نسب المسيح المخجل!!
الإنجيل المحرف الذي بين أيدي الكنيسة اليوم لا يحب المعجزات الإلهية الجميلة والرائعة، لأن التحريف يفقدها قيمتها والأيدي الماكرة تفرغها من محتواها.
ومن تلك المعجزات التي أرادها الله أن تكون دليلا على قدرته وعظمته وحجة على عباده، معجزة مجيء المسيح إلى هذه الدنيا، فمن المتفق عليه أن المسيح -عليه السلام- لم يكن لديه أب بيولوجي، ولم يكن نتاج نطفة رجل، وإنما حملت به أمه مريم العذراء بمعجزة ربانية، فالله لا يعجزه شيء، وإنما أمره أن يقول كن فيكون، وقد كانت مريم ابنة عمران فتاة عازبة عذراء، معتكفة على العبادة والزهد وخدمة بيت الله بعيدا عن الرجال.
نفخ الله في مريم من روحه فحملت بالمسيح، إنها معجزة الولادة الباهرة، وعانت العذراء من تلك الولادة، التي خرجت عن المألوف معاناة شديدة، خوفا على شرفها من الإشاعات، حتى قالت { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا } مريم23، وحدث ما كانت تخشاه إذ قال اليهود معاتبين ذامين { يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } مريم 27-28.
تلقفت هذه الحادثة الإعجازية الألسن الخبيثة، فطفقت تلوكها وتستمتع باتهام مريم بالزنا والفسق، وهذا ديدن اليهود، فليس غريبا عنهم اتهام الناس -خصوصا الصالحين منهم- بالزنا والفجور واللواط والشذوذ، ويزودنا كتاب العهد القديم بتفاصيل الفن الإباحي الذي مارسه في زعمهم الأنبياء والمرسلون، وسنرى بعض أمثلة ذلك بعد حين.
ومما قاله اليهود أن مريم كانت مخطوبة لنجار اسمه يوسف، فغلبه الشوق وأَسَرَتْه الشهوة فدخل على مخطوبته قبل موعد الزواج الرسمي فحبلت بالمسيح!
إلا أن رواية أخرى وجدت لها صدى واسعا، حتى أصبحت الرواية الرسمية لهذه الولادة العجيبة في التلمود اليهودي، وعند الحاخامات في إسرائيل، وبعض الملاحدة الغربيين.
تقول الرواية إن مريم كانت لها علاقة آثمة مع جندي روماني يدعى باندارا، وبمباشرة الزنا معه حملت بالمسيح، نقرأ في التلمود اليهودي الفقرة التالية "إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وإن أمه مريم أتت به من العسكري باندارا بمباشرة الزنا، وإن الكنائس النصرانية بمقام القاذورات، وإن الواعظين فيها أشبه بالكلاب النابحة".
هذه هي رواية اليهود في التلمود، وقد كُتب بعد رفع المسيح بحوالي خمسة قرون.
فمثلا عندما ذهب المسيح ليدعو بعض اليهود إلى الهداية، واجهوه بنسله غير الشريف -في نظرهم- فيشير الإنجيل إلى أن اليهود قالوا للمسيح (نحن نعرف آباءنا) لامزين له في عرضه، إذ إنَّه في زعمهم لم يكن يعرف أباه الحقيقي، كما أنهم سبوه وذموه بأقذع مسبة عندما قالوا له، حسب الإنجيل (نحن لسنا أولاد زنا)(1).
لكن اليهود الذين عايشوا المسيح أو مدّة كتابة الأناجيل قد مالوا إلى الرواية الأولى، وهي نسبة المسيح ليوسف النجار خطيب مريم، وإن كثيرين قذفوا مريم بالزنا مع يوسف، الذي اضطر للزواج بها تجنبا للفضيحة، فكان المسيح بالنسبة لهؤلاء ابنا غير شرعي ليوسف النجار.
__________
(1) يوحنا 8:41
ونقل العهد الجديد في عدة مناسبات، قول العوام والدهماء أن (المسيح هو ابن يوسف النجار زوج مريم وأخوته معروفون)(1)، فالحاصل أن المسيح في رأي الشعب اليهودي أحد اثنين: إما ابن غير شرعي ليوسف النجار، أو ابن شرعي له، أما الولادة الإعجازية فلم يكن يؤمن بها أحد.
