سِياحةُ الرُّوح
شعر / أ.موسى أبو جليدان

رَبَّــاهُ حِلْمُــــــكَ هاطلُ الرَّحَماتِ *** ورحيــقُ أُنْسِـكَ مُنتهَى اللَّذَّاتِ
شـــــــــرَّفتني بِضيــافةٍ قُدســــيَّةٍ *** وأنا كثيـــرُ الكَبْـــوِ والعثَــراتِ
وحبَوْتنـــي أنْ أستجيـــــرَ مُؤمِّلاً *** عندَ المقــامِ بخالــصِ الحاجاتِ
وأطـــــــوفَ بالبيتِ العتيقِ مُلَبِّياً *** أسْتمطــرُ الغفــرانَ والبركاتِ
لــمَّا بطيْبـةَ طـابَ رَوْحُ مـقامــِنا *** عبقَ المُنــى في موْئلِ النَّفحاتِ
زُرْتُ الحبيــــبَ وصاحبيهِ يلفُنِي *** طيـــفٌ من التبجيـلِ والإخْباتِ
للرَّوضةِ الحُسنــــى دلفْتُ مُصلياً *** مُتـلـهفــاً مُستــذكــراً زلْاتِـــي
ووقفتُ بالمثْوى المَهيـــبِ مُسلِّماً *** خَجِلَ الشُّعورِ مُكبَّلَ الخُطـواتِ
أعصيهِ ثمَّ أزورُه ؟! يا حسرةً !! *** إنْ لمْ أُرَدُّ بوافــــرِ الصلــــواتِ
ودعـوتُ مَـــنْ لا أستغيثُ بغيرِهِ *** أبـــداً ولا قَصَـدَتْ سواهُ شَكَاتِي
أنْ أســـتحقَ شــفاعـةً أرنُـو لــها *** أدنُــو بها مِن سيِّــــدِ السَّـــاداتِ
وغدوتُ فــي وفدِ الحجيجِ يهُزُّنِي *** شــــوقٌ لتلك الأنْسُكِ العَطِرَاتِ
أسْترجِعُ الماضي وأتَّبِــــعُ الهُدى *** أصْطَــادُ مِن أثَرِ الخليلِ عِظاتِ
ما زلْتُ في بحـــرِ المعاني هائماً *** حتى إذا أحْــرمْتُ فـــي الميقاتِ
وَجِلَ الفـــؤادُ وقـد ذكرتُ نهايتي *** إذْ أُدْرَجُ الأكفــــــانَ يومَ ممـاتِي
فسألتُـــــهُ عنــــدَ الوفاةِ شــــهادةً *** تعلـــو بها يـــومَ الجَزَا درجاتِي
ومضَى إلى الحَرمِ الأمينِ رِكَابُنا *** فوجدْتُ مُغْتَســـلاً مِنَ الآفـــــاتِ
فإذا اكْتحلْتُ برؤيــــةِ البيتِ الذي *** رَجَـــمَ العُـــداةَ بواصبِ الويْلاتِ
فعَسَايَ أحْظَى في الجِنَانِ بنظْــرَةٍ *** لجلالِـهِ مَشْفـــوعةٍ بِصِـــــــلَاتِ
ما أجملَ الأفواجَ تزحـــفُ تخْتَشِي *** سُوءَ العـذابِ وتَرْتجِي الرَّحَماتِ
مِنْ كُلِّ أصْــــقاعِ الدُّنَا جاءُوا هُنَـا *** مِــنْ سائـــرِ الأعْراقِ واللَّهَجَاتِ
هُـــــوَ يا أخي التوحيدُ وحدةُ أمتي *** لا في لظَـــى الآراءِ والرَّايـــاتِ
مَنْ ذا يصُوغُ مِنَ الشَّعـــائرِ واقعاً *** وشعــوبُنَا فــــي أزَمَـــةٍ وشَتَاتِ
حتَّى اسْتباحَ الغاصبــــونَ حياضَنَا *** زجُّـــــــوا بِنَا في مرْتَعِ النَّعَرَاتِ
هذي الملايينُ التـــي نَفَرتْ إلَى الْـ *** بيتِ الحَرامِ تصيحُ في الصَّعُداتِ
