجد سورة باسم "المُمْتَحَنة" وهى صفة للمرأة،وتأمر هذه السورة النبي - عليه السلام - ومَن معه باختبار النساء اللاتى يهاجرن إليهمفي المدينة.فإذا تبيَّن أنهن جئن مسلمات مؤمنات بالله ورسوله فإن على المسلمين حمايتهن وإيوائهن وعدم ردِّهن إلى الكفار حتى لايقتلونهن أو يردوهن إلى الكفر.


    بيعة النساء:
    وأمرت ذات السورة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمبايعة النساء كما يبايع الرجال على الإسلام والطاعة فى المعروف ومكارم الأخلاق وعدم إرتكاب الذنوب والمعاصى. وروى الترمذى وعبد الرازق والنسائى وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر أن عددًا من النساء بايعن النبى على الإسلام طبقًا لما ذكرته هذه السورة، فقال لهن - عليه السلام -: «فيما استطعتن وأطقتن»؛ أي: أنه نبَّههن إلى هذا القيد لرأفته بهن وعلمه أنهن بشرٌ لهن طاقة محدودة، فقالت النساء عند ذلك: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا".


    وهى عبارة بالغة الدقة والفصاحة والحكمة، وشهادة من النساء أنفسهن بما فى شريعة الإسلام من الرحمة لهن والبربهن والإحسان إليهن.


    وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأتين هما السيدة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران، ومدحهما كما مدح ملكة سبأ، بينما ذمَّ رجالاً مثل: فرعون وهامان وقارون وأبي لهب، فهل هذا كتاب ضد المرأة؟!!


    الله يسمع شكواها:
    ونزلت سورة كريمة أخرى هى "المجادلة" ردًّا من الله - عز وجل - على شكوى امرأة، وحلاًّ لمشكلتها هي وكل أخواتها المؤمنات اللاتى يتعرَّضن لذات المشكلة. ومَن يقرأ هذه السورة يكاد العجب والإعجاب يذهبان بنفسه كل مذهب.


    الله - تعالى - بكل عظمته وجلاله وسموِّه وأسمائه الحسنى وصفاته العليا يستمع إلى قول امرأة تجادل نبيه عليه السلام!! بل يساوى - سبحانه - بينها وبين نبيه من حيث إنه ﴿ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1].فهو - تعالى - سمع كلامها مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلم - سبحانه - شكواها من قبل أن تنطق بها، وأنزل الرحمن الرحيم فيها قرآنًا يُتْلَى إلى يوم القيامة. ولم يعاتب المرأة المسكينة لأنها تجاوزت الحد فى جدالها مع النبي واعترضت على الحكم الذى اجتهد فيه النبى عليه الصلاة والسلام - كقاضٍ - قبل نزول الوحى بشأنها.


    وهذه الواقعة دليلٌ قاطع لا يقبل إثبات العكس على تمتُّع المرأة بحرية الرأي في ظل الإسلام على أوسع نطاق ممكِن وعلى نحو غير مسبوق.


    والقصة كما قال ابن كثير والقرطبى والنسفى وغيرهم - أن أَوْسَ بن الصامت - رضي الله عنه - غضب على امرأته خَوْلَة بنت ثعلبة فقال لها: أنت علىَّ كظهر أمي، وكانوا في الجاهلية يقولونها لنسائهم فتحرم المرأة على زوجها بهذا القول. ولم يكن الوحى قد نزل بشأن حكم الظهار، فاجتهد النبي - عليه السلام - برأيه البشرى وقال لخولة: «قد حُرمت عليه»، فجادلته قائلة: والله ما ذكر طلاقًا، وأشكو إلى الله فاقتي - فقرى - ووحدتي، وأن لي صبية صغارًا إن ضمَّهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلى جاعوا، والرسول لا يزيد على تأكيد أنها حرمت على زوجها بهذا الظهار. وجعلت الصحابية ترفع رأسها إلى السماء وتكرِّر شكواها إلى الله السميع البصير الرحيم. فأنزل الله - سبحانه - حلاًّ لمشكلتها ومشكلة كل امرأة يتلفَّظ زوجها بكلمة الظهار، وألزم الزوج فى هذه الحالة بالكَفَّارة وهى تحرير عبد أو جارية، فإن لم يَجِد يصوم شهرين متتاليين، فإن لم يقدر على الصيام يطعم ستين مسكينًا وترجع إليه زوجته فالظهار ليس طلاقًا.


    خطيئة مشتركة:
    ويُحمد للقرآن أنه الكتاب الوحيد الذى أنصف أُمِّنا (حواء) فلم يلصق الخطيئة بها وحدها كما فعلت التوراة والأناجيل بعد تحريفها. فالنصوص القرآنية صريحة فى أن آدم شارك حواء فى المعصية والأكل من الشجرة المُحَّرمة بعد أن وَسْوَس إليهما الشيطان وأغراهما بذلك.


    قال الله - تعالى -: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾[البقرة: 35- 36]، وقال الله - تعالى - في سورة الأعراف: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾[الأعراف: 20].


    بل إننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد خصَّ آدم بالذكر رغم اشتراك حواء معه فى المعصية، وذلك فى سورة طه حيث يقول ربنا - تبارك وتعالى -: ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾[طه: 121- 122].


    ولا عجب فى ذكر خطأ آدم وحده هنا، فهو النبى الذى يوحى إليه وليس حواء. كما أنها خُلقت من جسده فهى فرعٌ منه، والأصل مقدَّم في الذكر على الفرع، وهو الذى عَلَّمه ربُّه الأسماء كلها وليست هي. وخطأ العالم أخطر من خطأ المتعلم، كما أن خطأ الرئيس أو القائد أو المتبوع أشدُّ نُكرًّا وأخطر أثرًامن خطأ المرؤوس أو الجندى أو الأتباع. ورب الأسرة أَوْلَى باللوم - حين يخطئ - من زوجته؛ لأنه هو القَوَّام والمسئول عن دفة سفينة الأسرة وليست هى.


    آيات الإحسان:
    وكذلك أمر المولى - جَلَّ وعلا - بالإحسان إليهن، وكفل لهن كل الحقوق المادية والمعنوية بآيات صريحة قاطعة فى القرآن الكريم، حتى يقطع الطريق على كل من تسوِّل له نفسه إهدار حقوقهن أو الانتقاص منها على أى نحو وبأية وسيلة.


    فهناك عشرات الآيات التى نظمت حقوقهن فى الميراث والزواج والطلاق والنفقات وحسن المعاشرة. ولن نستطيع استعراض أحكام كل تلك الآيات الكريمات، ولهذانكتفي بعرض بعضها كأمثلة. ولمن شاء الرجوع إلى كتب التفسير والفقه والحديث ليجد مئات الآلاف من الصفحات المليئة بتفاصيل تلك الحقوق للنساء على نحو يستحيل وجود بعضه فى أية كتب أو ديانات أو شرائع أخرى سماوية كانت أم وضعية. ويكفى أن نشير هنا إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228]، وقوله تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء: 32]، وقوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[النساء: 19]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[البقرة: 229]، وحين أمر الله - سبحانه - بالبر والإحسان إلى الوالدين فإنه خصَّ الأم بذكر معاناتها فى الحمل والولادة والإرضاع: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾[لقمان: 14]، وأمر الله الابن أن يخفض لأمِّه وأبيه جناح الذل؛ أي: أن يكون رقيقًا بارًّا بهما إلى حدِّ التذلل بين أيديهما: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، وهذه الآيات وغيرها من نصوص القرآن الكريم تشكِّل نظامًا كاملاً محكمًا لحماية المرأة وكفالة كل حقوقها بلا إفراط أو تفريط[8].


    وصايا النبي بهن:
    بالإضافة إلى نصوص القرآن الكريم نجد عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة فى الإحسان إلى النساء والرفق بهن. وقد تقدم بعض هذه الأحاديث فى النهى عن قتلهن، وفى فريضة البر بالأمهات والجدات والبنات والأخوات وغيرهن من ذوات القرابة. ونضيف هنا أحاديث أخرى منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»؛ رواه الترمذي وصَحَّحه عن السيدة عائشة وهو فى "نيل الأوطار"[9]. وهناك أيضًا قوله - عليه السلام -: «خياركم خياركم لنسائهم»؛ رواه أحمد والترمذى. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحَسَنة في معاشرة الزوجات والتلطُّف معهن والرفق بهن، ولا عجب فهو الذى وصفه ربه قائلاً: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ﴾ [القلم: 4] وأخرج البخاري ومسلم عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا». وهذا لفظ البخارى، أمَّا مسلم فإن عنده إضافةً هى: «فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عِوَج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها». وكما نرى فإن الحديث تضمَّن النهى عن إيذاء الجار، ثم أوصى - صلى الله عليه وسلم - بالنساء مرتين في ذات الحديث. لاحظ تكرار عبارة: «استوصوا بالنساء» في حديث واحد !.

    يقول الإمام الصنعانى تعليقًا على هذا الحديث: "الحديث فيه الأمر بالوصية بالنساء، والاحتمال لهن والصبر على عِوَج أخلاقهن"[10]. وهناك حديث للبخارى قال فيه - عليه السلام -: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً» وعلل البخاري الحديث - ذكر سببَه - في ترجمة الباب تحت عنوان: (باب لا يطرق الرجل أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم).وقال الصنعانى: لأن الريبة تغلب فى الليل وتندر فى النهار"[11].

    وروى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حقُّ زوج أحدنا عليه؟ قال - عليه السلام -: «تُطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا فى البيت». ويقول الإمام الصنعانى هنا: "دلَّ على وجوب نفقة الزوجة عليه،وألاَّ يختص بالطعام والنفقة دون زوجته، ومثله القول فى الكسوة"، وفى الحديث دليلٌ على جواز الضرب تأديبًا، إلا أنه منهى عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها، وقوله: «لا تُقبِّح»؛ أي: لا تسمعها ما تكره وتقول: قبَّحك الله ونحوه من الكلام الجافى"(12)[12].

    وهناك حديث عند البخارى ومسلم:قال صلى الله عليه وسلم لغلامه الحادي: «يا أنجشة رويدك سَوْقًا بالقوارير». قال المازرى: "قوله «سوقًا بالقوارير» شبههن بها لضعف عزائمهن، والقوارير يُسرع إليها الكسر، وجاء فى كتاب "المعلم بفوائد مسلم": لا تكسر القوارير؛ يعنى: ضعفة النساء؛ أي: الضعاف من النساء"[13]. ورويدك كلمة تقال حثًّا على التمهُّل والتأنيفي السير؛ رفقًا بمن معه من النساء.


    ويعد الإسلام الرجل بأجر عظيم إذا أنفق على إمرأته وعياله. روى البخارى عن أبى مسعود الأنصارى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة». وفى حديث آخر عند البخارى أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى سعد ابن أبى وقاص - رضي الله عنه - عن التصدُّق بماله كله ونهاه عن التصدق بنصفه، فلما طلب سعد أن يوصى - وكان مريضًا - بثلث ماله قال له - صلى الله عليه وسلم -: «الثلث والثلث كثير، أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفَّفون الناس في أيديهم، ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتى اللقمة ترفعها فى في- فم- امرأتك، ولعل الله يرفعك، ينتفع بك ناس ويُضَّرُ بك آخرون». والشاهد هنا هو إخباره صلى الله عليه وسلم أن المسلم له ثواب الصدقة حتى ما كان منها إطعامًا لزوجته، فالله يثيبه حتى على اللقمة الصغيرة من الطعام التى يضعها فى فم امرأته. ويجعل الإسلام ثواب الدينار الذي ينفقه الرجل على أهله - زوجته وأمه وأولاده وبناته - أعظم من ثواب الدينار الذي ينفقه صدقة على الفقراء والمساكين أو الدينار الذي ينفقه في سبيل الله. و نص الحديث موجود في "صحيح الإمام مسلم".


    ويبلغ الإسلام بإطعام الأرامل والمساكين ورعايتهم والقيام على مصالحهم أعلى درجات الأجر تمامًا كأجر المقاتل فى سبيل الله، أو العابد الذى لا يتوقَّف عن العبادات كالصلاة والصيام طوال الليل والنهار أى عمره كله. روى البخاري وغيره عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار». ويتضاعف الأجر إن كانت الأرملة أوالمسكينة من ذوى القربى؛ إذ ينال راعيهما أجر الجهاد برعايتهما بالإضافة إلى أجر صلة الرحم. والأجر العظيم - أجر الجهاد فى سبيل الله - يناله أيضًا مَن يرعى زوجات المقاتلين وأطفالهم أثناء غيابهم فى ساحات الحروب. روى أبو داود عن زيد بن خالد الجُهَنى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومَن خَلَفَه في أهله بخير فقد غزا»، وأهل المقاتل فى سبيل الله هم زوجته وعياله.


    وامتدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الزوجة الصالحة. روى أبو داود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر - رضي الله عنه - في حديث طويل كان آخره: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته»، فهل هناك وصف للمرأة الصالحة أجمل من أن يسميها النبي كنزًا أي: أغلى ما يملكه المسلم؟!


    وأخيرًا، فقد كَرَّم الإسلام المرأة تكريمًا - بل لعله تدليل لها - حين أباح لها التمتُّع بلبس الحرير والتحلى بالذهب، ونهى الرجال عنهما وعن التعطُّر بالزعفران الذي هو مباح للمرأة بدوره. وأحاديث تحريم الذهب والحرير والزعفران على الرجال عند البخاري ومسلم. ونختار هنا رواية أبى داود عن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا فجعله فى يمينه وأخذ ذهبًا فجعله فى شماله ثم قال: «هذان حرام على ذكور أمتي». وفى حديث عند البخارى أنه نهى الرجل عن عطر الزعفران.


    وروى أحمد والنسائى والترمذى وصحَّحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أُحِلَّ الذهب والحرير للإناث من أمتى وحُرِّم على ذكورها».


    الحق في التعليم:
    إذا كان الإسلام هو دين العلم فإن طلب العلم حقٌّ بل واجب على كل مسلم ومسلمة. ونصوص القرآن الكريم التى حثَّت على العلم عامَّة للجميع بلا تفرقة بين ذكر وأنثى. وأوَّل كلمة نزلت من القرآن هى:(اقرأ) والله - تعالى - هو ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[العلق: 4- 5]. ولفظ "الإنسان" هنا يشمل الذكور والإناث معًا، كما يشملهم قوله - تعالى - في موضع آخر ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [الزمر: 9]. وكذلك تدخل النساء مع الرجال فى عموم مَن يرفعهم الله بالعلم والإيمان: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].


    وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة فى وجوب طلب العلم على النساء كوجوبه على الرجال، ومن ذلك قوله عليه السلام: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»رواه ابن ماجه فى المقدمة كما رواه البغوى فى "شرح السُنَّة".


    وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - خصَّص يومًا للنساء يُعلِّمهنَّ فيه أحكام الإسلام كما يُعلِّم الرجال. وقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه -: "قالت النساء للنبى - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكنَّ امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة: واثنتين؟ قال: «واثنتين»، وفى رواية عن أبى هريرة عند البخارى أيضًا: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث»؛ أي: مَن يموت لها ثلاثة من الأطفال أو اثنان لم يبلغا سن الإدراك والتكاليف الشرعية، فإن ذلك يكون سببًا لنجاتها من النار - إن صبرت - ودخولها الجنَّة إن هي احتسبت، ورضيت بقضاء الله وقدره.

    وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (باب عظة الإمام النساء وتعليمهن) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أشهد على النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج ومعه بلال فظنَّ أنه لم يُسمع - ظن أن النساء لم يسمعنه من قبل - فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقى القرط والخاتم - الحلي والجواهر - وبلال يأخذ فى ثوبه"؛ أي: يجمع تلك الصدقات لتوزيعها فيما بعدُ على الفقراء والمساكين. وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (تعليم الرجل أمته وأهله - زوجته -) حديثًا عن مضاعفة الأجر لمن يعلم جاريته أو زوجته، ونصَّ الحديث عن أبى موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لهم أجران، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وأمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والعبد المملوك إذا أدَّى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمَة فأدَّبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران».


    ونلاحظ هنا حثَّ الإسلام على تعليم النساء، وكذلك حثَّه على عتق الجوارى والترغيب فى الزواج بهن أيضًا.


    فماذا يمكن أن تحلم به أية جارية أكثر من التعليم والعتق والزواج والأمومة وتكوين أسرة سعيدة؟! وهل يمكن أن يقدم لها أي نظام أو تشريع آخر أفضل من هذا؟!


    وأورد ابن سعد فى الطبقات أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الشفاء بنت عبد الله أن تُعلم السيدة حفصة كيفية الرُقية، وروى آخرون أنه أمر الشفاء العدوية أن تعلِّم السيدة حفصة رضي الله عنها تحسين الخط وتزيينه. وكانت حفصة تجيد القراءة والكتابة، وكذلك السيدة أم سلمة - رضي الله عنها - وروت السيدة عائشة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ألفى حديث، وكان أكابر الصحابة من الرجال يسألونها ويتعلمون منها.



    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي



    وقد تفوَّقت كثيرات من نساء الصحابة والتابعين والأجيال المتتابعة فى علوم الدين والدنيا. وكتب السير والتراجم مليئة بآلاف من أسمائهن. وشهد لهن كبار علماء السلف بالعلم والدقة والصدق. قال الحافظ الذهبى - رضي الله عنه - في مقدمة كتابه "الميزان": "لم يُؤثر عن امرأة أنها كذبت فى حديث". وقال الإمام الشوكانى - رضي الله عنه-: "لم يُنقل عن أحد من العلماء أنه ردَّ خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنَّة تلقَّتها الأُمَّة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا يُنكره مَن له نصيب من علم السُّنَّة"[14].

    وكانت السيدة رُفيدة الأسلمية على علم بالطب والجراحة، وأذن لها النبى - صلى الله عليه وسلم - باتِّخاذ خيمة في مسجده لعلاج جرحى الغزوات، ومنهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - الذي أصيب بجراح خطيرة فى غزوة الخندق، فأمر الرسول - عليه السلام - بنقله إلى خيمة السيدة رُفيدة - عيادتها الطبية - لعلاجه، لكن قضاء الله سبق كل جهودها، واستشهد - رضي الله عنه - داخل عيادتها بعد قليل. وخبر نقل سعد إلى خيمة رُفيدة لعلاجه أورده الإمام الذهبى فى ترجمته لسعد بن معاذ رضي الله عنه[15].

    وكانت السيدة نفيسة - رضي الله عنها - عالمة من مشاهير علماء أهل البيت - رضي الله عنهم - وأثنى عليها الإمام الشافعى - رضي الله عنه - وذكر أنه تلقَّى عنها كثيرًا من العلوم الشرعية، وكانت تُلَقَّب بـ "نفيسة العلوم" لغزارة علمها وحدة ذكائها. وكانت أم عطية الأنصارية قابلة وخاتنة بالمدينة،أي طبيبة أمراض نساء وولادة بلغة عصرنا، وبرعت في ذلك حتى أنه لا يُعرف بالمدينة غيرها فى وقتها. ولم يجد كبار علماء الإسلام - على مرِّ العصور - غضاضة فى ذكر أسماء من تلقَّوا العلم عنهن من عالمات السلف. ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والسير والتاريخ للاطلاع على المزيد من سيرهن، وما قدمن من أعمال علمية جليلة لحفظ وتدريس العلوم الشرعية - رضي الله عن الجميع.


    وحتى في عصرنا الحديث يعمر العالم الإسلامى بعشرات الملايين من الطبيبات والمُدَرِّسات والمهندسات والعالمات المسلمات فى كل فروع العلوم الدينية والدنيوية.


    ونؤكِّد أن المجتمعات الإسلامية بحاجة ماسَّة إلى المزيد منهن فى كل التخصُّصات. فنحن بحاجة إلى الطبيبات لعلاج بنات جنسهن، ونحن أيضًا بحاجة إلى مَن يقمن بالتدريس لبنات جنسهن فى مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية والعلوم الطبيعية. وخروج المرأة لطلب العلم قال عنه ابن حزم - رضي الله عنه -: "النِفَار - الخروج - لطلب العلم والفقه فى الدين واجبٌ عليهن كوجوبه على الرجال، ففرض على كل إمرأة التفقُّه في كل ما يخصُّها؛ كأحكام الطهارة، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وما يحلُّ وما يحرم من الأكل والشراب والملابس وغير ذلك"[16].


    مسلمات خلَّدَهُن التاريخ:
    ويكفى النساء شرفًا أن أوَّل من آمن بالنبى - عليه السلام - كانت واحدة منهن هى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - التي نطقت بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من سادات الصحابة. وظلت أيامًا هى وبناتها رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة هن كل الأمة الإسلامية قبل أن يدخل الإسلام رجل، وسَلَّمَ عليها الله - تعالى - وشهد لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وَبَشَّرَهَا جبريل بقصر فى الجنة. وهى التي نصرت دينها ونبيها وزوجها بكل ما تملك، وآمنت به حين كَذَّبَه الرجال، وأعطته مالها حين حرموه، وواسته بنفسها وقومها حين كان وحيدًا مضطهدًا يجبن كثير من الأبطال والرجال عن مساندته ونصرته.


    ويكفيهن شرفاً أن أوَّل مَن نال درجة الشهادة فى سبيل الله - وهى درجة رفيعة تَمَنَّاها حتى النبى - كانت امرأة هى "سميَّة بنت خياط" والدة عمار بن ياسر - رضى الله عنهما - حيث طعنها الطاغية اللعين "أبو جهل" بحربة فى فرجها؛ لأنها رفضت أن ترتدَّ عن الإسلام رغم التعذيب المروِّع الذي تعرَّضت له مع زوجها وولدها، وآثرت الموت مع الإسلام على الحياة مع الكفر.

    ومن النساء أيضًا سيدة الأبطال "نسيبة بنت كعب" الأنصارية التى حضرت بيعة العقبة الكبرى مع امرأة أخرى من الأنصار، وصرعت بسيفها عشرات من فرسان المشركين يوم أحد الذى لم يثبت فيه عند الهزيمة إلا قلة من المسلمين منهم "نسيبة" - رضى الله عنها - وتلقَّت عشرات الطعنات فى جسدها الطاهر فداء لنبيها - عليه السلام - وحمت جسده الشريف من سيوف وسهام الكافرين.


    ومنهنَّ السيدة عائشة التى عَلَّمَت أكابر الصحابة بل عَلَّمَت- ولا تزال- مئات الملايين من طلبة العلم الحديث والفقه والتفسير جيلاً بعد جيل.


    ومنهن "الخنساء" الشاعرة التى عجز ملايين الرجال عن نظم معشار ما جادت به قريحتها العبقرية من قصائد خَلَّدها التاريخ. ولن نستطيع حصر أسماء آلاف من النساء اللاتى شَرَّفَهن الإسلام،ويمكن لمن شاء الرجوع إلى كتب التراجم والسِّيَر لمزيد من التفاصيل[17].


    [1] تفسير القرطبى (الجامع لأحكام القرآن الكريم) - الجزء السادس- ص318 وما بعدها - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة.

    [2] انظر تفسير الآية الكريمة عند ابن كثير والقرطبى والطبرى والنسفى والشوكانى والمنتخب فى تفسير القرآن- طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية-مصر.

    [3] أحاديث فضل رعاية البنات والأخوات أوردها المنذرى فى كتابه: الترغيب والترهيب - الجزء الثالث، ص 84- 85.

    [4] تفسير الشوكانى (فتح القدير)، الجزء الأول - ص 776، طبعة دار الوفاء، المنصورة - مصر.

    [5] تيسير صحيح البخاري، الدكتور موسى شاهين لاشين - الجزء الثاني - ص 214 - طبعة دار الشروق الدولية، القاهرة - مصر.

    [6] لمزيد من التفاصيل والأدلة انظر كتاب: "الإسلام محرر العبيد، التاريخ الأسود للرق فى الغرب" للمؤلف - منشور بمكتبة موقع صيد الفوائد - وموقع المكتبة الإسلامية، وموقع المنشاوى للدراسات والبحوث - وموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة - وغيرها من المواقع على الانترنت.

    [7] تيسير صحيح البخاري - د. موسى شاهين لاشين - الجزء الثانى-ص191.

    [8] انظر: تفسير الآيات المذكورة فى أمهات كتب التفسير المشار إليها.

    [9] نيل الأوطار – الشوكانى - الجزء السادس - ص 207.

    [10] سبل السلام – الصنعانى - ص 568 - طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.

    [11] سبل السلام - المرجع السابق - ص 569.

    [12] سبل السلام - ص 570.

    [13] المعلم بفوائد مسلم – المازرى - ج2 ص306- ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة - مصر.

    [14] نيل الأوطار – الشوكانى - الجزء 58 -ص 122.

    [15] سير أعلام النبلاء – الذهبي - الجزء الأول- ص 287- طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت.

    [16] ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام - الجزء الثاني - ص 257 - طبعة مكتبة الخانجى - مصر.

    [17] الطبقات الكبرى - لابن سعد- الجزء الأخير الخاص بالنساء - وكذلك أسد الغابة فى معرفة الصحابة، لابن الأثير، وغيرها.


    يتبع إن شاء الله .....
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل الثالث

    مودة ورحمة



    الزواج من نِعَم الله الكبرى على عباده، وهو النظام الوحيد الذى يلبى الاحتياجات الفطرية، ويكفل حياة نظيفة للجنسين، فهو أفضل أشكال العلاقات الاجتماعية الممكنة بين الرجل والمرأة. ولكى ندرك عظمة ماجاء به الإسلام يجب أن نلقى نظرة على ما لدى الآخرين من بدائل، ثم نقارن ما عندهم بما عندنا وبضدِّها تتميز الأشياء كما يُقال. يستعرض المفكِّر الإسلامي الكبير على عزت بيجوفيتش[1] مواقف المسيحية الأصلية وأصحاب النظريات المادية - مثل الشيوعية - من نظام الزواج قائلًا:
    "الزواج مؤسسة قديمة قِدَمَ الإنسان، وهو نموذج حى للصراع بين الأفكار والدين. فالدين المجرد يتطلَّب العفة (المطلقة). والمادِّية - كمبدأ - تسمح بالحرية الجنسية كاملة، إلاَّ أن كلا المذهبين عندما واجهته المشاكل فى التطبيق تحرك فى اتجاه مؤسسة الزواج كحل وسط.

    فى المسيحية الأصلية لا مكان للزواج، فقد دعا المسيح إلى العفَّة المطلقة:
    "لقد أمرتم بألا ترتكبوا فاحشة الزنا، وأقول لكم كل مَن ينظر منكم إلى إمرأة بشهوة فقد زنا بها فى قلبه"[2].

    وما يفهم من هذا الكلام هو أن تعليمات المسيح - عليه السلام - تحثُّ الإنسان على أن يناضل من أجل العفة المطلقة. وقد استنتج "تولستوى" الفكرة نفسها فقال: "إن الذين يعتقدون أن حفلة الزواج تعفيهم من الإلتزام بالعفة أو أنها تمكنهم من الوصول إلى مستوى أعلى من النقاء مخطئون". وذكر القديس "بولس" فى إحدى رسائله:
    "إن غير المتزوجين معنيُّون من الرب كيف يرضونه، وأما المتزوجون فمعنيون بالدنيا؛ أي: كيف يرضون زوجاتهم"[3]. وبصفة عامة تنظر النصرانية إلى الزواج على أنه شرٌّ لا بُدَّ منه، وأنه اختزال للكمال لا مناص منه:
    "من الخير للرجل ألا يلمس امرأة، ولكن لكي يتجنَّب الوقوع في الزنا فلا بُدَّ أن يكون للرجل امرأة، وأن يكون للمرأة رجل"[4]. فى هذه الرسالة نرى أن المبادئ النصرانية الصريحة تضعف وتتحرَّك مقتربة من الواقع، إنه نوع من التنازل الواضح. فمن وجهة نظر النصرانية ليس الزواج حلًا قائمًا على أساس من مبدأ ولكنه حل فرضه الواقع (أن تتجنب الزنا) على حد قول القديس بولس.

    كذلك ترفض المادية الزواج ولكن لسبب مختلف تمامًا. "فالزواج الفردي منظور إليه بإعتباره إخضاع جنس للجنس الآخر"، أو كما قيل: لقد ظهر أوَّل عداء طبقي بتطوُّر الخصومة بين الرجل والمرأة بسبب الزواج الفردي، وبتحويل وسائل الإنتاج إلى الملكية العامة تتوقَّف الأسرة كوحدة اقتصادية للمجتمع، وتتحوَّل إدارة المنزل الخاصِّ إلى صناعة اجتماعية، ويصبح تعليم الأطفال والعناية بهم من الشؤون العامَّة. ويعنى المجتمع بجميع الأطفال على مستوى واحد، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين. وبذلك يزول القلق من النتائج التى تعتبر أهم عامل اجتماعى أخلاقى واقتصادى يمنع الفتاة من أن تمنح نفسها كُلِيَّة للرجل الذى تحبه. ألا يعتبر هذا كافيًا لتيسير النمو التدريجى لإباحة الجماع الجنسي الحر، وظهور تساهل عام أكثر فيما يتعلَّق بشرف العذراء وعار المرأة؟[5].

    توجد علاقة واضحة بين وجهة نظر النصرانية إلى العالم وبين دعوتها إلى العفة[6]. بعض أصحاب الاتجاهات المادِّية في الغرب يرون فى هذا علاقة بين النُّظُم الاجتماعية الرجعية وبين الكَبْتِ الجنسى. وتنتمى إلى هذا الرأى نظريات "ولهلم ريخ" Wilhelm Reich و"تروتسكى" Trotsky ونظرية "مدرسة فرانكفورت". ويذهب "هربرت ماركيوز" إلى أن الرأسمالية تكبت العلاقات الجنسية من أجل أن تستخدم الطاقة الجنسية فى ميادين أخرى.