وقبل التطرق بتفصيل أكبر لإهانة الإنجيل للمسيح في مسألة نسبه، لا بأس أن أذكر أن القرآن الكريم أكد بصورة قاطعة الميلاد الإعجازي للمسيح - عليه السلام - أفرد القرآن مريم بسورة سميت باسمها حول الموضوع، ونعتها في موضع آخر بالصديقة، وفي سورة ثالثة برأها من قيلة السوء { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين } التحريم12.
كما أثنى عليها رسول الله - عليه السلام - ورفع شأنها فقال: "كمُل من النساء أربع: مريم ابنة عمران..."، كما عدها من خير نساء العالمين في حديث آخر.
أما الإنجيل المحرف وما أدراك ما الإنجيل المحرف!، بتناقضاته وتضارب رواياته وحكاياته -كما هو دائما- فإنَّه يكشف لنا أن نسب المسيح المذكور في إنجيلي متى ولوقا -على اختلاف شديد في تفاصيلهما- متفق مع الرواية الشعبية لعموم الناس، والتي تزعم أن المسيح هو من نسل داود - عليه السلام - عبر شخصية يوسف النجار.
__________
(1) متى 13: 55-56، ومرقس 6: 1-6، ولوقا 4: 16-30
جاء في إنجيل متى (كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم، إبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وأخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار، وفارص ولد حصرون، وحصرون ولد ارام، وآرام ولد عميناداب، وعميناداب ولد نحشون، ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب، وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسى، ويسى ولد داود الملك، وداود الملك ولد سليمان من التي لاوريا، وسليمان ولد رحبعام....ومتان ولد يعقوب، ويعقوب ولد يوسف رجل مريم، التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح)(1)
أما إنجيل لوقا فينقل لنا نسلا مغايرا لما جاء به إنجيل متى، حير هذا النسب الإنجيلي العلماء قديما وحديثا، إذ كيف يوحي الله لمتى ولوقا بنسلين مختلفين متضاربين، لكن ماذا نفعل أمام هذا التزوير الذي يفضح نفسه بنفسه!
يقول إنجيل لوقا (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما يُظن ابن يوسف بن هالي بن متثاث بن لاوي...بن يونان بن الياقيم بن مليا بن متاثا بن ناثان بن داود بن يسى...بن بوعز بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم..)(2)
لن أدخل في متاهات الاختلافات، التي تُعد بالمئات بين سلسلتي النسب هاتين، مع كوني اختصرت كثيرََا منها، لكن يمكن أن نلحظ أن كلا الكاتبين متفقان على أن المسيح هو ابن يوسف، معيدين سرد الرواية المنتشرة بين اليهود آنذاك، ويتضح ذلك أكثر من قول لوقا "وهو على ما يُظن ابن يوسف بن هالي" وكلمة الظن تدل على أن الشعب اليهودي كان يظن أن المسيح هو ابن يوسف، فلم يكلف نفسه أكثر من نقل ذلك الظن، فأي قُدسية ووحي يوجد في إنجيل لوقا، وهو ينقل لنا ظنون وشكوك وإشاعات وتخرصات العوام من الناس!؟
__________
(1) إنجيل متى 1: 1-17
(2) إنجيل لوقا 3: 23-34
ومع ذلك فإن لوقا من بين كل الذين ألفوا كتبا مقدسة، هو الكاتب الموضوعي الوحيد المتصف بالأمانة العلمية، حيث إنه لا يقول إنَّ هذا الكلام موحى به من الله، كما لم يَدَّع بأنه يكتب بوحي من الله، أو أنه يكتب إنجيلا، وإنما يشير في صدر قصته عن المسيح أنه يخط رسالة إلى أحد أصدقائه أو معارفه المدعو "ثاوفيلس"، يخبره فيها ببعض أخبار المسيح التي جمعها من الذين سمعوا به أو عرفوه، إذ إنَّه لم يكن هو شخصيا لقي المسيح أو عرفه.
