الحجاب في المجامع الكنسيّة:
قرّر القانون الخامس في مجمع إيرلندي عقد في منتصف القرن الخامس ميلاديًا, بقيادة قديس الكنيسة ((باتريك)), أنّ زوجة القسيس: ((لا بدّ أنّ تتحجّب عندما تخرج من البيت.)) في مراعاة لحرمة عورة زوجة القسيس.
وقد كان مجتمع ((قمران)) الذي ساهمت مخطوطاته المكتشفة في منتصف القرن العشرين, في تحقيق فهم أفضل للبيئة التي ظهر فيها المسيح, يرى أن المرأة غير المحجّبة أشبه بمن يعاني إعاقة بدنيّة؛ ممّا يلزم منه أن تقصيها جماعة الناس عن المجتمع؛ احترامًا للملائكة
الحجاب في التقليد الكنسي :
في أهم الكتب القديمة التي تمثّل الأحكام التي فرضتها الكنيسة على النصارى في القرون الأولى؛ سنلاحظ بجلاء حضور (الحجاب) كفريضة ربّانية لا تعفى منها المرأة إذا تجاوزت عتبة بابها وكانت في محضر الرجال.
الدسقولية:
يعتبر كتاب ((الدسقولية)) أحد أهم المراجع التعبّدية والتشريعية والسلوكية للكنائس الأولى وللكنيستين الأرثودكسية المصرية[2] والحبشيّة اليوم؛ وهو يضم –كما يزعم القوم-تعاليم عباديّة وسلوكيّة كثيرة لرسل المسيح الاثنى عشر [3], وقد جاء فيه إلزام المرأة بالحجاب:
((لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن أن تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار.))[4]
بل جاء التصريح بأمر النقاب: (( لا تستحم امرأة مؤمنة مع ذكور. واذا غطت وجهها فتغطيه بفزع من نظر رجال غرباء. )) !! [5] وتبدو الترجمة السريانيّة أكثر وضوحًا في قولها: ((إذا كانت هناك حمّامات للنساء في المدينة أو الحي؛ فلا تذهب المرأة المؤمنة لتغتسل في الحمّامات مع الرجال؛ إذا كنتِ تغطين وجهك أمام الرجال الأجانب بغطاء العفّة, فكيف تذهبين مع الرجال الأجانب إلى الحمّامات؟))[6]
وجاء أيضًا في ((الدسقوليّة)): ((يكون مشيكِ ووجهك ينظر إلى أسفل, وأنت مطرقة مغطاة من كلّ ناحية.))![7]
التراث الرسولي:
كتاب ((التراث الرسولي)) ((Apostolic Tradition)) هو كتاب ينسبه التقليد الكنسي إلى قديس الكنيسة اللاهوتي الروماني ((هيبوليتوس))[8], وتعتبره الكنيسة الأرثودكسية المصرية أحد أهم مراجعها في العبادات الطقوسية, وهو ((يتحدث عن الأحكام الكنسية, وطقوس الرسامات, والرتب الكنسية, وخدمة الافخارستيا, والعماد))[9] ويعكس حالها في القرن الثاني وبداية القرن الثالث.
جاء في كتاب ((التراث الرسولي)) أنّ الحجاب الذي على المرأة أن ترتديه أثناء العبادة, لا بد أن يكون ثخينًا: ((وليس مجرد قطعة من الكتان؛ لأنّ ذلك ليس تغطية)).[10] ويقول صاحبا كتاب ((أصول المسيحيّة)) ((The Origins of Christianity)) إن الإلزام بارتداء الحجاب هنا, هو ((في كلّ وقت على الظاهر))[11]؛ أي أنّه غير مخصوص بحضور القداس.[12]
المراسيم الرسولية:
جاء في كتاب: ((المراسيم الرسولية)) ((The Apostolic Constitutions))[13] –وهو يعرف أيضًا في بعض المراجع العربيـة باسم ((الفرائض الرسولية))- ويعود إلى القرن الرابع[14], وتعتبره الكنيسة الأرثودكسية المصريّة أحد مراجعها التشريعية الأولى :
((ولمّا تكونين في الشارع, غطِّي رأسكِ؛ لأنّك بهذه التغطية ستتحاشين أن يراك المتسكّعون.))[15]
((إذا أردتِ أن ترضيه (عريسك السماوي)؛ غطِّي رأسك لمّا تكونين في الشارع, غطّي وجهك لتمنعي النظرات الطائشة.))[16]
وجاء في هذه الوثيقة في سياق آخر في عدم السماح للمرأة أن تستحم في أماكن يوجد فيها رجال: ((فإذا كان على المرأة أن تغطّي وجهها وأن تخفيه بحشمة عن الرجال الأجانب؛ فكيف تتعرّين في الحمام أمام رجال.))[17]
المجموع الصفوي:
جاء في كتاب ((المجموع الصفوي)) الذي يعدّ أحد أهم المراجع التشريعيّة للكنيسة الأرثودكسيّة المصريّة: ((إذا مشيت في الطريق فغطّي رأسك بردائك وتغطي بعفة؛ فإنك تصونين نفسك من الناس الأشرار, ولا تزوّقي وجهك فليس فيك شيء ينقص زينة. وليكن وجهك ينظر إلى أسفل مطرقة وأنت مغطاة من كلّ ناحية.))[18] .. وعلّل ذلك بقوله: ((لئلاّ تكون سببًا في إثارة الشهوة الرديئة في من ينظر إليها؛ فتجلب عليه الخطية؛ لأنه يكون مخالفاً للوصيّة: ((من نظر إلى امرأة ليشتهيها؛ فقد زنى بها في قلبه)) (متّى 5/27) ))[19]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
هذا الكتاب هو ((مجموعة تعاليم رسل المسيح عن بعض أنظمة الكنيسة وواجبات خدّامها وشعبها.)).