لِمَ تتْرُكُ الأقصــــــــى أخَاهَ رهينةً *** في قبضةِ الأشـرارِ مِنْ سنـــواتِ
يا ليتَ مَنْ باتُوا اللياليَ في مِنَــــى *** زرعُوا المُنى بالدَّمِّ في السَّاحـاتِ
أوْ ذَبَّحُـــــوا وَهَنَاً تطاولَ عهْــــدُهُ *** دفنَ الشُّعـــوبَ بحالكِ الظُّلُمـــاتِ
يا ليتَهم ضَحُّــــــوا بكلِّ نفيســــــةٍ *** يا ليتَهم نحـــــــرُوا بها الشَّهواتِ
هـــلْ يســفرُ الفجرُ العَبُوقُ كرامةً *** والمسلمــــونَ برقْــــدةٍ وسُبَـــاتِ
كمْ حدَّثتْنِي النَّفْــــسُ حيـــن رأيتُهم *** يتزاحمـــون الرَّمْيَ في الجَمَراتِ
فوددْتُ لوْ رجمُـوا الطُّغاةَ وأسْقطُوا *** كَنْسَاً رؤوسَ عمالـــةٍ عَفِنـــــاتِ
لو قصَّرُوا عُمُــــرَ الهزيمةِ يا أخي *** لو حلَّقُــــوا الإذْعانَ للنَّكِــــــرَاتِ
وتحلَّلُوا مِـــنْ كُلِّ ميثاقٍ هَــــــوَى *** بحقوقِنا في خنـــــــدقِ الحَسراتِ
الحـــــجُّ جامعةُ ومنْبـــــــعُ نهْضةٍ *** الحــــجُّ مــؤتمرٌ وفيْـــضُ ثَبـــاتِ
ما الحــــجُّ نُزْهةَ ســـــادرٍ متنسكٍ *** عَكِرِ الجَنَــــانِ مُشتَّــتِ الخَطَراتِ
كمْ هالنِي وجَعُ العُروبــةِ تشْتكِـي *** وتبُــــوحُ بالأنَّاتِ والزَّفَــــــرَاتِ
جـــوعٌ تغطْرسَ فاسْتَباحَ طفـولةً *** وحصارُ بـغْــــيٍ كالحُ السَوْءَاتِ
وتمزُّقٌ نَكِــــدٌ وجهْـــــلٌ فاجـــرٌ *** وعـدوُ ديــــــنٍ يُهْـــدِرُ الحُرُمَاتِ
ورُوَيْبِضــــاتٌ هشَّمُـــــوا آمـالنَا *** أنا مِحْنتِـــي مقْـــرونـةٌ بِوُلَاتِـــي
لكِنَّ عزْمِـــي ناشِـــــــبٌ مُتــوقِّدٌ *** لا يُوهِـــنُ الغَيْـــــمُ الكئيبُ قناتِي
كيفَ القُنُوطُ وفي عروقِي زَمْزَمٌ *** سكبَ اليقينَ علَيَّ في الأزَمــــاتِ
أنا قدْ سَعَيْتُ أليسَ ينْهَلُ مَنْ سعَى *** ثقــــةً بغــــــوْثٍ لا محالَــــةَ آتِ
الذِّكــرُ زادِي والرَّجاءُ سفينتِـــي *** أَلِجُ الفِنَــــاءَ أُسَدِّدُ الدَّعــــــــواتِ
حوْلي نشيجُ الغُبْرِ والشُعْثِ الأُلَى *** رفعُـــــوا الأكفَّ بفائضِ العَبَرَاتِ
أنا حُسْـــنُ ظنِّي بالعزيزِ يُجِيبُنِي *** سُؤْلِي وقـــدْ أَمَّلتُ في عرَفَــــاتِ
نصْــراً يُنَضِّـــرُ وجْهَ أُمَّتِنَا لِكيْ *** يَبْقــى بهيَّاً مُشْـــــرقَ القَسَمـــاتِ
ويعــــودَ للإسلامِ مجْدٌ ســــالِفٌ *** وربيـــــعُ عـزٍ ثائِــرُ العَزَمــــاتِ

كتبت في شهر ذي الحجة 1432هـ ، الموافق نوفمبر 2011م


المصدر
ملتقى مسجد الرباط