قال لوقا في صدر رسالته (إذ كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخداما للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به)(1).
فهو لا يعدو أن يكون مؤرخا وباحثا يدقق في الراويات وينقل من أفواه الرجال ما يراه أقرب الى الدقة والصحة، لكنه يخرج علينا بنسب المسيح المنسوب مرة أخرى إلى يوسف النجار، ويستبعد الولادة الإعجازية.
قد يقول بعض الناس إنَّ الكنيسة تصدق بميلاد المسيح الإعجازي، وإن رجال الاكليريوس يؤمنون بهذا الميلاد الخارق للعادة، ولكن هذا هو المشكل في حد ذاته، فإذا كان الأمر كذلك، فما الفائدة إذن من سلسلة النسب هذه التي يرويها متى تارة ولوقا تارة أخرى؟
فإذا لم يكن للمسيح أبا بيولوجيا بالمرة، فَلمَ كل هذا العناء الإنجيلي لإثبات علاقة نسب ليوسف النجار بالمسيح؟
وإذا كان المسيح لدى جميع الكنائس اليوم هو الله، فكيف يكون الله هو ابن يوسف النجار؟
سيقولون إنَّ للمسيح جانبا لاهوتيا وجانبا ناسوتيا!
لكن حتى هؤلاء لا يمكن أن يحلوا معضلة كون لاهوت المسيح ابنا لله، وناسوته ابنا ليوسف النجار!
__________
(1) إنجيل لوقا 1: 1-4
فلا يبقى إلا التأكيد بأن متى ولوقا كليهما يهوديان يؤمنان بأن المسيح هو ابن يوسف من الزنا، فوضعا سلسلتين للنسب، يظنان أنها سلسلة آباء وأجداد المسيح، وان كان متى جازما في ذلك، حيث يقول في مطلع إنجيله (هذا كتاب ميلاد المسيح...بن يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يدعى المسيح)(1).
أما لوقا فلم يسعفه الوحي بهذا الجزم، فظن كغيره أن المسيح ابن يوسف النجار، وأيا كان الحال فبين الجزم والظن مسافات عريضة من التزوير والتحريف والاختراع والفبركة!!
وإذا ما تعمقنا أكثر وغصنا في تفاصيل سلسلة نسب المسيح هذه، فستواجهنا فضائح في غاية الإساءة للمسيح - عليه السلام - ، والاستنتاج الوحيد الذي يمكن الخروج به، أن النسب المثبت في الإنجيل لم يكن وليد صدفة، وإنما اختير كل اسم فيه بعناية، لتحقيق أهداف بعيدة المدى.
إن يوسف النجار الذي يُنسب إليه المسيح رجل نكرة، لا يُعرف عنه إلا أنه نجار، ولا يدري أحد بالتحديد من هم آباؤه وأجداده، لكن الإنجيل وكتبته كانوا يرقبون في تلك المرحلة الزمنية مسيحا منتظرا، يأتي من نسل داود ومن الأنبياء الكبار، فاختلقوا لهذا الغرض، لأنهم بزعمهم أكثر حرصا من الله، سلسلة نسب سلطانية ملكية مسلسلة بالزناة وأولاد الزنا، وأحفادهم غير الشرعيين، تبدأ بهذا "اليوسف" النكرة.
تعمد إنجيل متى ذكر مجموعة من أمهات وجدات المسيح بأسمائهن دون غيرهن، والغريب أن جميع من ذكرهن من الجدات هن من الزانيات أو من بنات نسل تلوث بالزنا، وإن الباحث ليعجب أشد العجب من سرّ ذكر الزانيات في نسب المسيح وإغفال العفيفات منهن، هل هو فضح يهودي متعمد للمسيح؟، بينما يكتفي الإنجيل بإقرار ذلك وتسطيره بوقاحة في العهد الجديد.
هل هو تعريض بنسل المسيح؟
__________
(1) إنجيل متى 1: 1-16
كان ممن ذكرهن إنجيل متى من الجدات راعوث، وهي أم عوبيد أحد أجداد المسيح، كما ذكر العهد القديم نعمة، وهي أم رحبعام بن سليمان، وراعوث هذه مؤابية بينما نعمة عمونية، وهن من نسل لوط -عليه السلام- من الزنا، وبالتحديد من زنا المحارم.
