معجزة القرآن وكيف تختلف


1- نلاحظ أن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين .. معجزات الرسل خرقت النواميس (القوانين).. وتحدت أثبتت أن الذي جاءت على يده رسولا صادقا من الله ، ولكنَّ معجزة النبي صلى الله عليه وسلم عقلية باقية خالدة .. يستطيع كل واحد أن يقول : محمد رسول الله … وهذه معجزته وهى القرآن..


2- شئ آخر .. إذا نظرنا إلي المعجزات السابقة .. وجدنا هذه المعجزات فعلاً من أفعال الله .. وفعل الله من الممكن أن ينتهي بعد أن يفعله الله ؛ البحر انشق لموسى عليه السلام ثم عاد إلى طبيعته .. النار لم تحرق إبراهيم ولكنها عادت إلي خاصيتها بعد ذلك .. ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم صفة من صفات الله .. وهى كلامه .. والصفة باقية ببقاء الموصوف..


اختلاف معجزة القرآن عن معجزات الرسل :

3- ويلاحظ أيضاً في معجزة القرآن .. أنها اختلفت عن معجزات الرسل اختلافاً آخر .. كل رسول كانت له معجزة .. وله كتاب منهج .. معجزة موسى العصا .. ومنهجه التوراة .. ومعجزة عيسى الطب .. ومنهجه الإنجيل .. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزته هي عين منهجه .. ليظل المنهج محروساً بالمعجزة .. وتظل المعجزة في المنهج .. ومن هنا فقد كانت الكتب السابقة للقرآن داخلة في نطاق التكليف .. بمعنى أن الله – سبحانه وتعالى .. كان يُكلف عباده بالمحافظة على الكتاب .. أما القرآن .. فقد قال الله سبحانه وتعالى عنه : الحجر 9



قال الله تعالى
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ





أولاً : لأن القرآن معجزة .. وكونه معجزة لابد أن يبقى بهذا النص وإلا ضاع الإعجاز ..

ثانياً : لأن الله اختبر عباده في الحفاظ على الكتب السابقة .. فنسوا حظا مما ذكروا به .. والذين لم ينسوه كتموا بعضه .. والذين لم يكتموه يلوون ألسنتهم به ويحرِّفونه عن موضعه .

وهكذا نرى أنَّه كان هناك أكثر من نوع : المسخ والنسيان والتحريف { المسخ هو تغيير الشيء إلي ما هو أقبح } .. ثم جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا إنها من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليلاً.

قال تعالى


قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ


[المائدة13]


التطبيق والحفظ

ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى قرر أن يحافظ على القرآن .. ولو أخذنا خطين . ، خط تطبيق القرآن والعمل بتعاليمه .. وخط المحافظة على القرآن .. نرى أن خط تطبيق القرآن كلما مر الزمن ضعف .. وخط المحافظة على القرآن كلما مر الزمن ازداد .. لو كنا نطبق المنهج تطبيقاً سليماً لكان هذا أمر طبيعياً .. ولكن غفلتنا عن تعاليم القرآن كسلوك في الحياة لا تتمشى مع ازدياد الحفاظ على القرآن ..

نجد القرآن في كل مكان .. في كل منزل ومكتب وسيارة .. حتى غير المسلم يحافظ علي القرآن ويحمله .. فنجد شخصاً ألمانياً مثلاً يفكر في أن يكتب القرآن في صفحة واحدة .. بشكل جميل .. فلماذا يفعل ذلك بالقرآن .. قبل أن يفعله مع الكتب السماوية الأخرى ..؟ وما الذي يجعل دولة كاليابان وإيطاليا تتفننان في طباعة المصحف بشكل جميل أنيق ؟! .. إن ذلك يحدث لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يدلل لنا على أنه يحفظ القرآن .. وكلما ابتعدنا عن المنهج .. ازددنا في حفظ القرآن والعناية به .. ليدلل على أن الذي يحفظه هو الله .. وليس القائمون على المنهج.


معجزة القرآن للعالم كله والكفار يناقضون أنفسهمٍ


القرآن يتحدى العرب




فإذاً حددنا هذه العناصر الثلاثة التي تمتاز بها معجزة القرآن { القرآن معجزة عقلية ، وهو كلام الله صفته باقية ببقائه ، ومعجزة القرآن هي نفس المنهج ليظل المنهج محروساً بالمعجزة وتظل المعجزة في المنهج } ..


