(الغفلة)
قال تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارةأوشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافـل عما تعملـون(74) البقرة)، هذه الآية نزلت فى اليهـود فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهى خطاب لهم ولأجدادهم من بنى إسرائيل، والآية كلها توبيخ لهم، وظهور صفة قبيحة ذاتية فى قلوبهم وهي قسوتها، فكانت أشد قسوة من الحجارة وقسوة القلوب كما ذكرها القرطبى(1/462) : هى عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله. قال قتادة عذر الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم .وكان الأولى ببنى إسرائيل أن تزداد قلوبهم خشوعاَ وسكينة واطمئناناً باًيات الله، ولكن قسوتها فاقت الحجارة، ولهذا نهى الله المؤمنين-كما قال ابن كثير1/162) عن مثل حالهم فقال ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون(16) الحديد)،
فصارت قلوب بنى إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعدما شاهدوه من الآيات والمعجزات، روى الترمذى برقم (2214) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي)، وقال الترمذى: غريب، وذكره ابن كثير في تفسيره من رواية ابن مردودية.
وقد ذكر الله سبحانه فى هذه الآية قسوة القلب وأسند الفعل إلى القلب لأن من شأن القلب_ كما قال الرازى(3/128)، أن يتأثر عن مطالعة الدلائل والآيات والعبر وتأثره عن ترك التمرد والعتو والاستكبار وإظهار الطاعة والخضـوع لله والخوف من الله تعالى، فإذا عرض للقلب عارض أخرجه عن هذه الصفة صار فى عدم التأثر شبيهاً بالحجر_ فيقال ( قسا القلب وغلظ) ولذلك وصف الله المؤمنين بالرقة فقال ( كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهـم) الزمر:23).
هذه هى السمة البارزة لهؤلاء اليهود فى هذه الآية وهى قسوة قلوبهم، واستغرق سياق الآية كلها فى التشنيع عليهم بهذه الصفة، ثم كان ختام الآية التهديد لهم من الله بسبب قسوة قلوبهم بنفي الغفلة عن الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عنها فقال ( وما الله بغافل عماً تعملون) ، هل هذه الأمة داخلة في خطاب الآية؟:
إن القاعدة فى أصول الفقة التي تقول ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) تفيد أن هذه الآية وإن كانت نزلت في اليهود وما وصفوا به من قسوة القلوب فإن من اتصف بهذه الصفة من هذه الأمة، فهذه الآية تتناوله، ويكفى هذه الأمة أنها داخلة في هذه الآية أن الله أنكر عليها فى آية خاصة وبها وحذرها من أن تقع فى ما وقع فيه يهود من قسوة القلوب، فقال تعالى ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون(16) الحديد( الحقد اليهودي اليوم) إن اليهود فى عصر موسى عليه السلام واليهود فى زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، كلهم يحملون قلوباً قاسية،ويهود اليوم فى فلسطين وأمريكا، وغيرها هم يهود الأمس أصحاب الصفة الثابتة الملازمة لهم فى كل زمان ومكان صفة قسوة القلوب الصفة التى قررها القرآن الكريم منذ(14) قرناً هى باقية في يهود اليوم، وما المذابح للأطفال والشيوخ في فلسطين والسجون التي تمتلىء بالأبرياء والسلاح الفتاك الذي يمتلكونه ويصنعونه وينهال عليهم من أمريكا النصرانية الحاقدة، ودول الغرب الحاقدة على الأمة المحمدية، واغتصابهم لأرض المسلمين والقدس إلا كل هذه دلائل قاطعة كالشمس في رابعة النهار على ما وصفهم الله به من الغلظة وقسوة القلوب، أما آن للمسلمين جميعاً حكاماً ومحكومين أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ ، أما يخافون أن يكونوا قد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ولم تخشع لذكر الله؟ وأخيراً : ألا يستحق اليهود القاسية قلوبهم ومن شاركهم في هذه الصفة من المسلمين أن يتعرضوا لمقت الله ووعيده فى قوله تعالى: (وما الله بغافل عما تعملون)؟ ثم لا يكون لقسوة ( قلوب هؤلاء) صلة بالغفلة الكامنة فيهم؟ ، فلو تحرروا من ظلمات الغفلة التي هى موضوع رسالتنا هذه لخشعت قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولكن سحب الغفلة أطبقت عليهم فقست قلوبهم فهم فى غفلتهم يعمهون ) والســــــــــــــــــــــــــــلام عبد الرحمن