    إن العزوبة (تكريس العفة) لا تستند إلى وصايا مباشرة من الله، ولا كانت موجودة فى التقاليد المبكرة للكنيسة[7]. أمَّا العزوبة - بمعنى الامتناع عن الزواج - فهى جزء طبيعى من المذهب المادى. وفى آخر مؤتمر للفاتيكان، رفضت محاولة لإلغاء عزوبة القسس. هذه من ناحية المبادئ، أمَّا من ناحية الواقع والتطبيق، فإن العزوبة لا يمارسها إلا عددٌ قليل من الناس. وفى الاتحاد السوفييتى - بعد كثير من الخبرات السلبية مع الحرية الجنسية - أعيدت مؤسسة الزواج.

    فإذا كانت مؤسسة الزواج قد تقرَّر إعادتها إلى النصرانية وإلى الشيوعية المادية، فإن بدايتها كانت مختلفة فى كلا الحالين: فقد بدأت فى النصرانية من مطلب العفة الكاملة، وبدأت فى المادية من مطلب الحرية الجنسية الكاملة. وقد جعلت النصرانية الزواج من الشعائر المقدسة، بينما حوَّلته المادية إلى عقد اتفاق، وفى بعض الحالات إلى عقد رسمى يخضع لمراسيم معينة. ولكن تبقى المسافة كبيرة بين الزواج الكاثوليكى والزواج المدنى. وأساس الاختلاف هو الطلاق؛ فالزواج المقدس لا يمكن حلُّ عقدته مُطلقًا، وسيفقد صفته باعتباره عقد اتفاق عندما يصبح شيئًا مقدسًا.

    وجاء الزواج الإسلامى فوحَّد هذين النوعين من الزواج؛ فالزواج الإسلامي - من وجهة النظر الأوروبية - هو زواج دينى ومدني؛ أي: أنه عقد اتفاق يتمُّ في حفل ديني في الوقت ذاته، والذي يعقد الزواج "رجل دين" وموظف فى الدولة.

    الاثنان فى شخص واحد. ولأن فى الزواج الإسلامى صفة العقد، لذلك يمكن حله عند الضرورة، فالطلاق مسموح به لأسباب تقتضيه. وقد اعتبر النبى - صلى الله عليه وسلم - الطلاق «أبغض الحلال عند الله»، وهذا تفكير دينى وأخلاقى معًا. ومن ثَمَّ فالزواج نموذج حى لمؤسسة إسلامية؛ فالزواج - كما هو معروف فى الإسلام - يستهدف الإجابة على مشكلة جوهرية ألا وهي: كيف يوفق الانسان بين تطلُّعاته وأشواقه الرُّوحية وبين حاجاته المادية؟ كيف يحافظ على العِفَّة دون أن يتخلَّى عن الحب؟ كيف يضبط الحب الجنسى لحيوان يمكن أن يكون إنسانًا ولكن لا يستطيع أن يكون ملاكًا؟ هذا الهدف الجوهرى هو هدف إسلامى فى صميمه.

    يمكن مقارنة الزواج بالعدالة وهما من خصائص الإسلام. ووجه المقارنة أنهما فكرتان تنطويان على قدر من الخشونة الظاهرية، ولكنهما يوفران للإنسان حياة أكثر صفاء وأكثر استقامة من معادلهما النصراني، وأعنى بذلك العزوبة والمحبة العامة"[8] انتهى.

    ويبدو أن "تولستوي" قد أدرك هذه الحقائق بوضوح وكتب ما نصه:
    "لأن تعاليم المسيحية الخالصة لا يوجد فيها أساس لمؤسسة الزواج، فإن الشعوب في عالمنا المسيحي لا يعرفون كيف ينتمون إلى هذه المؤسسة. فهم يشعرون أنها مؤسَّسة غير مسيحية في جوهرها، ولكنهم لا يرون المثل الأعلى للمسيح - وهو الإمتناع عن الجنس - لأنه مستتر خلف العقيدة الراهنة. ومن هنا برزت ظاهرة تبدو غريبة لأول نظرة: فالأمم التي تخالف التعاليم الدينية التي توجد في المسيحية، تتمتَّع بمعايير جنسية أوضح وأفضل". يقصد بذلك المسلمين بالطبع[9].

    مشاعر نبيلة


    أقام الإسلام علاقة الزوجية على أرقى وأنبل المشاعر الإنسانية وهى المحبة والتراحم والسكن والألفة. ورغم أن الزواج يحقِّق كذلك الاتصال الجنسي المشروع وإنجاب الأطفال، لكن القرآن الكريم أبرز الجانب الأهمَّ في استقرار الأسرة وهو التراحم والمودة وليس الجماع فقط رغم ضرورته؛ إذ هو من لوازم الزواج ونتائجه. قال - تعالى -: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة: 187]، وهل هناك أقرب وألصق بالإنسان من لباسه الذى يستره ويغطيه ويحميه من لسعة البرد وأشعة الشمس؟!

    وقال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189].

    وقال - سبحانه -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الروم: 21]، ونلاحظ كيف أكَّد القرآن وحدة النفس الإنسانية للذكر والأنثى، كما نلاحظ الأساس المتين الذى تبنى عليه الأسرة فى الإسلام، يقول الإمام الشوكانى - رضي الله عنه - في تفسير الآية الأخيرة : "ومن علاماته ودلالاته الدالة على البعث أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا أي: من جنسكم فى البشرية والإنسانية، وقيل المراد: حواء فإنه خلقها من ضلع آدم، وقوله - تعالى -: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾؛ أي: تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه، ﴿ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً؛ أي: الوداد والتراحم بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة. وقال مجاهد: المودة هى الجماع والرحمة هى الولد، وقال السُدِّى: المودة هى المحبة، والرحمة هى الشفقة، وقيل المودة: "هى حب الرجل لامرأته، والرحمة هي شفقته عليها ورحمته إيَّاها من أن يصيبها بسوء"[10]. ولا نجد ما نضيفه أكثر مما قاله هؤلاء الأعلام حول المحبة والشفقة والتراحم والتآلف الذي يجب أن تقوم عليه العلاقة بين الزوجين، وبالتالي تتكون أسر سعيدة، ثم مجتمع فاضل يتكوَّن من مجموع هذه الأسر المثالية. وهناك الأمر الإلهي المتكرِّر والأوامر النبوية بضرورة المعاشرة بالمعروف والحسنى كما ذكرنا فى الفصل الثانى من هذه الدراسة مثل قوله - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، وقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وقوله: «استوصوا بالنساء خيرًا»؛ رواه الترمذي وابن ماجه.

    حق اختيار الزوج


    ومن مفاخر الإسلام التى لم يسبقه أحد إليها أنه أعطى المرأة الحق فى اختيار شريك حياتها، ونهى الأولياء عن الإكراه أو التسلُّط عليهن أو إجبارهن على الزواج بمَن لا يرضين به، وأوجب على القضاء إبطال كل عقد يتم بالإكراه وإلغاء كل آثاره. والنصوص فى ذلك واضحة كل الوضوح في القرآن الكريم وفى السُّنَّة المطهَّرة.

    فمن القرآن قوله - تعالى -: ﴿ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء: 19]، وقال ابن عباس - رضي الله عنه - شرحًا لهذه الآية: كان الرجل إذا مات فى الجاهلية يكون أولياؤه - أقاربه - أحق بامرأته - بأرملته - إن شاء بعضهم تزوَّجها بعده، وإن شاءوا زَوَّجُوها لغيرهم، وإن شاءوا منعوها من الزواج، فهم أحقُّ بها من أهلها، فنزلت الآية الكريمة لترفع هذا الظلم عنها. وروى أبو داود عن ابن عباس أيضًا أن الرجل كان يرث إمرأة ذى قرابته، فيعضلها - يحبسها ويمنعها من الزواج - حتى تموت فيرث أموالها، أو تدفع إليه ما تحصل عليه من مهر وأموال فنهى الله - تعالى - عن ذلك.

    وفى لفظٍ لابن جرير وابن أبى حاتم: فإذا كانت جميلةً تزوَّجها قريب زوجها المتوفَّى، وإن كانت دميمةً حبسها -منعها من الزواج - حتى تموت فيرثها. وقال الزهرى وأبو مجلز: كان من عاداتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه - من غيرها - أو أقرب عصبته من الرجال ثوبه على تلك الأرملة فيصير أحقَّ بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوَّجها بغير مهر، وإن شاء زَوَّجَها غيره وأخذ مهرها من الزوج الجديد لنفسه ولم يعطها شيئًا، وإن شاء حبسها وضيَّق عليها إلى أن تفتدى نفسها منه بأن تعطيه ما ورثته عن زوجها الميت، أو تموت فيرثها قريب الزوج هذا. وقيل: الخطاب فى الآية للأزواج، ونهى لهم عن إمساك الزوجات مع إساءة العشرة طمعًا في ميراثهن أو لإجبارهن على رد المهور[11]. وفى آية أخرى قال ربنا عز وجل : ﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ﴾ [الآية: 232] من سورة البقرة.

    قال الشوكانى فى تفسير الآية : الخطاب إما يكون للأزواج، فيكون نهيًا لهم عن منع المطلقات أن يتزوجن من أردن من أزواج آخرين بعد انقضاء العدة، لحمية الجاهلية كما يقع كثيرًا من الخلفاء والسلاطين غَيْرَةً على مَن كُنَّ تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم. وإمَّا أن يكون الخطاب للأولياء فيكون المعنى: لا تمنعوهن من الزواج مرة ثانية بمَن طلقهن من الرجال إذا تراضى الطرفان بالمعروف. ويؤيد هذا المعنى الحديث الذى رواه البخارى وغيره عن معقل بن يسار - رضي الله عنه الذى - قال: كانت لي أخت فأتاني ابن عم فأنكحتها - زوجتها إياه - فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة ولم يراجعها حتى انقضت عدتها. فهويها - اشتاق إليها بعد الطلاق - وهويته - أحبَّته واشتاقت إليه - ثم جاء يخطبها - مرَّة أخرى بعد انقضاء العدة - فقلت له: يا لكع - لئيم - أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها؟! والله لا ترجع اليك أبدًا، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله حاجة كل منهما إلى الآخر، فأنزل الله الآية ﴿ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف ﴾ [البقرة: 232]، فَكَفَّرَت عن يمينى وزوجتها إياه. وفى رواية أخرى قال له: أزوِّجك وأكرمك[12].

    وقد أوردت كتب السيرة والسنة العديد من الأحاديث ومواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - القاطعة ببطلان الزواج الذى يتمُّ بالإكراه أو دون مشورة المرأة. ومنها ما ذكره البخاري ومسلم في باب (لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب - من سبق لها الزواج - إلا برضاهما) فقد روى أبو هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن»، فقالوا: يا رسول الله، وكيف إذنُها؟ قال: «رضاها صمتها»، وعلق الدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ الحديث بجامعة الأزهر على الحديثين قائلاً: استئمار مَن سبق لها الزواج - الأرملة أو المطلَّقة - يعنى: حصول الأمر والإذن الصريح؛ أي: موافقتها على الزواج صراحة، وأمَّا استئذان البكر فيعنى الإطمئنان لحصول إذنها وموافقتها على الزواج بأية قرينة - مثل سكوتها وعدم اعتراضها- وبالطبع يمكنها أن ترفض وتصرِّح بالرفض، أو تُصَرِّح بالموافقة إذا أرادت[13]. انتهى.

    وروى أبو داود في (باب الاستئمار) قوله - عليه الصلاة والسلام -: «تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها». ولا يقتصر الإسلام على اشتراط موافقة العروس لإتمام عقد الزواج بكرًا كانت أو أرملة أو مطلقة، بل يخطو أبعد من ذلك بأن يأمر الرجال بمشورة الأمهات والجدَّات واستطلاع آرائهن في زواج بناتهن. روى أبو داود عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آمروا النساء في بناتهن».

    وهذه خطوة حضارية غير مسبوقة، فما كان الناس قبل الإسلام يقيمون وزنًا للنساء، ولا يعتبرونهن ذوات أرواح أو عقول، وما كان لرأى إحداهن في زواجها هي أي اعتبار، فكيف بزواج ابنتها أو حفيدتها؟!!

    وتتجلى الحكمة والرحمة والنبل أيضًا في هذا الأمر النبوى الكريم، إذ لا يعقل ألا تحاط الأم علمًا ولا يؤخذ رأيُها في مَن يتقدَّم للزواج من فلذة كبدها - وكذلك الجدات - وقد يكون لإحداهن دراية بعيوب فى الخاطب لا علم للأب أو الولى الذكر بها، وقد تكون الأم - وهذا هو الغالب - قد علمت من ابنتها أمرًا بشأن هذا الزواج أو رفضها للخاطب ويمنعها الحياء من ذكر هذا لأبيها، والبنات يذكرن للأمهات ما يستحيل عليهن مفاتحة الآباء بشأنه أو حتى مجرد الإشارة إليه فى حضوره من قريب أو بعيد.

    فإذا أبرم الأب أو الولى عقد الزواج بدون رضا المرأة فإن القاضى يبطل هذا العقد ويجعل الخيار فى إلغائه أو إقراره بيد المرأة وحدها. روى البخاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية - رضي الله عنها - أن أباها زَوَّجها - وهى ثِيِّب - فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبطل نكاحها. وفى رواية عبد الرزاق أنها قالت: إن أبى أنكحنى وإن عم ولدى أحب إلى فرد النبى نكاحها وزَوَّجَها بمَن أرادت. ولا يقتصر الأمر على الثيب فقط، بل أبطل النبى - صلى الله عليه وسلم - تصرُّف الولي بتزويج البكر بدون رضاها، وجعل لها الخيار فى الإبقاء على هذا العقد وإجازته أو رفضه وفسخه. والدليل ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن جارية بكرًا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أن أباها زَوَّجَها وهى كارهة - غير راضية - فَخَيَّرَهَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم" رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه - رضي الله عن الجميع - وقال الإمام الصنعانى تعليقًا على هذا الحديث: "هذا الحديث دلَّ على تحريم إجبار الأب لابنته البكر على النكاح، وغيره من الأولياء من باب أولى". ووصف الصنعانى الحكم هنا بأنه حكم عامٌّ لعموم علَّته؛ فأينما وجدت الكراهة - كراهة البكر للزواج - الذى يُبرمه الولي - ثبت الحكم"[14]؛ أي: أنه في كل حالة تكره البكر فيها الزواج الذى يعقده أبوها بغير رضاها يحرم هذا العقد، ويثبت للفتاة حقُّ الاختيار بين الموافقة على هذا الزواج أو فسخه. والواقع أن هذا الحكم العظيم يتَّفق تمامًا مع القاعدة العامَّة في العقود والمعاملات، والتى تتَّفق حتى مع كل القوانين الوضعية وهى بطلان كل عقد أو تصرُّف يتمُّ بالإكراه أو بدون تراضى كل أطراف العقد أو التصرُّف القانوني، ولم يأت أي تشريع في العالم بأفضل من هذا حتى اليوم.

    وتعطينا رواية للإمام النسائى واقعة أخرى أو تفاصيل أخرى إن كانت ذات الواقعة السابقة، فقد روى - رضي الله عنه -: "عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبى زوَّجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته - ليكرمه ويرفع من شأنه بهذا الزواج - وأنا كارهة، قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل - عليه السلام - الأمر إليها - أعطاها حق الإختيار - فقالت: يا رسول الله، قد أجزت ما صنع أبى، ولكن أردت أن أُعلِّم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء - ليس لهم تزويج بناتهم بالإكراه - ولفظ النساء عامٌّ يشمل الثَيِّب والبكر، وقد قالت هذا عنده - صلى الله عليه وسلم - فَأقَرَّها عليه[15].

    ولن يجد الباحث المنصف شيئًا كهذا في أيَّة أمَّة أخرى وقت ظهور الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا. فالفتاة الشجاعة الذكية واجهت الجميع برأيها وحسن فهمها للإسلام وأقرّها - عليه السلام - وأرادت البنت أن توجَّه رسالة للكافَّة بأنَّه لا يحقُّ للآباء ولا غيرهم إجبار النساء على الزواج بمَن لا يرضون. وهذه الواقعة دليل قاطع أيضًا على تمتُّع المرأة بحرية الرأي، فلم يمنع النبي - عليه السلام - تلك الفتاة من الجهر برأيها رغم أنها وافقت على ما صنعه أبوها.

    ضمانات حقوق الزوجة


    ولا يقتصر الأمر على اشتراط رضا وموافقة المرأة لصحة الزواج، إذ نلاحظ أن كل أركان وشروط صحة العقد هدفها الأساسى حماية مصالح الزوجة فى المقام الأول، وكذلك صَوْن سمعتها وحفظ حيائها وعفافها وإحصانها بأسلوب شريف نظيف. وعلى سبيل المثال يقول النبى صلى الله عليه وسلم :" أعلنوا النكاح " رواه أحمد وصححه الحاكم. وفى رواية أخرى للترمذى قال صلى الله عليه وسلم :" أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف وليولم أحدكم ولو بشاة، فإذا خطب أحدكم إمرأة وقد خضّب بالسواد فليعلمها لا يغَرَّها ".

    ومن الواضح أن أمره الشريف بإعلان الزواج يستهدف حماية سمعة الطرفين - وخاصَّة المرأة - ليعلم الجميع أنهما تزوَّجا على سنة الله ورسوله عليه السلام فلا يظن بهما الناس شرًّا حين يرونهما معًا، وكذلك لحماية الأطفال الذين يولدون لهما فيعرف الجميع أنهم ثمرة زواج شرعى وليس سفاحًا مُحرَّمًا. ونلاحظ في الرواية الثانية أمرًا شريفًا آخر للرجل إذ كان قد صبغ شعره بالسواد بأن يصارح مَن يريد الزواج بها بذلك لتعرف حقيقة عمره، ولا تنخدع بالسواد المصطنع فى شعره وتظنه شابًّا صغيرًا. وقد أمر - عليه السلام - الرجل بهذا ولم يأمر به المرأة رغم أن الصراحة والأمانة مطلوبة بل هى فرض على الجميع، لكنه التلطُّف والرقة من خير خلق الله صلى الله عليه وسلم . كذلك يشترط ولى وجود لإبرام عقد الزواج - أب أو جَد أو أقرب الذكور إن لم يوجد أب أو جد - لأنها تستحى عادة من الكلام فى أمور النكاح، فأعفاها الإسلام من الحرج، وجعل لها وكيلاً عنها يتحدث باسمها من قومها أو السلطان إن لم يوجد لها ولى. وهذا الشرط هدفه أيضا حماية حقوق المرأة، فالأب - أو مَن يقوم مقامه - احرص على مصالح ابنته وأكثر منها دراية بعيوب الرجال، ومع ذلك قيد الإسلام سلطته بضرورة موافقة العروس كما تقدَّم. وكذلك ألزم الولى أن يستهدف مصلحتها هى وليس منفعة شخصية له من العقد وإلا أبطل القضاء تصرفه الضار بها. قال صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولى من لا ولى له»؛ رواه الطبراني الذي رواه أيضًا بإسناد حسن عن ابن عباس - رضي الله عنه - بلفظ: «لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان»، ونلاحظ هنا تقييد الولى بضرورة أن يكون "مرشدًا" أي: يرشد المرأة ويراعى ما فيه صالحها، ويكون أمينًا حريصًا عليها، وإلا حلَّ السلطان - الحاكم أو القاضى المسلم - محله حماية لمصالح المرأة.

    كلام في الكفاءة


    وهناك آراء من المهم تفنيدها فى مسألة الكفاءة فى الزواج، إذ يشترط كثير من الفقهاء أن يكون الخاطب كفئًا للمرأة حتى يصحَّ الزواج، ويرون أنه فى حالة قيام المرأة بتزويج نفسها من غير كفء لها يجوز للولى أن يطلب فسخ العقد وإلغاء هذا الزواج. كما يرون أنه فى حالة قيام الولى بتزويجها من غير كفء لها يجوز لها أن تطلب فسخ العقد أيضًا.

    واختلف الفقهاء فى تحديد الكفاءة. فذهب بعضهم إلى أن الكفاءة فى النسب، فالأعجمى - غير العربى - يعتبرونه غير كفء للزواج من عربية ومَن يزعمون الانتساب إلى بنى هاشم أو آل البيت يمنعون زواج بناتهم من غيرهم!! وذهب آخرون إلى أن المهن والحِرَف المتواضعة تؤخذ فى الاعتبار لتحديد الكفء من غيره، فالعامل أو الحرفى - كالسبَّاك والنجَّار وغيرهما - ليس كفئًا للزواج من بنات الأمراء والوزراء وغيرهم من علية القوم!!! وهناك آراء أخرى حول تحديد مفهوم الكفاءة - أي: المساواة والمماثلة - لا يتَّسع المقام لذكرها هنا. ونلاحظ إجماع الفقهاء على أن الكافر - غير المسلم - ليس كفئًا للمسلمة، فلا يجوز أن يتزوَّجها لعدم الكفاءة، وأساس الإجماع هنا نص القرآن الكريم على تحريم هذا الزواج حرصًا على مستقبل المسلمة وحماية لها من الارتباط بكافر يفتنها فى دينها، ولا يؤتمن عليها بأى حال. قال تعالى: ﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10]، فالكفاءة المعتبرة هى الكفاءة فى الدين فقط. وأما الحديث الذى زعموا أنه ذكر أن العرب أكفاء لبعض إلا الحائك - صانع الثياب - أو الحجَّام - الذي يَعمل بالحجامة - فقد نصَّ كبار علماء الحديث على أنه كذب لا أصل له كما قال أبو حاتم، وقال عنه أيضًا أنه: باطل، وقال الإمام الدارقطنى: لا يصح، وقال الحافظ ابن عبد البَرِّ عنه: "هذا منكر، وله طرق كلها واهية"، وأكد الإمام الصنعانى - رضي الله عنه - صحَّة الرأي الذي يعتبر الكفاءة في الدين فقط [16]، فالمسلم الصالح كفءٌ للزواج من المسلمة سواء كان من العرب أو من غيرهم، وسواء كان من أصحاب الحِرَف البسيطة أو الوظائف المرموقة عملا بالآية الكريمة: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتقاكم ﴾[الحجرات: 13]. وهذا الرأي فيه توسعة على المرأة حتى لا تضيع عليها فرصة الزواج، وتقع فريسة للعنوسة انتظارًا للعربى أو الغنى أو صاحب المنصب، و يضيع عمرها كله فى الانتظار!! والأحاديث الكثيرة وفعل النبى - صلى الله عليه وسلم - لا يهتم بغير الكفاءة فى الدين فقط. ومنها حديث: «الناس ولد آدم، وآدم من تراب»؛ رواه ابن سعد من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، والحديث الآخر: «الناس كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى»؛ أخرجه ابن لال بلفظ قريب من لفظ حديث سهل بن سعد. قال الصنعانى: "البخاري أشار إلى نصرة هذا القول حيث أورد تحت باب: (الأكفاء في الدين) قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54]، واستنبط البخاري من ذلك المساواة بين بنى آدم، ثم استشهد بما فعله أبو حذيفة بن عتبة من تزويج سالم - وهو عبدٌ سابقًا - من ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة القرشية عريقة النسب. وأضاف الصنعانى: وقد خطب النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فقال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم عُبية الجاهلية وتكبرها، أيها الناس إنما الناس رجلان: مؤمن تقى كريم على الله، وفاجر شقى هّين على الله»، ثم قرأ الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن يكون أكرم الناس فليتَّق الله»، فجعل - عليه الصلاة والسلام - الالتفات إلى الأنساب من مساوئ الجاهلية وتكبرها، فكيف يعتبرها المؤمن ويبنى عليها حكمًا شرعيًّا؟! وقد أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بنى بياضة - قيبلة عربية عريقة - بإنكاح أبى هند الحَجَّام وقال: «إنما هو امرؤ من المسلمين»، فنبَّه إلى الوجه المقتضى لمساواتهم وهو الاتفاق في وصف الإسلام. وعن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها، وهى قرشية أصيلة - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «أنكحى أسامة»؛ رواه مسلم. ويستدل الصنعانى من الحديث على أنه: "أمرها بالزواج من أسامة بن زيد مولاه ابن مولاه، وهى قرشية، وقدَّمه على أكفائها - كان معاوية وأبو جهم قد خطباها أيضًا - ولا أعلم أنه طلب من أحد أوليائها إسقاط حقه أي: لم يقر اعتراض الولي، ولا أعطاه حقًّا في الاعتراض. وأخيرًا ذكر الصنعانى أن بلالاً - رضي الله عنه، وكان عبدًا حبشيًا - تزوَّج هالة أخت عبد الرحمن بن عوف القرشية الأصيلة، وعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصة - قبل أن يتزوجها النبى - على سلمان الفارسي رضي الله عن الجميع[17].

    وأيَّد اعتبار الكفاءة فى الدين فقط عمرُ وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز ومالك و ابن سيرين وزيد بن على - رضي الله عن الجميع.

    ونشير هنا إلى ما لم يذكره الصنعانى وهو أن النبى - صلى الله عنه وسلم - زوَّج ابنة عمَّته زينب بنت جحش أولاً لمولاه زيد بن حارثة وهى القرشية الحسيبة النسيبة قبل أن يُطلّقها، ثم تزوَّجها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده بأمر الله له؛ ليهدم نظام التبنى كما هو معلوم من السيرة العطرة. وعدم اعتبار الكفاءة فى المال أو الحسب أو النسب أو المنصب؛ رحمة من الله بالمرأة. فقد تخسر عمرها كله أو معظمه انتظارًا لخاطب كفء قد لا يأتى أبدًا. وقد تتزوَّج بغنى أو ذى نسب أو منصب ثم تكتشف أنه شيطان مجرم لا يرحمها ولا يحسن إليها فتندم بعد فوات الأوان، ولعبد مؤمن فقير أفضل حماية لها وحرصًا عليها. ولله درُّ مَن قال لآخر: زوِّج ابنتك ممَّن يخاف الله؛ فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.

    الإشهاد لمصلحتها


    ومن المعلوم أيضًا أن وجود شاهدى عدل هو من الشروط الضرورية لصحة الزواج تمييزًا له عن الزنا الذى لا يشهده أحد. ووجود الشهود ضرورةٌ لازمة لحفظ وحماية حقوق الطرفين وخاصَّة المرأة التي هي الطرف الأضعف، وذات العلة اقتضت توثيق عقود الزواج فى عصرنا بالإضافة إلى الشهود العدول. وإحدى روايات الحديث الذى تقدَّم نصَّت على أنه: «لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل»، من حديث جابر المرفوع . لاحظ كيف اشترط - عليه الصلاة السلام - عدالة الشهود حتى لا يتسبَّب شاهد فاسق فى إضاعة حقوق الزوجة المذكورة فى العقد. وقال الترمذي: "العمل عليه عند أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود".

    بل إن تعريف عقد الزواج فى الفقه الإسلامى ذاته يظهر عظمة وعدالة الشريعة الإلهية. فالزواج هو: عقد يفيد حلَّ استمتاع كل من الرجل والمرأة بالآخر على الوجه المشروع. ويلزم الفقهاء الزوج بأن يعفَّ زوجته بالقدر المعقول من الجِمَاع؛ فإنها نفس مثله تشتهى ما يشتهى، وتحب منه ما يحب منها، فالحاجات الإنسانية من جِمَاع وطعام وشراب واحدة عند الطرفين، ولا صلاح للحياة المشتركة إلا إذا حقَّقت رغبات وتطلُّعات الجميع. ومن رحمة الإسلام بالمرأة أنه جعل لها حضانة أطفالها عند النزاع وحتى فى حالة الطلاق إشفاقًا على الأم، ومراعاة لمصالح الأطفال الذين يحتاجون إليها أكثر مما يحتاجون إلى الأب. فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمُطلَّقة شكت إليه أن زوجها السابق يريد انتزاع الطفل منها: «أنت أحق به مالم تنكحي» رواه أحمد وأبو داود وصحَّحه الحاكم. ويفرض الإسلام على الرجال احترام كافة الشروط فى العقد حماية للمرأة وحفظًا لحقوقها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحق الشروط أن توفُّوا بها ما استحللتم به الفروج» رواه البخاري ومسلم، وهو أيضًا مقتضى قوله - تعالى -: ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]. وقد حرَّم الإسلام نكاح الشغار حرصًا على مصلحة المرأة[18]، والشغار هو: الخلو من العوض أو هو القبيح، ومعناه لغة مأخوذ من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول. وقد سمي الإسلام هذا النوع من النكاح بالشغار لأنه يتم بأن يُزوِّج الرجل ابنته أو أخته أو قريبته لشخص آخر مقابل أن يُزوِّجه هذا الآخر ابنته أو أخته أو قريبته بلا مهر يدفعه أي منهما وهو ما يعنى تبادل التزويج بلا مهر. ومن الواضح هنا أن هذا النوع من الزواج الذى كان سائدًا فى الجاهلية فيه إهدار لكل حقوق المرأة مثل المهر، كما أنه يتمُّ غالبًا بدون رضاها، وهو يستهدف فى المقام الأول مصلحة الرجلين على حساب الزوجتين، ولكل هذا حرَّمه الإسلام وأبطله.