يقول العهد القديم من الكتاب المقدس، إنَّه بعد أن دمر الله قرية لوط وقضى عليها، فر لوط مع ابنتيه خارجها وأقاموا في مغارة جبلية، ولنترك الكتاب المقدس يكمل القصة بتفاصيلها... (وصعد لوط من صوغر وسكن الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسق أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا آباهما خمرا في تلك الليلة، فدخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي هلم نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي فاضطجعي معه فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا آباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغرى فاضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما فولدت البكر ابنا ودعت اسمه موآب، وهو أبو المؤابيين إلى اليوم، والصغيرة أيضا ولدت ابنا دعت اسمه بن عمي، وهو أبو العمونيين إلى اليوم)(1)
لا يفوتني أن أُعلق على هذه القصة التي تشبه "النكتة البورنوغرافية"، فهذا النبي الصالح، الشيخ الكبير، الذي حارب اللواط في قومه، واستبسل في دعوته للعفة والأخلاق الفاضلة، تستدرجه ابنتاه بهذه السذاجة ليقع في زنا المحارم، يشرب الخمر لحد الثمالة في ليلتين متتابعتين، فيفقد كل ذرات عقله، حتى إنَّه لا يعرف ما يقترفه من موبقات "جماع ابنتيه" كما تذكر القصة، كيف هذا؟
__________
(1) سفر التكوين 19: 30-38
كيف يستطيع شيخ هرم وطاعن في السن، شارب للخمر لحد فقدان العقل والشعور والحركة، أن يجامع شابتين ناضجتين في ليلتين متتاليتين، وكيف -وهو في تلك الحال- أن يقدر عضوه التناسلي على الانتصاب، ثم يمارس الجنس ممارسة الفحول وينجب طفلين؟
لا شك أن هذه العملية بنتائجها، في هذه الظروف لا يتمكن منها إلا أشخاص خارقون على غرار "السوبرمان"!!
لكن هذا هو الكتاب المقدس الذي لا تنقضي غرائبه، فهو يفاجئنا دائما بقصصه التي تنم عنْ أمراض خطيرة في نفسية كتبة هذه الأسفار، مما يُعجز الجميع حتى فرويد بتحليله النفسي/الجنسي عن تفسير هذا النوع من الشذوذ.
والمهم أن كل العمونيين والمؤابيين من عرق أصله عملية جنسية آثمة، انحدرت من هذا الأصل غير الشريف امرأتان هما راعوث المؤابية ونعمة العمونية، جدات "المسيح الرب"، وقد أنجبتا لنا جدين من أجداد المسيح، وهما عوبيد ورحبعام، اللذين نجد اسميهما في سلسلة نسب المسيح.
ولنتأمل هذه الآية في سفر التثنية من الكتاب المقدس (لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منه أحد في جماعة الرب، لا يدخل عموني ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد)(1).
لقد حكم الله بالطرد من جماعة الرب على كل زان، ويلقى من بعده العقوبة ذاتها عشرة أجيال من الأحفاد، بل إن خاتمة النص المقدس تشير إلى طردهم من جماعة الرب إلى الأبد، ويخص بالذكر العمونيين والمؤابيين، الذين انحدر منهم المسيح، فكيف دخل نسل المسيح في جماعة الرب؟، وكيف أضحى المسيح عضوا في جماعة الرب؟، وكيف أمسى ثالث ثلاثة في الثالوث المقدس، بل الرب نفسه!!؟
__________
(1) سفر التثنية 14: 1-3
من النساء اللائى ذكرهن الإنجيل أيضا راحاب أم بوعز، أحد أجداد المسيح، وراحاب هذه ورد ذكرها عدة مرات في سفر يشوع، وقد كانت تدير بيت دعارة في أريحا، وعُرفت براحاب الزانية، وهذا أحد تلك النصوص المقدسة (فأرسل يشوع بن نون من شطيم رجلين جاسوسين سرا قائلا، اذهبا انظرا الأرض وأريحا، فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك)(1).
