تفسير الإنجيل بالقرآن (12)
رد الشبهات
أوردنا عشرات النصوص من الإنجيل ، توافق القرآن الكريم ، فى كون المسيح بشرا كسائر البشر ، وعبدا لله كسائر العباد ، ورسولا كسائر المرسلين .
غير أن النصارى يضربون بذلك كله عرض الحائط ، ويحرفون ما بقى من معانى صحيحة فى إنجيلهم المحرف .
فيثبتون – تعسفا – ألوهية المسيح بن مريم .
وهنا سنبدأ مناقشة شبهات القوم ، لنثبت غير ما زعموا ، بخلاف ما أثبتناه فى إحدى عشر درسا سابقا .
ويلزمنا أولا أن نبين حقيقة القوم وما فعلوه فى كتابهم من التحريف .
والتحريف نوعان :
تحريف لفظى ، بأن يكتب غير ما نزل فى الكتاب وينسبه له .
وتحريف معنوى ، بأن يبقى اللفظ كما هو ، ويحرف مدلوله ومعناه .
وكلا التحريفين واقع من قبل اليهود والنصارى ، فى التوراة والإنجيل.
قول القرآن فى تحريفهم لكتبهم تحريفا لفظيا :
قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة:79]
قال ابن كثير :" وقال السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم، يبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله، ليأخذوا به ثمنًا قليلا.... وقوله تعالى: { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } أي: فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان، والافتراء، وويل لهم مما أكلوا به من السحت" (تفسير ابن كثير)
قول القرآن فى تحريفهم لكتبهم تحريفا معنويا :
قال تعالى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [آل عمران:78]
قال السعدى " يخبر تعالى أن من أهل الكتاب فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي: يميلونه ويحرفونه عن المقصود به، وهذا يشمل اللي والتحريف لألفاظه ومعانيه، وذلك أن المقصود من الكتاب حفظ ألفاظه وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه، وهؤلاء عكسوا القضية وأفهموا غير المراد من الكتاب، إما تعريضا وإما تصريحا، فالتعريض في قوله

{ لتحسبوه من الكتاب } أي: يلوون ألسنتهم ويوهمونكم أنه هو المراد من كتاب الله، وليس هو المراد، والتصريح في قولهم: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } وهذا أعظم جرما ممن يقول على الله بلا علم، هؤلاء يقولون على الله الكذب فيجمعون بين نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وتنزيل اللفظ الدال على الحق على المعنى الفاسد، مع علمهم بذلك "
(تيسير الكريم الرحمن)
ويلزمنا ثانيا أن نبين طبيعة القوم ، حتى نعلم من نجادل .
صفات أهل الكتاب ، الخواص منهم والعوام :
الجدال بغير علم :
قال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[آل عمران:65-66]
تلبيس الحق بالباطل:
قال تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[آل عمران:71]
الكذب على الله:
قال تعالى:{ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
[آل عمران:75]
الصد عن الصراط المستقيم :
قال تعالى :{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [آل عمران:99]
أن ما هم عليه ليس دينا أصلا:
قال تعالى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آلمائدة:68]
أن الأحبار والرهبان ، يصدون الناس عن الحق ، رغبة فى الدنيا :
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [التوبة:34]
أنهم يعرفون الحق ولا يتبعوه :
قال تعالى: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } [البقرة:89].
وعليه
نحن أمام تحريف للتوراة والإنجيل ، لفظى ومعنوى
وأمام طائفة ، موصوفة :
بالجدال بغير علم
وتلبيس الحق بالباطل
وكذب متعمد على الله
وصد الناس عن سبيله سبحانه
وأنهم ليسو على دين
وأنهم يعرفون الحق ويجحدوه
وسيكون كل ذلك واضحا عندما نرى كيف يثبتون ألوهية المسيح كذبا وزورًا.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم