((مريم العذراء البتول : بنت عمران رضي الله عنها)) فبينما هي يوما قد خرجت لبعض شئونها و( انتبذت) إي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذا بعث الله إليها الروح الأمين جبريل عليه السلام (فتمثل لها بشرا سويا) فلما رأته . قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيأ) ، قال إنما أنا رسول ربك. أي خاطبها الملك . قال إنما أنا رسول ربك) أي لست ببشر ولكني ملك بعثني الله إليك . لأهب لك غلاماً زكياُ . أي ولداُ زكياُ ( قالت أنى يكون لي غلام) ؟ أي كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد. ولم يمسني بشر ولم أك بغياُ) أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل الفاحشة. قال كذلك قال ربك هو علي هين) أي فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه قائلا ( كذلك قال ربك هو علي هين) أي وهذا سهل عليك ويسير لديه، فإنه على ما يشاء قدير. وقوله ( ولنجعله آية للناس )، هذه دليلاً على كمال قدرتنا على أنواع الخلق، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى،(ورحمة منا) أي نرحم به العباد، وقوله ( وكان أمراَ مقضياَ) يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها، يعني أن هذا أمر قضاه الله وحكمة وقدره وقرره،(وكان أمراً مقضياً) كناية عن نفخ جبريل فيها كما قال تعالى ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) سورة التحريم الآية 12.) كما قال تعالى ( فنفخنا فيه من روحنا) فدل على أن النفخة ولجت فيه لا في فمها، كما رواه السدي بإسناده عن بعض الصحابة. قال تعالى (فحملته) إي فحملت ولدها( فانتبذت به مكاناُ قصياُ ) وذلك لأن مريم عليها السلام لما حملت ضاقت به ذرعاُ، وعلمت أن كثيراُ من الناس سيكون منهم كلام في حقها، كقوله ( فحملته فانتبذت به مكاناً قصياُ(22)فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة) أي فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة، وهو بنص الحديث الذي رواه النسائي.( قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسباً منسياُ(23) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتن ، وذلك أنها علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها،( نسياُ منسياً) أي لم تخلق بالكلية، وقوله: ( فنادها من تحتها ألاُ تحزني قد جعل ربك تحتك سريا(24) وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباُ جنياُ(25) فذكر الطعام والشراب ولهذا قال: ( فكلي واشربي وقري عيناُ فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماٌ فلن أكلم اليوم إنسياُ(26) أي فإن رأيت أحدأ من الناس(فقولي) له بلسان الحال والإشارة أي صمتاُ، وكان صومهم في شريعتهم ترك الكلام ، وقوله ( فأتت به قومها تحمله، قالوا يا مريم لقد جئت شيئاُ فرياُ(27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياُ(28) ودل الحديث على أنها قد كان لها أخ نسبي اسمه هارون وكان مشهورا بالدين والصلاة،فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال، عظم التوكل على ذي الجلال، ولم يبقي إلا الإخلاص والاتكال (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا(29)إي كيف تحيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بين محض وزبده، وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا والاستهزاء والنقص لنا والازدراء اذ لا تردين علينا قولا نطقياُ، بل تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبياُ فعندهـا (الله أكبر) فعندها( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياُ(30) وجعلني مباركاُ أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حياً(31) وبراُ بوالدتي ولم يجعلني جباراُ شقياُ(32) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياُ)33) سورة مريم)هذا أول كلام تفوه به عيسى ابن مريم ، فكان أول ماتكلم به أن ( قال إني عبد الله) أعترف لربه تعالى بالعبودية ،وأن الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله، بل هو عبده ورسوله وابن أمته، ثم برأ أمه مما نسبها إليه الجاهلون وقذفوها به ورموها بسببه بقوله ( آتاني الكتاب وجعلني نبياً) فإن الله لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم، وكما قال تعالى: ( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناُ عظيماُ ) سورة النسار الآية (156) وذلك أن طائفة من اليهود في ذلك الزمان قالوا: إنها حملت به من زنى في زمن الحيض، لعنهـم الله فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبياُ مرسلأ أحد أولي العزم الخمسة الكبار و لهذا قال ( وجعلني مباركاً أين ما كنت).
والســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــلام 28/11/0011 عبدالرحمن محجوب