وورد كذلك (راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت..)(2).
فراحاب هي "الزانية البطلة" في العهد القديم، لأنها أخفت جاسوسين يهوديين من أعدائهما في أريحا، مما رفع أسهمها لدى اليهود، فكافؤُوها بأن أنقذوها من الإبادة الجماعية، التي تعرض لها رجال ونساء وأطفال ودواب أريحا.
يقول الكتاب المقدس في سفر المجازر الوحشية (وحرموا -أبادوا- كل من في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف...واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت أبيها وكل ما لها، وسكنت في وسط إسرائيل إلى هذا اليوم)(3).
وبعد الإبادة الإجرامية كان لراحاب الزانية الشرف أن تتزوج سلمون، أحد أجداد المسيح وتلد بوعز جدا آخر للمسيح المسكين!!
وفي السياق ذاته يستمر الكتاب المقدس في رحلة القذف وهتك الأعراض والإهانة فيسرد لنا مغامرة امرأة أخرى من جدات المسيح وهي ثامار، جاءت قصتها مفصلة في إصحاح كامل وهو الإصحاح الثامن والثلاثون من سفر التكوين، مفادها أن يهوذا ابن يعقوب، أحد الأسباط الاثني عشر كان له كنة (زوجة ابنه ويسمى عير) تُدعى ثامار، ولما مات عير هذا، أي زوج ثامار وماتت كذلك حماتها زوجة يهوذا..خرج هذا الأخير يمشي ليجز غنمه.
__________
(1) سفر يشوع 2: 1
(2) سفر يشوع 6:17
(3) سفر يشوع 6 : 21-25
يقول الكتاب المقدس (...فأُخبرت ثامار وقيل لها هو ذا حموك صاعد إلى تمنه ليجز غنمه، فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت، وجلست في مداخل عينايم التي على طريق تمنه...فنظرها يهوذا وحسبها زانية، لأنها كانت قد غطت وجهها فمال إليها على الطريق، وقال هاتي ادخل عليك، لأنه لم يعلم أنها كنته...ولما كان نحو ثلاثة أشهر أُخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك، وها هي حبلى أيضا من الزنا...وفي وقت ولادتها إذا في بطنها توأمان..دُعي الأول فارص والثاني زارح)(1).
وفارص هذا هو أحد أجداد المسيح، فمن القصة نعلم أن يهوذا زنا زنى المحارم، معتقدا أن الزانية عاهرة شوارع، فأنجب فارص، الذي رأينا اسمه في سلسلة نسب المسيح التي ذكرها كل من متى ولوقا!!
تقدم الكتب المقدسة اليهودية والنصرانية صورة مقززة لأحد الأسباط الاثني عشر، الذي لم تكد تمت زوجته، وهو الشيخ الكبير، إذ كان له ثلاثة من الأولاد البالغين سن الزواج، حتى استبدت به شهوته البهيمية واستولت على عقله غريزته الجنسية، فذهب يتسكع بحثا عن الداعرات في الشوارع، وتذكر لنا القصة التي اختصرتها، أنَّه دخل في مفاوضات مطولة مع الداعرة، إذ إنَّه لم يكن حينها يملك نقودا، فوافق على إعطاء ثامار خاتمه وعصاه وثوبه، رهنا إلى أجل مسمى، لقد كان حريصا على أن لا تفوته تلك الفرصة السانحة، لهذا فهو يتجرد من كل شيء ليقدمه رهنا ليشبع فقط نزوته الخسيسة...
إنها مأساة حقيقية أن ينتمي إنسان يحترم النبوة والرسالة والأخلاق إلى هذا الدين، الذي يجعل من الأنبياء والرسل أشد فسقا من عتاة الزناة في شوارع أمستردام وروما وباريس.
وهل تنتهي هذه الحلقات المخزية بهذا الحد؟ لا!، ويأبى الكتاب المقدس إلا أن يفرغ المزيد مما في جعبته القذرة.