    كما حرَّم الإسلام الزواج المؤقت - نكاح المتعة - لأن الهدف من الزواج فى الإسلام دوام العلاقة الطاهرة بين الزوجين، وتكوين أسرة سعيدة مستقرة حرصًا على مستقبل الأطفال ثمرة الزواج، وكل هذه الأهداف النبيلة لا وجود لها فى زواج المتعة قصير الأجل والذى هو مجرد ممارسة للشهوة فترة قصيرة من الوقت - قد تكون بضعة أيام أو ساعات فقط - ثم يمضى كلاهما في طريقه وكأن شيئًا لم يحدث!! والطرف الأكثر خسارة هنا هو المرأة التى تتحوَّل في ظل نظام زواج المتعة إلى دُمية أو لعبة يتلهى بها الرجل ثم يرميها بعد إنتهاء الوقت المحدَّد في العقد، ويلقى أطفالها ثمرة هذا الاتصال المؤقت ذات المصير من الهوان والتشتت والضياع. ولكل هذا حرَّم الإسلام المتعة. روى البخاري عن على رضي الله عنُه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المُتْعَة عام خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية".وقال ابن تيمية رضي الله عنه: "الروايات المتواترة متواطئة على أن الله - تعالى - حرَّم المتعة بعد إحلالها فى أول الإسلام" [حاشية الروض المربع6/325]. وقال القرطبى: "الروايات كلها متَّفقة على أن زمن إباحة المُتعة لم يَطُل، وأنه قد حُرِّم، ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا مَن لا يلتفت إليه من الروافض" [حاشية الروض المربع 6/325].وكذلك حرَّم الإسلام كل ألوان العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج المشروع؛ لما فيها من أضرار جسيمة بالجميع رجالاً ونساءً وبالمجتمع ككل. فقد حرِّم الزنا وكل ألوان الشذوذ التى تخرب المجتمعات، كما نرى الآن بوضوح فى الغرب حيث انتشرت الأمراض الوبائية الفتَّاكة مثل الإيدز والهربس والسيلان والزهري وغيرها، كما تنتشر الأمراض العصبية والنفسية كالجنون وهناك أعلى معدلات الانتحار فى العالم.

    ونقول للجميع بكل يقين: لن تجدوا سوى منهج الإسلام، فهو سفينة النجاة الوحيدة للبشرية التى توشك على الغرق والهلاك. وصدق الله - تعالى - القائل: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].

    [1] على عزت بيجوفيتش مفكر وكاتب إسلامي كبير تولى رئاسة جمهورية البوسنة والهرسك بعد انهيار ما كان يُعرف بـ "يوغسلافيا" الشيوعية، وتحمل عبء التصدى لأطماع الصرب في أراضى المسلمين البوسنيين،وقاد جهادا بطوليا لإنقاذ شعبه وبلده من أقذر حملة تطهير عرقى عرفها التاريخ الحديث في فترة التسعينيات من القرن الماضي. انظر كتابنا : دموع سراييفو - ملحمة البوسنة والهرسك - القاهرة - 1993م.

    [2] انظر : انجيل متّى (5 : 27-28).

    [3] انظر العهد الجديد الكورنثيون (7 : 38).

    [4] انظر المصدر نفسه (1 : 2).

    [5] انظر "إنجلز" Engels: The Origin of Family، Private Property and State

    [6] تطورت هذه الدعوة إلى اتجاهات متطرفة وصلت فى تاريخ المسيحية إلى حد الخصاء. فقد قام "أوريجن" Origen بإخصاء نفسه لكى يطهر نفسه، ولم يقم أتباع طائفة "فاليريانى" Valeriani فى الجزيرة العربية بإخصاء أنفسهم فحسب ولكنهم طبّقوا هذا الإجراء على كل من دخل فى منطقتهم. وكان الإخصاء معروفًا فى أديان أخرى أيضًا. ولم تحرّم الكنيسة الإخصاء إلا فى آخر القرن التاسع عشر.

    [7] أقر المجمع المسكونى "لاتران الثاني" العزوبة سنة 1139م.

    [8] على عزت بيجوفيتش - الإسلام بين الشرق والغرب - ترجمة محمد يوسف عدس - ص360 - 363 - طبعة مؤسسة بافاريا - توزيع دار النشر للجامعات - مصر.

    [9] ليو تولوستوى - الطريقة إلى الحياة Tolostoy : The Way to life.

    [10]فتح القدير - الشوكانى - الجزء الرابع - ص 289 - طبعة دار الوفاء - مصر، وانظر تفسير الآية الكريمة عند الطبري والقرطبي والنسفى وابن كثير، وفى المنتخب فى التفسير تأليف مجموعة من علماء الأزهر الشريف طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر.

    [11] فتح القدير - الشوكانى ج1 - ص 706-707 - طبعة دار الوفاء - مصر.

    [12] فتح القدير – الجزء الأول - ص 423-424.

    [13] تيسير صحيح البخارى - الدكتور موسى شاهين لاشين - الجزء الثالث- ص 158 - طبعة مكتبة الشروق الدولية - مصر.

    [14] سبل السلام - الصنعانى - كتاب النكاح - ص 551 – طبعة دار الكتب العلمية - بيروت.

    [15] سبل السلام - مشار إليه - ص 552.

    [16] سبل السلام - الصنعانى - كتاب النكاح - باب الكفاءة والخيار - ص 557.

    [17] سبل السلام - الصنعانى - ص 558 - 559.

    [18] روى البخاري عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشَّغار. وعرّفه مالك بأنه أن يزوّج الرجل ابنته على أن يزوّجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق أى مهر. وقال الدكتور موسى شاهين لاشين تعليقًا على الحديث : أجمع العلماء على أن غير البنات مثل الأخوات وبنات الأخ وغيرهن شأنهن هنا شأن البنات فى التحريم. والجمهور على بطلان نكاح الشغار. انظر تيسير صحيح البخارى - مشار إليه.


    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل الرابع

    القوامة


    أثار الخصوم شبهة حول قوله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[البقرة: 228] وقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء: 34].وهما آيتان عظيمتان وضعتا دستورًا للحياة الزوجية، يكفل حسن المُعاشرة واستقرار الأسرة على أكمل وجه ممكن الحدوث بين البشر.ولو فهم المشاغبون معنى القوامة لغة وشرعًا لوجدوا أنها من دلائل عظمة الإسلام وحكمته، بل فضله ورحمته بالمرأة.

    ففي اللغة: قام الرجل بالمرأة وقام عليها قام بشأنها، وقوَّمت الشيء عَدَّلْتُه[1].فالقوامة تعنى القيام على الشيء بما يصلح شأنه ويرعى مطالبه[2].والمفهوم الشرعى للقوامة لا يختلف عن المفهوم اللغوى.يقول العَلاَّمَة القرطبى - رضي الله عنه - في معنى قوله - تعالى - ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾: "أي: يقومون بالنفقة عليهن والذَّبِّ عنهن - الدفاع عنهن وحمايتهن - وقيل: نزلت بسبب كلام بعض النساء عن الميراث، فبيَّن الله - تعالى - أن تفضيلهم عليهن فى الإرث لما على الرجال من دفع المهر والإنفاق، ثم فائدة تفضيل الرجال عائدة إليهن، وقيل: الرجال لهم فضيلة فى زيادة العقل والتدبير، وقيل: زيادة قوة فى النفس والطبع، فيغلب عليهم القوة والشدَّة، وطبع النساء يغلب عليه اللين والضعف، فجعل لهم القيام عليهن بذلك وبالإنفاق.وقوَّام: فعَّال للمبالغة من القيام على الشيء والنظر فيه وحفظه بالاجتهاد، فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبير شؤونها.ويضيف القرطبى: "ودلَّت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فينبغي أن لا يسيء الرجل عشرتها".وفهم العلماء من قوله - تعالى -: ﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قوَّامًا عليها، وكان لها حق فسخ العقد - الزواج - لزوال المقصود الذى شرع الله لأجله النكاح، وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند إعسار الزوج - أي: عجزه عن النفقة وهى الطعام والكسوة - وهو مذهب مالك والشافعى، وقال أبو حنيفة: لا يُفسخ، ويعطى الزوج مهلة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة: 280]انتهى.[3].

    وهكذا، فإن القوامة تعنى مسؤوليات خطيرة وأعباء جسيمة، وليست ترفًا أو وجاهة أو حتى سببًا للتباهى والتعالي، إنها أمانة تنوء بحملها الجبال؛ لأن الزوج راعٍ على زوجته وأولاده بنصِّ الحديث الذي صحَّحه البخاري وغيره وهو مسئول أمام الله - تعالى - عن رعيته، وفى حديث لأبى داود: قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثمًا أن يُضِّيع من يعول».إنها رعاية وحماية وإنفاق وإرشاد للسداد.وهل يضرُّ المرأة وجود حارس أمين ومُموِّل سخي ومعلم ومرشد ومحامٍ وإمام لها ولأطفالها، يكفل الله لهم به القوت، ويحميهم به من كل شرٍّ وأذًى وجبروت؟! لو أنصفوا لقالوا: لقد دَلَّل الإسلام المرأة، وكفل لها الراحة والأمن والسكينة ورغد العيش فى ظل رجل يُفنى عمره من أجلها، بل هو مأمور بالقتال دفاعًا عنها حتى آخر قطرة من دمه.

    قال مؤلفو "المنتخب" في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]: "جعل الله - تعالى - للمرأة من الحقوق بمقدار ما عليها من الواجبات، وجعل للزوج درجة الرعاية والمحافظة وعليه واجب العدالة.والتسوية في الحقوق والواجبات الزوجية للمرأة مبدأ لم يكن موجودًا عند الأمم السابقة.فكانت المرأة عند الرومان أَمَة - جارية - فى بيت زوجها عليها واجبات وليس لها حقوق، وكذلك كانت فى بلاد فارس، وقد سبق الإسلام بهذه العدالة" انتهى[4].

    وفى تفسير قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34] قالوا: "الرجال لهم حقُّ الرعاية للنساء، والقيام بشؤونهن بما أعطاهم الله من صفات تهيئهم للقيام بهذا الحق، ولأنهم هم الذين يكدُّون ويكدحون لكسب المال الذى ينفقونه على الأسرة" انتهى...[5].

    وهكذا يتَّضح بجلاء أن القوامة هى الرعاية والحماية والتوجيه، والقيادة والإنفاق، وتوخِّى الإصلاح والمصالح، واستهداف الأفضل لهن فى كل شىء.

    وحتى لو كان السبب الوحيد للقوامة هو الإنفاق المفروض على الرجل - وهو ليس كذلك - لكفى؛ لأنهم في الغرب وبالمنطق المادى البحت عندهم يجعلون الإدارة لمَن يملك المؤسسة أو الشركة ويدفع رواتب العاملين فيها.وعندهم قول شائع: (من يدفع أجر العازف هو وحده الذى يختار اللحن الذى يُعزف) فلماذا ينكرون علينا أمرًا أساسيًّا يقوم عليه مجتمعهم؟!

    ثم إن القوم قد فشلوا فى القضاء على آثار الاستبداد بالمرأة ومحو شخصيتها وحرمانها من كل الحقوق. والدليل على ذلك أن المرأة فى الغرب ما زالت حتى اليوم تفقد اسمها، ويتحوَّل لقبها من عائلتها الأصلية لتحمل لقب عائلة الزوج بمجرَّد إبرام عقد الزواج!! ولو لم يكفهم هذا فإننا نسألهم: ولماذا يحمل الأطفال - في العالم كله - اسم الأب ولقب عائلته وليس اسم الأم أو لقب عائلتها؟ أليس هذا دليلاً قاطعًا على أن الحق والواقع والمنطق جميعها تجعل قيادة سفينة الأسرة للرجل رغم الأهمية القصوى لوجود الأم أيضًا؟!

    وأَلاَ يكفى أن علماء السلف العِظَام قرَّروا - كما ذكر القرطبى - أن الرجل الذى يُخل بواجبه فى الإنفاق يفقد فورًا حقَّ الرعاية ولا يصبح جديرًا بالقيادة، وهنا يعطون المرأة الحق فى فسخ العقد؛ لتسترد حريتها وتصبح هى مسئولة عن نفسها.كما أنها تملك أيضًا الموافقة على الارتباط من البداية، فإذا وافقت على الزواج فهذا يعنى أنها قبلت ضمنًا إسناد المسؤولية والرعاية إلى الرجل.

    وما زالت الصورة المثالية للرجل التى تحبها المرأة فى كل العصور والثقافات هى صورة الفارس النبيل الذى يصارع الأشرار دفاعًا عن امرأته أو ابنته أو أمه أو محارمه، بل هو الذى يقاتل حتى الموت دفاعًا عن عرض وكرامة أية امرأة ولو كانت لا تمت إليه بأدنى صلة.فلماذا تنكرون على الإسلام الذى يفرض على الرجل أن يكون دائمًا هو هذا الفارس النبيل، ويرفعه إلى درجة عليا فيجعله شهيدًا إن قُتل دفاعًا عن الشرف والعرض: «ومَن قتل دون أهله فهو شهيد»؛ رواه أحمد والترمذي.فإذا أضفنا إلى أخلاق الفرسان كرم العرب الشهير بالإنفاق وشرف التعليم والأمر بالصلاة وغيرها من الفرائض والفضائل، فلن تجد صورة أكمل ولا أعظم من الزوج المسلم الذى يلتزم بكل هذه الفضائل والمكارم، وهذه هي القوامة التي تكرهها العلمانيات!!!

    ويهمنا إيضاح أن القوامة لا تعنى أن الرجل حاكم طاغية أو ملك مستبد يفعل بالأسرة ما شاء دون حساب أو رقابة، بل حاله مثل ذلك الخليفة العظيم الذى قال لرعيته: "إنما أنا واحد منكم، غير أنى أثقلكم حملاً"، فهي مسؤولية المتبوع عن إرشاد أتباعه إلى كل حق وخير لهم فى دينهم ودنياهم، وهى مسؤولية القائد عن أمن وسلامة جنوده من كل مكروه وسوء.

    ولم يعهد الناس فى كل أنحاء العالم - بل فى كل التاريخ الإنسانى جيشًا بلا قائد، ولا مملكة بلا ملك يسوسها ويحكمها بما يصلحها ويكفل لأفرادها حياة رغدة آمنة.وهل تبحر السفينة بلا قبطان أو تطير الطائرة بلا رُبَّان؟!! وعلى القائد أن يستشير مَن حوله.فالشورى أصل من أصول الإسلام أمر الله - تعالى - بها، ووضعها في القرآن بين فريضتى الصلاة والزكاة، وهى عامَّة تشمل الرجال كما تشمل النساء، وقد استشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجته السيدة أم سلمة - رضي الله عنها - في صلح الحديبية وأخذ برأيها عندما تبين له صوابه.ومن هذا يتبيَّن ضرورة مشاورة الرجل زوجتَه، فهو يشاورها حتى فى فطام الصغير وإطعام البعير.

    الأسياد والجواري!!


    ومن هذا العرض لمفهوم القوامة فى الإسلام يتَّضح أنها مقررة لصالح المرأة وليس للحجر عليها أو قهرها أو الانتقاص منها كما يزعمون، ومَن لا يعجبه هذا فلينظر إلى ما كان عليه الحال فى العالم قبل نزول القرآن الكريم:
    فقد ألزمت الديانة اليهودية المرأة بالإذعان لسلطة الرجل أبًا كان أم زوجًا؛ يقول الأب متى المسكين: "كانت المرأة اليهودية مغطاة الرأس بحيث لا تظهر معالم وجهها على الإطلاق، حبيسة المنزل، تحت سلطان أبيها أو زوجها" انتهى[6].

    ومن الواضح خضوعها المطلق لسلطة الزوج أو الأب.وجاء في الإصحاح الثالث من سفر التكوين: "وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" أى أن سيادة آدم على حواء وبناتها مقررة نصًّا.

    ومبدأ سيادة الرجل مستقر فى النصرانية أيضًا منذ القدم؛ فقد قال القديس أوغسطين أن: "المرأة لا يكون لها سيدان".وقال ذلك شرحًا لسبب تحريم الزواج من رجل آخر - فى ذات الوقت - ولو كان الزوج عقيمًا[7].

    وما يعنينا هنا هو وصفه للزوج بأنه "سيد المرأة". ومفهوم "السيادة" أعلى وأكثر سلطة وأشد تحكُّمًا من مفهوم "القوامة" الذى جاء به الإسلام والذى يعنى الرعاية والحماية والمحافظة على المصالح كما ذكرنا.

    ولو كنا نحن الذين نقول بسيادة الرجل على المرأة لنهشت الكلاب المسعورة الحاقدة لحومنا وعظامنا أيضًا! ومن الأدلة على خضوع المرأة لزوجها فى النصرانية ما نصَّ عليه بولس: "أما المتزوجة فتهتم بأمور العالم وهدفها أن ترضى زوجها" كورنثوس 7: 34.وهكذا فهدف الزوجة الأول والأخير هو إرضاء الزوج، ولم يقل بولس ولا غيره أن هدف الزوج هو إرضاء زوجته بالمثل، بينما نصَّ القرآن الكريم على أن: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، فمَن الذي أنصفها: القرآن أم هم؟![8].

    وقد نصَّت أناجيلهم أيضًا على إسكات المرأة تمامًا فى الكنيسة، وعدم السماح لها بالكلام ولو لتوجيه سؤال لتعلم الدين!! قال بولس: "لتصمت النساء فى الكنائس، فليس مسموحًا لهن أن يتكلمن، ولكن إذا رغبن فى تعلُّم شيء فليسألن أزواجهن فى البيت؛ لأنه عار على المرأة أن تتكلم فى الجماعة" كوزنثوس 14: 24، 25.وهكذا فإن الزوج وحده هو الذى يمكنها التعلم بواسطته، ولا يمكنها أن تسأل أحدًا غيره، وبشرط أن يكون ذلك داخل البيت لا الكنيسة، فالزوج وحده هو سيدها وهدفها ومُعلمها ومحور حياتها.

    وغنى عن البيان أن كل الأمم الأخرى السابقة على الإسلام لم تكن تعرف القوامة بالمعنى الرحيم الرشيد الذى جاء به القرآن الكريم، بل إن الزوج عند الفرس والرومان واليونان والهندوس وغيرهم يكاد يكون إلهًا لامرأته، تُقدِّسه وتُقَبِّل قدميه وتخضع له خضوع الجارية لسيدها ومالكها الذى له عليها كل الحقوق المطلقة بما فيها حق الإعدام بلا سبب ولا لوم ولا عقاب، وليس لها عليه أي حق من أي نوع.يطعمها الفتات وينفرد هو بالأطايب والملذات، تسهر على راحته ولا تنام إلا بإذنه، وكل حياتها مُسَخَّرة لخدمته حتى يأتيها الموت وهى على هذا الحال.ولو عاشت العلمانيات والحاقدات فى تلك الأزمان، لعشقن الإسلام، وسبَّحن بحمد رب الأنام، وعلمن علم اليقين أنه حقًّا دين رب العالمين!

    وليس الذكر كالأنثى


    وحتى نحسم الجدال حول أسباب إسناد القوامة إلى الرجل وليس إلى المرأة نعرض بعض الحقائق العلمية.وهنا أيضًا نحمد الله - تعالى - لأن كل العلماء والباحثين الذين توصلوا إلى تلك الحقائق ليسوا من المسلمين ولا العرب.

    فقد أثبت العلماء فى الغرب أن هناك فروقًا جوهرية بين الرجل والمرأة فى البلوغ وتغييراته، والحساسية البدنية، وتكوين الحوض وأعضاء التناسل بالطبع، وطبيعة الشهوة الجنسية عند كل منهما، والحيض والحمل والخلايا وحتى الهرمونات!!

    فإذا وُجدت كل هذه الاختلافات الهائلة فهل يمكن الزعم بإمكانية حدوث المساواة بين الجنسين فضلاً عن المطالبة بها؟!! ولا تقتصر الاختلافات على ما ذكرنا بل تختلف الصفات النفسية والعقلية بين الجنسين.ولن نستطيع عرض كل هذه الاختلافات البدنية والنفسية فى هذه الدراسة الموجزة، ولهذا سنكتفي بإيجاز بعضها، ويمكن للقارئ العزيز الرجوع إلى التفاصيل فى المراجع التى سنذكرها.

    فمن العجيب أن الشهوة - مثلاً - يُفترض أنها واحدة فى كل الكائنات الحية، ولكن العلماء يفاجئوننا بأن الشهوة الجنسية عند الرجل ليست كالشهوة عند المرأة!

    ويفسرون ذلك بأن الرجل بطبيعة وظيفته يتميز بالشهوة الجامحة الجريئة، وهو كالصياد يبحث عن فريسة، وكلما ازدادًا اقترابًا منها زاد نشاط الهرمون فى المخ واشتعلت شهوته ورغبته، أما هي فدورها هو الاستسلام كالحصن المحاصَر.وكما يقول الباحث عثمان الخشت: الرجل يُعطى والمرأة تأخذ.وبتعبير آخر فالرجل هو الإبرة التى ترتمى وتنجذب بشدة إلى المغناطيس، أما المرأة فهى تكون ظاهريًّا في حالة سكون، بينما تلعب خفية دور المغناطيس الجنسى الدائم.انتهى[9].وقد تنشط وظيفة الجذب لدى المرأة حتى تصبح ثانى طبيعة فيها بعد الحنان والأمومة.والشهوة تقف عند المرأة عندما تصبح حاملاً، فلا تطلب الجماع لمجرد اللذة، بل تريد أمرًا ثابتًا ومستديمًا كالزواج، بينما الرجل يُفرغ خلاياه الجنسية لينشغل بأعمال أخرى فور انتهائه من الجماع.ونضرب مثالاً آخر بفترة الحمل إذ تصاب المرأة بتوترات شديدة فى الغدد الصَمَّاء بسبب زيادة إفراز هرمونات المشيمة والأستروجين والبروجسترون وزيادة كمية المياه فى الجسم، وهذه الهرمونات يشمل تأثيرها جسدَ المرأة كله وليس الرَّحِم والجنين فقط.ومثال ثالث هو آلام الحيض، وهى تتفاوت فى شدَّتها من امرأة لأخرى، ومنها آلام خفيفة تصاحب انقباضات الرَّحِم مع بدء الدورة الشهرية، وشعور بالتعب والضيق والتوتُّر والصداع عند البعض، واضطرابات الأكل والهضم والغثيان والقىء والإسهال ثم الإمساك فى نهاية نزول الدم، وعدم انتظام للنبض، وتورُّم الأوردة الدموية، وتوتُّر ضربات القلب ، واحتقان الأغشية الأنفية، والآلام المفصلية، وتضخُّم الغدة الدرقية والحبال الصوتية، وفقد الجهاز الصوتى قدرته، وتلتهب العين قليلاً وتتوتر وظائفها، ويضيق مجال الرؤية، وتقل القدرة على تمييز الألوان، وتتضخَّم أنسجة الجسم العامة وتحتقن أو تنبسط وترتخي.انتهى[10].

    ولا تقتصر الفروق على الشكل الخاص للأعضاء الجنسية والحوض ووجود رحم وحيض وحمل عند النساء فقط، بل يقرر العلماء من غير المسلمين - أن الإختلافات فى الخلايا والأنسجة أيضًا، وبسبب تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة تفرزها الغُدَد المختلفة.فالأنثى تختلف اختلافًا جذريًّا عن الذكر فى كل خلية من خلايا جسمها، وفى كل عضو من أعضائها، وفى كل شئ من جهازها العصبي.فعند الأنثى ملايين الخلايا فى الدم والعظام والجلد والشعر والمخ تقطع بالاختلاف الكامل بينها وبين خلايا الرجل فى كل ذرة من التكوين والصفات واختلاف الهرمونات أيضًا، وهذا كله يثبت صدق قوله - تعالي -: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران: 36].

    وقد لاحظ العلماء الدور الهائل الذى تلعبه الهرمونات فى التفريق بين الذكر والأنثى، حتى قال بعضهم بحق: "لولا مفعول الهرمون الجنسى لولدت جميع الكائنات متساوية متَّحِدة الجنس"؛ أي: لزالت كل الفروق بين الذكور والإناث.ونص هؤلاء العلماء على أن سمات ومميزات المرأة تتباين وتختلف تمامًا عن سمات الرجل بسبب تأثير الهرمونات.

    ومن الناحية النفسية والعقلية أثبت العلماء أن المشاعر العاطفية هى الصفة الغالبة على المرأة وتحكم اتجاهاتها الفكرية وسلوكها وردود أفعالها وميولها ورغباتها، بينما يغلب على الرجل التفكير المنطقى بصفة عامة، والأصل أنه لا تحكمه العواطف إلا نادرًا، وهو ما يمثل عدولاً مؤقتًا عن حالته الطبيعية.

    وتمتاز المرأة بصفات كثيرة ليست عند الرجل بذات القدر، مثل: سرعة الاستجابة للدوافع، والتأثر بالإيحاء، وسرعة التأثر العاطفي، والرغبة في التنويع والحساسية والمرونة، وسعيها لالتماس عون الرجل وحمايته، والرغبة في الخضوع والاستسلام، وسمة التقبُّلية، فهي القطب السالب فى الجماع، كما أنها تحب أن تكون محل الإعجاب من الناحية الوجدانية، والتقلب، وتتمتع بقدر كبير من الحَدَس والإلهام، وتتصف بالاحتواء والرعاية للأطفال، وأخيرًا أهم صفة على الإطلاق فى كل أنثى من الكائنات الحية وهى وظيفة الأمومة الخالدة.انتهى[11].

    وإذا كان الرجل - حسب الأصل - توجد فيه عكس كل هذه الصفات الأنثوية، وخاصة تميُّزه بالتفكير المنطقي غير الخاضع للعواطف، وبطء الانفعال وقلة التأثير، والثبات النسبي للمزاج...إلخ.فإنه يصبح من المنطقى تمامًا أن يتولى هو إدارة دفَّة الأمور في سفينة الأسرة.

    فالعقل هو الذى يحكم العاطفة وليس العكس، وهو تكليف وليس بتشريف ومسؤوليات وأعباء كما ذكرنا.وحتى داخل الجسد البشرى الواحد، نجد أن المخ هو الذى يقود كل أعضاء الجسد بما فيها القلب، في إطار منظومة متكاملة يقوم كلُّ عضو فيها بواجبه الذى خلقه الله - تعالى - له، ولم يعترض القلب يومًا على رئاسة المخ، ولم تطالب العين يومًا بالمساواة الكاذبة بينها وبين العقل رغم أهمية دورها!!

    والخلاصة: أن العلاقة بين الجنسين تكاملية وليست تنافسية، يقود الذكر أنثاه ويحتضنها مع أولادهما ويرعاهم ويحميهم ويحنو عليهم، وتلك هي قمة السعادة للأنثى الطبيعية العاقلة.

    ونلاحظ أن خصوم القوامة يغفلون عن الإطار الذى أحاطها به الإسلام.فالأصل أن العلاقة الزوجية تقوم على سكون كل من الزوجين إلى الآخر والمودة - المحبة - والتراحم المتبادل، لقوله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

    فإذا التزم الطرفان بهذا الأساس المتين للعلاقة من التألف والحب والعطف والرحمة المتبادلة فلن تبالى المرأة ولن يضرها إن كانت هى التى تمسك بدفة الأسرة أم زوجها ورجلها ووالد أطفالها.ولا يمكن إنكار أنه فى بعض الأحيان لا مفرَّ أمام القائد الحكيم من الحزم لضبط الأمور وتفادى أخطار ومشاكل لا يجدى فى حلها اللطف واللين والرقة.

    وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله:
    ومن يكن حازمًا في أمره
    فليقسُ حينًا على مَن يرحم



    وكل علماء النفس التربوى يؤكدون أن الحنان والعطف الزائد الدائم يفسد الأطفال، إذا هو فى حقيقته تدليل لن يُرَبَّى به رجال المستقبل، ولا مفرَّ من الحزم والشدة فى بعض الحالات وبعض الأحيان وإلا أفلت زمام الأمور من يد الوالدين.وقد استخدم القرآن وصف الميثاق للعلاقة الزوجية لإثبات قداستها وعظم شأنها وكفالة إحترامها: ﴿ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21].

    وغنى عن البيان أنه تستحيل مشاركة الطرفين فى القوامة أو رئاسة الأسرة؛ لأن هذا سوف يخلق صراعًا دائمًا بين الزوجين يضرُّ أبلغ الضرر بأنفس الأطفال وينتهى غالبًا بالطلاق وخراب البيت.

    وهو أمر مشاهد وملموس فى الكون كله.فلم يُوجد ملكان يتصارعان على الحكم إلا لحق الدمار الشامل بالبلاد، اللهم إلا إذا نجح أحدهما فى القضاء على غريمه مبكرًا، ولا يتواجد أسدان فى قفص واحد إلا مَزَّقَ أحدهما الآخر.

    والله - تعالى - يقول عن السماوات والأرض: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22].وفى آية أخرى: ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [المؤمنون: 91]، وهكذا فإنه لا يصلح الكون أبدًا إلا بوجود الإله الواحد - سبحانه وتعالى - وكذلك الحال فى كل المجتمعات على الأرض.والأسرة هي أصغر الوحدات الاجتماعية، ولا مفر إذًا من إسناد القيادة إلى الطرف الأقدر على تحمل أعبائها الثقيلة ومسئولياتها الخطيرة.وهناك سبب وجيه لإسناد القوامة إلى الرجل من الناحية التربوية .فالمشاهد في الواقع وما يؤكده علماء النفس والتربية أن الأطفال غالبا ما يطيعون الأب، ولا يستمعون إلى كلام الأم .و بالتالي فمن المنطقي تماما أن يكون الرجل هو القائد، ومن العبث أن يتولى الأمور من لا يستجيب له أحد، فلا رأى لمن لا يطاع.

    وقد توجد حالات نادرة تمسك فيها المرأة بزمام الأمور وتنجح فى حسن الإدارة، لكن تظل هذه الحالات هى مجرد الإستثناء الذى يقطع بتأكيد القاعدة العامة ولا ينفيها.وأخيراً فإننا بصدد تعاون وحب وعطف وتكامل وليس صراعاً بين وحوش مفترسة لا ينتهى إلا بهلاك الأعجل من الفريقين.فهو تكامل وظائف الليل مع النهار، أو السالب والموجب فى الذرة.وإن شئت فقل هما وجهان لعملة واحدة ولا تُنفق هذه العملة بدونهما معًا.

    [1] القاموس المحيط - الفيروزآبادى - طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت - ص 1152.

    [2] مختار الصحاح - ص 557، 558.

    [3] الجامع لأحكام القرآن الكريم - القرطبى - الجزء الثالث - ص 1738-1739 - طبعة دار الريان للتراث - مصر.

    [4] المنتخب فى تفسير القرآن الكريم - تأليف لجنة من علماء الأزهر الشريف - ص 62 طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر.