ننتقل بعد ذلك إلي نقطة أخرى .. القرآن كلام الله المتعبد بتلاوته … جاء من جنس ما نبغ فيه العرب .. القوم الذين نزل فيهم .. قوم محمد صلى الله عليه وسلم ، عُرفوا بالبلاغة والفصاحة وحسن الأداء وجمال المنطق ، وسلاسة التعبير … فيتحداهم القرآن في هذا .. ( كيف فرق رسولنا الكريم بين آلم (و) ألم .. إذن هناك علم أعلى ) فلما سمعوه انبهروا .. ولكن العناد أوقفهم … قالوا ساحر … والرد هنا بسيط جداً .. هل يملك المسحور اختياراً مع الساحر ؟ (لا) .. فإذا كان محمد ساحراً .. فقد سحر الناس .. فلماذا لم يسحركم أنتم حتى تتبعوه ؟ .. إنما المسحور لا يخضع للساحر بإرادته .. ولا يأتي ليقول له سأصدق هذا السحر وأكذب بهذا السحر .. إنما المسحور مسلوب الإرادة أمام الساحر … فكونكم تقولوا إنه ساحر وأنتم لا تؤمنوا به دليل على أنكم كاذبون … وتارة أخرى يقولوا مسحور … فهل يمكن أن يكون المسحور ساحرا أو أن يكون الساحر مسحورا ؟!!!!

ثم قالوا : شاعر .. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يقل الشعر في حياته .. وأنتم تعرفون ذلك .. فلماذا فجأة تتهمونه بالشعر

ثم قالوا : مجنون … هل المجنون يكون على خـُلق ؟ إنك لا تعرف إذا كان المجنون سيشتمك .. أو يقذفك بحجر لا تعرف ماذا سيفعل معك في الدقيقة التالية ، فهل المجنون يكون على خـُلق عظيم كالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ الذي يعرفون خلقه جيداً .. والذي كانوا يلقبونه قبل الإسلام بالصادق الأمين ويستأمنونه على ودائعهم حتى بعد أن بعثه الله عز وجل برسالة الإسلام .

الذي حدث أنهم انبهروا .. ذُهلوا .. هم ملوك البلاغة والفصاحة وأساطينها (أربابها العالمون بها والنابغون فيها ) .. فجاءهم كلام أعجزهم .. وجدوا أنفسهم عاجزين .. فتخبطوا .. قالوا ( ساحر .. مسحور .. شاعر .. مجنون ) ، قالوا أشياء لا تخضع لأي منطق .. لأنهم في قوة المفاجأة فقدوا الحًجَّة والمنطق ..

فمن جمال لغة القرآن قال فيه ألد أعدائه – الوليد بن المغيرة – عندما أرد هو ونفر من قريش أن يطيحوا بالرسول بأن يقولوا أنه مجنون أو شاعر: ((والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغذق، وإنه ليعلوا وما يعلى عليه)).

ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل اتهم أعداء الدين الى يومنا هذا أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – بهتانا – بأنه افترى القرآن ، ولكنهم تغاضوا عن تحدي القرآن لهم بمنتهى البساطة .

فأنتم أيها المضللون والمشككون إذا كنتم أهل فصاحة وبلاغة بما توصلتم إليه بالعلم القديم والحديث ، وأنتم تمتلكون جنس ونوع نبوغ ما جاء به القرآن ، وما دمتم قد قلتم : إنَّ محمداً قد افترى القرآن ، وإنَّ آيات القرآن ليست من عند الله ، فلقد تحداكم القرآن بأن تفتروا مثله ؟

وطالما توصلتم بعلمكم بأن القرآن أفتراه سيدنا محمد فإذن الأمر سهل بالنسبة لكم ، فلماذا لا تأتون بمثل القرآن ولو بعشر سور منه ؟

فمن المعروف أن محمداً منذ صغره لم يكن له شعر ولا نثر ولا خطابة ولا علاقة له بعلوم الرياضة ، ولم يزاول الشعر والخطابة ، ولم يشترك في مسابقات البلاغة والشعر ، وغير معروف عنه إنه عالم رياضيات أو فلك أو طب أو هندسة أو خبير في علم البحار والأرض والكواكب ، وأنتم الآن توصلتم بالعلم الحديث للصعود الى القمر والمريخ وبحثتم في باطن الأرض واستخرجتم المعادن منها ، وتوصلتم بالعلم الى أستنساخ البشر والحيوان ، وأنتجتم أدق الحاسبات الآلية … ألم يكن لديكم بعد كل هذا التطور العلمي أن تأتوا بمثل هذا القرآن ، فأين أنتم ؟



قال تعالى
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا





وتحداكم ولو بعشر سورة مفتراه كما زعمتم ، أين أنتم ؟




قال تعالى
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين





تحداكم بحديث مثله ، أين أنتم ؟






قال تعالى
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ





فما دام لديكم القدرة لأثبات أنه افتراه إذن لديكم القدرة بأن تفتروا مثله .

