( بسم الله الرحمن الرحيم )
يروي لنا القرآن الكريم عن حوار وقع بين رب العالمين وعبده ورسوله إبراهيم ـ عليه السلام ـ فيقول‏:‏ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم‏(‏ البقرة‏:260).‏
ومن معاني ذلك أن أبا الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ سأل الله ـ تعالي ـ أن يبصره بكيفية إحيائه الموتي‏,‏ وسؤاله هذا ليس من قبيل الشك‏,‏ ولذلك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم‏:‏ نحن أحق بالشك من إبراهيم‏,‏ إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتي‏,‏ قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي‏(‏ أخرجه الشيخان‏,‏ واللفظ للبخاري‏).‏
فالسبب في سؤال نبي الله وعبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو حبه العميق للانتقال بنفسه من مرحلة علم اليقين إلي مرحلة عين اليقين بالرؤية المباشرة‏,‏ خاصة أنه قد وصف ربه في جداله مع الملك الكافر مدعي الربوبية قبل ذلك بآيتين‏(‏ في الآية رقم‏258)‏ من السورة نفسها قائلا‏:‏
ربي الذي يحيي ويميت‏...‏ فأراد أن يري عملية الإحياء من الموت رأي العين‏,‏ وأن يري طلاقة القدرة الإلهية بعينيه‏,‏ ويلمسها بيديه حتي يستطيع الدفاع عنها بأقوي ما يملك من الحجة البالغة والمنطق الذي لا يرد‏,‏ رغم إيمانه العميق وتسليمه الكامل بأن الله ـ تعالي ـ علي كل شيء قدير‏.‏
فسأله الحق ـ تبارك وتعالي ـ قائلا‏:‏ أولم تؤمن فرد علي الفور‏:‏ قال بلي ولكن ليطمئن قلبي‏.‏
فأمره الله ـ تعالي ـ بأن يأخذ أربعة من الطير فيقربهن منه‏,‏ ويميلهن إليه حتي يتعرف عليهن‏,‏ وعلي مميزات كل طائر منهن فلا يخطئه إذا عاد إليه‏,‏ ثم أمره الله ـ تعالي ـ أن يذبح هذه الطيور الأربع‏,‏ وأن يقطع أجسادهن‏,‏ ويفرق تلك القطع علي قمم الجبال المحيطة به‏,‏ ثم يدعوهن فتتجمع قطع أجسادهن الممزقة مرة أخري‏,‏ وترتد إليهن الحياة‏,‏ ويعدن إلي نبي الله إبراهيم‏,‏ وقد تحقق ذلك بالفعل‏,‏ فرأي نبي الله إبراهيم رأي العين كيف يحيي الله الموتي‏,‏ ورأي صورة من صور طلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود‏,‏ ولا يقف أمامها عائق‏.‏