    [5] المنتخب - المرجع السابق - ص 137.

    [6] المزيد من التفاصيل حول حق الشورى فى فصل (ولاية المرأة) بهذه الدراسة.

    [7] متى المسكين - المرأة حقوقها وواجباتها ص 65.

    [8] كتاب الزواج الأمثل Bono conjugah مشار إليه فى كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" - عباس محمود العقاد - ص131 - ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.

    [9] محمد عثمان الخشت - وليس الذكر كالأنثى - ص 34 وما بعدها - طبعة مكتبة القرآن - بولاق - القاهرة - مصر، وانظر المراجع المشار إليها عنده.

    [10] محمد عثمان الخشت - المرجع السابق - ص 43.

    [11] محمد عثمان الخشت - المرجع السابق - ص 53 وما بعدها، وانظر المراجع العربية والأجنبية التى ذكرها هناك.


    يتبع إن شاء الله ....
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل الخامس

    تعدد الزوجات



    من أكثر الانتقادات شيوعًا على ألسنة المُغْرِضين أن الإسلام جاء بتعدد الزوجات لمصلحة الرجال على حساب النساء، وهو بذلك يلبى شهوات الرجل بينما ينتقص من حق المرأة فى المعاملة بالمثل، ويهدر كرامة الزوجة التى يقترن زوجها بأخرى أو أخريات، ولا يعبأ بمشاعرها، إلى آخر تلك الادعاءات.


    وليس أيسر من تفنيد تلك الأقاويل الباطلة بحقائق التاريخ والعلم والواقع المشهود أيضًا.


    فمن الناحية التاريخية: نلاحظ أولًا أن تعدد الزوجات نظام عرفته البشرية منذ فجر التاريخ وقبل مجيء الإسلام بآلاف السنين. ولم تكن هناك أية ضوابط من أى نوع بالنسبة للرجل الذى يهوى إقامة علاقات نسائية، لا من حيث العدد، ولا معاملة الزوجات أو الأولاد، ولا حتى التزام أي معيار من معايير العدالة بين نسائه. فقد عرف الفراعنة تعدد الزوجات والمحظيات بلا حدود. وعلى سبيل المثال كان للفرعون الشهير رمسيس الثانى 8 زوجات وعشرات المحظيات، وأنجب منهن أكثر من مائة وخمسين ولدًا وبنتًا، وأسماء الجميع منقوشة على جدران المعابد، وأجساد بعضهن موجودة حتى الآن بالمتاحف.


    وكانت لفرعون موسى عِدَّة زوجات منهن السيدة آسية- رضي الله عنها - التي ربّت موسى - عليه السلام - وكانت قد احتضنته رضيعًا ومنعت فرعون من قتله لتتخذه ولدًا.


    وكذلك كان تعدد الزوجات شائعًا على أوسع نطاق لدى الفرس والرومان والشعوب ذات الأصل السلافى مثل: الروس، والصرب، والسلوفاك، والشعوب الجرمانية والسكسونية مثل: الألمان، وسكان النمسا، وسويسرا، وبلجيكا، وهولندا، وإنجلترا، والنرويج.


    وكان التعدد - وما يزال - منتشرًا عند طائفة المورمون بأمريكا وشعوب وقبائل غير مسلمة مثل: الوثنيين في أفريقيا، والهندوس، والصينيون، واليابانيون[1].


    وفى كل شرائع الأنبياء قبل نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان التعدد مشروعًا وبلا حد أقصى لعدد الزوجات أو الجواري.


    فقد تزوَّج أبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - سارة وهاجر، ثم اثنتين أخريين هما قطور ابنة يقطان الكنعانية وحجون بنت أهيب وهى عربية أيضًا.


    وتقول مصادر أهل الكتاب أن يعقوب - عليه السلام - تزوج ابنتي خاله لابان وهما "ليا" و"راحيل" معًا، ثم عاشر أيضًا جاريتين لهما وأنجب من النساء الأربعة الأسباط وعددهم اثنا عشر ولدًا.


    ولا يمكن لأحد إنكار ما أورده العهد القديم عن داود وسليمان - عليهما السلام - إذ تقول مصادرهم أن داود تزوج مائة امرأة، بينما تزوج ولده سليمان ثلاثمائة امرأة وكانت له سبعمائة جارية بالإضافة إلى زوجاته[2].


    وهذه الأرقام الهائلة لا يجدون فيها أية غرابة، بينما يتصايحون لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - تزوج 11 سيدة معظمهن أرامل ومطلقات وبعضهن كن أكبر منه سنًّا!!


    لماذا تقبل عقولهم أن يتزوج نبى ثلاثمائة زوجة وسبعمائة جارية - أي ألف حليلة - بينما يستنكرون زواج أخيه محمد بإحدى عشر؟!! إنه الحقد على نبى الإسلام فقط لاغير!! كما ذكروا أيضًا أن رحبعام بن سليمان تزوج 18 وكانت له ستون جارية أى كانت له 78 حليلة!!!


    وكذلك كان تعدد الزوجات منتشرًا في جزيرة العرب قبل الإسلام. وعلى سبيل المثال أسلم غيلان الثقفى وعنده عشر زوجات فأمره النبى - عليه السلام - باستبقاء 4 وتطليق الباقيات، والحديث رواه البخاري. وروى أبو داود أن عميرة الأسدى أسلم وعنده 8 زوجات، فذكر ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "اختر منهن أربعًا".


    وفى مسند الشافعى أن نوفل بن معاوية الديلمى كانت له 5 زوجات قبل الإسلام فلما أسلم قال له النبى - عليه السلام -: "اختر أربعًا أيتهن شئت وفارق الأخرى".


    ولا يوجد نص فى الإنجيل على تحريم التعدد، وكل مَن يزعم ذلك من النصارى فإنه يكذب، بل يكفر بدينه الذى يوجب عليه الإيمان بأنبياء العهد القديم، وكلهم كما رأينا أباحوا التعدد وطَبَّقُوه بأنفسهم عليهم السلام أجمعين. وقد أجازت الكنيسة للملك شارلمان الزواج بعدة نساء في وقت واحد وأنجب منهن.


    وحتى الآن تمارس طائفة المورمون المسيحية فى أمريكا - كما قلنا - تعدد الزوجات بلا حصر ولا عدد ولا ضوابط من أى نوع كان.


    ومن الناحية العلمية فقد أكد علماء النفس والاجتماع في الغرب أن الرجل بطبعه وتكوينه مفطور على حب التعدد، ولذلك أكَّدوا عدم صلاحية نظام الزوجة الواحدة للبقاء والاستمرار.


    والواقع يثبت أن كثيرًا من الرجال لا يكتفى بامرأة واحدة. والدليل القاطع هو ما نراه في الغرب من فوضى جنسية عارمة. فإذا كانت القوانين هناك تمنع تعدد الزوجات، فإنها تبيح تعدد العشيقات والشذوذ الجنسى بشتى صوره وأشكاله وأنواعه!!


    وتكفى نظرة عابرة على ما تنشره وسائل الإعلام فى اوروبا وأمريكا عن فضائح الزعماء هناك وعشيقاتهم. وعلى سبيل المثال أحصى الصحفيون الأمريكان مائة عشيقة للرئيس الأسبق بيل كلينتون طوال مراحل حياته المختلفة.


    واضطر الرئيس الفرنسى ساركوزى إلى تطليق زوجته بعد انتخابه رئيسًا لفرنسا والزواج من عشيقته حرصًا على منصبه بعد أن فجَّرت الصحف الأوروبية فضائحه معها!!! وكذلك كان الحال مع معظم قادة أوروبا وأمريكا والصين[3].


    فأين هذا الدنس والانحلال من طهارة ونقاء الإسلام الذى يضبط التعدد بعدم جواز الزيادة على 4 زوجات، وبشروط مشدّدة هي القدرة على إعالتهن والعدل بينهن فى كل شيء وإلا كان عليه الاكتفاء بواحدة فقط.


    وتثبت كل الإحصائيات فى العالم الآن عظمة التشريع الإسلامى فى إباحة التعدد بشرط العدل. ففي معظم دول العالم هناك زيادة خطيرة فى أعداد النساء بالمقارنة بأعداد الرجال. والفجوة تزداد بين أعداد الجنسين عامًا بعد الآخر بسبب الحروب المجنونة التى تفتك بملايين الرجال سنويًّا في مختلف أنحاء العالم. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يزيد عدد النساء على عدد الرجال بأكثر من 10 ملايين امرأة.


    وفى بريطانيا 5 مليون امرأة زيادة على أعداد الرجال. وفى ألمانيا بلغت النسبة 3 نساء لكل رجل بعد الحرب العالمية الثانية.


    وفى لبنان الآن نسبة عدد النساء إلى عدد الرجال هى 5 إلى 1 بسبب الحروب الطاحنة، وهجرة الذكور للعمل والاستقرار بالخارج وغالبًا ما يتزوج الشاب في البلد الذي يهاجر إليه ويستقر به. ويزيد عدد النساء على عدد رجال الهند بأكثر من 50 مليون امرأة.


    وفى روسيا يزيد عدد النساء على عدد الرجال بعشرين مليون امرأة، مما دعا رئيس الحزب الشيوعى الروسى المتطرِّف إلى المطالبة باستحداث تشريع هناك يسمح بتعدد الزوجات لعلاج الخلل الاجتماعي الخطير.


    لاحظ أن هذا الرجل ملحد ولكنه لم يجد حلا آخر أفضل مما جاء به الإسلام!!وأصدر رئيس الشيشان قرارًا جمهوريًّا يسمح بالتعدد للتغلب على مشاكل النقص الحاد فى أعداد الرجال.


    وهو ما فعله أيضًا برلمان جمهورية أنجوشيا - إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق - إذ أقرَّ قانونًا منذ بضع سنوات أباح تعدد الزوجات هناك، للتغلب على الخلل الخطير فى العدد بين الجنسين الذي بلغت نسبته 3 نساء لكل رجل. وذات الخلل موجود أيضًا في الفلبين وأفغانستان والبوسنة والهرسك التى كان الصرب يذبحون الرجال فيها ويتركون النساء لاغتصابهن.


    وفى العراق أظهرت آخر الإحصائيات الرسمية أن النسبة هي رجل واحد لكل ستة نساء، وبلغ عدد الأرامل هناك أكثر من 3 مليون أرملة بسبب الحروب الطاحنة المستمرَّة منذ ما يقرب من 30 سنة، فضلاً عن 5 ملايين من الأيتام. وفى هونج كونج النسبة هى رجلان لكل خمس نساء طبقًا للإحصائيات الرسمية.


    ونسال كل مَن يعارض التعدد: كيف يمكن حل هذه الكارثة الإجتماعية فى العراق مثلاً بدون التعدد؟!! ثلاثة ملايين أرملة معظمهن فى سن الزهور، وبحاجة إلى رجل بأسلوب مشروع نظيف، كما يحتاج أطفالهن إلى رجل صالح يلعب دور الأب الشهيد ويعوضهم ما فقدوه من حنان ورعاية ودفء الأبوَّة التي لا غنى عنها من كل النواحى النفسية والاجتماعية والاقتصادية أيضًا لأي طفل.


    وتشير الإحصائيات كذلك إلى ارتفاع خطير في معدلات العنوسة المتزايدة فى الدول العربية والأسيوية والإفريقية. وتتراوح النسبة بين 35% إلى 50% فى دول الخليج وشمال إفريقيا. كما تتزايد معدلات الطلاق بصورة خطيرة. وكل هذا من شأنه إرتفاع أعداد النساء الوحيدات اللاتى بحاجة إلى الزواج.


    وقد نُشرت مؤخرًا أبحاث عملية متواترة فى الغرب أجمعت على أن كروموسوم Y الذى يتسبب فى إنجاب الذكور فى تناقص حادٍّ مستمر جيلاً بعد الآخر. وهذا يتسبب - كما هو مُشاهد الآن - فى تزايد أعداد المواليد من الإناث، وتناقص أعداد المواليد من الذكور. وهو دليل جديد على عظمة تشريع الإسلام فى إباحة التعدد للتغلب على مشكلة تناقص الذكور. وهو يثبت أيضًا صدق ونبوة خاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبرنا منذ 14 قرنًا بهذه الظاهرة فى حديث صحيح عن علامات الساعة، ذكر منها تناقص أعداد الرجال وتزايد أعداد النساء، حتى يكون للرجل الواحد خمسين امرأة (رواه البخاري ومسلم) وهو ما تؤكد كل الشواهد والحقائق العلمية والواقعية أننا فى الطريق إليه بالفعل!!


    ولو سألنا أية امرأة شريفة عاقلة: هل تفضّلين الحياة كزوجة ثانية أو ثالثة مع العدل وكفالة حقوق متساوية لك ولأولادك مع الأخريات وأولادهن أم كعشيقة فى الظلام لا حقوق لك ولا لأولادك؟! أعتقد أن الجواب بالقطع هو تفضيل الزواج ولو مع أخريات. بل أكدت نساء كثيرات فى إحصائيات واستطلاعات جرت فى مصر ودول عربية أخرى أنهن يفضلن الاقتران برجل متزوج بشروط العدل، على حياة العزوبة الموحشة البائسة.


    وهناك ملايين من الزوجات العاقرات غير القادرات على الإنجاب وكذلك المريضات والطاعنات فى السن. وليس من المروءة فى مثل هذه الأحوال أن يطلِّقها الزوج بعد سنوات طوال من العشرة. والأكرم والأنبل أن تظل هذه العاقر أو المريضة أو العجوز زوجة مُعزَّزة مُكرَّمة، وأن تأتى إلى جانبها أخرى للإنجاب وتلبية رغبات الزوج المشروعة وخدمة الأسرة مع حصولها على حقوق مساوية للأولى.


    ويقرر كبار علماء الاجتماع والمؤرخون من غير المسلمين - مثل وسترمارك وهوبهوس وهيلير وجنربرج - أن التعدد ينتشر فقط بين الشعوب التى بلغت قدرًا كبيرًا من الرقى والحضارة وليست الشعوب البدائية. فقد عرفت تعدد الزوجات كل الشعوب التى استقرَّت في وديان الأنهار ومناطق الأمطار الغزيرة، وتحولت إلى الزراعة المنتظمة بدلاً من صيد الحيوانات وجمع ثمار الغابة. ويؤكد هؤلاء العلماء أن نظام تعدد الزوجات آخذ فى الاستمرار ويتسع نطاقه كلما تقدمت البشرية خطوات إلى مزيد من التحضر والتطور والتقدم العلمي، خلافًا لما يظنه بعض الحاقدين على الإسلام الذين يزعمون أن التعدد ظاهرة متخلفة انقضى زمانها وفات أوانها.


    ويرى المفكر الفرنسى الكبير "جوستاف لوبون" أن نظام التعدد الذى أقَرَّه الإسلام هو أفضلُ حلٍّ ممكن لضبط العلاقات بين الجنسين. وذكر لوبون فى كتابه "حضارة العرب": أن التعدد كان موجودًا قبل الإسلام، وأن أحوال المسلمات أفضل كثيرًا من أحوال الأوروبيات".


    وقال المفكر الانجليزى "لايتنر": أن التعدد يقلل قطعًا من أعداد البغايا والمواليد غير الشرعيين وتندر معه الأمراض الجنسية المنتشرة فى الغرب. وأشاد المفكر الفرنسي رينيه بتعدد الزوجات الإسلامى لذات الأسباب.


    ونظن أن شهادات هؤلاء العلماء والمفكرين - وهم من غير المسلمين - هى أكبر دليل على بطلان دعاوى المغرضين.


    لقد جاء الإسلام ليضبط العلاقات بين الجنسين، ويقضى على الفوضى الجنسية والاجتماعية، فمنع الزيادة على 4 زوجات فى وقت واحد. وتظهر عظمة الإسلام فى وضع حدٍّ أقصى على ضوء ما نراه عند الآخرين مثل طائفة المورمون المسيحية الأمريكية التى لا تضع أي ضوابط على تعدد الزوجات. ويكفى أن نشير إلى ما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية مؤخرًا من ضبط رجل أمريكى من المورمون لديه تسعون امرأة، ولم يكتفِ بمعاشرة نسائه التسعين بل اغتصب ابنته أيضًا!!! ولولا ارتكابه جريمة اغتصاب ابنته ما قبضت عليه الشرطة!![4].


    والقرآن الكريم هو الكتاب السماوى الوحيد الذى نص على حظر التعدد فى حالة "مجرد الخوف" من عدم تحقيق العدالة بين الزوجتين.


    قال – تعالى -: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[النساء: 3]، والأمر الإلهي في الآية الكريمة صريح فى وجوب الاكتفاء بزوجة واحدة إذا خاف من عدم العدل.


    وأكدت كل الإحصائيات فى أوروبا وأمريكا أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في العالم. ويعتنق الملايين من الناس الدين الإسلامي كل عام عن اقتناع تام بعد دراسات عميقة متأنية.


    والطريف الذي ذكرته وسائل الإعلام الغربية أن أكثر من 80% من هؤلاء الذين يعتنقون الإسلام هم من النساء. ويعنى هذا بوضوح أنه مقابل كل رجل يعتنق الإسلام هناك أربع من النساء المسلمات الجدد.


    ومن المعلوم من الإسلام بالضرورة أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بشخص غير مسلم. فإذا كانت المسلمة الجديدة لا تستطيع الهجرة أو الانتقال للحياة فى بلد إسلامي، فإنها تكون أمام عدة خيارات أحلاها مرير شديدة المرارة. فإما أن تظل وحيدة وتدفن شبابها وأحاسيسها، وتعانى كل أنواع الأمراض النفسية والعصبية والبدنية الناجمة عن العنوسة والكَبْت والحرمان طوال حياتها، أو تقع في الحرام بمعاشرة جنسية خارج إطار الزواج، وهو ما يحظره الإسلام تمامًا، أو تسقط فريسة للشذوذ وهو محظور كذلك.


    وهكذا فإنه لا يوجد حل نظيف طاهر أمام ملايين من المسلمات الجدد فى الغرب أفضل من قبول تعدد الزوجات مع العدل وكفالة كل الحقوق المتساوية لهن ولأطفالهن. والله وحده أعلم بما يُصْلِح حال خلقه أجمعين.ولقد بدأت الكثيرات من المسلمات فى الغرب يدركن أهمية التعدد الإسلامى ونُبْل مقاصده وضرورته المتزايدة، وهناك حالات كثيرة قبلت فيها مسلمات جدد الاقتران بمسلم متزوج بالفعل، بعد أن أدركن أنَ هذا هو أفضل وأكرم الحلول لهن[5].


    ويحاول المشكِّكون النيل من نظام التعدد بإدعاء أن تحقيق العدل بين الزوجات مستحيل، ويقتطعون جزءًا من الآية 129 من سورة النساء، ويتجاهلون الباقي على طريقة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ[النساء: 43]، دون ذكر باقى الآية: ﴿ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ فتكون النتيجة قلب المعنى تمامًا وتفسير الآية على خلاف ما أراد الله - تعالى - بها، والله أعلم بمراده.


    يقولون: لقد قال القرآن صراحة ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ ويتجاهلون بقية الآية: ﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 129][6].


    والمعنى كما قال المفسّرون: أن العدل المطلق بين الزوجات فى الميل القلبى مستحيل، فالقلوب بيد الله يُصِّرفها كما يشاء، فيكفى الزوج أن يبذل قصارى جهده فى العدل بينهن فى كل الأمور المادية بما فيها النفقة والمبيت وحتى القُبْلة والابتسامة. أما الميل القلبى فيمكنه أن يحاول التحكُّم فيه حتى لا يؤدى به إلى ظلم إحداهن وهجرها تمامًا، فتكون كالمُعَلَّقة لا هى بُمطَلَّقة يمكنها الزواج من آخر ولا هى بزوجة تحصل على حقوقها. هذا الميل الكامل بشكل ظالم لإحداهن هو المنهى عنه، وليس معنى الآية أن التعدد ممنوع؛ لأن العدل التام مستحيل، فكما قال الشيخ سيد قطب - رحمه الله - في الظلال: "شريعة الله ليست هازلة لتأخذ بالشمال ما أعطته باليمين".


    ونضيف إلى ما قاله سيد قطب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم بين زوجاته فيعدل فى كل الأمور المادية، وكان الجميع يعلمون أنه يحب عائشة أكثر لكنه لم يظلم الأخريات، وكان يسأل ربه العفو وعدم المؤاخذة بالميل القلبي، لأنه ليس بيد الإنسان.


    ألا تلاحظ أن الإنسان يميل قلبه إلى بعض أولاده أكثر من بعض رغم أن الكل فَلَذَات كبده، فهل نادى أحد بمنع الإنجاب خشية عدم تحقيق العدل بين الأولاد؟؟!!


    وباقي الآية الكريمة يثبت ذلك،فقد نهى الله - تعالى - عن "الميل" بشكل كامل إلى إحداهن، وأرشد الزوج إلى مقاومة هذا الميل إلى إحداهن، وكبح جماحه حتى لا يتسبب فى تحويل المرغوب عنها إلى مسجونة أو مهجورة، لا هى تحصل على حقوق الزوجة، ولا هى مُطَلَّقة فيمكنها الزواج بآخر يعطيها ما حرمها منه الأول المشغول عنها دائمًا بأخرى. ولو كانت الآية تحظر التعدُّد لعدم إمكان تحقيق العدل المطلق حتى فى المشاعر، لما وعد الله - سبحانه - في آخر الآية من يصلح ويتقي بالمغفرة والعفو عن بعض الميل القلبى الذى لا يملكه الإنسان: ﴿ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129].


    ونلمس في هذه الآية العظيمة تهدئة لروع الرجل وإخبارا له أنه لا سبيل أمامه إلى تحقيق العدل بين زوجاته بشكل كامل. والمعنى هو: لا تخف وابذل ما في استطاعتك لإسعاد زوجاتك والعدل بينهن بقدر ما تستطيع، وسوف يتجاوز الله بكرمه وإحسانه عن القدر الذي ليس في وسعك ويغفره لك.


    ومن الثابت أن العدالة المطلقة هي الإلهية، أما العدالة البشرية فهي دائما ناقصة، لأن الناقص لا يمكنه الإتيان بالكمال، والله أعلى وأعلم .


    وعلى كل حال تملك الزوجة الحق فى طلب التطليق لعدم العدل، وعلى القاضي أن يحكم لها بالتطليق إذا ثبت وقوع ضرر عليها خاصة فى حالة ثبوت ظلم الزوج لها بعدم المساواة بينها وبين زوجته الأخرى. كما يحكم لها بالخُلع - وهو طلقة بائنة - طالما رَدَّت إلى زوجها ما دفعه لها من مهر، لأنه ليس من العدل أن تحتفظ هى بالمهر رغم إقدامها على هدم الزوجية بالخُلْع. والفرض هنا أن الزوج لم يرتكب خطأ ما، بل هى التى تريد الفراق وتسعى إليه كما سيأتي عند الكلام عن الخلع.


    ونرد على من يستنكرون عدم السماح للمرأة بتعدد الأزواج أيضًا بسؤال: من سيكون الأب لأطفال تلك المرأة التى تضاجع عدة أزواج فى وقت واحد؟! وما هو الحل إذا كان كل واحد من أزواجها يريدها فى فراشه فى ذات اللحظة؟! ومَن هو الذي سيدير دفة الأمور فى مثل هذا المنزل الذى لا يُعرف له قائد أو مدبِّر لشؤونه؟!


    ثم يأتي العلم الحديث ليثبت دومًا عظمة الإسلام، وصواب منهجه الإلهي المحكم.


    فقد أثبتت أحدث الأبحاث الطبية فى الغرب أن المرأة التى تمارس الجنس مع أكثر من رجل فى وقت واحد تُصاب غالبًا بسرطان المهبل أوسرطان الرحم بسبب إختلاف الحيوانات المنوية وتنافرها.


    ولا نظن أننا بحاجة إلى الكلام بعد هذه الأبحاث المُوثَّقة التي أجراها علماء من غير المسلمين.


    وقد رفض علماء النصارى تعدد الأزواج للمرأة الواحدة. وعلل القديس أوجستين ذلك بأنه "لا يكون للمرأة سيدان".


    وليس صحيحًا أن التعدد يتم ضد إرادة المرأة ولا ضد مصلحتها. فإن الزوجة الأولى إذا لم تضع شرطًا فى عقد الزواج يمنعه من الزواج بأخري، فإن هذا يعنى ضمنًا قبولها ما هو معلوم بالضرورة من إباحة الزواج من أخرى مع العدل، فيجب عليها إحترام ذلك بموجب العقد الذى وافقت عليه.


    ولو كانت حريصة على رفض التعدد لوضعت شرطًا يمنعه من ذلك، ويكون عليه احترام هذا الشرط إن وُجد. وأما الزوجة الثانية - أو الثالثة أو الرابعة - فمن الواضح تمامًا أنها تقبل الزواج من رجل تعلم أنه متزوج بالفعل، والزواج الثانى - أو الثالث أو الرابع - يكون باطلاً إذا تم بدون رضاها وموافقتها كما ذكرنا فى فصل"مودة ورحمة".


    فلماذا يلومون الرجل ولا يلومون المرأة التى وافقت على الزواج منه مع علمها بأنه متزوج بالفعل؟!!


    ثم إن هذه الزيجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة إن كانت تضرّ- بعض الضرر- بالزوجة الأولى، فإنها بالقطع تحقق فوائد مؤكدة للمرأة التى تقبل الزواج من رجل متزوج،فهي تضمن عائلاً لها ولأطفالها إن كانت أرملة أو مُطلَّقة، وتضمن زوجًا يحقق لها المقصود من الزواج بالسكون النفسى والعاطفى والجنسي، ويُعفُّها الله به عن العلاقات المُحَرَّمة.


    والقاعدة المعلومة هى ارتكاب أخف الضررين. ولا شك أن شعور الزوجة الأولى ببعض الغيرة والألم النفسى يظل أخف بكثير من ضياع أرملة أو مُطَلَّقة أو عانس فاتها قطار الزواج، ومُهَدَّدَة بالحرمان من الحلال إلى نهاية العمر. وعلى ضوء ذلك نسأل الخصوم : ألا يحقق التعدد مصالح مؤكدة للزوجات الجدد و هن نساء أيضا؟!!


    وقد أدركت بعض النساء الصالحات الذكيّات هذه المصالح العظمى التى يحققها نظام التعدد الشرعى للملايين من بنات جنسهن الوحيدات فى كل مكان، فقمن بتبني الدعوة إلى تطبيق تعدد الزوجات على نطاق واسع.


    ومثال ذلك جمعية أسستها فى مصر الإعلامية المصرية السيدة هيام دربك - وهى متزوجة - واختارت لها شعارًا طريفًا يقول:"امرأة واحدة لا تكفى!".


    لاحظ أن الجمعية أسستها امرأة وليست رجلاً، وأن معظم أعضائها من النساء!! وأكَّدت السيدة هيام ضرورة تطبيق نظام تعدد الزوجات كما جاء به الإسلام للقضاء على مشكلة العنوسة فى المجتمعات العربية التى تهدد عشرات الملايين من الفتيات بفقدان الفرصة فى تكوين أسرة والحرمان من الأمومة إلى الأبد.


    وتأسست في الأردن جمعية نسائية مماثلة تناشد الرجال ممارسة تعدد الزوجات رحمة بملايين العوانس والأرامل والمُطَلَّقات.


    وفى الكويت أرسلت مئات الفتيات اللاتى تجاوزن سن ال30و35 بدون زواج خطابات بريدية إلى مئات الزوجات يناشدنهن فيها التكرُّم بقبول زواج رجالهن من أخريات مع العدل للقضاء على مشكلة العنوسة التى استفحلت لدرجة خطيرة فى الكويت.


    والطريف أن نساء أمريكيات أسلمن مؤخرا قمن بتأسيس جمعية مماثلة تدعو إلى تطبيق ونشر ثقافة تعدد الزوجات في أمريكا، وبلغ عدد عضوات الجمعية حتى الآن أكثر من 900امرأة!!


    وبناء على هذا نقول لخصوم التعدد: هاكم شاهدات من النساء على عظمة الإسلام فى تشريع التعدد رحمة بهن وحلاًّ لمشاكلهن،ومَن لا يعجبه ما نقول فليتوجه إليهن وليجادلهن ما شاء، وأظن أنه لن يكسب المعركة بأي حال!![7].


    وليس صحيحًا ما زعمه البعض من أن الأصل فى الكون هو وحدة الزوجة لأن آدم - عليه السلام - لم يتزوج سوى حواء... ونرد عليهم بأن الأصل- بهذا المنطق غير الدقيق - ليس الزواج بواحدة بل العزوبة.


    لأن آدم - عليه السلام - خلقه الله أولاً، وظل فترة من الزمن وحيدًا. فهل نقول بناء على ذلك أن الأصل هو عدم الزواج؟!!


    وقد أباح الله لآدم أن يزوّج أولاده من بناته، فكان ابن آدم يتزوّج أخته التي ولدت في بطن آخر وليست معه فى ذات البطن... فهل نقول أيضًا استنادًا إلى ذلك أن الأصل هو إباحة زواج الأخ من أخته الشقيقة أم أن هذه كانت حالة ضرورة فقط لعدم وجود بشر غيرهم، ثم حَرَّم الله - تعالى - زواج الأخت بعد أنتكاثر البشر؟!


    بل إن الاستدلال هنا لمصلحة أنصار التعدد وليس خصومه. لأن هذا يؤكد أن تعدد الزوجات جاء في سياق التطور الطبيعي للبشرية، وكلما تقدمت الحضارة الإنسانية وازدهرت وتكاثر البشر سوف تزداد الحاجة إلى التعدد ويتسع نطاق تطبيقه بمرور الزمن. وأخيرًا فإن الأصل عندنا هو ما كانت عليه الأغلبية الساحقة من الأنبياء والمرسلين وهو تعدد الزوجات. ومَن لا يعجبه أسلوب حياة سادة البشر فلا فائدة من الكلام أو الحوار معه أصلاً!! أم يظن أولئك أن الرسل - وهم خير خلق الله - قد فعلوا خلاف الأصلأوخلاف الأولى؟!!!