إذن فقد سهل عليكم القرآن ليكون التحدي على قدر عقولكم وعلمكم القديم والحديث ، فتحداكم القرآن بسورة واحدة … فأين أنتم ؟






قال تعالى
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين





فإن لم تفتروا مثله كما زعمتم على القرآن ، فالقرآن ليس افتراء

فهل ثبت بعد ذلك التحدي من القرآن لهؤلاء المضللين أنهم قبلوا التحدي ؟

لا … فشلوا وهربوا منكسين رؤوسهم … لأنهم لم يستطيعوا بأن يأتوا بآية واحدة مثل آيات القرآن في البيان الآسر وقوة الفصاحة وأسرار المعاني ؟


وأنظروا على قدرة التحدي … كتاب يحتوي على كلمات وحروف ، فكلماته تتحدى كل كائن خلقه الله ما بين السماوات والأرض ، فمن يحاول أن يتحداه يجده هو المتحدي… بل وقوة التحدي تتمثل في الآتي :


أولاً : أن يأتوا بمثل هذا القرآن ……. فشلوا
ثانياً : أن يأتوا بعشر صور ……. فشلوا
ثالثاً : أن يأتوا بسورة ……. فشلوا
رابعاً: أن يأتوا بحديث مثله …فشلوا


أنظروا : كلمات تحتوي على حروف تتحدى كل العلوم الحديثة .. ألا يكفي هذا للخضوع والإمان بالله عز وجل ، ألا يكفي هذا للصلاة والعبادة في أوقاتها حمداً وشكراً لعظمة هذا الدين ، ألا يكفي هذا لكي نشكر الله عز وجل على نعمة الإسلام .

اللهم صلي وسلم وبارك عليك يا رسول الله

أنظروا قمة التحدى … حروف تتحدى الدنيا كلها بمن عليها

لن يقف التحدي عند هذا الحد : فقال لمن يحاول أن يتحدى القرآن :

فليدعوا مجمعاً من البـُلغَاء ، نعم : هاتوا كل شركائكم وكل نبغائكم من دون الله تعالى إن كنتم صادقين .. بل زاد التحدي الى أن يأتوا بعالم الجن أجمع … وإن لم تفعلوا … فتحداهم القرآن بأن يجتمع أهل الجن والإنس معاً …. وإن لم تفعلوا ولن تفعلوا… إذن قال الله تعالى له :






قال تعالى
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلكَافِرِين





لماذا ؟ .. لأنه الحقُّ من الله جل وعلا …بشهادة الخصوم … ومادام فوق كل ذي علم عليم ، وما دام القرآن قد جاء من عند الله سبحانه وتعالى ، فلا علم لبشر أو أي مخلوق أخر يمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن . والتحدي قائم إلى يوم الدين


فأعلم أيها القارئ أن القرآن إنَّما نزل من عند الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد


وأعلم يا من تحاول أن تتحدى القرآن … ها هو القرآن يتحداك قبل أن تتحداه أنت ، إن قبلت التحدي أثبت صدق كلامك .. فلديك أربع تحديات من القرآن .. أختار المناسب لقدراتك وأستعن بمن أردت وبعد ذلك أفعل ما شئت .. وإن فشلت

فأتقي الله وآمن به … فأسلم تسلم … لا معنى ذلك أن تسلم من محاربتك أو قتلك .. لا فهذا مفهوم خطأ .. لأنك لو اسلمت فستسلم لله ، وإن وأشركت وبقيت على شركك فإنك لن تسلم من غضب الله وعذابه … فالمعنى من كلمة ( أسلم تسلم ) الغرض منها النصيحة




قال تعالى


الحِجْر


نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ – وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ





القرآن يتحدى العالم



.
حينما جاء القرآن تحدى في أشياء كثيرة .. أولها أنه مزق حواجز الغيب .. مزق حواجز الزمان والمكان .. كيف ذلك ؟

إن حواجز الغيب ثلاثة :

1) حاجز المكان : أي أن أشياء تحدث في نفس اللحظة .. ولكن لا أعرف عنها شيء .. لأنها تحدث في مكان آخر .
2) حاجز الزمن الماضي : وهو شيء حجبه عني زمن مضى .. فأنا لم أشهده .
3) حاجز المستقبل : وهو ما سيحدث غداً لأن حاجز الزمن المستقبل قد حـُجب عني فلم أشهده

فإذا قرأنا القرآن وجدنا أنه مزق حاجز الزمن الماضي .. فيخبرنا بما حدث للأمم السابقة .. ويروي لنا قصص الرسل السابقين .. ويحكي لنا أشياء لم يكن أحد يعرفها …