__________
(1) سفر التكوين: الإصحاح 38
يحكي لنا إنجيل متى كما لاحظنا في سلسلته المسلسلة بالزناة والزانيات وأبناء الزنا، عن بطلة أخرى لأقدم مهنة في هذا العالم، كما يشير الغربيون إلى مهنة إمتاع المرأة للرجل جنسيا.
يقول متى في السلسلة (وداود ولد سليمان من التي لاوريا)(1). ...
من هي التي لاوريا؟
ذِكر متى لها هو تعريض بداود، إذ هذه التي لاوريا، هي بتشبع زوجة اوريا الحثي، أحد قادة جيش داود الأشاوس، وتقول القصة أن اوريا الحثي كان يقود إحدى المعارك الطاحنة المقدسة في ميدان الحرب، أما داود فقد كان مشغولا بزوجة القائد على فراش الخيانة، مع أنه كان له زوجات عديدات.
يقول الكتاب المقدس (وأما داود فأقام في أورشليم، وكان في وقت المساء أن داود قام على سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة عارية تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد من أهل البيت هذه بتشبع بنت اليعام امرأة اوريا الحثي، فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه واضطجع معها، وهي مطهرة من طمثها!، ثم رجعت إلى بيتها، وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى...)(2).
وفي بقية القصة أن داود لما علم بأن بتشبع زوجة اوريا قد حبلت منه بالزنا، حاول أن يغطي على جريمته، فاستدعى قائده اوريا زوج المرأة الزانية من المعارك البعيدة، ومنحه عطلة ليذهب فيضاجع زوجته بتشبع، حتى يقال إنَّه سبب في الحمل الذي في بطنها، لكن اوريا كان أشرف من داود، حيث قال لداود كيف يمكن أن ادخل على زوجتي أضاجعها بينما جنودي في المعارك يقاتلون!؟
فالقائد المخلص لقضيته، يتعالى ويترفع عن ممارسة الجنس مع زوجته في زمن قتال الأعداء، مفكرا في جنوده في ساحات الوغى، أما داود النبي، القائد العام للقوات المسلحة، فهو يستغل فرصة انشغال الزوج في الحرب ليسطو على فراشه وينتهك عرضه ويستحل فرج أهله.
__________
(1) متى 1: 1-17
(2) 1 صموئيل الثاني 11: 2-5
أفشل زوج اوريا بشهامته خطة داود، فما كان منه إلا أن كتب لأحد القادة، يطلب منه دفع اوريا الحثي إلى الخطوط الأمامية للمعركة، ليُلقى عليه حجر من أحد حصون العدو فيُقتل، فنُفذ المخطط وقُتل ارويا، فاستفرد داود القاتل والزاني بالأرملة بتشبع وضمها إلى نسائه، وأصبحت فيما بعد أم سليمان النبي المعروف(1).
هذا هو إذن داود، أعظم رسل وملوك العهد القديم، أشبه بأحد أبطال المافيا الإيطالية، وهذا هو ابنه سليمان الذي طارت الأخبار بمناقبه في دنيا الإنس والجن، تجعل منه الكتب المقدسة "اليهودية النصرانية" ابن زانية كانت تسبح عارية في منتصف الليالي أمام أعين " الجاي والرايح"!!
ويورد لنا النص الذي سبق معلومة في غاية الأهمية، وهي أن داود زنى ببتشبع وهي طاهرة من طمثها، نعم لم تكن حائضا، فالحائض كانت منبوذة في العهد القديم ويحرم وطْؤُها، وهذا يدل على أن داود يحترم تعاليم الديانة اليهودية فيما يخص وطأ الحائض، وهذا غاية الورع أن تزني بحليلة جارك، شرط أن تكون طاهرة من حيضها!، فهي فرصة أن تحبل المرأة ثم تغتال زوجها بدم بارد!
في كل صفحة من صفحات العهد الجديد نقرأ هذه اللازمة "المسيح ابن داود"، فالكتاب المقدس يفتخر بهذا النسب، متناسيا أن الأوْلىَ كان إقامة حد الزنا والقتل على داود وبقية الزناة من سلسلة نسب المسيح، حسب تعاليم الشريعة الموسوية، يقول الكتاب المقدس (إذا وُجد رجل مضطجعا مع امرأة بعل يُقتل الاثنان، الرجل المضطجع مع المرأة، فتنزع الشر من إسرائيل)(2).