    [1] يمكن معرفة المزيد عن تعدد الزوجات والجوارى فى الشعوب والممالك القديمة بالرجوع إلى الموسوعات التاريخية ومنها: "قصة الحضارة"؛ وول ديورانت - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة زكى نجيب محمود ومحمد بدران وآخرين - مكتبة الأسرة.

    [2] انظر التفاصيل في: "قصص الأنبياء"؛ للإمام ابن كثير - رضي الله عنه - وقصص الأنبياء المسمى "عرائس المجالس"؛ للثعلبي و"تاريخ الرسل والملوك"؛ للطبرى.

    [3] المزيد من التفاصيل عن عشيقات زعماء الغرب فى كتابنا "زوجات لا عشيقات التعدد الشرعى ضرورة العصر" طبعة القاهرة 1995م. ويمكن تنزيله مجانًا من شبكة الإنترنت من عدة مواقع إسلامية على رأسها الموقع الممتاز صيد الفوائد www.saaid.net، وموقع المكتبة الإسلامية، وموقع المنشاوى للبحوث، وموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة و موقع ابن مريم وموقع مكتبة النبع الصافي وغيرها .

    [4] القصة منشورة في موقع شبكة سى إن إن على الإنترنت باللغة العربية.

    [5] قصص المسلمين والمسلمات الجدد يوجد آلاف منها فى عدد من المواقع الإسلامية الجيدة عبر الإنترنت مثل موقع www.turntoislam.com وموقع www.todayislam.com وموقع www.islamway.com وموقع www.saaid.net

    [6] أنظر تفسير الآية 129من سورة النساء عند ابن كثير، والطبرى، وسيد قطب، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى، والجصّاص، والنسفى، والبيضاوي، والشوكانى، والسعدي، وغيرهم.

    [7] تفاصيل أخرى عن تعدد الزوجات فى الإسلام فى كتابنا الذى سبقت الإشارة إليه: "زوجات لا عشيقات، التعدد الشرعى ضرورة العصر".


    يتبع إن شاء الله ....
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل السادس

    أبغض الحلال



    يثير خصوم الإسلام أيضًا شبهة حول إباحة الإسلام للطلاق رغم آثاره الضارة وخاصة تأثيره السلبى على الأطفال. كما يزعمون أن الشريعة الإسلامية جعلت الطلاق بيد الرجل ولم تلتفت إلى إرادة المرأة أو رغبتها.


    وقبل أن نرد بالتفصيل على المزاعم الكاذبة نشير إلى أن أعلى معدلات للطلاق في العالم ليس فى الدول الإسلامية. إذ توضِّح الإحصاءات الرسمية فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أن أكثر من 83 بالمائة من حالات الزواج هناك تنتهى بالطلاق خلال 5 سنوات على الأكثر من تاريخ إبرام عقد الزواج. فإذا أضفنا حالات الطلاق التى تقع بعد أكثر من 5 سنوات فإن الرقم يُظْهِر كارثة اجتماعية مروِّعة.


    وفى إنجلترا زادت معدلات الطلاق 23 ضعفًا خلال خمسين عامًا فقط!!


    وفى المقابل نجد أن بلدًا عربيًا إسلاميًّا مثل ليبيا لم تتجاوز نسبة حالات الطلاق فيه خمسة بالمائة فقط من حالات الزواج فى العام 2008م. والفارق الهائل بين الأرقام هنا وهناك هو وحده دليل كافٍ على كذب مزاعم الخصوم.


    ولعل السبب فى رأينا هو أن المسلم يدرك جيدًا أن استمرار الزواج - رغم إباحة الطلاق - يظل أكرم وأشرف وأفضل من كل الوجوه لجميع الأطراف - خاصَّة الأطفال - كما استقر فى الوعى المسلم كراهية الطلاق تمامًا كالدواء المرير الذى لا يشربه المريض إلا فى حالات الضرورة القصوى، وبإرشاد الطبيب الذى لن ينصحه بتناوله إلا لعدم وجود أى حل آخر لتفادى تدهور صحته.


    ثورة تشريعية حول العالم:
    ولدينا دليل آخر قاطع على عظمة وحكمة ودقة تشريع الطلاق فى الإسلام، وهو أن كل دول العالم التى كانت تحظر الطلاق أو تضع قيودًا مشددة تحول دونه - رغم كراهية وعداء كلا الزوجين للآخر - اضطرت جميعها إلى إجراء تعديلات جذرية فى القوانين تسمح بالطلاق على أوسع نطاق ضاربة بكل الاعتراضات عرض الحائط. ومن الواضح أن القوم لم ينقلبوا على أنفسهم وقوانينهم القديمة من فراغ، فقد اضطرتهم إلى ذلك الفوضى العارمة والجرائم المروِّعة التي نتجت عن حظر الطلاق و استحالة التعايش السلمي بين أزواج الأمس أعداء اليوم!!


    ومن المعلوم أن الطلاق مسموح به فى الديانة اليهودية كما يتضح من النص التالي: "إذا تزوج رجل بامرأة ولم تعد تجد حظوة عنده لعيب أنكره عليها، فعليه أن يكتب لها كتاب طلاق ويسلمه إلى يدها ويصرفها من بيته" (تثنية 24/1). وأقرَّ الإنجيل الطلاق فى حالة الزنا فقط. روى متى عن السيد المسيح: "من طلَّق امرأته لغير الزنى يجعلها تزني". إلاَّ أنه بحلول القرن الثاني عشر الميلادي كان الفكر المسيحى الخاص بمنع الطلاق قد استقرَّ في أوروبا، فلا طلاق مهما كانت الظروف، حتى لو كان الزوج مصابًا بمرض تناسلي أو فاقدًا للقدرة الجنسية أو بسبب القسوة. ويقول لورانس ستون فى كتابه "الطريق الطويل إلى الطلاق فى انجلترا"[1]:
    "في عام 1660 كان قد بدأ نمو الطبقة المتوسطة الاقتصادي والاجتماعي وفكرها الفردى مع البعد عن الالتزام بالدين ومجىء مُثُل جديدة، كل هذا حلَّ محل الفكر السابق فى أوروبا بتدريج اختلف من دولة إلى أخرى.


    ففي إنجلترا استغرق الأمر قرنين من الزمان ليُسْمح بالطلاق بسبب الخيانة الزوجية عام 1857م، مع اعتبار خيانة الزوج أمرًا يمكن التغاضي عنه، ولكن ظل الطلاق يُمارس عمليًّا حتى القرن العشرين. وقبل عام 1857م كان هناك طرق لإنهاء الزواج فى إنجلترا منها طريقان قانونيان هما:
    1- الحصول على فصل جسدى من الكنيسة بسبب الخيانة الزوجية أو القسوة التى تهدد الحياة مع عدم السماح بالزواج ثانية لأى طرف.


    ويرى بعض الباحثين أن الفصل الجسدى لم تقرره الكنيسة فى مراحلها الأولى، وأنه ليس أكثر من ابتكار لبعض العُزَّاب بالكنيسة الغربية فى العهود الوسطى الباكرة، ويصفه البعض بأنه أقبح أنواع العقاب فهو يترك الناس معلقين بين السماء والأرض فلا هم بمتزوجين أو غير متزوجين.


    وهذا الفصل الجسدى الذى كان يمارس فى بعض دول أوروبا إلى عهد قريب لا يمكن وصفه إلا بأنه تصريح بالفجور لكلا الطرفين ، و إلا فما العمل مع طاقة جنسية تخبو لتفور؟


    2- الحصول على الطلاق بسبب خيانة الزوجة بتصريح من البرلمان فى الفترة من 1690 إلى 1857م مع السماح بالزواج ثانية، وهذا النوع من الطلاق لم يكن متاحًا إلا لقلة من كبار الأغنياء، كما زادت أهمية الخدم كشهود على الفضائح.


    أما الطرق الثلاثة غير القانونية فهي:
    ( أ ) الاتفاق الودي على الانفصال - عادة من طريق وسيط - مع عمل ترتيبات مالية وخاصة تقرير نفقة للزوجة، لكن الكنيسة لم تكن تعترف بهذا النوع من إنهاء الزواج، فقد كان ممكنًا لأى طرف الرجوع فيه وخاصة الزوج للتخلص من عبء النفقة.


    (ب) سلوك غير الأثرياء قد يكون هجر البيت وعدم العودة نهائيًّا وبدء حياة جديدة فى مكان بعيد مع زوجة جديدة أو عشيقة، أو أن تهرب الزوجة مع عشيقها متخلية عن بيتها.


    (جـ) وقد يحاول الزوج معاملة الزوجة بطريقة تدفعها إلى الجنون أو الانتحار وخاصة إذا كان لديها بعض الممتلكات. كما كان يمكن للزوج أن يُمسك الزوجة بالقوة الجبرية. وقد يجد الزوج الحل فى طرد الزوجة خارج المنزل وإحضار عشيقته لتحل محلها، ويقوم بالصرف عليها من أموال الزوجة. أما مصير الأطفال فى حالة الانفصال فقد كان القانون يعطى الأب كامل الهيمنة عليهم فى كل شيء حتى لو كان سبب الحكم بالانفصال هو القسوة المفرطة!!


    وكان يمكنه أن يحرمهم من أمور كثيرة،كما كان يمكنه أن يحرم أمهم من رؤيتهم بل حتى من مجرد الكتابة إليهم، مما كان يدعو الأمهات إلى تحمل ما لا يمكن تحمله فى سبيل البقاء إلى جانب أطفالهن. والعجيب أن يظل هذا الوضع حتى منتصف القرن العشرين عندما وُضِعت مصلحة الصغير فوق كل شيء اعتمادًا على الشخصية والظروف.


    وفي عام 1923 صدر تعديل يسمح للزوجة بطلب الطلاق لخيانة الزوج ولو لمرة واحدة. وأصبح ممكنًا للزوج الذي يرغب في الانفصال عن زوجته أن يقيم ليلة بفندق مع امرأة أخرى مسجلاًّ ذلك في فاتورة الفندق، أو أن يُصَوَّر نفسه فى وضع مخل مع عاهرة ويرسل بالصورة إلى زوجته. وفى عام 1937 صدر قانون جديد للطلاق يرعى الأطفال ويرفع الحرج عن كثير من الزيجات البائسة، كما أتاح للفقير أن يُطَلَّق مما أدى إلى قفزة كبيرة فى حالات الطلاق. وقد استحدث القانون فى عام 1938إجراءات لمحاولة الصلح خارج وداخل المحكمة (وهو ما أمر به القرآن منذ أربعة عشر قرنًا كما سنوضح بعد قليل). وبعد عام 1938 أصبح أيضًا لا يحق لطرف عدم الاستجابة للرغبات الجنسية للطرف الآخر طالما لم تكن شاذة أو غير معقولة، وهو ما سبق إليه الإسلام أيضا بحديث شريف ينهى المرأة عن عدم الاستجابة لزوجها إن دعاها إلى الفراش والحكم ينطبق أيضا على الرجل كما سيأتي . كذلك عليه ألا يستخدم وسيلة لمنع الحمل دون موافقة الطرف الآخر[2]. وعندما اشتعلت الثورة الجنسية فى الغرب فى النصف الثانى من القرن العشرين، وزادت الزيجات الشبابية المتسرِّعة، وأمكن علاج الأمراض التناسلية المعدية، وعُرفت وسائل منع الحمل المتطورة سادت المجتمع قِيَم جديدة استوجبت قانونًا جديدًا للطلاق بمفهوم جديد سرى فى المجتمعات الغربية بسرعة هو "No Fault Divorce" أى الطلاق بدون خطأ يُنْشَر على الملأ (وهوالمفهوم الإسلامي للطلاق فليس هناك طلاق بدون سبب). وبهذا المفهوم صدر فى إنجلترا قانون جديد للطلاق عام 1971أتاح ما يسمى بثورة الطلاق، وقُدِّر وقتها أن هذا سيسمح بآلاف الزيجات بين الذين يتعاشرون بدون زواج، كما سيمنح الشرعية لمائتى ألف طفل غير شرعى. وبالنسبة إلى الخطبة فقد فقدت أهميتها؛ حيث كان ممكنا في الماضي إجبار الخطيب على استكمال الزواج إلا إذا استطاع إثبات حقه فى الفصم بإعلان فضيحة للأنثى[3]. أما في بقية أوروبا- طبقًا لكتاب "قوانين الزواج والطلاق فى أوروبا" الذى صدر عام 1893 [4]-فالقاعدة كانت هي عدم الطلاق.


    ففي إيطاليا كان الطلاق ممنوعًا ولكن يُسمح بالفصل الجسدى فى حالة خيانة الزوجة.ولابد من أسباب إضافية مثل القسوة وسوء المعاملة.


    وفى أسبانيا الكاثوليكية يتم الزواج أمام مختص بشهادة بالغين والزواج ممكن بالتوكيل (لاحظ مدى التأثر بالشريعة الإسلامية).


    وفى ألمانيا البروتستانتية سُمح بالطلاق فى القرن السادس عشر لسوء المعاملة والإهانة الكبرى أو عقوبة لجريمة مُخلة بالشرف. ولكن الفئات الكاثوليكية كانت تحكم بالفصل الجسدى. وقد أدى هذا الازدواج إلى اتساع نطاقالزواج المدني عام 1879 ليشمل كل أنحاء ألمانيا. ولا يسمح بزواج الأرملة قبل مُضِىِّ عشرة شهور، وهذا أول توجه أوروبى إلى ما يشبه فترة العدة الإسلامية، فالديانة المسيحية الكاثوليكية أو البروتستانتية لم تكن تشترط فترة عِدَّة بعد الانفصال أو وفاة الزوج. ويمكن للزوج أن يطلب الطلاق إذا رفضت الزوجة أن تتبع زوجها إذا انتقل إلى مكان آخر . كما تميزت ألمانيا بأحقية الولى فى طلب الفصل بين الزوجين لعدم التكافؤ. (لاحظ هنا التأثر أيضًا بالشريعة الغَرَّاء).


    وفى فرنسا كان الطلاق مُمكِنًا فقط في حالة الخيانة. وفى كتاب "السلوكيات الجنسية فى فرنسا خلال فترة ما بين 1780و1980" يربط المؤلف كوبلاى بين منع الطلاق وأحكام الفصل الجسدى والإجبار على حياة بدون زواج وبين انتشار الشذوذ الجنسى الذى يضمن عدم الإنجاب، وعُرفت ممارسة اللواط والسحاق بواسطة شخصيات مرموقة فى المجتمع الفرنسي!![5]. ويرى كوبلاى أن الزواج الذى يُوصف بأنه مثالى حيث يعتمد على الارتباط الجنسى بشخص واحد طوال الحياة كان على حساب صمام الأمن الذى هو الطلاق مما قد يؤدى إلى توتر لا يمكن علاجه، وأن الفكر التقليدى المسيحي - فى الحقيقة - قد قلل من قيمة الزواج وأعطى قيمة كبرى للزهد الجنسى. وفى تعاليم بولس أن الزواج أفضل من الزنا لتفريغ الطاقة الجنسية، وأنه أفضل سلوك تال للعزوبية، وقد حرمت فرنسا نفسها من المرونة التى تمتعت بها بعض المجتمعات البروتستانتية، والقيود التى وضعت للحصول على الطلاق أدت إلى زيجات بائسة. واضطرت الكنيسة إلى الالتفاف حول موضوع الطلاق بابتكار إلغاء الزواج رغم مضى سنوات عليه وإنجاب أطفال يتحولون إلى أطفال غير شرعيين مثلما كان يحدث عندما يتزوج الرجل لاختفاء زوجته الأولى سبع سنين ثم ظهورها ثانية حيث كان يحكم بإلغاء الزواج الثانى. وقد جاءت الثورة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر بأفكار جديدة عن أهمية سعادة الفرد، وكان لابد من النظر إلى الزواج كعقد بين فردين وليس إجراءً كنسيًا، ومن هنا بدأ الزواج المدنى مع السماح بالطلاق من منطلق الحرية الذى لا حيدة عنه. وقد صدر قانون الطلاق الفرنسى الأول عام 1792م ومن دواعيه:
    الجنون أو عقوبة طويلة المدة أو مخلة بالشرف أو المعاملة القاسية أو الهجر أو الغياب لأكثر من خمس سنوات[6]. والعجيب أن هذه القائمة لم تشمل الخيانة الزوجية!!. إلا أن القانون احتوى على نوعين آخرين من الطلاق: أولهما: الطلاق الذي يتم بالإتفاق. وثانيهما: عدم توافق المزاج حتى لو كان من جهة واحدة.


    وهذا النوع من الطلاق - كما جاء فى كتاب كوبلاى - يماثل إدخال النظام الإسلامى للتفريق بين الزوجين.


    وقد صدر هذا القانون دون الإشارة إلى عقوبات ممارسة اللواط السابقة مما يوحى ببداية السماح بالشذوذ الجنسي. وقد ارتفع معدل طلبات الطلاق بشدة بعد صدور القانون، إلا أن المحاكم وقطاعات كبيرة من الشعب لم تُفضّل العمل به، ودارت مناقشات كبيرة أدت فى عام 1816 إلى العودة إلى نظام الفصل الجسدى. وكما يقول كوبلاى فإن هذا أدى إلى انتشار الخيانة الزوجية وإقامة البيوت الثانية وانتشرت الدعارة والشذوذ الجنسى وزاد عدد الأطفال غير الشرعيين. وفى عام 1905 قننت شرعية أبناء الخيانة. وفى عام 1907 سمح بزواج المحكوم لهم بالانفصال بعد عشرة شهور، وهذا ثانى تحديد أوروبى بعد ألمانيا لفترة لابد أن تنقضى قبل الزواج ثانية (نظام العدة).وفى عام 1922 سمح بزواج مَن يحملن بعد الانفصال مباشرة. وفى عام 1937 وُسِّعت دواعى الطلاق لتشمل خيانة الزوج والزوجة أو الهجر لثلاث سنوات أو القسوة أو الجنون. ورغم أنه كان قد تمَّ الفصل بين الدولة والكنيسة منذ زمن، ورغم تزايد الشعور بعد الحرب العالمية الثانية بأن الطلاق هو فى مصلحة المجتمع مثلما هو فى مصلحة الفرد، إلا أن الأمل فى الحصول على قانون حقيقى للطلاق فى فرنسا ظل بعيدًا عن التحقيق حتى عام 1975 عندما صدر القانون المطلوب، والذي وصفه أحدهم بأنه قانون للطلاق حسب الطلب: (Divocrce a،la cart) رغم اعتباره قانونًا خجولاً حيث يمكن إطالة القضية حتى سنتين.


    وفى إيطاليا - معقل الكاثوليكية - كانت محاولات المصلحين لتقنين الطلاق بتشجيع من الحكومة تنتهي بالفشل حتى أصدر البرلمان فى عام 1973 قانونًا يسمح بالطلاق المدنى. وفى الاتحاد السوفيتى السابق حيث ينتشر المذهب الأرثوذكسى أصبحت المحاكم اعتبارًا من 1966 م تمنح الطلاق عندما تفشل كل وسائل الصلح تماما كما يرى الإسلام!!.


    ومن الولايات المتحدة الأمريكية يقول جيرالد ليسلى فى كتابه "الزواج فى عالم متغير"[7] أن كل ولاية من الولايات الخمسين لها قانونها الخاص بالطلاق، و تتفاوت القوانين هناك من المنع شبه الكامل إلى الإباحة الواسعة. وتكلفة الطلاق فى عمومها عالية بالولايات المتحدة مما أقعد الكثيرين عن طلبه و اضطرهم إلى السكوت عما لا يُسكت عليه، كما أقعدت الكثيرين عن الزواج الشرعى. ولم يُوحَّد بين الولايات الخمسين إلا تغيير المفاهيم عن الطلاق فى المجتمع، فأصبح يُنظر إليه كشرٍّ لابد منه، وأصبحت الحركة نحوNo Fault divorce" " هي السائدة. وقد بدأتها ولاية كاليفورنيا عام 1969 بفكرة أن الزواج يجب أن يُفْصَم عندما تستحيل إعادة الحياة إليه. ومنذ عام 1970 توالت قوانين الطلاق بهذا المفهوم فى الولايات المختلفة فيما يشبه الثورة.وبالنسبة لحضانة الأطفال يُفضل أن يكونوافي حضانة الأم قبل البلوغ- كما قرر الإسلام -و بعد البلوغ ترى بعض المحاكم أن يكون الولد فى رعاية الأب خاصة إذا طلب الولد ذلك.


    أما في الهند فإن الديانة الهندوكية الأصلية كانت ترى أن الزواج علاقة مقدسة غير قابلة للانفصام لا فى الدنيا ولا بالموت!! ولا يمكن للزوجة أن تطلب الطلاق حتى لو كان الزوج مجنونًا أو عاجزًا جنسيًّا أو مُصابًا بالجذام أو هاجرًا أو مصابًا بالأمراض التناسلية أو مخصيًّا!!، ولا يمكن للزوج أيضًا من ناحيته أن يطلب طلاقًا، ولكنه كان يستطيع أن يتقدم بطلب زواج آخر لمرات تبعًا لمقدرته. وحتى قبل عام 1955 عندما صدر القانون الجديد للزواج الهندوكى كان مسموحًا للرجل بعدد غير محدود من الزوجات. ويمكن للزوج أن يتخلص من زوجته لأسباب عديدة، ولكن الزوجة المطرودة تظل علاقتها الزوجية قائمة ولا يمكنها الزواج ثانية حتى لو توفى زوجها!! بل أن الأرملة التى يتوفى عنها زوجها لا يمكن لها الزواج حتى لو ترملت وهى فى سنوات شبابها الأولى،وتظل طرفًا شبه منبوذ فى الأسرة طيلة حياتها أو تتجه إلى ممارسة الدعارة.و هذا المستقبل المظلم دفع بعض الزوجات إلى المطالبة بأن يُدْفَن أو يُحْرَقن أحياء مع أزواجهن، واعتبر هذا فى الفكر الهندوكى قمة الإخلاص الزوجى!! ولم يتوقف هذا إلا فى منتصف القرن التاسع عشر بقانون أصدرته حكومة الاحتلال البريطانية[8]. ولما كانت الهند على علاقة وثيقة بالإسلام على مدى التاريخ فإنه فى منتصف القرن التاسع عشر بدأت الحركة لتغيير ذلك الوضع. وفى عام 1964م صدر القانون الذى يسمح لأى الطرفين بطلب الطلاق مع تقرير مرتب مدى الحياة للطرف الضعيف، حيث ما زالت فرصة زواج المُطَلَّقة نادرة.


    وفى الصين أصبح ممكنًا في عام 1930م أن يتفق الطرفان على الطلاق كتابة بوجود شاهدين. وفى عام 1949م أصبح ذلك مسموحًا به فى المحكمة. وفى عام 1964م أتاحت الثورة لأى من الطرفين حق طلب إنهاء الزواج.


    وفى اليابان صدر قانون الحقوق المدنية عام 1947م ليسمح بالطلاق باتفاق الطرفين وطلب الانفصال بسبب الخيانة أو الهجر[9].


    وسائل مكافحة الطلاق:
    تسعى الشريعة الإسلامية إلى الحفاظ على تماسك وبقاء الأسرة بكل السبل الممكنة. لكنها فى ذات الوقت - مثلها مثل أى تشريع آخر- لا تستطيع إجبار شخصين على العيش معًا إذا استحكم بينهما العداء والنفور على نحو يستحيل معه دوام العشرة الطيبة.


    بل إن محاولة فرض استمرار علاقة زوجية على مَن لا يرغبها هو فى الواقع إهدار لحقوق الإنسان ومصادرة لحريته. ولهذا أباح الإسلام الطلاق أو الخلع للضرورة القصوى كحلًّ أخير عندما تفشل كل الوسائل فى إقناع الزوجين بالعدول عن قرار الإنفصال. ومن هذه الوسائل التى يضعها القرآن الكريم تبشير الرجال بالخير الكثير والبركات فى الاحتفاظ بالزوجات حتى ولو لم يعد الزوج يحب زوجته. قال الله - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[النساء: 19] قال أصحاب "المنتخب" في تفسير الآية: "عليكم أيها المؤمنون أن تحسنوا عشرة نسائكم قولاً وعملاً، فإن كرهتموهن لعيب فى الخُلُق أو غير ذلك فاصبروا ولا تتعجلوا فراقهن، فعسى أن يجعل الله فى المكروه لكم خيرًا كثيرًا وعلم الأمور كلها عند الله" انتهى[10].

    وقال الشوكانى: "وَعاشروهن بالمعروف في هذه الشريعة وأهلها من حسن المعاشرة، وهو خطاب للأزواج أو لِمَا هو أعم، فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز فعسى أن يؤول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتَبَدلها بالمحبة، فيكون فى ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد، أي: فإن كرهتموهن فاصبروا" انتهى. [11]وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - تفسيرًا للآية: "ربما رزقه الله منها ولدًا فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا" انتهى[12].


    ويلاحظ كاتب هذه السطور أن المولى - سبحانه وتعالى - استخدم لفظ "فعسى"، وكما قال الشيخ الشعراوى وغيره من علماء التفسير - رضي الله عنهم - فإن "عسى" من الله تفيد التحقيق ولزوم الحدوث، وعلى هذا يكون المعنى أن الله - تعالى - سيجعل - حتمًا - خيرًا كثيرًا فيما تكرهونه من زوجات أو أولاد وغير ذلك، والله يعلم ما لا نعلم. وفى ذات معنى الآية يقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرك مؤمن مؤمنة إن سَخط منها خُلقًا رضي منها آخر"، وفى رواية "رضى منها غيره" رواه مسلم وأحمد بن حنبل. والمعنى الواضح أن كل زوجة - مثل أى إنسان - فيها مزايا ولها عيوب، فلا يكره الرجل زوجته لعيب فيها طالما أنها مؤمنة، وليبحث فى مزاياها فسوف يجد فيها من الصفات الحسنة ما يرضيه ويقنعه بالاحتفاظ بها وعدم تطليقها.


    التحكيم:
    وقد ابتكر الإسلام نظامًا اجتماعيا بالغ الحكمة والتأثير فى الحد من حالات الطلاق وحصرها فى أضيق نطاق ممكن. قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [الآية: 35] من سورة النساء.


    ونرى هنا أمرًا إلهيًّا للمجتمع الإسلامي بالتدخُّل في حالة حدوث نزاع ومشاكل بين الزوجين، لمحاولة حل الخلافات والإصلاح - تحقيق الصلح - بينهما قبل أن يزداد الوضع سوءًا وينتهى بهما إلى الطلاق. ونلاحظ هنا أن الله - تعالى - أمر بندب حكم من أهلها مثلما أمر بندب حكم من أهله حتى لا يزعم أحد أن هناك ظلمًا لها، والله تعالى هو ربها أيضًا وليس ربه وحده.


    ويشترط فى الحكمين أن يكونا من أهل الصلاح والتقوى والخبرة، وأن يقصد كلاهما الإصلاح بنية صادقة حتى يوفقهما الله في سعيهما للصلح، وأن يجتهدا لمعرفة المخطئ منهما ورَدِّه إلى صوابه. ونلاحظ هنا الحكمة البالغة فى اشتراط كون الحكمين من أهل الزوجين؛ لأنهما في هذه الحالة أدرى بهما، كما أنهما سيحرصان على مصالحهما ومصالح أطفالهما، وسوف يحافظان على سرية ما قد يَطَّلعان عليه من أمور حَسَّاسة لا يجوز مطلقًا إفشاءها حرصًا على سمعة العائلة ومستقبل الأطفال. ولذات السبب حدَّد ربنا حكمًا واحدًا من هنا وآخر من هناك، ولم يَقُل جماعة كبيرة من الحُكَّام حتى لا تُفشى أسرار البيوت، ولتقليل احتمالات الخلاف بين الحُكَّام أنفسهم. وغالبًا ما تنجح جهود الحكمين إذا صدقت النية فى الإصلاح، وامتثل المخطئ من الزوجين، وأذعن للحق، واستمع الجميع إلى نداء الحكمة والإصلاح الذى يحرص عليه الإسلام كل الحرص.


    فإذا بذل الحكمان أقصى ما فى وسعهما بإخلاص وتجرُّد لوجه الله، وفشلت كل محاولات التوفيق والإصلاح بين الزوجين، فإن هذا يعنى شدة الخلافات والنفور. والشقاق معناه: أن يأخذ كل منهما شقًا أى مكانًا بخلاف مكان صاحبه كناية عن التباعد والنفور. وفى مثل هذه الحالة لا مفرَّ من الانفصال بأقل الخسائر. ولا يقولنَّ متنطعٌ أنه يجب إجبارهما على العيش معًا، فإن الملايين من جرائم القتل والخيانة الزوجية والسرقات وإحداث العاهات المستديمة تقع فى الغرب إذا تأخر الطلاق أو تم منعه بقوة القانون، ومن لم يقنع بما نقول فليُعد قراءة هذا الفصل من أوله.


    وهناك حديث آخر يُنَفِّر الناس من الطلاق ويحاول صرفهم عنه ما أمكن إلا فى حالات الضرورة القصوى التى تفرضه. قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم ورجّح أبو حاتم أنه مرسل. فإذا أخبر الحديث أن الله يُبغض - يكره بشدة - هذا الطلاق، فإن هذا يعنى الحث على كراهية العباد للطلاق بدورهم، فلن يكون الإنسان مؤمنًا حقًّا إلا بأن يحب ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه ربه - تعالى - وإن كان مباحًا للضرورات. يقول الصنعانى: "والحديث فيه دليل على أن فى الحلال أشياء مبغوضة إلى الله - تعالى - وأن أبغضها الطلاق، فيكون مجازًا عن كونه لا ثواب فيه ولا قُربة فى فعله... والحديث دليل على أنه يحسن تجنب إيقاع الطلاق ما وجد عنه مندوحة - أي بديلاً - والطلاق المكروه هو الواقع بغير سبب مع استقامة الحال، وهذا هو القسم المبغوض مع حله". انتهى[13].