وكل هذا يأتي على لسان مَنْ ؟ .. أنه على لسان النبي الأمي .. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم… لا يقرأ ولا يكتب ، يحكي إذن أسرار الماضي ، ويتحدى الذين يكذبون .. لقد مزق الله .. سبحانه وتعالى .. له حجاب وحاجز الزمن الماضي .. ويكفي أن نقرأ في القرآن … {{{ وما كنت ، وما كنت ، وما كنت }}} لنعرف كم أخبر الله .. سبحانه وتعالى .. رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنباء من غيب الماضي .. سنتناول بعضاً منها :




1) يقول الحق سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين





آلِ عِمْرَان آية رقم : 44 قرآن كريم


قال الله تعالى


{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}





أي أنك لم تكن هناك يامحمد في بيت المقدس عندما اقترع كهان بيت المقدس أيهم يكفل ويرعى الطفلة المباركة مريم ابنة عمران ، وكان والدها إمامهم وصاحب قربانهم وكلهم يتمنى كفالتها ورعايتها ، وكان نبي الله زكريا عليه السلام حاضرا معهم ، وزوجته خالة تلك المولودة التي نذرتها أمها وهي في بطنها أن تكون خالصة لخدمة بيت المقدس ، ولما أقترعوا على من يكون كفيلها ومربيها كانت القرعة من نصيب نبي الله زكريا عليه السلام ، ولكن الله هو الذي أخبرك ومزق لك حجاب الزمن الماضي .





2) يقول الله سبحانه وتعالى … في سورة يوسف





يُوسُف آية رقم : 102 قرآن كريم


قال الله تعالى


{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}





أي : وما كنت حاضرا يا محمد عندما حقد إخوة يوسف عليه وألقوه في الجب ، ثم كذبوا على أبيهم حينما رجعوا عشاءا فادعوا أنَّ الذئب قد أكله ، وأكدوا ادعاءهم بتلويث قميصه بدم كذب قدموه لأبيهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى أنجاه من مكرهم ورفعه فوقهم ، حيث جعله على خزائن الأرض ، ولما أصابهم القحط جاءوا يطلبون منه المدد والعون ، وهم لا يعرفونه ، فما كنت تعرف ذلك ولكن الذي أخبرك بذلك هو الله سبحانه وتعالى ، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .





3) ونأتي إلى سورة القصص لتحكي لنا الآيات جانباً من اختراق القرآن الكريم لحجاب الزمن الماضي فيما حدث لنبي الله موسى عليه السلام





سورة القَصَص


قال تعالى


{وَمَا كُنْتَ بجَانِبِ الغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوْسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ، وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}





وهكذا نرى أن القرآن مزق حجاب الزمن الماضي في أكثر من مناسبة ليخبر محمداً { بالأخبار الصحيحة عمن سبقوه من الرسل }




لقد ضربنا نماذج لما جاء في القرآن الكريم من أخبار الأمم السابقة والرسل السابقين ، ومن أراد الاستزادة فليفتح كتاب الله ليتزود بما أخبر به عن : خلق سماوات وأرض وبحار وأنهار وجبال وشمسي وقمر ونجوم وحيوانات وطيور … الخ .





ويقرأ فيه قصة خلق آدم عليه السلام أبو البشرية وأول إنسان خلقه الله وقصة أبنيه قابيل وهابيل وقصص الأنبياء من بعد آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم





ولم يكتف القرآن بذكر الرسل السابقين بل وصحح ما حُرِّف من الكتب السماوية التي أنزلها الله وحرَّفها الرهبان والأحبار.





قال الله تعالى

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيّ َالَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ


[الأعراف157]





قال الله تعالى


وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ


[الصف 6]





بل إن الإعجاز هنا جاء في تصحيح ما حدث من تحريف الكتب السماوية التى سبقت القرآن .. ولكن محمد صلى الله عليه وسلم يتحدى بالقرآن أحبار اليهود ورهبان النصارى .. ويقول لهم هذا من عند الله .. في التوراة أو الإنجيل … وهذا حرفتموه في التوراة والإنجيل .. ولم يكونوا يستطيعون أن يواجهوا هذا التحدي أو يردوا عليه .. ذلك أن التحدي للقرآن في تمزيق حجاب الزمن الماضي .. وصل إلى أدق أسرار الرسالات السماوية الماضية فصححها لهم … وبين ما حرفوه منها وما أخفوه … وتحداهم أن يكذبوا ما جاء في القرآن فلم يستطيعوا … ومن ذلك قول الله تعالى بسورة مريم آية 34


