سؤالهم
- تقولون إن القرآن نزل من عند الله, ورغم هذا تقولون إن بعض آياته نُسِخَت, وجاءت آيات أخرى بدلاً منها, إن هذا معناه البَدَاء, وهو أن الحكم ينزل, وبعد تطبيقه يتضح عدم صلاحيته وقصوره فى مواجهة الواقع, فيُغيَّر بحكم آخر, وهذا مُحال على الله, ولماذا لم يُنسَخ شرعكم كما نُسِخَت الشرائع الأخرى كما تقولون؟
الجواب
- إن البَدَاء مُحال على الله سبحانه وتعالى, وهو من عقائد الشيعة الباطلة, ومعناه أن الله يأمر بشىء ثم يبدو له شىء آخر أصلح منه فيأمر به, وهذا من صفات البشر التى لا تليق بالله, لأنه سبحانه وتعالى يعلم ما كان, وما يكون, وما سيكون, وما لم يكن لو كان كيف كان يكون, ولكن تبديل الآيات أو الأحكام بغيرها يسمى (النسخ) والنسخ ليس خاصاً بالقرآن وحده, بل إن بعض أحكام التوراة والإنجيل نُسِخَت بأحكام أخرى, وسيأتى ذكر بعضها بعد الإجابة على الشبهة إن شاء الله تعالى.
نقول وبالله التوفيق: ليس هناك نسخ فى العقائِد, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خير ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير))[صحيح الجامع:3274] وهذه لا يمكن نسخها, كذلك أخبار يوم القيامة, والبعث والنشور, والجنة والنار, وقصص الأنبياء... إلخ, لا تُنسَخ لأنها أمور ثابتة لا تتغير. والنسخ معناه الإزالة, وهو أمر ضرورى ومرحلى, فكل زمن له أحكام توافقه, ثم يأتى الزمن الذى يليه فيحتاج لأحكام أخرى, كما يمر الإنسان بمراحل مختلفة من حياته, يحتاج فى كل مرحلة إلى ما لا يحتاجه فى المراحل الأخرى, فالطفل, غير الشاب, غير الكهل... إلخ. فالله سبحانه وتعالى نسخ شريعة إبراهيم بشريعة موسى, ونسخ بعض شريعة موسى بشريعة عيسى, ونسخ شريعة عيسى بشريعة سيدنا محمد, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والنسخ لا يكون إلا فى التكاليف.. إفعل ولا تفعل, أشياء تُحَلل, وأخرى تُحَرَّم, أشياء تزيد, وأخرى تنقص, قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] والناس تحكمها عادات وتقاليد وبيئات, والمجتمع المشرك كان يَئِن بالأمراض, ولتغيير تلك العادات ومعالجة تلك الأمراض كان لابد من التدرج فى التشريع, كالذى يأخذ الدواء على جرعات, ولو أخذه كله مرة واحدة لمات, وكذلك فإنه من حين لآخر يُغيَّرُ له نوع العلاج, ليناسب ما جَدَّ من أحواله. فمثلاً: تحريم الخمر جاء على مراحل متعددة, فقد كانوا يشربون الخمر شُربهم للماء, وكانت لهم فيها أشعار, فلو حُرِّمَت عليهم فجأة لكان هذا صعباً على نفوسهم, فمن المعلوم لدى الأطباء أن المدمن لشىء يصعب عليه أن يفارقه فجأة, لأن هذا يصيبه باضطرابات عصبية ونفسية, فلابد له من التدرج فى تركه, أمّا الأجيال التى جاءت بعدهم فليس لهم تدرج فى هذا الأمر, لأن أسلافهم منعوها, فلم تبقَ فى خَلَفِهم. ومن جهة أخرى فإن تحريمها فجأة كان سيضر باقتصادهم, وتخيلوا لو أن جميع محلات بيع الخمور أُغلِقَت فجأة.. فمن أين يرتزق أصحابها؟ أما تحريمها بالتدريج فقد جعل الإقبال عليها يقل بالتدريج, حتى يتسنَّى للمتاجرين فيها أن يبحثوا عن مصادر أخرى ليرتزقوا منها. وكذلك آيات الصبر على أذى الكفار كانت فى أول البعثة, حيث المؤمنون قِلَّة مستضعفة لا تستطيع المواجهة, أما بعد أن قويت شوكتهم, وأصبحت لهم دولة, أذِن الله لهم فى القتال {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39] ولو ظلت آيات الصفح والعفو عن المشركين لم تنسخ, لأُجهِضَ الإسلام, ولَوئِدَت دولته منذ نشأتها, فلابد للحق من قوة تحميه, قال الله عز وجل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً} [الحج:40] ومن