    ونلاحظ هنا استخدام لفظ "أبغض" الذى هو أشد أنواع الكراهية للتنفير من الطلاق الذى هو خراب حقيقى للبيوت. بل إن الطلاق يكون حرامًا فى حالات أخرى وليس مكروهًا فقط. فالحرام هو الطلاق البدعى - أي: المخالف للسُنَّة - مثل تطليق الزوجة أثناء فترة الحيض أو فى طُهر يكون قد جامعها فيه، وكذلك النطق بلفظ الطلاق ثلاثًا مرة واحدة. وقد ذهب فريق من العلماء إلى أنه إذا طلََّق الرجل زوجته أثناء الحيض أو فى طُهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق لا يقع[14]. وذهب آخرون إلى وقوع الطلاق البدعى أي المخالف لهديه - صلى الله عليه وسلم - ولا يخفى ما في الرأي الأول من محافظة على كيان الأسرة من الانهيار بسبب تسرع الزوج أو انفعاله الشديد الذى قد يدفعه إلى تطليق زوجته فى فترة الحيض. وأغلب النساء يعانين من توتر نفسى وعصبى شديد خلال فترة حيضهن، وبالتالي تكون سريعة الغضب والانفعال، فترد على زوجها بحدّة أثناء أية مناقشة بينهما - ولأتفه الأسباب - فتكون حدَّة ردها عليه - بسبب توتر الحيض - سببًا فى تسرعه بالنطق بلفظ الطلاق، ثم يندم كلاهما بعد أن يعود إليهما الهدوء والسكينة، وخاصة إن كان لهما أطفال صغار!! لهذا نرى أن الرأى القائل بعدم وقوع الطلاق البدعى المخالف للسُنَّة هو رأىٌ وجيه له أهمية بالغة فى الحفاظ على استمرار ومستقبل الأسرة من الانهيار فى وقت يكون فيه الزوجان فى حالة غير طبيعية بسبب حيض الزوجة كما أوضحنا. وهو رأى أئمة كبار مثل ابن تيمية وابن القيم والصنعانى ومحمد بن إبراهيم الوزير وغيرهم رضى الله عن علمائنا جميعًا وجزاهم عنا وعن الإسلام كل الخير.


    والحديث المتفق عليه - عند البخارى ومسلم - أن ابن عمر - رضي الله عنهما - طلَّق امرأته وهى حائض فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر النبى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال له - عليه السلام -: "مُرْه فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدَّة التي أمر الله عز وجل أن تُطلق لها النساء"، وفى رواية لمسلم: "مُره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملاً". ونلاحظ هنا رحمة النبى - صلى الله عليه وسلم - بالأمة ورغبة الإسلام فى إعطاء الطرفين وقتًا أطول لإعادة التفكير والتأني والتمهل قبل اتخاذ قرار الانفصال الخطير.


    فقد ألغى عليه السلام ما فعله الزوج من تطليق زوجته أثناء فترة حيضها، وأمره أن يراجعها ويتمسك بها إلى أن تنتهى الحيضة ثم تطهر - وذلك يستغرق عادة بضعة أيام، وقد تطول فترة الحيض عند بعض النساء إلى أسبوعين، وهى فترة كافية لزوال غضب الزوج وانفعاله الشديد الذى تسبب فى إقدامه على الطلاق.


    وكثيرًا ما يندم الأزواج بعد النطق بكلمة الطلاق، كما تندم زوجات كثيرات إن طلبن الطلاق، أو طلقت نفسها هى إن كانت العصمة بيدها، فهنا يمهل الإسلام كلاهما فترة أطول لإعادة النظر فى هذا القرار الخطير بعد أن تهدأ النفوس، ويأخذ كلاهما وقتًا أطول للتفكير الهادئ المتروي في الأمر. فإذا انتظرا انتهاء الحيض وبدء فترة الطهر من الدم، فإن على الزوج ألا يجامعها فى ذلك الطهر وإلا كان عليه انتظار حيضة جديدة ثم طهر جديد لا يجامعها فيه للتطليق... وكون الزوجة عنده ومعه فى بيته يصعب معه عليه الصبر على عدم جماعها، وهذا قد يجعله غالبًا يعدل عن الطلاق، وكذلك الزوجة إذ تراجع نفسها وتندم على أية تصرفات من جانبها تكون قد أغضبت الزوج ودفعته إلى التفكير فى الطلاق. فإذا لم يفلح كل ذلك فى إعادة المياه إلى مجاريها، فلا خير للمرأة فى استمرار العلاقة مع زوج لديه هذا التصميم على فراقها، ولعل الله أن يُبدلها مَن هو خير لها منه، ويُبدله خيرًا منها، لقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء: 130].


    ولذات السبب نهى الإسلام عن إيقاع الطلاق ثلاث مرات بلفظ واحد فى مجلس واحد؛ لأنه يخالف ما نص عليه القرآن وجاءت به السُّنة وهو إيقاع الطلاق مرة ثم تنقضى فترة العدَّة ثم يراجعها فى فترة العدَّة أو بعقد ومهر جديدين بعدها، ثم إن طلق مرة ثانية تنتظر فترة عدة جديدة يمكنه أن يراجعها خلالها، فإن لم يراجع خلال العدَّة فلا مفر من عقد جديد ومهر جديد، فأن طلقها الثالثة لا تحل له إلا إذا تزوجت من آخر - بعد انتهاء العدَّة - ثم يُطلقها الآخر بعد أن يجامعها فعليًّا وبشرط ألا يكون زواج الثانى بها ثم تطليقها لمجرد إعطاء الزوج السابق الفرصة لاستعادتها، فهذا حرام وتحايل على الشريعة الغَرَّاء، وسمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتيس المستعار.


    قال الله تعالى: ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[البقرة: 229]، قال الإمام النسفى فى تفسيره للآية: "الطلاق بمعنى التطليق أي: التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة... وأضاف: هو دليل لنا فى أن الجمع بين الطلقتين والثلاث فى طهر واحد بدعة؛ لأن الله تعالى أمرنا بالتفريق[15].


    وقال الشوكانى وغيره من المفسرين: "إنما قال - سبحانه -: "مرتان" ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغى أن يكون الطلاق مرة بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين، أما إيقاع الثالثة التى تبين بها الزوجة - بينونة كبرى فلا تحل له إلا بالزواج من آخر ثم طلاقها منه بدون تحايل - وإما الإمساك لها واستدامة نكاحها بالمعروف أي: بما هو معروف عند الناس من حُسن العشرة، أو "تسريح بإحسان" بإيقاع طلقة ثالثة عليها بدون إضرار لها". أي بإعطائها كافة حقوقها وعدم الإساءة إليها فى حالة الانفصال. ونلاحظ هنا الحكمة فى إعطاء الزوج الفرصة تلوَ الأخرى لمراجعة نفسه والتفكير بهدوء فى مسألة الطلاق ومستقبل الأسرة لعله يراجع زوجته ويحتفظ بها.


    وفرض فترة العدة يستهدف - فضلا عن التأكد من عدم وجود حمل - إعطاء الزوجين فرصة لإعادة النظر في الأمر واحتواء الخلافات. وذكر الشوكانى أيضًا أن رأى الجمهور أن طلاق الثلاث دفعة واحدة يقع ثلاثًا، لكنه -أى: الشوكانى - رَجَّح الرأى الآخر الذى أكد أن طلاق الثلاث يقع واحدة فقط..[16].


    وقال مؤلفو المنتخب فى التفسير: "الطلاق مرتان يكون للزوج بعد كل واحدة منها الحق فى أن يمسك زوجته بمراجعتها خلال فترة العدة أو إعادتها إلى عصمته بعقد جديد إن انتهت العدة، وفى هذه الحالة يجب أن يكون قصده الإمساك بالعدل والمعاملة بالحسنى، أو أن يُنهى الحياة الزوجية مع المعاملة الحسنة وإكرامها من غير مجافاة" انتهى[17].


    وقد أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فغضب - صلى الله عليه وسلم - وقال مستنكرًا: "أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!"؛ أخرجه النسائي من حديث بن لبيد. و "كان عمر - رضي الله عنه - إذا أُوتى برجل طَلَّق ثلاثًا أوجعه ضربًا" رواه ابن أبى شيبة فى الطلاق. وروى مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة - أي: يُحسب طلقة واحدة فقط - فقال عمر: "إن الناس قد استعجلوا فى أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم"، أي: حسبه عليهم ثلاث طلقات وليست واحدة كما كان الحال من قبل. وقد روى أبو داود أن أبا رُكانة طلق أم رُكانة فى مجلس واحد ثلاثًا فحزن عليها. فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "إنها واحدة". وفى رواية أخرى أنه - عليه السلام - أمره أن يراجعها، وفى رواية ثالثة عند أبى داود أن أبا ركانة طلق امرأته سهيمة البتَّة - أي ثلاثًا ونهائيًّا، فقال للنبي - عليه السلام -: والله ما أردت بها إلا واحدة - تطليقة واحدة - فردَّها إليه النبى - صلى الله عليه وسلم.


    وقد اختلف العلماء كما ذكرنا، وحكى الصنعانى فى "سبل السلام" آراء الجميع ومنها: أن طلاق الثلاث فى مجلس واحد لا يقع به شيء؛ لأنه بدعة لا يعتد بها، والرأي الثاني: يقع به طلاق الثلاث (وهو رأى مخالف لما رويناه من حديث أبى رُكانة وحديث النسائى)، والرأي الثالث: أنه يقع به طلقة واحدة رجعية وهذا مطابق للحديثين المذكورين، والرأي الرابع: يُفرق بين المدخول بها وغيرها. انتهى[18]. والرأيان الأول والثالث أصلح للحفاظ على الأسرة وإتاحة الفرصة للمراجعة.


    تحريم الإيلاء والظهار:
    ومَن يراجع أحكام الإيلاء والظهار فى الإسلام يلمس بوضوح أن تحريمهما جاء لحماية المرأة من الإضرار بها، وإتاحة الفرصة للاستمرار فى الحياة الزوجية لمصلحة الطرفين وأطفالهما أيضًا.


    فقد حرَّم الإسلام الإيلاء وهو أن يحلف الرجل ألا يجامع زوجته فترة من الزمن أو طوال عمره. ومن الواضح أن هذا الحلف أو اليمين فيه إضرار بالغ بالزوجة التى لها عليه حق تلبية غرائزها بالطريق المشروع وهو الجماع -ممارسة الجنس بين الزوجين- كما أن هذا الإيلاء أو الحلف يُهدر غاية أساسية من غايات الزواج وهى إنجاب ذرية صالحة لعمارة الأرض؛ لأنه لن يحدث حمل بدون معاشرة زوجية. ولهذا حرَّمه الإسلام وأمر الزوج بمجامعة زوجته والتكفير عن يمينه الباطل. قال الله - تعالى -: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 226- 227].


    فإذا حلف الزوج وامتنع عن مجامعة - وطء - زوجته يعطيه الإسلام مهلة - فترة أربعة أشهر - فإن عاد إلى صوابه وجامَع امرأته قبل انقضاء المدة المذكورة فإن الله يغفر له ما مضى وعليه كفَّارة اليمين. أما لو أصرَّ الزوج على ترك مباشرة الزوجة طوال الأشهر الأربعة فإنه يُؤمَر بعد انقضائها بالرجوع إلى الجماع وإعطائها حقها الشرعى فى الوطء ليعفَّها عن الحرام، وإلا فإن عليه أن يطلِّقها إن أصرَّ على هجرها فى الفراش أكثر من أربعة أشهر. فإن رفض الجماع ورفض أيضًا التطليق، فإنه يجوز للمرأة رفع الأمر إلى القضاء، وفى هذه الحالة يحكم القاضى بالطلاق رغمًا عن الرجل لرفع الضرر عن المرأة وتخليصها من زواج لا يحقق لها رغباتها المشروعة فى الجماع والعفة والإنجاب. روى الإمام البخارى عن ابن عمر وبضعة عشر صحابيًّا من كبار الصحابة أن حكم الإيلاء هو: "إذا مضت أربعة أشهر (على حلف الزوج) فهو مُوَلٍ - أى حالف على عدم جماع الزوجة - يُوقَف حتى يُطلِّق - إن لم يعد إلى جماعها - ولا يقع عليه الطلاق حتى يُطلِّق". وقال سليمان بن يسار: "أدركت بضعة عشر صحابيًّا كلهم يُوقفون المولى -يعطونه مهلة أربعة أشهر- يُطلق بعدها إن لم يعاشر - يجامع - زوجته" أخرجه الدارقطنى والبيهقى. وقد ألحق الفقهاء بالمُولِّى فى هذا الحكم مَن ترك جماع - وطء - زوجته إضرارًا بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر بغير عذر، وكذلك من ظاهر من زوجته ولم يُكَفِّر عن يمين الظهار - قوله لها: أنت علىَّ مثل ظهر أمى - لأن كلا من هذين تارك لوطء - مجامعة - زوجته إضرارًا بها فأشبها المولى[19]. فإذا مضت أربعة أشهر بلا جماع يُؤمر بالتطليق إن لم يعد إليها وإلا طَلَّقَها القاضي رغما عنه.


    ولذات الحكمة حرَّم الإسلام الظهار وأوجب فيه الكفارة المغلظة - تحرير عبد أو جارية أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا- ثم يجامع زوجته - يباشرها - فهى ليست كظهر أمه، وقوله هذا باطل ومنكر وزور حرَّمه الله ورسوله[20].


    طلب الطلاق للضرر:
    ومفهومٌ من الأساس الذى بنى عليه الإسلام تحريم الإيلاء والظهار أنه يجب على الزوج أن يُعف زوجته بالجماع، فليس الجماع حقًّا للزوج وحده. ورَوَت كتب الأحاديث - الشيخان وأصحاب السنن - وكل مراجع الفقه أن النبي - عليه السلام - قال لعبد الله بن عمرو: "وإن لزوجك عليك حقا". ولهذا قرر الفقهاء أنه يجب على الزوج أن يجامع زوجته بقدر كفايتها ما لم يضره ذلك أو يشغله عن طلب الرزق بلا إفراط أو تفريط أي بالقدر المعقول. واختلف العلماء فيمن كف عن جماع زوجته فقال مالك:إن كان بغير ضرورة ألزم به أو يفرق بينهما، ونحوه عن أحمد، والمشهور عند الشافعية أنه لا يجب عليه، وقيل: يجب مرة، وعن بعض السلف في كل أربع ليال ليلة، وعن بعضهم في كل طهر مرة. وقال الإمام ابن تيمية - رضي الله عنه -: "وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء - الجماع - يقتضى الفسخ - فسخ العقد - بكل حال سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، مع قدرته أو عجزه كالنفقة وأولى" انتهى[21]، فيجوز طبقًا لهذا الرأى أن تطلب الزوجة فسخ عقد الزواج إذا امتنع الزوج عن مباشرتها - معاشرتها جنسيًّا - سواء برغبته أو لعجزه عن ذلك، فإن امتناعه عن جماعها مثل امتناعه عن الإنفاق عليها، بل هو أخطر لأنه يُعرِّضها للفتنة بذلك، وقد تصبر على نقص الطعام لكنها ربما لا تصبر على عدم الجماع، فيكون الانفصال أفضل لها لعل الله - تعالى - يرزقها بزوج آخر يُعفها به. ويجوز للمرأة طلب فسخ الزواج للعيوب التى تجدها فى الزوج وتتأذى بها مثل كونه مقطوع الذكر - ليس له عضو ذكورة - أو منزوع الخصيتين، ولو زعمت أنه عِنِّين - عاجز جنسيًا - فإن أقرَّ بذلك يمهله القاضى فترة للعلاج، فإن استطاع أن يجامعها ورضيت به وإلا حكم لها القاضى بفسخ العقد أي: التطليق للعيب. ولها أيضًا حق طلب الفسخ والانفصال لو كان به عيب آخر مُنفِّر مثل: الجنون، أو البرص، أو الجذام، أو القرع، أو نتن رائحة الفم، أو أي مرض آخر لا علاج له أو تنتقل عدواه إلى الغير مثل الإيدز أو الأمراض الوبائية الخطيرة. وفى ذلك يقول الإمام ابن القيم: "كل عيب يُنَفِّر أحد الزوجين من الآخر ولا يحصل به مقصود النكاح يوجب الخيار وإنه أولى من البيع" انتهى[22].

    وكذلك يعطى الإسلام المرأة الحق فى طلب التطليق للضرر فى كل حالة تتضرَّر فيها من استمرار الزواج كامتناعه عن الإنفاق عليها أو تكرار اعتدائه عليها بالضرب الشديد الذى يُحدِث بها إصابات جسيمة أو عاهات مستديمة... إلخ. وللقضاء سلطة تقدير كل حالة على حدة. فإن تبيَّن للقاضي أن استمرار الزواج فيه ضرر بالغ للزوجة لا يُستطاع معه العشرة الطيبة فإنه يحكم لها بالتطليق رفعًا للضرر عنها وحماية لها من الوقوع فى الفتنة. ويصدر الحكم بالتطليق ولو بدون موافقة الزوج على الطلاق. وهكذا نرى أن الإسلام يعطى المرأة حق طلب التطليق فى حالات كثيرة، فليس الطلاق بيد الرجل وحده كما يزعم الخصوم.



    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    العصمة بيدها:
    وهناك حالة يتجاهلها - أو يجهلها - الخصوم، وهى حالة اشتراط الزوجة أن تكون العصمة - حق التطليق - بيدها. فإذا وافق الرجل على إدراج هذا الشرط فى عقد الزواج فإنه يلتزم بالوفاء به لقوله تعالى: ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ الآية الأولى من سورة المائدة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحق الشروط أن تُوفوا بها ما استحللتم به الفروج"؛ رواه البخاري ومسلم. فإذا اشترطت المرأة أن يكون تقرير الطلاق من عدمه بيدها هي فإنها تستطيع تطليق نفسها فى أى وقت بدون موافقة أو رغبة الزوج، ولا يملك منعها، لأنه يعتبر متنازلاً لها عن الحق فى توقيع الطلاق. وأساس ذلك ما قرره الفقهاء من أنه: "يجوز للزوج أن يوكِّل من يُطلِّق عنه سواء كان الوكيل أجنبيًّا أو كانت الزوجة، فيجوز أن يُوكِّلها فيه، ويجعل أمرها بيدها، فيقوم الوكيل مقامه" انتهى[23]. أما لو لم تضع المرأة هذا الشرط فى عقد الزواج، فإن ذلك يعنى بوضوح أنها قبلت الزواج بكل أحكامه ومنها أن الطلاق بيد الرجل. ويظل لها - كما ذكرنا - أن تطلب الطلاق أيضًا فى كل حالة يقع عليها فيها ضرر جسيم تستحيل معه العشرة بالمعروف... فماذا يمكن أن يقدم التشريع للمرأة أكثر من ذلك؟!!


    الخُلْع:
    وكذلك انفرد الإسلام قبل 14 قرنًا من الزمان بإعطاء المرأة الحق فى الانفصال وإنهاء العلاقة الزوجية ولو لم يكن هناك أى إضرار بها،ولها هذا الحق ولو لم يقعأي خطأ من جانب الزوج أو بدون وجود عيب فيه. وكل ما هو مطلوب منها فى هذه الحالة أن ترد إليه ما دفعه لها من مهر فقطلا غير بلا زيادة أو نقصان. ويُعرف هذا بنظام "الخُلْع". والمرأة هنا تطلب الانفصال عن زوج لم يرتكب ذنبًا ولا عيب فيه، فالعدل كل العدل أن ترد إليه ما دفعه من مهر مقابل حصولها على حريتها.


    وأساس إباحة الخُلع قوله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[البقرة: 229]. قال الشوكانى: "المعنى: لا جناح على الرجل فى الأخذ، ولا جناح على المرأة فى الإعطاء ببذل شىء من المال يرضى به الزوج فيطلقها لأجله، وهذا هو الخُلع، وقد ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك" انتهى[24].

    ولا يجوز للزوج هنا أن يأخذ منها أكثر مما كان قد دفعه لها لما رواه ابن ماجه فى قصة خلع زوجة ثابت بن قيس: "فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ حديقته التى كان أعطاها لها كمهر ولايزداد". وفى رواية البيهقى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لها عندما طلبت الانفصال عن ثابت بن قيس: "أتردين عليه حديقته التى أصدقك" أي: التي أعطاك إياها مهرًا، فقالت المرأة: نعم وزيادة، فقال لها - عليه السلام -: "أما الزيادة من مالك فلا". وفى رواية ثانية للبيهقى أيضًا عن عطاء: "كره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ - الزوج - من المختلعة أكثر مما أعطاها". وحديث المختلعة كما رواه البخارى والنسائى وابن ماجه وابن مردويه والبيهقى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن جميلة بنت أُبِّى بن سلول امرأة ثابت بن قيس بن شمَّاس قالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه فى خلق ولا دين، ولكن لا أطيقه بُغضًا، وأكره الكفر فى الإسلام، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم. فقال - عليه السلام - لثابت: "اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقة". والحديث موجود فى كل كتب التفسير والسير والسنن والفقه. وهو قاطع الدلالة على أن من حق الزوجة طلب الانفصال - الخُلع - مقابل رد المهر إلى الزوج؛ لأنها هي الراغبة في الانفصال وليس هو، كما أن الفرض هنا أنها لا تجد سببًا لذلك سوى أنها تكره زوجها ولا تحبه بغير خطأ منه أو ذنب له. ومما فعله - عليه السلام - نستنبط أن على القضاء إجابتها إلى الخُلع وتطليقها دون اعتبار لاعتراض الزوج أو رغبته فى إمساكها.


    وهنا نلاحظ أن النبى - عليه السلام - أمر الزوج باسترداد المهر فقط بلا زيادة، وأن يُطلِّقها، فلا خير له فى الحياة مع مَن تكرهه. ومَن هو هذا الزوج؟ إنه الصحابي الجليل ثابت بن قيس الذى كان من أكابر الأنصار وساداتهم وأكثرهم علمًا وتقوى وفصاحة حتى كانوا يلقِّبونه بخطيب الأنصار[25]، وشهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - له بالجنَّة في حديث رواه مسلم والهيثمى فى مجمع الزوائد وعبد الرزاق وابن كثير، ولفظه عند الحاكم أن النبى - عليه السلام - قال له: "يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدًا، وتُقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟". وبالفعل استشهد - رضي الله عنه - في موقعة اليمامة فى عهد أبى بكر - رضي الله عن الجميع - وفى حديث ثان قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "نعم الرجل ثابت بن قيس"؛ رواه الحاكم في المستدرك والترمذي والبخاري في مناقب الأنصار والذهبي في ترجمته لثابت بن قيس - رضي الله عنه.


    وإذا كان لنا من تعليق فإننا نقول إن مثل ثابت - رضي الله عنه - خير من ملء الأرض من تلك الزوجة المختلعة، ولا نظن أنها وجدت بعده مَن هو خير منه، ولولا أن هذا الصحابى العظيم تزوَّجها لما ورد لها أى ذكر فى كتب التاريخ والإسلاميات، وإنه لشرف عظيم لها ولقومها ونعمة كبرى حُرمت منها أنها كانت قرينة مثل هذا السيد من سادات الإسلام ولو لبضع سنين.


    لكن الإسلام العظيم لا يفرض عليها الحياة معه، فلها حق الخُلع ولو كان قرارها خاطئًا بلا جدال.


    وقد صرَّحت إحدى الروايات عند البخارى بأن المختلعة كانت أخت عبد الله بن أُبِّى بن سلول رأس النفاق وزعيم المنافقين فى المدينة، كما صرَّحت روايات أخرى بأن تلك المختلعة ذكرت سبب كراهيتها لذلك الزوج العظيم خطيب الأنصار المشهود له بالجنة لأنه كان قصيرًا أسود اللون!! وقالت المرأة فى رواية لابن عباس: "إني رفعت جانب الخباء - الخيمة - فرأيته أقبل فى عِدَّة - عدد من الناس - فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا"!! ومتى كان للشكل الخارجى دور فى تقدير ووزن معادن الرجال؟!! ثم أنها ارتكبت معصية مؤكدة حيث إنها لم تلتزم بالأمر الإلهى بغض البصر، وراحت تطيل النظر إلى رجال غرباء وتقارن بينهم وبين زوجها!! وكان عليها أن تلتزم بالحياء وأن تغض بصرها. ومع كل هذا لم تخجل من ذكر ما فعلته من النظر إلى رجال غرباء!! إن الجمال الظاهرى لا يدوم ولا قيمة له بالمقارنة بجمالالدين والروح والطهارة والشجاعة ومكارم الأخلاق، وقد كان للزوج ثابت بن قيس - رضي الله عنه - من كل ذلك أوفر نصيب!! وهل تطلب عاقلة - فضلاً عن تقية - الانفصال عن صحابى من السابقين وزعيم مُفَوَّه وسيد مُقدم من سادات العرب والعجم أخبر عنه الصادق الأمين أنه حميد شهيد ثم هو فى الجنة؟!! ثم أنه كان كريمًا سخيًّا بدليل أنه أعطاها حديقة كبيرة - مهرًا - وكان غيره لا يزيد على دراهم معدودات فى المهر. ورغم كل ذلك أمره النبى - صلى الله عليه وسلم - بتطليقها مقابل استرداد مهره، فلا خير لها فى العيش مع من تكرهه. كما أنه لا خير لهذا الصحابى الجليل- على الإطلاق - فى إمساك مثل هذه الزوجة التى تهتم بالمظهر دون الجوهر فضلاً عن بُغضها الشنيع له[26].


    قصة بُريرة:
    "بُريرة" هي الجارية التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته عائشة أن تعتقها بعد أن اشترتها من مالكها. وكان زوج بريرة عبدًا اسمه مُغيث، وحصلت زوجته بُريرة على حريتها بالعتق قبله، فخيَّرها النبي عليه السلام بعد العتق بين البقاء مع مُغيث أو الانفصال عنه - الفسخ بسبب العتق - فاختارت الفسخ لأنها كانت تكرهه. وأورد البخاري قصتها تحت عنوان: "باب شفاعة النبى - صلى الله عليه وسلم - في زوج بُريرة". وذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - في الحديث عن مُغيث زوجها أنه كان يمشى خلفها في طرقات المدينة يبكى وتسيل دموعه على لحيته لأنها فارقته! وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس: "يا عباس ألا تعجب من حُبِّ مُغيث بريرة ومن بُغض بريرة مُغيثًا؟!!" وفى رواية أبى داود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لبُريرة: "يا بُريرة اتقِ الله فإنه زوجك وأبو ولدك" فقالت: يا رسول الله أتأمرنى بذلك؟ قال: "لا. إنما أنا شافع"، فرفضت بُريرة البقاء معه بعد أن أعتقتها السيدة عائشة - رضي الله عنها - وفى رواية البخارى قالت: "لا حاجة لى فيه"[27].


    ونرى أن قصة "بُريرة" تُلَخِّص تمامًا وبكل وضوح ما قدَّمه الإسلام للمرأة:
    فماذا كانت "بريرة" قبل الإسلام؟ مجرد جارية تُباع فى السوق ببضعة دنانير أو دراهم،تنتقل من سيد إلى آخر بلا إرادة منها ولا حول ولا طول، يضاجعها سيدها وقتما يشاء أو يأمرها بمضاجعة ضيوفه تكريمًا لهم رغم أنفها، أو يُجْبِرَها على ممارسة الدعارة كسبًا للمال، يُطعمها الفتات، ويبيعها أو يقتلها بلا حساب أو عقاب من أحد.


    وجاء الإسلام فحررها من هذا الهوان. ردَّ إليها إنسانيتها المُهدرة وكرامتها وحريتها، ثم أعطاها الحق فى اختيار زوجها بعد العتق؛ لأنها تبدأ حياة جديدة مع الحرية والإسلام، وربما كان سيدها السابق هو الذى أجبرها على هذه الزيجة لتنجب كثيرًا من الأطفال ليصبحوا عبيدًا له بدورهم - كما كانوا يفعلون - فمن الرحمة والعدل أن تسترد بعد تحريرها كل حقوقها، ومنها حقها المشروع فى اختيار زوجها شريك حياتها ووالد أطفالها.


    وقصة بُريرة تُثبت بوضوح ويقين أن الإسلام أعطى المرأة أيضًا الحق في التعبير وحرية الرأى والتقاضي على أوسع نطاق ممكن لأول مرة فى تاريخ البشرية.


    ونتأمل حوارها مع النبى صلى الله عليه وسلم ونتساءل: أكانت أية جارية - أو حُرَّة - تتجرأ فى ذلك الوقت أو قبله أو بعده على الدخول - مجرد الدخول - إلى مجلس ملك من ملوك الأرض - كسرى أو قيصر مثلا - فضلاً عن الكلام معه أو مجادلته ثم رفض الاستجابة إلى شفاعته؟!!


    وانظر إلى صاحب الخلق العظيم سيد ولد آدم الذى بلغ من نُبله وكرمه وتواضعه أن تناقشه من كانت -منذ لحظات- جارية اشترتها زوجته وأعتقتها. ثم هو لا يُوجِّه إليها أمرًا بالبقاء مع زوجها العبد أو معاشرته بالقوة، بل يقول بكل لطف ومودة أنه: "شافع" أي: يتوسط في الخير حرصًا على كيان أسرتها وأطفالها الذين هم أطفال مُغيث فى ذات الوقت.


    ويصل الحوار إلى ذروته فترفض الجارية التى تحررت- منذ دقائق فحسب- شفاعة سيد الأولين والآخرين عليه السلام فلا ينهرها، ولا يضربها، ولا يأمر بقتلها أو سجنها، بل يُقِرها على ما تريد، ولا يزيد على ملاطفة عمه العبَّاس الجالس معه لافتًا انتباهه إلى المفارقة العجيبة بين حُب زوجها لها وكراهيتها الشديدة له!! وصدق فيه قول ربنا - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].


    [1] Laurence Stone, Road to Divorce - England 1530 - 1987, Oxford University Press (1990).

    [2] Fredric R. Coudert, Jr., Marriage and Divorce Laws in Europe, A study in comparative Legislation, first published in 1893, press of Levingston Middelditch Co., NY.

    [3] Anna Ward et al., Woman and Citizenship in Europe, Trentham Boosk and EFSF (1992).

    [4] Archana Paashar, Women and Family Laws Reform in India, Sage Publications - New Delhi (1992).

    [5] Antony Copley, Sexual Moralities in France 1780-1980, Routledge - London (1990).

    [6] Gerald Leslei, Marriage in a Changing World Edition, John Wiley & sons (1980).

    [7] Pal B.K., Problems and Concens of Indian Woman, ABC Publishing House, New Delhi (1986).

    [8] Shiv Sahai Singh, Unification of Divorce Laws in India, Deen & Deep Publications, New Delhi (1993).

    [9] Marc J.N.C. Keirs, New Prespectives for the effective Treatment of preterm labour, Am J. Obstet Gynecol.
    والمراجع الأجنبية مشار إليها أيضا عند الدكتور حافظ يوسف فى كتابه "اليقين الإسلامي" ص 337 وما بعدها - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة.

    [10] المنتخب في تفسير القرآن الكريم - تأليف عدد من علماء الأزهر الشريف - ص 132 - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر.

    [11] فتح القدير - الشوكانى - الجزء الأول ص 708 - طبعة دار الوفاء - مصر.

    [12] أخرجه الطبرانى وابن حاتم فى تفسيريهما.

    [13] سبل السلام - الصنعانى - كتاب الطلاق - ص 598 - طبعة دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

    [14] المرجع السابق - ص 600 وما بعدها.

    [15] تفسير النسفى - ج1 ص115 - طبعة دار إحياء الكتب العربية.

    [16] فتح القدير - الشوكانى - الجزء الأول - ص 414-415 - طبعة دار الوفاء - مصر.

    [17] المنتخب فى تفسير القرآن الكريم - ص 63 - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة - مصر.

    [18] سبل السلام - الصنعانى - من ص 601 إلى 604 - طبعة دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

    [19] الملخص الفقهى - د.صالح بن فوزان الفوزان - ص 701 وما بعدها - طبعة دار الآثار - القاهرة - مصر.

    [20] انظر الكلام عن المجادلة والظهار فى الفصل الثانى من هذا الكتاب.

    [21] حاشية الروض المربع (6/438).

    [22] زاد المعاد - ابن القيم-(5/166) بتصرف.

    [23] الملخص الفقهى - د. صالح بن فوزان الفوزان - ص 694 - طبعة دار الآثار - مصر.

    [24] فتح القدير - الشوكانى - الجزء الأول - ص 415.

    [25] انظر ترجمة ثابت بن قيس فى سير أعلام النبلاء للذهبى - الجزء الأول ص 308 - طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت.

    [26] سبل السلام - الصنعانى - ص 597.

    [27] الحديث عند البخارى ومسلم وأبو داود وغيرهم, وهو موجود فى كل كتب الفقه فى باب تخيير الحُرَّة عند العتق وفى باب الولاء لمن أعتق وفى كتاب الطلاق وغيرها من الأبواب.


    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل السابع

    الحقوق المالية


    كل مَن يدرس الحقوق المالية للمرأة فى الإسلام - بتجرد وحياد- لا بدأن يعترف بأنه ليس فى الإمكان وضع قواعد أكثر عدلاً وإنصافًا ورحمة من تلك التى جاءت بها الشريعة الإسلامية... فها هو ذا مفكر هندى غير مسلم درس كل القوانين والقواعد المنظمة لشؤون الأسرة في بلاده ذات الأعراق واللغات والديانات المختلفة. وبعد مقارنة كل القواعد فى كل المذاهب والديانات قال الدكتور أرشانا باشار: "لا يمكن إنكار أن نظام المواريث الإسلامى الذى حددته ثلاث آيات فقط فى القرآن كان رائدًا فى إدخال المرأة والطفل ضمن قائمة الورثة لأوَّل مرة في العالم كله". انتهى[1].


    ويكفى أن نشير أولاً إلى أن النساء فى الغرب ما زلن يكافحن للحصول على أجور متساوية مع أجور الرجال عن ذات الأعمال المتشابهة فى كل شيء. ففي الولايات المتحدة تطالب الجمعيات النسائية حتى الآن - 2009م - بإعطاء العاملات الأمريكيات أجورًا متساوية مع أجور الرجال عن ذات الأعمال، وكان هذا أحد الوعود الانتخابية للمرشح باراك أوباما، ولم تتحقق مساواتهن فى الأجور حتى لحظة كتابة هذه السطور!! وذات الحال فى معظم دول أوروبا حتى الآن!!


    وثانيًا: لم تكن للمرأة فى الغرب ذمة مالية منفصلة عن ذمة الزوج، وظل هذا الوضع قائمًا حتى منتصف القرن العشرين، فكانت أموالها تذهب إلى الزوج بمجرد إبرام الزواج... ولم يكن مالها فقط بل تفقد حتى اسمها!! وما زالت المرأة في الغرب حتى الآن تحمل لقب واسم عائلة زوجها بدلاً من أبيها!! مثلاً: هيلارى وزير خارجية أمريكا ينادونها هيلارى كلينتون، وهو لقب زوجها بيل كلينتون وليس لقب أبيها الذى أنجبها!! أما في الإسلام فلا يجوز أن تنسب لغير أبيها ولا تفقد اسمها ولا مالها بالزواج.


    وحتى في نظام الوصية اضطرت دول كثيرة فى عصرنا إلى الأخذ بمبدأ التدخل التشريعى للحد من مقدار المال الذى تجوز الوصية به حرصًا على حقوق أقارب الموصى وخاصة أطفاله وأبويه وزوجته. والمعروف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدد القدر الذي تجوز الوصية فيه بالثلث لا أكثر. فالحد الأقصى لنفاذ الوصية لا يتجاوز بأى حال ثلث التركة، وما زاد على الثلث لا ينفذ إلا برضا الورثة.


    عن سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - قال: "قلت يا رسول الله أنا ذو مال ولايرثنى إلا ابنة لى واحدة، فأتصدق بثلثي مالي؟ قال عليه السلام: لا، قلت: فأتصدق بشطره - بنصفه؟ قال: لا، قلت فأتصدق بثلثه؟ قال عليه السلام:"الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" متفق عليه. وهكذا ينهى عليه السلام عن الوصية بأكثر من الثلث حرصًا على مستقبل الورثة وخاصة الأطفال الصغار والأرملة والأبوين الطاعنين فى السن. وأوضح - عليه السلام - أن تركهم أغنياء بما يرثون خير وأفضل قطعًا من أن يوصى مورثهم بكل التركة أو معظمها لغيرهم ويتركهم فقراء محتاجين يتسوَّلون الطعام والملابس من الناس.


    وأبلغ وأقوى دليل على عظمة هذا التشريع الذى جاء به الإسلام منذ أكثر من 14 قرنًا أن دولاً عديدة في عصرنا اضطرت إلى الأخذ بهذا المبدأ. ومثال ذلك فرنسا التى اضطرت إلى إصدار قانون عام 1972م - منذ 37 عامًا فقط - يأخذ بمبدأ تحديد مقدار الوصية المسموح بها للحفاظ على حقوق الورثة[2]. وسبب صدور القانون هو ما لوحظ من انتشار ظاهرة التوصية بمعظم التركة أو كل التركة للعشيقات الفرنسيات دون الأولاد والزوجات، أو وجود خلافات زوجية أو عائلية طاحنة تتسبَّب في رغبة الكيد للزوج أو الأولاد العاقين مثلاً، فيوصى المورث لآخرين بالتركة انتقامًا منهم. وقد أخذوا أيضًا بقاعدة الوصية وتسديد الديون أولاً ثم توزيع باقى التركة على الورثة، وهى التي وردت في قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء: 11]. واقتباس فرنسا ودول أخرى كثيرة لما جاءت به الشريعة الإسلامية -مبدأ وضع حد أقصى لمقدار الوصية حرصًا على حقوق الورثة- يثبت ما قلناه ونقوله دائمًا وهو: أنه لا يمكن لبشر الإتيان بأفضل من الحلول التى جاء بها الإسلام، ولو لم يفهم البعض أسرارها أو أسبابها، فسوف تأتى أجيال أخرى تكتشف الأسرار الإلهية والأسباب المنطقية للشرع الحكيم.


    ورغم أنهم أخذوا فى فرنسا بهذا الجزء الخاص بتحديد الوصية إلا أن القانون الفرنسى ما تزال به ثغرة خطيرة هائلة حتى الآن. وإنها لصفعة مدوية على وجوه الحاقدين عندما يعلمون أن فرنسا - أم القوانين والحريات المزعومة- لا تعطى نصيبًا فى باقى التركة - بعد الوصية - للزوجة ولو كانت قد أفنت عمرها وشبابها مع المورث وأنفقت عليه كل مدخراتها!! في قلب أوروبا المعاصرة وفى باريس - عاصمة النور المزعومة - تمضى مئات الألوف من العجائز والأرامل ما تبقى لهن من عمر بائس يتكفَّفن العيش، ويتعرَّضن للشقاء والذل والمهانة - أواخر العمر-في سن الشيخوخة والمرض؛ لأن القانون الفرنسى لا يعطيهن نصيبًا فى الباقى من الميراث بعد تنفيذ الوصايا. وغالبًا ما تكون الوصايا للعشيقات والأولاد غير الشرعيين، بينما الأرامل اللاتى أنفقن كل ما يملكن، وبذلن زهرة العمر للأولاد والزوج الهالك لا يحصلن على فرنك واحد من كل التركة ولو بلغت الملايين! ويحاول أئمة الضلال والتضليل الزعم بأن سبب ذلك هو أن القانون الفرنسى يعطى الأولوية لقرابة الدم وليس لرابطة الزوجية!! وهذا وجه آخر يثبت عظمة الإسلام الذى يعطى كل ذى حق حقه، ويوازن بحكمة بالغة بين الحقوق، فيحصل كل من الورثة على قدر معلوم يناسبه ولا يحرم أحدًا كما يفعلون!!


    وكان أقصى ما حصلت عليه الحركة النسائية فى فرنسا، واعتبروه نصرًا فى عام 1965م حين نجحت النساء فى الحصول على حق فتح حساب مستقل فى البنك والحق فى إدارة محل تجارى بدون موافقة الزوج!! ولم يتذكر أحد هناك أن الإسلام قد أعطى المرأة المسلمة هذا الحق قبل الفرنسيات بألف وأربعمائة سنة.


    وفى انجلترا أو ما كانوا يسمونها "بريطانيا العظمى" كان الزوج يسيطر على كل ممتلكات زوجته وإيراداتها الحالية والمستقبلية حتى فى حال الانفصال. وكما يقول الدكتور حافظ يوسف: "كانت الأُسَر البريطانية تعتبر ما تحصل عليه البنت نصيبًا ضائعًا من ممتلكات الأسرة، وكان كثير من الأزواج هناك ينفقون أموال زوجاتهم على العشيقات"!!! ولم يصدر تعديل كامل للقانون لرفع هذا الظلم عن المرأة الانجليزية إلا فى عام 1949م.أي أنه في منتصف القرن العشرين فقط أصبحت للمرأة الانجليزية ذمة مالية منفصلة عن زوجها لأول مرة فى تاريخ بريطانيا، وحصلت كذلك على حرية في التصرفات المالية.


    وبالنسبة للمواريث كانت القاعدة العامة هى أن يوصى الرجل بكل ثروته لمن يشاء. وكثير من الرجال كان يوصى بكل ثروته للأجانب ويحرم زوجته وأطفاله منها. ولم يتغير هذا الوضع الشاذ فى انجلترا حتى عام 1938م حيث أصبح للورثة الحق فى مطالبة القضاء بتوزيع عادل للتركة. وكان المبدأ المعمول به هناك هو أن الابن البكر يرث كل الأرض مع استبعاد البنات وحتى الذكور الصغار!!


    لاحظ التشابه فى هذا بين الإنجليز فى قلب أوروبا وعرب الجاهلية فى صحراء الجزيرة قبل الإسلام، فكلا الجانبين كان يحرم الإناث والصغار بدعوى عدم قدرتهم على المساهمة فى حماية الممتلكات والقتال دفاعًا عنها وعن القبيلة!! وحتى عام 1926م ظل الذكور مُفَضَّلون على الإناث فى الميراث، كما ظل الولد البكر مُقَدَّمًا على إخوته الصغار. فإذا توفى الابن البكر قبل أبيه المورث، فإن أولاد هذا البكر يُفَضَّلون على عمهم الأصغر، وهذا كله فى بريطانيا أحد معاقل المسيحية في العالم!!!


    وإذا لم يكن للمتوفى أبناء ولا أب، يُفَضَّل الذكور من الأعمام وخاصة الأكبر!! وتقول إحصائيات انجليزية أنه فى شرق يوركشاير حصلت النساء على 5% فقط من إجمالى التركات الموزعة فى الفترة من 1530م حتى 1919م؛ لأن أملاك المرأة تذهب إلى الزوج بمجرد إبرام عقد الزواج، كما أن الذكر غير الشقيق كان مفضلاً على ابنة صاحب التركة!!!


    وقد أخذت أسبانيا حتى اليوم بمبدأ تحديد مقدار الوصية بالثلث كحد أقصى، وتلك شهادة فى حد ذاتها لصالح التشريع الإسلامي. لكنهم لم يمضوا على طريق العدالة حتى نهايته، إذ يحصل الأبوان على تركة ابنهما بعد خصم الوصية فى حالة عدم وجود أبناء للمتوفى، وإذا لم يكن قد أوصى للزوجة بشىء فإنه ليس لها إلا حق الانتفاع - وليست ملكية كاملة - ببعض الممتلكات!!


    ويرى الباحث بونفيلد أن الأسر الثرية فى أوروبا كلها كانت تأخذ بمبدأ تفضيل الابن البكر فى الإرث كله بدرجات متفاوتة؛ كي تحافظ على نفسها، وأن ما تطورت إليه قوانين المواريث الآن فى أوروبا لا يختلف كثيرًا عما ذهب إليه التشريع الإسلامى إلا فى القليل، وأن مؤتمرًا عقد فى هامبورج عام 1985م أظهر المأزق التشريعى فى أوروبا، لعدم الموازنة بين حقوق أفراد الأسرة على اختلاف درجاتهم، وبين التقاليد الأوروبية المتأصلة فى نظام المواريث[3].


    وفى الصين أكبر دولة فى العالم - 1500 مليون نسمة - كانت القاعدة الدائمة هناك هى استبعاد الإناث وكل أبنائهن وبناتهن من المواريث، ويحصل الذكور فقط الذين هم من نسل الجد الأكبر ويحملون اسمه على كل التركة. ولا ترث الأرملة شيئًا بل تحصل على ترضية قليلة المقدار!! وظل هذا الوضع ساريًا هناك حتى عام 1931م[4].
    عدالة الإسلام



    أما في الإسلام فنلاحظ أن: "أنصبة الوارثين والوارثات فى الإسلام تحكمها ثلاثة معايير:
    أولها: درجة القرابة بين الوارث - ذكرًا كان أم أنثى - وبين المُوَرِّث - المتوفَّى - فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب فى الميراث، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث، دون اعتبار لجنس الوارثين.


    وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، يكون نصيبهافي الميراث- عادة- أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها مفروضة على غيرها، بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. فبنت المتوفَّى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - بل وترث البنت أكثر من الأب! حتى لو كانت رضيعة لم تعرف شكل أبيها، حتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها! وكذلك يرث الابن أكثر من الأب وكلاهما من الذكور!.


    وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين! وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق.


    وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين... وهذا هو المعيار الوحيد الذى يُثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى... لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها... بل ربما كان العكس هو الصحيح!


    ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة... واتفق وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى، ذكورًا وإناثًا - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث... ولذلك، لم يعمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ[النساء: 11]، ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة في هذا التفاوت، في هذه الحالة بالذات، هي أن الذكر هنا مكلَّف بإعالة أنثى - هى زوجته - مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة - أخته- إعالتها، مع أولادها، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي - مع هذا النقص فى ميراثها - بالنسبة لأخيها الذى ورث ضعف ميراثها - أكثر حظًّا وامتيازًا منه فى الميراث.. فميراثها - مع إعفائها من الإنفاق الواجب - هو ذمة مالية خالصة ومُدَّخرة، لجبر الضعف الأنثوي، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين.." انتهى[5].


    وهناك مغالطة سافرة من أعداء الإسلام تتمثل فى محاولة التركيزعلى حالات زيادة نصيب الذكر على نصيب الأنثى فى الميراث، وتجاهل الحالات الأخرى التى يتساوى فيها نصيب كل من الرجل والمرأة مثل حالة الإخوة والأخوات لأم فى حالة عدم وجود أصول أو فروع.


    بل إن هناك حالات عديدة يزيد فيها نصيب المرأة على نصيب الرجل، وقد يُمنع الذكر من الميراث تمامًا بينما ترث الأنثى فى حالات أخرى. ولعل الكثيرين لا يعلمون كذلك أن هناك حالات تَحْجُب المرأة فيها الرجل تمامًا فلا يرث شيئًا من التركة بسبب وجودها. وحتى من الناحية العددية فإن الأرقام تحسب لصالح الإسلام العظيم وليس ضده. إذ يبلغ عدد الحالات التى ترث المرأة فيها أكثر من الرجل أو تحجبه عن الميراث كلية أو تتساوى معه ثلاثين حالة من حالات المواريث، بينما يزيد نصيب الرجل على نصيب المرأة فى أربع حالات فقط من كل حالات الميراث!! فهل يحاكمون الإسلام بسبب 4 حالات فقط بينما يتجاهلون ثلاثين حالة تحظى فيها النساء بنصيب أوفر أو متساوٍ أو حتى تمنع الرجل فيها من الميراث؟!


    وعلى سبيل المثال: إذا مات شخص عن بنتين وأم و3 إخوة ذكور، فإن البنتين ترثان الثلثين وحدهما وتحصل الأم على السدس، ولا يتبقى لإخوته الذكور مجتمعين سوى سدس التركة فقط!! ونلاحظ هنا أن كل بنت حصلت وحدها على ضعف نصيب أعمامها الذكور مجتمعين رغم أنها امرأة وهم رجال!! وقد ترث الأنثى كل التركة ولا يرث الذكر شيئًا إن كان قاتلاً لمورثه، لأنه لا ميراث للقاتل، أو كان يدين بدين آخر غير دين المورث بينما الأنثى تشترك مع المورث فى ذات الدين، لأن اختلاف الدين يمنع الولد من الميراث هنا.


    ثم إنهم يتجاهلون أن الإسلام يفرض على الرجل أعباء مالية يعفى منها المرأة تمامًا، فلا تساهم فيها ولو كانت غنية اللهم إلا إذا رغبت هى فى ذلك أملاً فى ثواب الله ورحمته على سبيل التطوُّع وليس الإلزام. فالمرأة ينفق عليها الرجل منذ ولادتها كابنة، ويظل الأب هو الذى ينفق عليها حتى تتزوج، فتنتقل مسؤولية الإنفاق عليها وعلى أولادها إلى رجل آخر هو زوجها ولو كانت غنية وهو فقير. فإذا كان الرجل هو المسئول عن الإنفاق على الأسرة، فإنه يكون من الطبيعى إذًا أن يحصل على ضعف نصيب أخته من الميراث؛ لأنه ينفق على بيته، أمَّا هي فإن المُكَلَّف شرعًا بالإنفاق عليها هو زوجها. وهكذا تحتفظ هى بما ورثته عن أبيها كاملاً، بينما ينفق أخوها ما ورثه من أبيه على الأسرة. ولو مات زوجها ولم يكن عندها ما يكفى من مال لنفقتها، فإن المسؤولية عن الإنفاق عليها ترجع إلى أخيها ثانية إن كان موسرًا. وهكذا يمكن فى هذه الحالة أن ينفق عليها الأخ ربما أكثر مما ورثه عن أبيه، فمن يكون هو الرابح فى مثل هذه الأحوال؟ أليست هي المرأة المُعَزَّزة المُكَرَّمة التى يظل الرجال دائمًا ينفقون عليها سواء كان الأب أو الزوج أو الأخ عند وفاة الأب، أو الابن إن كان كبيرًا موسرًا؟!!


    وهذا كله في حالة ما إذا ترك المورث مالاً لورثته.


    ولكن ماذا عن ملايين الحالات التى يتوفى فيها الأب الفقير دون أن يترك شيئًا؟!
    هنا يفرض الإسلام على الذكور القادرين الإنفاق على إناث الأسرة من أمهات وجَدَّات وبنات وأخوات وزوجات وعمات وخالات أيضًا إن لم يكن لهن مال يكفيهن. فلماذا لا يذكر الخصوم هذه الحالات وهى الأكثر فى عالم به أكثر من مليار فقير؟!!


    وكذلك يلزم الإسلام الرجل بدفع المهر إلى الزوجة، وليس كما هو الحال عند غير المسلمين من الهندوس وأغلب أنحاء أوروبا إلى عهد قريب، حيث يلزمون أهل المخطوبة بدفع مبالغ طائلة إلى الخاطب - الدوطة - ليقبل الزواج من ابنتهم!!


    وما زالت هذه التقاليد الظالمة موجودة فى الهند حتى الآن، وتتسبب في حرمان عشرات الملايين من بنات الأسر الفقيرة من الزواج... فأين هذا من رحمة وعظمة الإسلام؟!


    عطية من الله


    قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾[النساء: 4]. قال ابن عباس: يعنى بالنِحْلة: المهر، وقالت السيدة عائشة: النحلة هي الواجبة، وقال ابن جريج: المهر نِحْلة أي: فريضة مسماة. انتهى[6].


    ونقل الإمام البغوى فى تفسيره "معالم التنزيل" مقولة الكلبي ومجاهد: "هذا الخطاب للأولياء، وذلك أنَّ وَليَّ المرأة كان إذا زوَّجها،فإن كانت معهم في العشيرة لم يُعْطِها من مهرها قليلاً ولا كثيرًا، وإن كان زوجها غريبًا حملوها إليه على بعير ولم يعطوها من مهرها غير ذلك، فنهاهم الله عن ذلك،وأمرهم أن يدفعوا الحق إلى أهله. وقال الحضرمي: كان أولياء النساء يُعطي هذا أُختَه على أن يعطيه الآخرُ أُخته، ولا مهرَ بينهما، فنُهوا عن ذلك وأُمروا بتسميةِ المهر في العقد.انتهى.


    وقال آخرون: النِّحْلة هي العطية، وعلى ذلك يكون المهر عطية من الله للمرأة. وقال أصحاب "المنتخب في التفسير": أن معنى الآية هو: "وأعطوا النساء مهورهن عطية خالصة وليس لكم - أي الرجال - حق فى شىء من هذه المهور" انتهى[7].


    وإذا كان الأمر بدفع المهر إلى المرأة صريحًا وقاطعًا فى الآية، فإنها أضافت إلى ذلك نهيًا عن أخذ شىء منها بدون رضاها وذلك فى قوله - تعالى - بذات الآية: ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء: 4].


    والمعنى كما ذكر أصحاب "المنتخب": "فإن طابت نفوسهن بالنزول عن شىء من المهر - لزوجها أو لوليها - فخذوه وانتفعوا به طيبًا محمود العاقبة" انتهى.


    وقد تكرَّر النهى الصريح عن الاستيلاء على المهر أو اغتصاب شيء من أموال المرأة فى العديد من الآيات.


    قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ[النساء: 19]. وقالت الآية التى تليها مباشرة: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20]، قال الشوكانىفي "فتح القدير": هذا الكلام متَّصل بما تقدم قبله من ذكر الزوجات والمقصود نفى الظلم عنهن، والخطاب للأولياء، وقيل: الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعًا فى إرثهن أو ليفتدين ببعض مهورهن... والأَوْلى أن يقال أن الخطاب للمسلمين جميعًا أي: لا يحل لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم، أي: تحبسوهن عندكم مع عدم رغبتكم فيهن، بقصد أن تستولوا على بعض مهورهن مقابل تطليقهن" انتهى.


    ولا يوجد أروع ولا أوضح من هذا الكلام الذي قاله ذلك العالم الجليل وغيره من علماء السلف منذ مئات السنين لبيان كيف يحمى الإسلام حقوق النساء.


    وهكذا فرض القرآن الكريم على الرجال دفع المهر للزوجات، ونهى وحرَّم أشد التحريم ممارسة أية ضغوط أو إكراه بدنى أو معنوى على المرأة للتنازل عنه كله أو بعضه. وقد ثبت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر مَن يريد الزواج بدفع مهر للزوجة.ففي حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - في قصة التي وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يُجبها: "فقال رجل: زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك فيها حاجة". وفى الحديث أن النبى قال له: "التمس ولو خاتمًا من حديد" أي: كمهر تدفعه لها. رواه البخاري ومسلم. وروى أبو داود أن النبى صلى الله عليه وسلم منع عليًّا من الدخول بفاطمة - رضي الله عنهما - حتى يعطيها شيئًا، فقال على: يا رسول الله ليس لى شي، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: "أعطها درعك الحطمية" فأعطاها درعه ثم دخل بها. وكما نرى فالدرع زهيدة القيمة، وفاطمة لا تحتاجها بل أعطتها لعلى ليرتديها فى الحروب بعد ذلك! لكن النبي - عليه السلام - يعلِّمنا أنه لا بد من المهر وإن قلَّ، ويُعْلِّم النساء أيضًا عدم المغالاة فى المهور تيسيرًا للزواج. وروى عنه أحمد والحاكم والبيهقى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة".


    ولهذا الهدى الشريف قيمة عظمى فى مكافحة العنوسة التى تفشَّت الآن كما نرى، لأن تقليل المهور يحقق مصلحة مؤكدة للنساء فى عدم تفويت فرصة الزواج بسبب عجز الرجال عن دفع مهور باهظة.


    وفى حالة الطلاق يفرض الإسلام على الزوج أن يدفع لمطلقته المدخول بها مهرها كاملاً، كما يدفع لها نفقة العدة، وتشمل كل ما يلزمها من طعام وشراب وثياب ومسكن طوال فترة العدة التى تلى الطلاق؛ لأنه هو السبب فى احتباسها طوال تلك الفترة التى لا تستطيع أن تتزوَّج خلالها من شخص آخر ينفق عليها بدلاً من الأول. وكل نفقات ومصروفات الأولاد على الأب سواء خلال فترة الزواج أو بعد طلاق الأم.


    ويفرض الإسلام على الزوج كذلك أن يدفع لمُطَلقته نوعًا آخر من النفقة تسمى بـ"المُتعة" طالت فترة زواجهما أم قصرت. وتُقَدَّر المتعة حسب حال الزوج من اليسار أو الفقر لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ[البقرة: 236][8] والآية الأخرى: ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 241][9].


    وعلى الزوج دفع نفقة العدة وكذلك المتعة ولو كانت الزوجة أغنى منه.


    بينما نجد أنه فى كثير من الولايات الأمريكية والبلاد الأوروبية يقتسم الزوجان الثروة فى حالة الطلاق. فإذا كانت الزوجة موسرة يحصل المُطَلِّق على نصف ثروتها فى هذه الحالة، وهو ما يأباه الإسلام. فلماذا يتجاهل المغرضون هذه التشريعات الظالمة للمرأة فى البلاد غير الإسلامية، ولا يذكرون كل هذه الحقوق والامتيازات المالية للمرأة فى الإسلام قبل وأثناء وحتى بعد انتهاء الزواج؟!!


    ونشير أيضًا إلى أن الأم تحصل على نفقة من والد الطفل طوال فترة الحمل وكل مصروفات الولادة، ثم تحصل على أجر نظير إرضاع الطفل وحضانته رغم أنها أمه، والأمومة غريزة أودعها الله تعالى في كل المخلوقات، لكن الإسلام العظيم يأبى إلا أن يعطى المرأة أجرًا نظير ممارستها للأمومة!!!


    قال - تعالى - في الآية 233 من سورة البقرة: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾[البقرة: 233]. لاحظ أنها أمه، ولو طبَّقنا المعايير الغربية لكانت الأم ملتزمة بالمشاركة فى دفع كل نفقات الأبناء مع الأب مناصفة، لكن الإسلام العظيم أعفاها من ذلك، ولو كانت غنية تملك أضعاف ما يملكه الأب، بل وألزمه بالإنفاق عليها هى الأخرى طوال فترة الرضاعة، ثم يواصل الإنفاق وحده على أولاده حتى يبلغ الولد سن الرشد، وحتى تتزوج البنت فتنتقل مسؤولية الإنفاق عليها إلى زوجها وهو رجل أيضًا!! ماذا يريدون من الإسلام أكثر من هذا؟! وهل استطاع أى تشريع عالمى آخر أن يأتى بأفضل من هذا أو حتى بمثله؟!!


    وهناك حكم آخر لم يعرفه أحد قبل الإسلام ولا بعده... ففي حالة الطلاق قبل الدخول بالزوجة يُلْزم الله تعالى الرجل بأن يدفع نصف المهر المتفق عليه إلى الزوجة التى طَلَّقها قبل أن يدخل بها حتى لو كان الطلاق بسبب أخطاء ارتكبتها هى أو سوء أخلاقها، و هذا جاء جبرًا لخاطرها وتعويضًا لها عن آلام الطلاق النفسية، ولا يحصل الرجل في هذه الحالة على أى تعويض رغم أن الطلاق يُسبب له قطعًا آلامًا نفسية مماثلة.


    فإن قالوا: إن آلام المرأة أشد لأنها أكثر رقة وأرهف حسًا نرد عليهم فورًا: إذًا لماذا المكابرة وادعاء المساواة التامة بين الجنسين فى كل شىء؟!! أليس هذا اعترافًا بوجود فوارق بينهما؟!!