قال تعالى


ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ


ثم جاء الأمر الثاني .. فمزق الله حجاب المكان لمحمد صلى الله عليه وسلم


ثم جاء الأمر الثاني .. فمزق الله حجاب المكان لمحمد صلى الله عليه وسلم .. وجاء في أمر من أدق الأمور وهو حديث النفس

وهنا وقبل البدأ .. أحب أن نضع في أذهاننا جيداً أن القرآن هو كلام الله المتعبد بتلاوته .. وأنه يبقى بلا تعديل ولا تغيير ولا يجرؤ أحد على أن يمسه أو يحرفه ، ومن هنا فإن هذا الكلام حجة على محمد صلى الله عليه وسلم مأخوذة عليه .. فإذا أخبر القرآن بشيء ,, واتضح أنه غير صحيح .. كان ذلك هدماً للدين كله ..


يأتي القرآن متحدثاً عن المنافقين في سورة المجادلة آية 8


قال تعالى
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُُ



ما معنى هذا الكلام؟



معناه إمعان التحدي .. فالقرآن هنا لا يقول لهم لقد هتكت حاجز الماضي .. وأخبرتكم بأنباء الأولين .. ولا يقول لهم سأهتك حاجز الماضي وأخبركم بما يدور في بقعة قريبة لا ترونها بل يقول :

سأهتك حاجز النفس .. وأخبركم بما في أنفسكم .. بما في داخل صدوركم .. بل بما تهمس به سفاهكم .. وقال في كلام متعبد بتلاوته لن يتغير ولا يتبدل .. قال : المجادلة آية 8

المجَادَلَة آية رقم :


قال تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَونَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المَصِيرُ



وقد نزلت الآية في فريقين من اليهود

الفريق الأول : كانوا كلما مر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، تهامسوا وتناجوا ليغيظوا الرسول والمسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن ذلك فيعودون إلى ما نهوا عنه ، وهو التهامس والنجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول .

الفريق الثاني : كانوا إذا مروا بالرسول قالوا : السام عليكم بدلاً من السلام عليكم ، ينطقونها بسرعة حتى لا يفهمها السامعون ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفهم ما يقولون فبين لأصحابه مكرهم ، وعلمهم أن يردوا عليهم ما قالوا ، فيقولون لهم : وعليكم .

قال : ما يدور في أنفس غير المؤمنين .. فهل هناك أكثر من هذا تحدياً .. لحجاب المكان .. إنه تحد فوق قدرة كل الاختراعات البشرية التي وصل إليها العلم الآن لاختراق حجب المكان .

بل إن التحدي ظهر فيما يحرص غير المؤمنين على إخفائه … فالإنسان حين يحرص على إخفاء شيء .. ويكون غير مؤمن يأتي إليك فيحلف لك بأن هذا صحيح وهو غير صحيح في نفسه فقط .. ولكن حرصه في أن يخفيه على الناس يجعله يؤكد أنه صحيح بالحلف .

ويأتي الله سبحانه وتعالى فيجعل القرآن يمزق نفوس هؤلاء الناس .. ويُظهر ما فيها إمعاناً في التحدي … ويقول الله سبحانه وتعالى

التَّوْبَة آية رقم 42:


قال تعالى
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ

ويقول الله سبحانه وتعالى

التَّوْبَة آية رقم : 96


قال تعالى
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِينَ



ويقول الله سبحانه وتعالى
المجَادَلَة آية رقم : 14


قال تعالى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُمْ مِّنْكُم وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ



ثلاث آيات نزلت في منافقي المدينة الذين كانوا يظهرون الإيمان ويخفون في صدورهم الكفر والحقد على الإسلام والمسلمين .

الآية الأولى : كشفت عما سيقوله المنافقون للرسول والمسلمين عند رجوعهم إلى المدينة من غزوة تبوك بعد أن تخلفوا عنها ، وسوف يحلفون لهم معتذرين ، حتى لا يؤنبهم على تخاذلهم وتخلفهم .



والآيتان الثانية والثالثة : تكشفان أن هؤلاء المنافقين يوالون المسلمين في الظاهر ، ويوالون الكفار في الباطن ، ويحلفون لكل فريق أنهم معهم ، والحقيقة أنهم ليسوا مع الكفار ولا مع المسلمين إنما هم منافقون



إذن فالقرآن هنا جاء لأناس غير مؤمنين .. وهتك حاجز النفس بالنسبة لهم فأخرج ما في صدورهم وعراهم أمام الناس جميعاً … وفضح كذبهم .. ونشر على الدنيا كلها ما في صدورهم من كذب ورياء ونفاق .. أي أنه أهانهم أمام المجتمع كله .. ولو كان هذا غير صحيح لقال هؤلاء القوم إننا لم نكذب .. إننا صادقون .. والكلام الذي يدعيه محمد بأنه يأتي من عند الله كلام غير صحيح … ولكن هؤلاء بُهتوا من أن القرآن مزق حجاب نفوسهم فلم يستطيعوا رداً … وبُهتوا لأن الله أخرج ما في صدورهم .. وعراهم أمام الناس جميعاً …

فهل نريد إعجازاً أكثر من ذلك ؟


ثم بعد ذلك مزق القرآن حجاب المستقبل


حجاب المستقبل


كان لا بد أن يكون الحديث عن المستقبل على عدة مراحل ..