الآيات التى نُسخِت حكماً وبقيت تلاوة, قوله تعالى: {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا}[النساء:16] و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}[النساء:43] وآيات أخرى نُسِخت تلاوة وبقيت حكماً, مثل {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة} أى المحصنون إذا زنوا فلابد أن يُرجَموا, وهذه الآيات التى نسخت تلاوة وبقيت حكماً هى التى نُسِيَت, أى فى قوله تعالى: {أَوْ نُنسِهَا} وليس كل ما نُسِخَ نعلم حكمته, ولكننا نسلّم بأن الله سبحانه وتعالى له الحكمة التامة فى ذلك وغيره, فهو سبحانه يفعل ما يشاء {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18] قد يقول قائل: {بِخَيْرٍ مِّنْهَا}مقبولة, ولكن ما فائدة {مِثْلِهَا}؟ فنقول وبالله التوفيق: إن هذا مِثل آية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] فالعبرة ليست بالاتجاه يميناً أو يساراً {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} [البقرة115] ولكن العبرة هى تعظيم أمر الله جل وعلا, مثل سجود الملائكة لآدم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - فليس هذا تعظيماً لآدم, ولكنه تعظيماً لأمر الآمر, وهو الله جل وعلا. وتحويل القبلة كان اختباراً إيمانياً {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى} [البقرة:143] فمثلاً {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} لو قال أب لابنه: قُمْ من على هذا الكرسى واجلس على الآخر, فالوضعان بالنسبة للابن سواء, ولكن الأب يريد أن يختبر طاعة ابنه له, وانقياده لأوامره.
أما لماذا لم يُنسَخُ شرعنا؟ لأنه فى علم الله القديم أن هذا الشرع الأخير يصلح لجميع الأجيال المتعاقبة إلى يوم القيامة, ولن تأتى أحوال تستدعى تشريعاً آخر, وكأن البشرية قد بلغت سن الرشد, كما يُكَلَّفُ أحدنا حين يبلغ سن الرشد, ولا تتغير عليه الأحكام بعد ذلك. قد يقول قائل: قد جَدَّت على البشرية أحوال كثيرة غير التى كانت على أيام الرسول r, ونقول له: إنها تقاس على أحكام أخرى مشابهة لها, والفقهاء - بارك الله فيهم - عندهم الإجابة على كل سؤال, فعلى سبيل المثال: شرب الدخان يُحكَم عليه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا ضَرَرَ ولا ضِرار))[مُسنَد أحمد وسنن ابن ماجه, صحيح الجامع:7517] والحشيش والبانجو والأفيون وغيرها, يحكم عليها بحكم الخمر, لأن الخمر تُخمِّرُ العقل.. أى تغطيه, وقد سُمِّىَ الخِمارُ خماراً لأنه يغطى الرأس. التِلفاز, والطبق (الدِّش) والحاسب الآلى, والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) يُحكَم عليها بما قيل فى الشِّعر: إن حلاله حلال وحرامه حرام. ويحكم عليها أيضاً بالآية الكريمة: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان}[المائدة:2] وأشياء أخرى كثيرة يُحكَمُ عليها بما يناسبها.
والآن نذكر لكم بعض ما نُسِخَ من الكتاب المقدس:
وتأكل كعكاً من الشعير. على الْخُرْء الذى يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم. وقال الرب. هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم. فقلت آه يا سيد الرب ها نفسى لم تتنجس ومن صباى إلى الآن لم آكل ميتة أو فريسة ولا دخل فمى لحم نجس. فقال لى انظر. قد جعلت لك خِثى البقر بدل خُرْء الإنسان فتصنع خبزك عليه. (حزقيال4: 12-15) فى هذا النَّص يزعمون أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه (حزقيال) بعمل الكعك على خُرْء الإنسان (أى برازه) فلما اعترض خفف عنه وأمره أن يخبزه على خِثىّ البقر.