وقد جاء في مخطوطةٍ لكتاب في الشرائع الكنسيّة ((لأبي إسحاق ابن العسّال)) النصراني –محفوظة في مكتبة جامعة كمبردج (1678م)– قول ((أبي إسحاق)) حول المراجع التي اعتمدها في كتابه في الشرائع الكنسيّة –بلغة ركيكة-: ((والكتاب الثالث الموسوم بالدسقالية أي التعاليم تضمن أنه اجتمع على وضعه بايرشليم.
الرسل الحواريون الاثناعشر. والرسول السماوي بولس. ويعقوب بن يوسف. المسمى أخا الرب. أوّل أساقفة يروشليم. وهو كتاب مشحون علوما. مملو فرايض الإلهية مفعم أحكاما روحانية. وبعضها عالمية. وأكثر ما تضمنه. استشهادات من الإنجيل المقدس. ومن كتب العتيقة. وعدة أبوابه فيه تسعة وثلاثون بابًا والرمز عليه في هذا الكتاب بثلث أحرف. وهي دسق أي دسقالية وإذا أردت المقابلة عليه. بما ينسب إليه. في هذا الكتاب فلا تجعل عمدتك. في كله شرح صدور أبواب الفصل. كل اطلبه في المنسوب إليه في هذا الكتاب. فإنّك تجده إما في وسطه. وإما في آخره. وكذلك افعل في جميع ما يشكل عليك من هذا الوجه. في قوانين الملوك وغيرها. وهذا الكتاب عني بإخراجه القبط خاصة دون غيرهم وليس فيه ما تنفيه البيعة. ولا يباين صحف الشريعة. كل جميعه لا يمكن أحد من أولاد البيعتين الملكية والنسطورية. ولا من أبايهم القدح فيه. ولا الطعن عليه. لمطابقة ما وقع الاتفاق عليه من القوانين الرسولية. والمجامع المتفق عليها في البيع الثلاثة. ولما استشهد فيه بكتب الأصول العتيقة والجديدة.)) (Margaret Dunlop Gibson, The Didascalia Apostolorum in Syriac, London: C. J. Clay and Sons, 1903 , p. (ܪܠܕ))
[3] جاء في الطبعة العربية للدسقولية , تعريب القمص مرقس داود ص 7 (مكتبة المحبة) : ((تشوق الكثيرون أن يقتنوا ذلك الكتاب الذي اتخذ من القديم دستورًا للكنيسة الأرثوذكسية, ولا تزال تعترف به قانونًا لها رغم تعدي الكثيرين على كسر ما جاء به من القوانين والتعاليم.. وحال دون هذه الأمنية نُدرة وجوده وعدم طبعه حتى الوقت الحاضر على الرغم من أنه التالي في كتب الكنيسة للكتاب المُقدس .))
انظر أيضا؛ Otto Friedrich August, Two Thousand Years of Coptic Christianity, Cairo: The American University in Cairo Press, 1999, p. 46
[4] الدسقولية, ص 27
[5] المصدر السابق
[6] Margaret Dunlop Gibson, The Didascalia Apostolorum in Syriac, London: C. J. Clay and Sons, 1903, p. 10, ܝܖ
[7] الدسقولية, ص 27
[8] هيبوليتوس روما Hippolytus of Rome: (160م-235م) يقول التراث الكنسي إنّه أحد تلاميذ قديس الكنيسة ((إيرانيوس)). يعتبر أحد أغزر كتّاب الكنيسة تأليفًا في بدايات النصرانية. تعتبره الكنيسة من أعلام شهدائها.