وفي السفر نفسه جاء قوله (لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد في جماعة الرب)(3).
__________
(1) انظر القصة بالتفاصيل في الإصحاح الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني
(2) سفر التثنية 23: 22
(3) سفر التثنية 23: 2
إن نسب المسيح المخزي الذي يذكره الكتاب المقدس، وعلى رأسه الإنجيل المحرف هو إهانة كبيرة وقلة أدب متعمدة للنيل منه، ووراء تلك الاتهامات أعداء الرسل والرسالات، وكان الأولى بالإنجيل أن يبتعد كل البعد عن مثل هذا النسب، ليس فقط لأنه مطرز بالزناة وأبناء الزنا، وإنما أيضا لأن أمه هي مريم التي أحصنت فرجها، أما من ناحية الأب، فليس ابنا لأحد وإنما هو كلمة الله، ولا علاقة له البتة بيوسف النجار ولا الحداد ولا الخياط، فما أقبح التزوير والتحريف، خصوصا إذا ركب هذا الجنون من اتهام أشرف الناس بأخس الأشياء في الناس.
إن اتهام الأنبياء بالفجور والفسق ديدن اليهود والنصارى حتى الآن، وانهم لا يتورعون أبدا عن إلصاق هذه القذارات بأشرف الناس، وفي رأي الأب الماروني اللبناني بطرس الفغالي مَثَلا، كما صرح في أحد تلفزيونات التزوير التبشيري، فإن تعدد الزوجات الإسلامي هو زنا، ولا يستثني الأنبياء من ذلك.
وإذا علمنا أن الجد الأكبر إبراهيم-عليه السلام- ومن بعده الأبناء والأحفاد، كإسحاق ويعقوب والأسباط وداود وسليمان...مارسوا تعدد الزوجات، حتى إن سليمان - كما ورد في الكتاب المقدس- كان يملك ألف (1000) زوجة، فهذا يعني أن العشرات من آباء المسيح وأجداده هم من الزناة بهذا المفهوم، ومن ثم يصبح المسيح المنحدر من تلك السلسلة حفيدا من الزنا على أقل تقدر في جانبه الناسوتي، حسب هذا القسيس الجاهل!!
وأعتقد أن القس بطرس الفغالي كان منفعلا ومحموما في نقد تعدد الزوجات عند المسلمين، مما دفعه إلى اعتباره زنا، الأمر الذي جعله يرمي نسل ربه المسيح بفرية أخرى دون أن يشعر.
لقد جاء القرآن ليعيد الاعتبار لمريم ويبرأها من كل كلام قبيح في شرفها، كما أنه أثبت الولادة الإعجازية للمسيح -عليه السلام- ليبقى بذلك المسيح وسائر الرسل، الذين اصطفاهم الله أرفع من أن تدنس أعراضهم من الحاقدين والمغرضين، فهل يتنبه النصارى لما فعلوه بالمسيح - عليه السلام-؟
أما نبينا محمد - عليه السلام - فلقد تواترت الأخبار عن صفاء وطهر آبائه وأجداده، وليس المقام مقام ذكر تلك النصوص، ونكتفي بما رُوي في بعض الآثار عن عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- قال قال النبي - - عليه السلام - : "لم يلتق أبواي قط على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مُصفى مهذبا، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما".
وما رُوي عن علي ابن أبى طالب -رضي الله عنه- قال قال النبي - عليه السلام - : "خرجتُ من نكاح لا من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني شيء من سفاح أهل الجاهلية".
وأنشد المحدث شمس بن ناصر الدين الدمشقي فقال:
حفظ الإله كرامة لمحمد آباءه الأمجاد صونا لاسمه
تركوا السفاح فلم يصبهم عاره من آدم والى أبيه وأمه
انتهى من كتاب : الإنجيل المُحَرَّف يُهين المسيح!!
الكاتب : د. يزيد حمزاوي