يقولون إن الله أمر نبيه (إيليا) أن يدمر مَلِك إسرائيل (أخآب) وأن يترك دمه لتلحسه الكلاب, فلما عَلِمَ أخآب تاب, فعفا عنه وجعل العقوبة على ابنه, ورغم ذلك قُتِلَ ولحست الكلاب دمه, وكأن الله سبحانه وتعالى قد رجع فى كلامه, وها هو ملخص قصته: فكان كلام الرب إلى إيليا التشبى قائلاً قُم انزل للقاء أخآب ملك إسرائيل... هكذا قال الرب. فى المكان الذى لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضاً... هَأنذا أجلبُ عليك شراً وأبيدُ نسلك... من مات لأخآب فى المدينة تأكله الكلاب ومن مات فى الحقل تأكله طيور السماء... ولما سمع أخآب هذا الكلام شق ثيابه وجعل مِسحاً على جسده وصام واضطجع بالمِسح ومشى بسكوت. فكان كلام الرب إلى إيليا التشبى قائلاً هل رأيتَ كيف اتضع أخآب أمامى. فمن أجل أنه قد اتضع أمامى لا أجلبُ الشر فى أيامه بل فى أيام ابنه أجلبُ الشر على بيته (الملوك الأول21: 17-39) أما قصة قتله ففى الإصحاح الذى بعده, وها هى نهايتها: وإن رجلاً نزع فى قوسه غير متعمد وضرب ملك إسرائيل... وأوقف الملك فى مركبته مقابل أرام ومات عند المساء وجرى دم الجرح إلى حِضن المركبة... وغُسِلَت المركبة فى بركة السامرة فلحست الكلاب دمه... فاضطجع أخآب مع آبائه ومَلَكَ أخزيا ابنه عِوَضاً عنه (الملوك الأول22: 34-40) ومعنى (فاضطجع أخآب مع آبائه) أى دُفِنَ معهم.
فى النَّص التالى يأمر الرب بإهلاك أورشليم, ثم يندم (بزعمهم) ويأمر المَلَك بالكَفّ عن إهلاكها: وأرسل الله ملاكاً على أورشليم لإهلاكها وفيما هو يُهلِكُ رأى الرَبُّ فندم على الشر وقال للملاك الْمُهلِك كفى الآن رُدَّ يدك. (أخبار الأيام الأول21: 15)
نسخ العهد الجديد بعض أحكام العهد القديم مثل الطلاق, فقد كان مباحاً للرجل أن يطلق امرأته, وكان مباحاً لها أن تتزوج بعد طلاقها, بدليل قوله: إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة فى عينيه لأنه وجد فيها عيب شىء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذى اتخذها له زوجة لا يقدر زوجها الأول الذى طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست. (تثنية24: 1-4) ثم جاء العهد الجديد فحرم الطلاق إلا بسبب الزنى, وحرم زواج المطلقة, وحكم عليه بأنه زنى, فقال: وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لِعِلَّة الزنى يجعلها تزنى. ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى (متى5: 31-32) قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق. قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِنَ لكم أن تطلقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى. والذى يتزوج بمطلقة يزنى. (متى19: 7-9) نلاحظ أن النَّص الأخير أقرَّ بالنسخ مرتين, مرة فى شريعة موسى, ومرة فى شريعة عيسى - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام - لأنهم لما سألوه وقالوا له إن موسى أحلَّ الطلاق, رد عليهم بأن موسى فعل ذلك لأجل قساوة قلوبهم (ولكن من البدء لم يكن هكذا)
حرم العهد القديم أشياءً كثيرة جداً, واعتبرها نجسة, منها أنواع كثيرة فى (سِفْر اللاويين, الإصحاح11) وبعضها قد ذُكِرَ فى الرد على الشبهة رقم (60) ثم جاء العهد الجديد فأحلها, بدليل قوله: إنى عالم ومتيقن فى الرب يسوع أن ليس شىء نجساً بذاته إلا من يحسب شيئاً نجساً فله هو نجس. (رسالة بولس إلى رومية14: 14)كل شىء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شىء طاهراً بل قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم (رسالة بولس إلى تيطس1: 15) كل الأشياء طاهرة لكنه شر للإنسان الذى يأكل بعَثْرَة. (الرسالة إلى رومية14: 20)
كان تعظيم السبت حكماً أبدياً فى العهد القديم, لدرجة أن من عمل فيه أدنى عمل يُقتل: وكلم الرب موسى قائلاً. وأنت تكلم بنى إسرائيل قائلاً سُبُوتى تحفظونها. لأنه علامة بينى وبينكم فى أجيالكم لتعلموا أنى أنا الرب الذى يقدسكم. فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم. من دنَّسَه يُقتل قتلاً. إن كل من صنع فيه عملاً تُقطع تلك النفس من بين شعبها. ستة أيام يُصنع عمل. وأما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدس للرب. كل من صنع عملاً فى يوم السبت يُقتل قتلاً. فيحفظ بنو إسرائيل السبت ليصنعوا السبت فى أجيالهم عهداً أبدياً. هو بينى وبين بنى إسرائيل علامة إلى الأبد. لأنه فى ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفى اليوم السابع استراح وتنفَّس. (خروج31: 12-17) ثم جاء المسيح - عليه السلام - فنقض السبت, ولذلك أراد اليهود أن يقتلوه: ولهذا كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا فى سبت. فأجابهم يسوع أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم يَنقُض السبت فقط بل قال أيضاً إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله (يوحنا5: 16-18) فقال قوم من الفريسيين هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت. (يوحنا9: 16)