المرحلة المعاصرة .. لكي يعرف أصحاب الرسالة والمؤمنون أنه الحق

مرحلة المستقبل البعيد .. لكي يعرف كل عصر من العصور التي ستأتي بعد نزول القرآن أن هذا هو كتاب الله الحق .. ومن هنا كان التحدي .. بالنسبة للمعاصرين عن أحداث قريبة .. وبالنسبة للعالم عن حقائق الكون كله ..

وهنا أحب أن أنبه إلى شيء هام جداً هو استخدام حرف السين في القرآن

فحرف السين كما نعرف في اللغة العربية لا يستخدم إلا بالنسبة لأحداث مستقبلة … والقرآن محفوظ ومتعبد به وبتلاوته .. وسيظل محفوظاً حتى يوم الساعة … ومعنى ذلك أنه لا يمكن تبديله أو تغييره أو إنكاره من أحد من المتعبدين به … بل إنه سيظل يُتلى هكذا كما أنزل ..

إذن فإنباء القرآن بأحداث مستقبلة يسجل هذه الأحداث على قضية الإيمان نفسها .. ويطعن الدين في صميمه .. خصوصاً إذا تبين أن ما تنبأ به القرآن غير صحيح .. ومن هنا فلا بد أن يكون قائل القرآن متأكدا من أن هذا سيحدث في المستقبل ..

مَنْ مِنْ البشر يستطيع أن يتأكد ماذا سيحدث له بعد ساعة واحدة ؟ فما بالك بعد أيام … وسنوات ؟! …

الجواب … لا أحد …

ذلك أن قدرة البشر في صنع الأحداث محدودة .. فقد حُجب عنهم الزمن … وحجب عنهم المكان … فلو قلت مثلاً إنني سأبني عمارة في هذه البقعة بعد عام .. أنا لا أضمن أنني سأعيش حتى الساعة القادمة .. وبذلك لا أستطيع أن أحكم إذا كنت سأكون موجوداً هناك أم لا … هذه واحدة ..

ثانياً : قد تأتي الحكومة مثلاً وتبني مستشفى في هذا المكان .. أو قد يقام في هذا المكان سوق أو شارع فأنا لا أستطيع أن أجزم في شيء مادي سيحدث بعد فترة زمنية محدودة ..

ولكن الذي يستطيع أن يقول هذا يقيناً هو الذي يملك القدرة .. ومن هنا فإنه يستطيع أن يقول يقيناً : إن هذا سيحدث بعد فترة من الزمن .. والذي يملك ذلك هو الله سبحانه وتعالى ..

فإذا كان الحديث عما سيحدث بعد آلاف السنين فإن ذلك فوق طاقة البشر جميعاً … لقد أنبأ القرآن بما سيحدث بعد أعوام قليلة … وبما سيحدث بعد آلاف السنين .. فالذي قال هذا هو القادر العالم بأن ذلك سيحدث يقيناً وهو الله سبحانه وتعالى … أنظر قول الله

القَمَر آية رقم : 45 قرآن كريم


قال الله تعالى

سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ





لقد نزلت سورة القمر هذه في مكة والمسلمون قلة .. وأذلة … حتى أن عمر بن الخطاب قال : أي جمع هذا الذي سيهزم ونحن لا نستطيع أن نحمي أنفسنا ؟

وهكذا يتنبأ القرآن بأن الإسلام سينتصر في مكة .. وأن هؤلاء الجمع الذين تجمعوا لمحاربة الإسلام في مكة سيهزمون ويولون الأدبار …

ويتنبأ بها متى ؟

والمسلمون قلة …. وأذلة … لا يستطيعون حماية أنفسهم … ويطلقها قضية .. وهو على يقين من أن الله الذي قالها سيحققها …

وبعد ذلك نجد عجباً … الوليد بن المغيرة العدو الألد للإسلام .. والمشهور بكبريائه ومكابرته وعناده .. يأتي القرآن ويقول هذا الإنسان المكابر العنيد ….

القَلَمُ آية رقم : 16 قرآن كريم



قال الله تعالى
سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطُومِ





(( نسمه : نعلمه .. الخرطوم : الأنف ))


أي أنه سيقتل بضربة على أنفه .. ويحدد موقع الضربة … وبعد ذلك يأتي في بدر … فتراه قد وسم موقع الضربة ومكانها .. من الذي يستطيع أن يجزم .. ماذا سيحدث بعد ساعة واحدة ؟

ونأتي بعد ذلك إلى آية أخرى … الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي فيقرأ قول الله سبحانه وتعالى

المَسَدُ آية رقم : 1 قرآن كريم


قال الله تعالى

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ، وَامْرَأَتُهُ حمَّالَةَ الحَطَبِ ، في جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدِ


هذا قرآن .. وفيمن .. ؟ في عم رسول الله .. وفيمن؟ . في عدو الإسلام ..

ألم يكن أبو لهب يستطيع أن يحارب الإسلام بهذه السورة ؟

ألم يكن يستطيع أن يستخدمها كسلاح ضد القرآن ؟ ضد هذا الدين ..

قالت له الآية : يا أبا لهب أنت ستموت كافراً ، ستموت مشركاً ، وستعذب في النار .. وكان يكفي أن يذهب أبو لهب إلى أي جماعة من المسلمين .. ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأن محمداً رسول الله .. يقولها نفاقاً .. يقولها رياءً .. يقولها ليهدم بها الإسلام .. لا ليدخل في الإسلام ..

يقولها ثم يقف وسط القوم يقول : إنَّ محمداً قد أنبأكم أنني سأموت كافراً .. وقال إنَّ هذا كلام مبلغ له من الله .. وأنا أعلن إسلامي لأثبت لكم أن محمداً كاذب .. لو كان أبو لهب يملك ذرة واحدة من الذكاء لفعل هذا ..

ولكن حتى هذا التفكير لم يجرؤ عقل أبي لهب على الوصول إليه … بل بقى كافرا مشركاً ، ومات وهو كافر .. ولم يكن التنبؤ بأن أبا لهب سيموت كافراً أمراً ممكناً … لأن كثيراً من المشركين اهتدوا إلى الإسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر بن الخطاب .. وغيرهم … كانوا مشركين وأسلموا … فكيف أمكن التنبؤ بأن أبا لهب بالذات لن يسلم ولو نفاقاً .. وسيموت وهو كافر ؟! …

المعجزة هنا أن القرآن قد أخبر بما سيقع من عدو …. وتحداه في أمر اختياري .. كان من الممكن أن يقوله ومع ذلك هناك يقين أن ذلك لن يحدث .. لماذا ؟ لأن الذي قال هذا القرآن .. يعلم أنه لن يأتي إلى عقل أبي لهب تفكير يكذَّب به القرآن …

فهل هناك إعجاز أكثر من هذا ؟


ونأتي للنقطة الثانية

وهي إعجاز قرآني عجيب … فقد كان هناك أمتان كبيرتان إمبراطوريتان بجانب الجزيرة العربية .. هما الروم والفرس … والمعروف أن الروم كانوا أهل كتاب …علماً بأنهم لا يصدقون برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. والفرس كانوا أهل كفر وإلحاد في ذلك الوقت .. إذن فأيهما أقرب إلى قلب المؤمنين ؟ بالطبع الروم .. وأيهما أقرب لقلب الكفار والمشركين ؟ بالطبع الفرس

وقد قامت الحرب بين الدولتين .. فأنتصر الفرس وهزمت الروم .. وهنا فرح المشركون ، لأن الكفر قد أنتصر .. وحزن وقتها المؤمنون … وهنا تدخل الله سبحانه وتعالى وأنزل من الآيات ما يزيل حزن المؤمنين .. فيقول
الرُّوم




بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى
الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيم





ثم مضى القرآن ليمعن في التحدي ..

الروم آية رقم : 6 قرآن كريم



قال الله تعالى
وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون




ما هذا ؟

أيستطيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يتنبأ بنتيجة معركة بين الفرس والروم بعد بضع سنين ؟

هل يستطيع قائد عسكري مهماً بلغت قوته وعبقريته ونبوغه أن يتنبأ بمصير معركة عسكرية بعد ساعة واحدة من قيامها ؟

فما بالك أن ذلك يأتي ويقول إنه بعد بضع سنين ستحدث معركة بين الفرس والروم وينتصر فيها الروم ..

هل أمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على نفسه أن يعيش بضع سنين ليشهد هذه المعركة .. لقد وصل الأمر بأبي بكر رضى الله عنه .. أنه راهن على صحة ما جاء به القرآن ..

إذن فقد أصبحت قضية إيمانية كبرى ..

هذا هو القرآن .. كلام الله ,,, وأساس الإيمان كله ..