    وفى حالة فسخ الخطبة يقرر فريق من العلماء أن الرجل إذا كان هو الذى فسخ الخطبة فلا يسترد شيئًا من الهدايا. وتحتفظ المرأة المخطوبة بالهدايا تعويضًا لها عما سبَّبه فسخ خطوبتها من آلام نفسية وحرج فى المجتمع.


    وحتى لو كانت المرأة هى التى فسخت الخطبة فإن الخاطب لا يمكنه المطالبة بتعويض عن الفسخ. وكل ما له فى هذه الحالة أن يطلب باسترداد ما كان دفعه لها من هدايا وأموال طوال فترة الخطبة. ويرى بعض العلماء أنه حتى فى هذه الحالة لا يمكنه استرداد الهدايا إذا كان قد استهلكت أو تلفت ولا تلتزم المرأة بردها، مثل الهدايا من الطعام والفاكهة والملابس التى ارتدتها المخطوبة وأبلتها بالفعل، وهو ما يكثر حدوثه خصوصًا إذا طالت فترة الخطبة كما نرى فى هذه الأيام.


    والعجيب أن الخصوم يتجاهلون أيضًا أن المرأة فى الإسلام تحصل على كامل المهر ونفقة العدة ونفقة المتعة وكل ما أهداه إليها ولو كانت هى التى سعت إلى الطلاق وطلبته من القاضي في حالات الضرر أو الغش أو عدم التزام الزوج بشروط عقد النكاح وغير ذلك. بل تحصل المرأة على كل حقوقها المذكورة حتى ولو كانت هى التى أوقعت الطلاق بنفسها بدون رغبة الزوج، وهذا يحدث فى حالة ما إذا كانت العصمة - حق التطليق - بيد الزوجة إذا وافق الزوج على ذلك عند إبرام عقد الزواج. ولم نجد أحدًا يتباكى أو يتحسر على ذلك الزوج المسكين الذي تُطَلّقه زوجته بإرادتها المنفردة، وتسلبه كل المهر ونفقة المتعة ونفقة العدة ونفقة الرضاعة والأولاد الذين في حضانتها أيضًا!!!


    وحتى في حالة الخُلع وهو رغبة الزوجة فى إنهاء الزوجية مقابل رد المهر إليه، فقد صرَّح النبي عليه السلام في حديث صحيح- كما تقدم عند الكلام على الخلع - بأنه لا حق له فى أية زيادة على ما دفعه لها من مهر.


    وعلى الرجل نفقات الجهاد لأن القتال فرض عليه، وليس على النساء قتال، فجهادهن الحج والعمرة كما ورد بالأحاديث الشريفة عند البخاري وغيره. وفى حالة عدم وجود زوج لها أو أب أو أخ أو ابن قادر على الكسب يتدخل بيت المال -الخزانة العامة - لينفق عليها وعلى أطفالها. أما الرجال فيطالبهم الإسلام بالسعى لكسب الرزق. وقصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع المرأة الأعرابية ذات العيال مشهورة وموجودة فى كتب سِيَر الخلفاء الراشدين والتاريخ الإسلامى وكان رضي الله عنه يرعى الأرامل والمطلقات. وأوردت القصة أن عمر رضي الله عنه حمل كيسًا من الدقيق وكمية من السمن أو الزيت على ظهره - وهو الخليفة وأقوى حاكم في الأرض يومئذ - ورفض أن يحمل عنه غلامه هذا الكيس من بيت المال إلى خيمة الأعرابية وأطفالها الجِيَاع، وطَبَخَ لهم الطعام بنفسه والدخان يتخلَّل لحيته، والمرأة تقول له وهى لا تعرفه: جزاك الله خيرًا. كنت أولى بهذا الأمر - الخلافة - من عمر بن الخطاب!!!


    والقصة دليل قاطع على أن نفقة المرأة التى لا عائل لها وأطفالها على بيت مال المسلمين. وهناك قصة أخرى عند البخارى أن عمر رضي الله عنه فرض لأرملة أخرى وأطفالها وأعطاها كثيرًا. فلما اعترض أحد الجالسين على كثرة ما أعطاها الخليفة، أخبره عمر أن أباها وأخاها كانا ممن فتحوا خيبر، ومال خيبر إنما توافرفي بيت المال بسيفيهما.


    ومن الواجبات التي فرضها الإسلام على الزوج الذى طلَّق زوجته أن يدفع إيجار المسكن الذى تقيم فيه طوال فترة العدَّة التي تعقب الطلاق أو تقيم بالمسكن الذى يملكه حتى انتهاء فترة العدة ولو لم يكن ينوى ردها إلى عصمته. قال الله - تعالى -: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ... ﴾ [الطلاق: 6].

    ومن يتأمل النص الحكيم يرى بوضوح كيف يساوى الإسلام العظيم الزوجة بزوجها، إذ يأمر الرجل أن يُسكنها حيث يسكن حتى فى فترة العِدَّة بعد الطلاق، ومن باب أولى تسكن معه طوال الزواج حيث يسكن. وينهى الله - تعالى - عن الإضرار بالمرأة أو التضييق عليها بأية وسيلة لإجبارها على التنازل عن شىء من حقوقها المالية أو ترك المسكن خلال فترة العدة.


    وكذلك يعطيها الإسلام الحق فى حضانة الصغار حتى يبلغوا سن الرشد، وينهى عن التفريق بين والدة وأطفالها. وإذا قيل: هذا لمصلحة الأطفال فإننا نرد: نعم هي أكثر حنانًا ورعاية للصغار بحكم تكوينها، ولكن ألا يتضمن هذا أيضًا رحمة بالأم وشفقة عليها بعدم حرمانها من فلذات أكبادها؟! وفى ذات الوقت يلزم الشارع الحكيم أباهم بالإنفاق عليهم حتى لا يجتمع على تلك المسكينة آلام الطلاق مع أعباء تربية الصغار والسهر عليهم والكدح للإنفاق عليهم وتوفير احتياجاتهم المختلفة. ومَن يدرس تفاصيل نظام حضانة الصغار فى الشريعة الإسلامية سوف يجد أن الحضانة مكفولة للأم ما لم تتزوَّج بآخر غير أبيهم. فإذا تزوجت من آخر تنتقل الحضانة إلى أمها- جدتهم - وبذلك يظل الأطفال قريبين منها حتى لو تزوَّجت، وتطمئن عليهم لاستمرار وجودهم فى نطاق أٍسرتها هى وليس أسرة الأب. ولا تنتقل الحضانة إلى ذوى الأب إلا إذا تزوجت الأم ولم تكن الجدَّة لأم على قيد الحياة. قال عليه السلام لمُطَلَّقة: "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أحمد وأبو داود والحاكم. وقال ابن عباس رضي الله عنه لرجل أراد حرمان من طلقها من حضانة طفلها: "ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يكبر ويختار لنفسه".

    [1] الدكتور أرشانا باشار - إصلاح قوانين النساء والأسرة فى الهند - دار ساج للنشر - نيودلهى 1992م.

    [2] جى ليند بلوم - نحو فهم حديث للإنجيل - طبعة فورتريس برس - فيلادلفيا - الولايات المتحدة الأمريكية - 1973م.

    [3] لولويد بونفيلد
    L'loyd Bnfield - Marriage, Property - Duncker - Humblot - Berlin 1992.

    [4] الدكتور حافظ يوسف - اليقين الإسلامى - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر - ص 361 وما بعدها.

    [5] حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص 556-558.

    [6] فتح القدير - الشوكانى - الجزء الأول - ص 680 - طبعة دار الوفاء - مصر.

    [7] المنتخب في تفسير القرآن الكريم - تأليف مجموعة من علماء الأزهر الشريف - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - مصر - ص128.

    [8] الآية 236 من سورة البقرة, وانظر تفسيرها عند ابن كثير والطبرى والقرطبى والنسفى والشوكانى والبغوى والرازى وغيرهم.

    [9] الآية 241 من سورة البقرة, وانظر تفسير الآية فى أمهات كتب التفسير المشار إليها فى البند السابق.


    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    836
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    17-11-2014
    على الساعة
    12:13 AM

    افتراضي

    الفصل الثامن

    هل هن ناقصات عقل ودين؟



    من أكثر الأحاديث الشريفة التى تعرضت للهجوم وإساءة الفهم ذلك الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فى عيد أضحى أو فطر *- إلى المصلى - المسجد - فمرَّ على النساء فقال: "يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تُصل ولم تصم؟" قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها". والحديث رواه أيضًا الإمام النسائى والإمام مالك فى الموطأ.


    ونلاحظ أولاً: أن كل من يتطاول على الإسلام بسبب هذا الحديث يذكر منه فقط هذه الكلمات "ناقصات عقل ودين" معزولة عما قبلها وعما بعدها من ألفاظ وعبارات الحديث الشريف، على غرار منهج اقتطاع أجزاء من النصوص الذى يتبعونه دائمًا كما ذكرنا فى مواضع كثيرة. كما أنهم يسوقون تلك الكلمات الثلاث بدون ذكر المناسبة التى قيلت فيها رغم أن تلك المناسبة والظروف التى قيل فيها الكلام تلقى الضوء على كثير من معانى الحديث الشريف.


    ونقول ثانيًا: أن راوى الحديث رضى الله عنه ذكر صراحة أنه كان فى يوم العيد - الأضحى أو الفطر - ومن يعلم ألف باء الإسلام يدرك بوضوح أن الرسول عليه السلام نفسه علَّمنا الاحتفال بالعيد وإدخال البهجة والسرور على النفس والآخرين والمجتمع بأسره فيه.. فهل يظن عاقل أنه عليه السلام يخالف هذا بنفسه الشريفة فيوجه إلى النساء نقدًا أو إساءة أو ذَمَّاً فى هذا اليوم المبارك يوم العيد؟!! إن من له أدنى إلمام بلغة العرب سوف يكتشف فورًا - من المناسبة وألفاظ الحديث- أنه عليه السلام كان يمازحهن فى يوم العيد. وكان صلى الله عليه وسلم يمزح لكنه لا يقول إلا حقًا حتى فى حالة المزاح. ولا يقولن جاهل أن المزاح - القليل - خطأ لا يليق بالنبى، فإنه عليه السلام كان بشرًا يُشِّرع لبشر وليس لملائكة.. والتشريع الذى يتجاهل طبائع الناس ومشاعرهم المختلفة - من سرور وألم وفرح وضحك ومزاح وجَدِّ - هو تشريع فاشل لن يكون إلا نصوصًا على الورق لا علاقة لها بواقع المجتمع. والرسول عليه السلام الذى بعثه ربه ليتمم مكارم الأخلاق، والذى وصفه المولى سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، لم يقصد بهذا الحديث سوى ملاطفة النساء والتفكه معهن فى يوم العيد ولكن بالحق كل الحق.


    ولو كان لدى هؤلاء المعترضين أدنى قدر من الأمانة العلمية فى البحث وقراءة النصوص لانتبهوا إلى صياغة ألفاظ الحديث الشريف وحاولوا قراءته وفهمه على ضوء قواعد اللغة العربية الفصحى. وعلى قدر فهمنا المحدود نلاحظ أن الجملة التى يعترضون عليها: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" هى أسلوب تعجب واضح لكل ذى عينين. فهو عليه السلام أفصح العرب - لأنه قرشى ورضع فى بادية - صحراء - بنى سعد - كما أنه:"أوتى جوامع الكلم" فيعبِّر عليه السلام عن المعانى الكثيرة بأدق وأقل قدر ممكن من الألفاظ الفصيحة البليغة. وهو هنا يُظهر تعجبه من تلك الظاهرة المدهشة فعلاً، وهى أن المرأة الضعيفة - بحكم التكوين الجسدى - تستطيع أن تغلب أقوى الرجال العقلاء، بل تجعله يفقد صوابه وفكره بحيلتها ودهائها ومكرها!!


    ويرى كاتب هذه السطور أن هذا الحديث يمكن فهمه أكثر على ضوء الآية الكريمة الواردة فى سورة يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28]. وقد جاء هذا القول على لسان حاكم مصر أو وزيرها الأول - العزيز - حين دخل فجأة وكانت زوجته زليخا تحاول إجبار فتاها يوسف عليه السلام على فعل الفاحشة معها كما حكى القرآن الكريم. فلمَّا رفض يوسف، وحاول الهرب منها جذبته من قميصه - من خلفه - فقطعته، وعندما فوجئت بحضور زوجها ذرفت دموع التماسيح، وحاولت إلصاق التهمة بيوسف البرىء زاعمة أنه هو الذى حاول اغتصابها!! وسخَّر الله تعالى لنبيه شاهدًا من أهلها حكم بالاستدلال بقميص يوسف الممزق. فإن كان القطع من الأمام فهذا يعنى أنه هو الذى حاول اغتصابها وأنها قاومته وقطعت قميصه من الأمام. وإن كان القطع من الخلف، فهذا دليل قاطع على براءة يوسف، وأنه امتنع وحاول الهرب منها فجذبته من الخلف وقطعت قميصه من على ظهره. وعندما رأى عزيز مصر قميص يوسف مقطوعًا من الخلف تأكد من براءته وأن زوجته الماكرة هى التى حاولت تدبير هذه التهمة الملفّقة ليوسف رغم أنها هى التى كانت تريده وتحاول إغراءه أو إجباره على الزنى بها. ولهذا قال وزير مصر الأول هذه المقولة: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28]. والمعنى إن هذا من مكر النساء ودهائهن، وهو مكر عظيم ودهاء فائق البراعة لا ينجو منه إلا من عصم الله، ولولا أن نصر الله نبيه يوسف بوجود حكم من أهلها هى، وألهمه الله أن يقضى بالاستدلال من واقع الحال والقميص المُمَزَّق لنجحت مكيدة ومكر المرأة فى إلصاق التهمة بالبرىء يوسف. ثم مكرت زليخا بنساء المدينة اللاتى تحدثن عنها بالسوء، واستدرجتهن إلى مأدبة ليقطّعن أيديهن، ثم تسبب مكرها فى سجن يوسف البرىء بضع سنين!!


    ويفسر الإمام النسفى رضى الله عنه كلام العزيز بقوله: إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال "من كيدكن" الخطاب لها ولأمتها - بنات جنسها - لأنهن ألطف كيدًا وأعظم حيلة، وبذلك يغلبن الرجال، ومعهن ما ليس مع غيرهن من البوائق - المهلكات -". وينقل الإمام النسفى عن بعض العلماء مقولة طريفة بهذا الشأن: إنى أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان، لأن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76] وذكر مقولة العزيز عنهن: "إن كيدكن عظيم"[1] انتهى. وهناك مثل شائع فى الريف المصرى يقول: "كيد النسا غلب كيد الرجال".


    ونعتقد أنه يمكن فهم الكلام النبوى الشريف بوضوح على ضوء هذه الآية الكريمة من سورة يوسف، وأقوال العلماء بشأنها. وهكذا فإن النبي عليه السلام يقرر فقط حقيقة طريفة هى أن النساء يغلبن بمكرهن وحيلتهن أعقل الرجال وأقواهم. ألا ترى مصداقًا لهذا أنه حتى حاكم مصر - العزيز - كاد أن ينخدع وتنطلى عليه حيلة امرأة؟!! بل خضع بعد ذلك لإرادة امرأته المذنبة، ورغم ثبوت براءة يوسف، قرر الزوج الحاكم سجنه لاحتواء آثار الفضيحة التى سببتها زوجته بمراودة يوسف عن نفسه!! وكم من عروش سقطت، وكم من جيوش أُبيدت، وكم من حضارات زالت بمكرهن!!.


    وكان الأقرب إلى المنطق العقلى البحت أن يقولوا: إن فى هذا الحديث ذَمَّاً للرجال وليس النساء.. فهو يعجب من تغلبهن - على ضعفهن ورقتهن - على الرجال المفترض أنهم عقلاء وأقوياء. وعادة فإن الناس يلومون المغلوب وليس الغالب فى مثل هذه الأحوال. وهو إعجاب منه بذكائهن وحيلتهن الفطرية التى تتفوق على تفكير الرجل مهما كان عاقلاً، وتكون النتيجة لصالحها هى. إنك حين ترى طفلاً صغيرًا ضعيفًا يستخدم الحيلة ليهزم عملاقًا ضخمًا قويًا ويطرحه أرضًا، سوف تتعجب، وإذا سألته: كيف تتغلب وأنت طفل صغير ضعيف على هذا العملاق الضخم، فإنك بذلك لم تنتقص من قدره بل أنت وصفت حقيقته فى الواقع، وهى أنه طفل صغير ضعيف، وتعجبت بل وأعجبت بذكائه ودهائه الذى مَكَّنه من الانتصار على هذا العملاق القوى. وهذا بالضبط ما فعله عليه السلام، فإنه لم يزد على أن أبدى دهشته وتعجبه وإعجابه بالنساء - الضعيفات بحكم التكوين- اللاتى يهزمن أعقل وأقوى الرجال بالحيلة والرقة والنعومة.


    وقد فسَّر عليه الصلاة والسلام فى نص الحديث معنى نقصان العقل بأن شهادة المرأة تساوى نصف شهادة الرجل. ويقصد عليه السلام ما سنذكره عند الحديث عن الشهادة، وما قاله الفقهاء من أن هذا فقط فى حالة الإشهاد على البيوع والصفقات التجارية لضمان الحقوق. وكان هذا فى عهد لا دراية فيه ولا خبرة لأكثر النساء بالأسواق وأنواع التجارة، وهناك حالات أخرى تُقبل فيها شهادة المرأة الواحدة ولايؤخذ فيها بكلام الرجال. كما أن هناك حالة ثالثة تتعادل فيها شهادتها مع شهادته.


    وأما نقصان الدين فقد شرح الحديث ذاته معناه، وأوضح عليه السلام مقصوده منه بأنه عدم صلاتها وعدم صيامها فى فترات الحيض وكذلك الولادة والنفاس. فقد أعفاها الإسلام من الصلاة والصيام فى تلك الأوقات حتى يذهب عنها الدم وتتطهر فتصوم وتصلى من جديد، كما أعفاها الإسلام - رحمة بها وتيسيرًا عليها - من قضاء الصلوات التى فاتتها بسبب الحيض أو النفاس. وهنا أيضًا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز الواقع المشهود، فهو فقط يقرر حقيقة "وواقعًا" وليس فى هذا عيبًا لها وانتقاصًا من دينها. وكثير من الناس يغفلون عن حقيقة أن الإسلام يعطى أجرًا وثوابًا عظيمًا للمرأة عن فترات الحيض والولادة والنفاس ولا يحصل الرجل على شىء من ذلك. إنها لا تصلى ولا تصوم فى تلك الأوقات، لكنها تحصل على ثواب الصبر على آلام وأذى الحيض والحمل والولادة والنفاس ثم أخيرًا إرضاع الأطفال والسهر عليهم، وذلك كله لا يحصل الرجل على شىء منه. فإن فاتها ثواب الصلاة والصيام فى تلك الأوقات - لطبيعة خَلْقها التى لا ذنب لها فيها - فإن أجر صبرها على آلام كل ما ذكرنا لا يقل إن لم يزد على أجر صلاة وصيام الرجل الذى لا فضل له فى أن الله خلقه بلا حيض ولا نفاس ولا ولادة ولا رضاع. فلتهنأ أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا بالأجر والثواب من الله تعالى على صبرهن وجهادهن فى الحمل والولادة والإرضاع وتنشئة أطفال المسلمين على منهج الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فوالله إنها لمن أعظم العبادات والقربات، وإن كثيرًا من الرجال ليعجزون عن الظفر بثواب أعمال وقربات جليلة مثل تلك التى أعطاها الله لبنات حواء، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.


    إعجاز علمى


    ينطوى هذا الحديث على إعجاز علمى غير مسبوق. فقد أثبت علم التشريح الحديث أن حجم مخ المرأة أصغر من حجم مخ الرجال. والكلام لعلماء من غير المسلمين. فقد جاء فى "دائرة المعارف الكبيرة" قول الدكتور "روفارينى": إن المجموع العضلى عند المرأة أقل منه كمالاً عند الرجل، وأضعف بمقدار الثلث، فالقلب عند المرأة أصغر وأخف بمقدار ستين جرامًا فى المتوسط، والرجل أكثر ذكاءً وإدراكًا. أما المرأة فأكثر انفعالاً[2].


    وفى دائرة المعارف نفسها يقرر الدكتوران: نيكوليس وبيليه: أن الحواس الخمس عند المرأة أضعف منها عند الرجل، وأن مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام فى المتوسط، فنسبة مخ الرجل إلى جسمه 40/1 واحد إلى أربعين، ونسبة مخ المرأة إلى جسمها 44/1 واحد إلى أربعة وأربعين، كما يوجد اختلاف فى المخيخ أيضًا، وفى المادة السنجابية فهى عند النساء أقل بدرجة ملحوظة ومحسوسة جدًا. انتهى[3]. وهكذا اخبرنا عليه السلام بصغر حجم مخ المرأة قبل أن يكتشف العلم الحديث ذلك بأربعة عشر قرنًا كاملة. فمن الذى علمه؟!!


    وتعليقًا على الحديث الشريف يقول الدكتور عبد الصبور مرزوق: "هذا الوصف بنقصان العقل وصف معنوى لا يعدو أكثر من أنه تعبير عن نقص أو ضعف الذاكرة، ليس بالضرورة أن تتساوى فيه جميع النساء بل هو الوصف الغالب، والحكم الشرعى ينبنى على الغالب. وهو كذلك لا يراد به إنقاص المكانة بدليل أن الرجل أيضًا تَعَّرَضَ لمثل هذا القيد. ولعل المناسبة التى روى فيها الحديث تحتاج إلى بعض إيضاح:
    فالمناسبة كانت عند مروره صلى الله عليه وسلم بالنساء عند خروجه إلى الصلاة فى يوم عيد.. ولا يتصور منصف أن الرسول بما عرف عنه من رقة الشمائل والتلطف الرقيق فى الخطاب يمكن أن يوجه إلى النساء فى هذا اليوم ما يكسر خواطرهن أو يشعرهن بالدونية والإهانة!!.


    وإذن فهناك سبب آخر يمكن أن يكون مدعاة لهذا الخطاب النبوى للنساء: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن".


    فالنساء المُخَاطَبات هن نساء الأنصار اللاتى كن مشتهرات بتملكهن وسيطرتهن على بعولتهن.


    وهن اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه-: "فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار" وهو ما يوضح ما نشير إليه من قول الرسول: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن".


    فالصيغة النبوية هنا كأنما تحمل معنى التعجب من تغلب النساء وفيهن ضعف على الرجال ذوى الحزم والقوة.. كما تحمل معنى التعجب من حكمة الخالق سبحانه الذى أَوْجَد القوة حيث يُظَن الضعف، وأَوْجَد الضعف حيث تُظَن القوة!! ثم ألا نلمس فى الخطاب النبوى بهذه الصيغة شيئًا من الملاطفة؟! انتهى[4].


    ومما قاله العلماء المعاصرون تعليقًا على نقصان العقل والدين: "هذا الحديث وصف لحالة بعينها، وخاص بهذه الحالة.. وليس تشريعًا عامًا ودائمًا لجنس النساء.. كما أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم.. فالذين يعرفون خلق من صنعه الله على عينه، حتى جعله صاحب الخلق العظيم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، والذين يعرفون كيف جعل صلى الله عليه وسلم من "العيد" - الذى قال فيه هذا الحديث - "فرحة" أشرك فى الاستمتاع بها - مع الرجال - كل النساء، حتى الصغيرات، بل وحتى الحُيض والنُفساء!.. الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم، ويعرفون رفقه بالقوارير، ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا.. لايمكن أن يتصوروه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الذى يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية، لنقصانهن فى العقل والدين!.


    وإذا كانت المناسبة - يوم العيد والزينة والفرحة - لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود.. فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح، الذى يستخدم وصف "الواقع" الذى تشترك فى التحلى بصفاته غالبية النساء.. إن لم يكن كل النساء.


    فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة، وهى عاطفة ورقة صارت "سلاحًا" تغلب به هذه المرأة أشد الرجال حزمًا وشدة وعقلاً.. وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية - وذلك على عكس الرجل، الذى تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فطرة إلهية، وحكمة بالغة، ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات..وليكون عطاء الرجل فى مجالات العقلانية المجردة والجامدة مُكَمِّلاً لما نقص عند "الشق اللطيف والرقيق".


    فنقص العقل - الذى أشارت إليه كلمات الحديث النبوى الشريف - هو وصف لواقع تتزين به المرأة السَوية وتفخر به - لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة.. ولذلك كانت "ملاطفة" صاحب الخلق العظيم - الذى آتاه ربه جوامع الكلم - للنساء، فى يوم الفرحة والزينة، عندما قال لهن: إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون!.


    "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".


    فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى العقول والألباب.. ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به فى هذه الحياة!.. بل - وأيضًا - يا بؤس أهل الحزم والعقلانية من الرجال الذى حرموا - فى هذه الحياة - من الهزيمة أمام هذا السلاح.. سلاح العاطفة والاستضعاف!.


    وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللائق - بالقائل وبالمُخاطب وبالمناسبة - وأيضًا المُحَبَّبَ لكل النساء والرجال معًا - الذى قصدت إليه ألفاظ "نقص العقل" فى الحديث النبوى الشريف.. فإن المراد "بنقص الدين" - هو الآخر - وصف الواقع غير المذموم - بل إنه الواقع المحمود والممدوح!.


    فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن فى الدين، تحدث عن اختصاصهن "بِرُخِص" فى العبادات تزيد على "الرخص" التى يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال فى كل "الرخص" التى رَخّص فيها الشارع - من إفطار الصائم فى المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها فى السفر.. إلى إباحة المُحَرَّمات عند الضرورات.. إلخ، ثم يزدن على الرجال فى "رخص" خاصة بالإناث - مثل سقوط فرائض الصلاة والصيام عن الحائض والنفساء.. إلخ.


    وإذا كان الله سبحانه وتعالى يُحب أن تُؤتى رخصه كما يُحب أن تُؤتى عزائمه، فإن التزام النساء بهذه "الرُخَصَ" الشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود، ولهن فيه الأجر والثواب.. ولا يمكن أن يكون بالأمر المرذول والمذموم.. ووصف واقعة - فى الحديث النبوى - مثله مثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة الفياضة على العقلانية الجامدة، عند النساء، هو وصف لواقع محمود.. ولا يمكن أن يكون ذمًا للنساء، ينتقص من أهلية المرأة ومساواتها للرجال، بأى حال من الأحوال.


    إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على الإنسان، وليس هناك إنسان - رجلاً كان أو امرأة - يتساوى مع الآخر مساواة كمية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته.. ففى ذلك يتفاوت الناس ويختلفون.. بل إن عقل الإنسان الواحد وضبطه - ذكرًا كان أو أنثى - يتفاوت، زيادة ونقصًا، بمرور الزمن، وبما يكتسب من المعارف والعلوم والخبرات.. وليست هناك جبلة ولا طبيعة تفرق بين الرجال والنساء فى هذا الموضوع.


    وإذا كان العقل - فى الإسلام - هو مناط التكليف، فإن المساواة بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى، هى تفسيرات ناقضة لمنطق الإسلام فى المساواة بين النساء والرجال فى التكليف.. ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة نصيب من الصحة لنقصت تكاليف الإسلام للنساء عن تكليفاته للرجال، ولكانت تكاليفهن فى الصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال!.


    ولكنها "الرُخَصَ" التى يُؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات، كما يُؤجرون جميعًا عندما ينهضون بعزائم التكاليف.. إن النقص المذموم - فى أى أمر من الأمور - هو الذى يمكن إزالته وجبره وتغييره، وإذا تغير وانجبر كان محمودًا.. ولو كانت "الرخص" التى شرعت للنساء - بسقوط الصلاة والصيام للحائض والنفساء مثلاً - نقصًا مذمومًا، لكان صيامهن وصلاتهن وهن حُيض ونُفساء أمرًا مقبولاً ومحمودًا ومأجورًا.. لكن الحال ليس كذلك، بل إنه على العكس من ذلك.


    وأخيرًا، فهل يعقل عاقل.. وهل يجوز فى أى منطق، أن يعهد الإسلام، وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان، ورعاية الأسرة وصياغة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين، بهذا المعنى السلبى؟ انتهى[5].


    [1] انظر تفسير النسفى - طبعة دار إحياء الكتب العربية - المجلد الأول - تفسير الآية 28 من سورة يوسف - ص218، وانظر كذلك تفسير "فتح القدير" للشوكانى.

    [2] انظر كتاب " السنة المُفترى عليها"-المستشار سالم البهنساوى- ص239 وما بعدها.

    [3] المصدر السابق ص 540.

    [4] د. عبد الصبور مرزوق - القرآن والرسول ومقولات ظالمة - ص22و23 - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر - 2005م.

    [5] حقائق الإسلام فى مواجهة المشكّكين - إعداد مجموعة من العلماء المعاصرين- طبعة المجلس الأعلى للشئون الإٍٍٍسلامية - مصر - ص 580-583.


    يتبع إن شاء الله ...
    قال تعالى:{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير } (آل عمران:28)

    قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) .

    قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ).

صفحة 1 من 3 1 2 ... الأخيرةالأخيرة

شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ورقات دعوية :شبهات وردود متجدد إن شاء الله
    بواسطة أُم عبد الله في المنتدى العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 31-01-2013, 10:43 PM
  2. اقتلوا كل الاطفال و الشيوخ و النساء هده هي شريعة اليسوع
    بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 27-12-2006, 10:31 PM
  3. شبهات باطلة حول حقوق المراة في الاسلام
    بواسطة سمية العامرية في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-04-2006, 10:52 PM
  4. رد مختصر على شبهات حول حقوق المرأة
    بواسطة ismael-y في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 29-12-2005, 09:48 PM
  5. شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام
    بواسطة أبـ مريم ـو في المنتدى شبهات حول المرأة في الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 18-04-2005, 09:07 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)

شبهات حول المسلمات- حقوق النساء في شريعة السماء (متجدد إن شاء الله)