كان الختان حكماً أبدياً لليهود, فيقول العهد القديم: وقال الله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدى. أنت ونسلك من بعدك فى أجيالهم. هذا هو عهدى الذى تحفظونه بينى وبينكم وبين نسلك من بعدك. يختن منكم كل ذكر. فتختنون فى لحم غُرلتكم. فيكون علامة عهد بينى وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر فى أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك. يختن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بفضتك. فيكون عهدى فى لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذى لا يُختن فى لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدى (تكوين17: 9-14) واستمر فيهم هذا الأمر إلى أن اختتن المسيح عليه السلام نفسه: ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى سُمِّىَ يسوع (لوقا2: 21) ثم جاء بولس بعد ذلك فنسخ الختان بقوله: ها أنا بولس أقول لكم إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً. لكن أشهد أيضاً لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس. قد تبطَّلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة. فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بِرّ. لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة. (رسالة بولس إلى غلاطية5: 2-6) غير أنه كما قسم الله لكل واحد كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك وهكذا أنا آمر فى جميع الكنائس. دُعِىَ أحد وهو مختون فلا يَصِر أغلف. دُعِىَ أحد فى الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس7: 17-19) إن عبارة (دُعِىَ أحد فى الغرلة فلا يختتن) مفهومة, ولكن كيف نفهم (دُعِىَ أحد وهو مختون فلا يَصِر أغلف)؟
نسخ جميع أحكام التوراة إلا أربعة: لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عمّا ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التى إن حفظتم أنفسكم منها فنِعِمّاً تفعلون. وكونوا مُعافين (أعمال الرسل15: 28-29) ولم يقتصر الأمر على ذلك, بل إن جميع أحكام التوراة تم نسخها, يقول بولس: مع المسيح صُلِبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ. فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان إيمان ابن الله الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى. لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس بِرّ فالمسيح إذاً مات بلا سبب (رسالة بولس إلى غلاطية2: 20-21) لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت فى جميع ما هو مكتوب فى كتاب الناموس ليعمل به. ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البارّ بالايمان يحيا. ولكن الناموس ليس من الإيمان بل الإنسان الذى يفعلها سيحيا بها. المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا (رسالة بولس إلى غلاطية3: 10-13) إن معنى كلام (بولس) فى الفقرة الأولى أن الناموس (أى شريعة سيدنا موسى, على نبينا وعليه الصلاة والسلام) إن كان له بِرّ (أى إن كان سبباً فى البِرّ) فيكون المسيح قد صُلِبَ بغير فائدة, أى أن صَلْبه لم يَعُد عليهم بفائدة فى تخفيف أحكام الناموس عليهم. ومعنى كلامه فى الفقرة الثانية أن المسيح (بزعمهم) صُلِبَ وجُعِلَ لعنة ليخلصهم من لعنة الناموس, لأنه بالإيمان يصبح الإنسان بارّاً لا بالناموس. وهنا يتضح الفرق بيننا وبينهم, فهم يزعمون أن بالإيمان وحده ينجو الإنسان, بل إنهم وصفوا الشريعة (الناموس) بأنها لعنة, أما نحن فلا نقول إن الإيمان وحده يكفى, بل لابد أن يقترن بالعمل الصالح, وهذا ما نص عليه القرآن الكريم فى أكثر من موضع.ومن يرجع إلى الكتاب المقدس فسيجد أشياءً أخرى كثيرة نُسِخَت غير التى ذكرناها, ومنها على سبيل المثال ما جاء فى (إنجيل متى, الإصحاح5)من تكرار قول المسيح - عليه السلام - قد سمعتم إنه قيل كذا وأنا أقول كذا, والله أعلم.