يأتي ويخبر بحقيقة أرضية قريبة ستحدث لغير العرب .

ويقول الكفار : إن القرآن كاذب ..
فيقول المؤمنون : إن هذا صدق ..

ويحدث رهان بين الاثنين ..

ماذا كان يمكن أن يحدث لو أنه لم تحدث معركة بين الروم والفرس ؟

أو لو أنه حدثت معركة وهُزم فيها الروم ؟

أكان بعد ذلك يصدق أي إنسان القرآن ؟

أو يؤمن بالدين الجديد ؟

ثم إذا كان القرآن من عند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فما الذي يجعله يدخل في قضية غيبية كهذه لم يطلب منه الدخول فيها ؟

أيضيع الدين من أجل مخاطرة لم يطلبها أحد ؟

ولم يتحداه فيها إنسان ؟

ولكن القائل هو الله ..
والفاعل هو الله ..

ومن هنا كان هذا الأمر الذي نزل في القرآن يقيناً سيحدث .. لأن قائله ليس عنده حجاب الزمان .. وحجاب المكان .. ولا أي حجاب وهو الذي يقول ما يفعل … ومن هنا حدثت الحرب … وأنتصر الروم على الفرس فعلاً .. كما تنبأ القرآن ..

وهكذا تحدى القرآن الكفار وغير المسلمين في وقت نزوله .. أي أنه لم يتحدى العرب وحدهم .. بل تحدى المؤمنين والكفار من غير العرب .. بأن أنبأهم بما سيحدث لهم قبل أن يحدث بسبع أو ثماني سنوات .. وتحداهم بهذا علَّهم يؤمنون .



ولكن التحدي سيستمر إلى يوم القيامة


وقد تحدى القرآن العالم بالإعجاز في اللغة .. وطلب أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة أو بحدث من مثله ، ولكن القرآن لم يقف عن هذه النقطة فقط …

إذن بماذا تحداهم ؟

تحداهم بالعلم

وكان التحدي مطلقاً إلى يوم الدين ..

قال : أنتم جميعاً لن تستطيعوا أن تخلقوا شيئاً حتى نهاية العالم …

ثم تحداهم بخلق ماذا ؟ أبخلق كون كالذي خلقه ؟ لا

أبخلق مجموعة شمسية من عشرات المجموعات الشمسية الموجودة في الكون ؟ .. لا

أبخلق شمس أو قمر أو نجم ؟ .. لا

إذن تحداهم بخلق الكرة الأرضية مثلاً ؟ … أبداً

لا بد أنه تحداهم بخلق الإنسان … أبداً

لم يتحداهم بشيء من ذلك .

إذن فما هو التحدي هذا المجهول الذي احترنا في كشفه ؟

القرآن تحدى العالم أجمع بخلق ذبابة .. يا للعجب … ذبابه؟ … نعم

لو أجتمع كل علماء الكون كله من قبل ومن بعد على خلق ذبابة ما استطاعوا

الحَجُّ قرآن كريم


قال الله تعالى
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

فأين الملحد الذي لا يقر بوجود الله واين الذين يؤمنون أن يسوع هو الله ؟ فليأتوا به ويكذب القرآن المنزل من عند الله ، ويخلق لنا جناح ذبابة

والعجيب أن الإنسان قد وصل القمر وقد يصل إلى أبعد من القمر.. ولكنه عاجز أن يخلق جناح ذبابه حتى الآن.

قال تعالى ( ضعف الطالب والمطلوب ))

فالله عز وجل أقر بأنه هو الله وأن من قال أنه هو المسيح ابن مريم فقد كفر .. وإذا كان المسيح ابن مريم هو الله كما يدعي اهل الصليب .. فليأتي المسيح عليه السلام إن استطاع ! ويثبت أنه هو الله وما جاء بالقرآن باطل … وطالما عجز المسيح ابن مريم عليه السلام أن يتحدى القرآن وما جاء به بأن الله ليس هو المسيح ابن مريم ، وكذا عجز أن يخلق ذبابة.. فيبقى الله هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد .. لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .


ونأتي بعد ذلك لأمر آخر ، علما من علوم الله عز وجل

هو علم الأجنة

فلننظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى


قال الله تعالى
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِّنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ
[المؤمنون12-14]




الإِنْسَان آية رقم : 2


قال الله تعالى

إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا




وكما ذكرت من قبل أن العلماء قاموا بتحليل جسد الإنسان فوجدوه مكوناً من ستة عشر عنصراً .. أولها الأوكسجين .. وأخرها المنجنيز .. ووجدوا أن القشرة الأرضية مكونة من نفس العناصر .