انظر؛ The Columbia Encyclopedia, p.898
[9] Dom B. Botte, Hippolyte de Rome: La Tradition Apostolique, dans ‘Sources Chrétiennes n: 11, Paris 1946
(نقله د. جورج عوض, مقدمة في علم الليتورجيات, المركز الأرثودكسي للدراسات الآبائية, نسخة إلكترونية)
[10] Hippolytus, On the Apostolic Tradition, tr. Alistair Stewart-Sykes, New York: St Vladimir's Seminary Press, 2001 , p. 104
[11] Apparently at all times
[12] انظر؛ Charles Bigg, The Origins of Christianity, Oxford: Clarendon Press, 1909, p. 279
[13] The Apostolic Constitutions: كتاب من ثمانية أجزاء, تقول ((الموسوعة الكاثوليكية )) (New York: The Universal Knowledge Foundation, 1913), 1/636 إنّه يمثّل وثيقة تاريخية هامة لمعرفة واقع الكنيسة في القرنين الثالث والرابع (( They are to-day of the highest value as an historical document, revealing the moral and religious conditions and the liturgical observances of the third and fourth centuries ))
[14] انظر؛ R. H. Cresswell, the Liturgy of the Eighth Book of ‘The Apostolic Constitutions, p.9
[15] Alvin J. Schmidt, op. cit., 135
[16] المصدر السابق
[17] المصدر السابق
[18] العسال, المجموع الصفوي, الكليّة الإكليريكيّة واللاهوتيّة للقبط الأرثوذكس, د.ت, 2/148
[19] المصدر السابق
[20] شنودة الثالث, اللاهوت المقارن –الجزء الأول-, القاهرة: الكليّة الإكليريكيّة للأقباط الأرثودكس, 1992م, ط2, ص 50
[21] المصدر السابق, ص 56
____________________________________________________________ ____________________________________________________________ ____________________________


الحجاب في التاريخ النصراني:
تذكر الموسوعة البريطانيّة –الإلكترونيّة-لسنة 2008م في مقال: ((خمار)) ((wimple)) أنّ النساء في أوروبا منذ آخر القرن الثاني عشر إلى بداية القرن الرابع عشر, قد ارتدين-بصور واسعة- خمارًا يغطّي الرأس ويلتفّ حول الرقبة والخدين والذقن؛ متأثّرات في ذلك –كما تقول هذه الموسوعة- بالمسلمات, بعد عودة الجنود الصليبيين من بلاد المسلمين.[3] ولم يكن هذا الشكل في اللباس بذلك مخالفًا لأحكام الكنيسة, بل هو موافق لأوامر الحجاب فيها من قبل, وقد استُجلِب من ناحية الشكل (كموضة) جديدة واردة من العالم الإسلامي.
وكانت المرأة المصرية الأرثودكسية طوال تاريخها حتى بداية القرن العشرين, ترتدي الحجاب, كما نقلته ((فيبي أرمانيوس))-التي يظهر من اسمها أنّها نصرانية- في مقالها عن المرأة في مصر ضمن كتاب: ((موسوعة النساء والثقافات الإسلامية)) ((Encyclopedia of Women and Islamic Cultures)) ((تاريخيًا, كان كل من النساء القبطيات والمسلمات يرتدين النقاب حتى بداية القرن العشرين.)) ((Historically, both Coptic and Muslim women wore the veil until the turn of the twentieth century)).[4] ونقلت لنا الموسوعة الإنجليزية ((The English Cyclopaedia)) الصادرة سنة 1867م أنّ عامة النساء النصرانيات في مصر (القبطيات كما تسميهن) يرتدين النقاب في ذاك الزمان.[5]
بعض الفرق النصرانية اليوم – (المينوتيين)[6] و(الآمش)[7] على سبيل المثال -لازالت تحافظ على أمر ارتداء غطاء الرأس بأمر من رؤساء الكنيسة؛ بدعوى أنّ غطاء الرأس ما هو إلا رمز لخضوع المرأة للرجل وللربّ[8], وهو نفس التفسير الذي قدمه ((بولس)) في العهد الجديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر
[3] انظر الموسوعة البريطانيّة الالكترونية لسنة 2008:
4- Afsaneh Najmabadi and Suad Joseph, Encyclopedia of Women and Islamic Cultures, Leiden : Brill, 2003, 2/721
[5] انظر؛ Charles Knight, The English Cyclopaedia, London: Bradbury, Evans, 1867, 3/198
[6] المينونيت Mennonite: نسبة إلى Menno Simons الكاتب والعالم الأناببتستي. وتعني عبارة (منّونيت), مجموعة من الجماعات حول العالم ترى أن أصولها تعود إلى حركة ((الأناببتيست)) في القرن السادس عشر ميلادياً. أصول المينونتيين أربعة: (1) التأكيد على أهمية التعميد للكبار المؤمنين (2) معارضة الحرب (3) سيادة المسيح (4) أهمية الالتزام الكنسي. ويبلغ عدد أفراد المينونتيين اليوم 900 ألف بالغ, ثلثهم تقريبًا يعيشون في أمريكا الشماليّة.(انظر؛ William H. Swatos, ed. Encyclopedia of Religion and Society, CA: Rowman Altamira, 1998, p. 294
[7] الآمش: فرقة انفصلت عن المينونت على يد قس اسمه ((جاكون أمّانّ)) ((Jacob Ammann)) سنة 1693م.
[8] انظر في لباس نساء الآمش:Donald B. Kraybill, The riddle of the Amish Culture, Maryland: JHU Press, 2001 , revised edition, pp.60-63
الحجاب
شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية
سامي عامري
أستاذ العقيدة والفرق والأديان في إحدى الجامعة الإسلاميّة عن بعد، وهو متخصص في دراسات العهد الجديد والاستشراق التنصيري. درس في كليّة الحقوق قبل أن يلتحق بدراسة الشريعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين